الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الكريم اسكن الفقراء وبقي هو بلا بيت

علي بداي

2009 / 7 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


(تماما مثل حكامنا الحاليين) …فبعد ثورة تموز 1958 ،عمدت حكومة عبد الكريم قاسم 1958-1963 لحل مشكلة السكن بانشاء احياء كبيرة كالثورة في الرصافة والحرية والشعلة في الكرخ، بغرض اسكان سكان الصرائف وفقراء بغداد، كماانشأت هذه الحكومة مدن ومجمعات في كل انحاء العراق للعسكريين سواء الضباط ام المراتب، مثل مدينتي الضباط في زيونة واليرموك،ومدينة لنواب الضباط في منطقة الاسكان وغيرها.كما قامت بانشاء احياء حسب المهنة(تماما مثلما يفعل حكامنا الان !!)، فانشيء حي المعلمين و حي المهندسين و المحامين، والمطابع،والسكك وتم توزيع الاراضي لموظفي الدولة وتأمين المصرف العقاري لتقديم القروض لانشاء المساكن بتسهيلات كبيرة. و قبل ان يتم عبد الكريم قاسم عام حكمه الخامس نجح تحالف ذوي العمائم ومن لف لفهم (آباء حكامنا الحاليين) في ذبحه، مضى عبد الكريم مفضلا الموت على ايدي الانذال، على احتمال نشوب حرب اهلية ،واعقبت عبد الكريم قاسم وجوه اعقبت وجوها ، وشعارات ولدت كوارث، ومشاريع اعمار شامل تحولت الى مشاريع دمار شامل، واحزاب تحولت الى عوائل مالكة للارض ومن عليها.
مضى عبد الكريم ،شامخا، مكللا بحب نادر، حب غير متكرر، حب لطالما حاول الاخرون ان يشتروه عبثا بالمال وبالكلام وبالوعود والكذب الكبير، مضى عبد الكريم ، وبقيت أثاره ، قوانين، ومساكن، ومستشفيات، ومدارس انتشلت الالاف من ابناء الفقراء من التسكع في الطرقات ومن ظلام الامية، ، مضى عبد الكريم واضطر الكذابون للكشف عن كذبهم بعد ان كشف التأريخ ضألة قاماتهم وكبر نفسه ، مضى عبد الكريم ، وبقيت صوره منقوشة على الصحون التي خبأتها الجدات بعيدا عن وحوش الحرس القومي ، وبقيت صوره المنقوشة على الصدورالتي استقرت في القلوب بعناد عراقي جعل حتى الذين لم يكونوا يوافقوه في سياساته يسندوه وهو في صراعه المرير( بعد الموت) مع من اراد له النسيان! انطفأت الابتسامة المشرقة لعبد الكريم قاسم وبذلك غرقت البلد بعتمة قاتمة ، وغابت البسمة عن شعب بكامله لسنين... وسنين... وسنين. هذه القطعة مهداة الى ابتسامة عبد الكريم قاسم التي غادرتنا، ترجمتها من اللغة الجيكية عن كتاب الف ليلة وليلتان لكاتبي الرحالات "زكمومند" و "هانزلكا" اللذين زارا العراق عام 1960 والتقيا عبد الكريم.
*****************************************************
"وقع صباح 14 تموز كلطمة هائلة على رؤوس سكان البيت الابيض الامريكي ووكالة المخابرات الامريكية ،لقد فوجئ كل من كان هناك بهذا العبد الكريم قاسم الذي بزغ كعفريت من حكاية بغدادية
اسطورية! من تراه يكون عبد الكريم هذا ؟ كيف فات ال CIA ان تنتبه له وهو الذي اجتاز عدة دورات عسكرية في معاهد امريكية؟
في تلك الصبيحة التأريخية ، استدعى رؤساء وكالة المخابرات الامريكية نائب وزير الخارجية
" هرتيرا" لغرض الاجابة على السؤال المحير " كيف يمكن لضابط عراقي ان يزوغ عن بصرمخابرات امريكا؟؟ " وبعد يوم كامل من التدقيق والاستجواب والفحوص المخابراتية يقر مسؤول الشؤون الخارجية في مجلس الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ " وليام فولبرايت" امام الصحفيين انه لم يسمع من اي احد في الحكومة او المخابرات اي شئ سوى مااذيع من الراديو وماخرجت به الصحف!!!
الان، نحن نتجول في بغداد، بغداد عبد الكريم قاسم ، الوقت هو كانون الثاني من عام 1960، نعوم في بحر صور عبد الكريم، صور على الواجهات، صور في الدور، صورفي الدكاكين ، صورفي الصحف .... وصور.......
من تراه يكون عبد الكريم قاسم هذا؟؟ من تراه يكون هذا الرجل الذي فاجأ الجميع بثورته؟ من هذا الذي ينظر اليه نصف الشعب "على الاقل" كواحد من الآلهه السومريين ؟ من تراه يكون عبد الكريم هذا الذي يعرب الملايين من شعبه عن استعدادهم للمشي وراءه حتى على الجمر؟؟
هل هو شاب كما يبدو في صوره؟ بشوارب النبلاء وهيئة الواثق المبتسم دائما ، باسنان لامعة وبدلة عسكرية لايكاد يخلعها حتى في مراسيم استقبال الدبلوماسيين؟
من هو هذا الرجل؟ وماسر شجاعته التي تجعله لايفتح الطريق امام القوى الديموقراطية الحقيقية ويكتفي بفتح الباب الى النصف؟ بل وماسر هذه الشجاعة التي تدعوه ان يثق باعداءه المتأمرين عليه فيصدق مجرد وعود منهم بان لايكرروا مافعلوه فينقض قرارات المحاكم التي جرمتهم ويطلق سراحهم؟
كيف سيبدو لنا هذا الزعيم الذي يسكن بشكل شبه دائم في مكتبه في وزارة الدفاع ؟
كانت هذه اسئلة تتلاطم في رؤوسنا ونحن ننتظر مع جمع من الصحفيين لقاء عبد الكريم قاسم.
اتى النادل، وانتبه الى كوننا اوربيين فانحنى لنا احتراما، وتقدم منا كاشفا عن صدره، كان بورتريت عبد الكريم مرسوما على شكل وشم على صدره (مبتسما كالعادة) ،فوق ناحية القلب، ثم كشف عن ذراعين بوشمين مماثلين!!
هل مانراه احساس شخصي عاطفي ؟ هل هو تأليه ام ماذا؟ ماذا لو خيب عبد الكريم الآمال؟ ماذا سيفعل هذا الشعب المجنون بعبد الكريم عند ذاك؟ هذا الشعب الذي يتحمل وخز الابر ليرسم صورة عبد الكريم!!
قبل أيام حضرنا مراسيم استقبال عبد الكريم قاسم لملك المغرب، كان الازدحام لايصدق، بحر من الاجساد المتدافعة تحت سماء من صور عبد الكريم ، تسائلنا وقتها اليس من الاجدى توفير هذه المبالغ لغرض بناء دور لفقراء ؟ قالوا لنا ان عبد الكريم هو اكثر الناس اهتماما بموضوع فقراء العراق ، وحين سؤل ذات مرة لم لم يقم للان باية زيارة لاية دولة، اجاب" مهمتي الرئيسة ان ابقى هنا واخدم الناس، هذه هي مهمتي وكل ماعداهذا سانحيه جانبا"
أخيرا ،قدم عبد الكريم ، باسما ، تخيلته اول الامر طويل القامة لكنه حين صافحنا ، انتبهت انه معتدل القامة، جلس امامنا، ورغم معرفته بالانكليزية تحدث بالعربية كعادته :
"عشرون سنة كنا نخطط بهدوء وسرية مطلقة لتغيير الوضع ، كسبنا ثقة الملك ومعاونيه الانكليز، وضعنا ايدينا على مخططات حلف بغداد السرية التي لو نفذت لجعلت بلادنا والمنطقة تغوص بالدماء"!
سأناه: هل لازالت هذه المخططات بحوزتكم سيادة الزعيم؟
أجاب: "نعم وفي هذا تكمن قوتنا ، لم ننشرها ولكننا نحتفظ بحق فعل ذلك!!"
استطرد يتحدث عن الاقطاع ، وفساد الحكام الملكيين، عن نيته عدم قتل الملك وعائلته، عن ان العراق استيقظ الان ووجد نفسه حرا ، قال ان العراق سيساعد الدول الاخرى بعد سنوات قليلة وسوف يلحق بالدول المتقدمة وبل وسيقدم لها المساعدة!!!
اجتاحتني رجفة، فكيف اصدق مااسمع و95% من شعب عبد الكريم قاسم يفتقر للتعليم الاولي؟
منذ الايام الاولى في المدرسة، تعلمنا ان اقدم حضارات الارض نشأت هنا ، في العراق القديم ، اي المكان الذي نحن فيه الان!! على هذه الارض بدات محاولات الانسان الاولى في تعلم القراءة والكتابة، ورغم كل ذلك نرى شعب هذه الارض اميا!! ينتج العراق 400 مليون كيلو غرام من التمر سنويا، ورغم ذلك ترى مظاهر الجوع والفاقة في كل مكان!
لايكاد الناظر لبغداد، عاصمة الخلفاء العباسيين ، ومدينة الف ليلة وليلة ، ان يعثر في زاوية منها على اثر لتلك الايام!! وتظل المدينة مسطحة ، عصية على الاكتشاف ، كل مافيها ينتصب امامك ، لابرج في بغداد يتيح للزائر معاينة المدينة كلها ، فهل هذه كل بغداد ؟ قالوا لنا: كلا ، هذا هو نصف بغداد المسموح برؤيته اما نصف بغداد الاخر فهو هناك، يرقد خلف السدة الترابية ، نصف بغداد ذاك لاتجده على خارطة المدينة

قصدنا السدة الترابية ذات الامتار الخمس، ومن هناك راينا كيف امتدت على امتداد البصر صرائف فقراء بغداد ،لا أعتقد ان المرء سيجد في اي مكان على هذه الارض بؤسا سببه الاقطاع لفقراء الفلاحين كالذي رأيناه ونحن نعاين نصف بغداد السري من مرتفع السدة الترابية!
كيف كانت حياه هؤلاء البؤساء اذن في ظل حكم الاقطاعيين لقراهم؟ لاشك ان من يرضى العيش في بؤس كهذا لابد ان يكون قد فر من بؤس اشد ! عبد الكريم قاسم تعهد ان يزيل نصف بغداد السري من خارطة المدينة! فهل تراه سيفعل؟ "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخزي لاعداء الزعيم
نصير المنطق ( 2009 / 7 / 14 - 08:35 )
مضى عبد الكريم ، وبقيت أثاره ، قوانين، ومساكن، ومستشفيات، ومدارس انتشلت الالاف من ابناء الفقراء من التسكع في الطرقات ومن ظلام الامي....يرحم الله الزعيم و الخزي للبعث الغادر،

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس