الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا وراء عناق -الكاوبوي- الامريكي مع -الدب- الروسي في موسكو؟

احمد سعد

2009 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


في السابع من شهر تموز الحالي، عشية اجتماع مجموعة الثماني الصناعية الكبرى في ايطاليا، انهى الرئيس الامريكي باراك اوباما زيارة عمل سياسية مع المسؤولين الروس في الكرملين، مع الرئيس ديمتري ميدفيديف ورئيس الحكومة فلاديمير بوتين وغيرهما من المسؤولين الروس – فمن حيث المدلول السياسي تكتسب زيارة الرئيس الامريكي الى موسكو اهمية كبيرة. وتنبع اهمية هذه الزيارة من حقيقة انها تمثل وتعكس احد المؤشرات البارزة التي تتبلور على ساحة العلاقات الدولية، مؤشر صياغة وفاق دولي، بشكل خاص بين دناصير المحاور الامبريالية والدول العظمى اقتصاديا وعسكريا وبشكل يخدم مصالحها الاستراتيجية السياسية والاقتصادية ومواقع نفوذها الجغراسياسية.
لا شك بان احد العوامل الاساسية لبلورة مناخ الوفاق الدولي يعود الى الطريقة الجديدة في مواجهة قضايا ومشاكل الصراع وبؤر التوتر والتعامل معها في عالمنا، التي تنتهجها ادارة اوباما الامريكية في سياسيتها الخارجية خدمة لمصالح الامبريالية الامريكية الاستراتيجية كونيا، طريقة بذل الجهود السياسية والدبلوماسية وعن طريق التفاوض والحوار لحل الاشكاليات والقضايا المستعصية على ساحة الصراع كبديل لاستراتيجية "حق القوة" والبلطجة العدوانية العربيدة تحت يافطة "الحرب الكونية ضد الارهاب" لفرض هيمنة القطر الامريكي الاوحد كونيا واستعباد ونهب خيرات البلدان التي تقع ضحية الاحتلال الامريكي كما في افغانستان والعراق. فهذه الاستراتيجية – كانت مثل حمار جائع يأكل بردعه، فالانفاق العسكري الهائل لتمويل استراتيجية العدوان قد انهكت الاقتصاد الامريكي وادخلته في دوامة عجز متراكم وصل الى ثلاثة عشر تريليون دولار وضربت مكانة الولايات المتحدة الامريكية ودورها الاقتصادي والتجاري في سوق المنافسة مع المحاور الامبريالية والرأسمالية الاخرى. كما "جندت" هذه السياسة المجنونة لادارة بوش واليمين المحافظ كرها لم يسبق له مثيل بين شعوب العالم وبلدانه للامبريالية الامريكية العدوانية، كما ان هذه الاستراتيجية قد اثبتت فشلها، كما ان قانون التطور والصراع، وخصوصا قانون التفاوت في درجة النمو الاقتصادي والسياسي بين البلدان المختلفة يتناقض مع وجود عالم "احادي القطبية". وفي مواجهة استراتيجية عولمة ارهاب الدولة المنظم التي انتهجتها ادارة بوش بدأت تبرز ملامح تعدد القطبية على الساحة ادولية، فإلى جانب محاور الاتحاد الاوروبي واليابان برز محور روسيا التي بدأت تستعيد عافيتها كدولة عظمى والصين كجبروت اقتصادي وعسكري والهند والبرازيل.



* الانطلاقة الروسية:لم يكن من وليد الصدفة ان يدعو الرئيس الامريكي اوباما المسؤولين الروس في الكرملين الى "شراكة عالمية حقيقية"، فالمدلول السياسي لهذه الدعوة هو الاقرار والاعتراف ان لروسيا دورا هاما على ساحة العلاقات الدولية ومواجهة قضايا الصراع المختلفة. فادارة اوباما تدرك جيدا مدلول الانطلاقة الروسية بعد انصراف نظام الردة الخيانية برئاسة بوريس يلتسين الذي دمر الاقتصاد الروسي وحول روسيا بثراء ثرواتها الطبيعية وطاقتها الاقتصادية الى متسول على ابواب "البيت الابيض الامريكي والبنك الدولي والاتحاد الاوروبي، بالاضافة الى تراجع دور ومكانة روسيا ونفوذها في العديد من المناطق في الشرق الاوسط وجنوب شرق آسيا. هذا اضافة الى تهديد الامن القومي الروسي بزرع اراضي واجواء وبحور بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة المحاذية والمجاورة لروسيا بالقواعد العسكرية الامريكية والحلف اطلسية، مثل اوزبكستان وجورجيا وطاجكستان وقرغيزيا وغيرها. وبعد انصراف نظام الخنوع الطفيلي لادارة يلتسين وصعود فلاديمير بوتين وممثلي الرأسمالية الصاعدة في روسيا فقد بدأت عمليا مرحلة جديدة من التطور، وقد نجح نظام بوتين في الضرب على وتر "قومية الدولة العظمى" الحساس لكسب اوسع تأييد ودعم الجماهيري له لانقاذ الاقتصاد من هاوية التدهور والازمة ودفع عملية التنمية الاقتصادية، وتطوير وعصرنة القوة العسكرية التقليدية وغير التقليدية. كما بدأ النظام ينشط على الساحة الدولية لاستعادة مكانة ودور روسيا ونفوذها. ولمواجهة استراتيجية الهيمنة الامريكية التي اصبحت تهدد الامن القومي الروسي نشطت السلطة الروسية لاقامة وبلورة مختلف التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية مثل "تحالف شنغهاي" بين روسيا والصين وبعض الجمهوريات السوفييتية السابقة، وتحالف الدول المحيطة ببحر قزوين الغني بالنفط. وعندما اعلنت ادارة بوش عن زرع اراضي بولونيا والتشيك بالدروع الصاروخية على الحدود مع روسيا اعلن النظام الروسي عن العودة الى طلعات القاذفات الجوية بعيدة المدى، والى نصب صواريخ موجهة ضد الاذرع البولونية من اماكن قريبة داخل الاراضي الروسية. وعمليا وصلت العلاقات الروسية الامريكية الى مرحلة تهدد بالعودة الى الحرب الباردة خاصة بعد محاولات ضم جورجيا واوكرانيا للحلف الاطلسي. واعلان روسيا عدم تجديد الاتفاق حول "سالت 2" بخصوص وقف سباق التسلح النووي، ولهذا فانطلاقا من ادراك ادارة اوباما لخلفية التطور في روسيا التي تعتبر اليوم قوة عظمى اقتصاديا وعسكريا، لها نفوذها وتأثيرها على عدة اطراف من بؤر الصراع الملتهبة ان كان في ايران او الشرق الاوسط وكوريا الشمالية وافغانستان، انطلاقا من ذلك ولخدمة مصالح الامبريالية الامريكية الاستراتيجية فانه من الحكمة التوصل الى علاقة توافق لخدمة مصالح النظامين على قاعدة الند للند.



* توافق وتنافر المصالح:برأينا، وعلى ضوء ما تقدم، فان عناق "الكاوبوي" الامريكي مع "الدب" الروسي في موسكو يستهدف خدمة المصالح الاستراتيجية والطبقية للنظامين من خلال التوافق في التقسيم الوظائفي لشراكة المصالح على الساحة الدولية وفي عدد من المناطق الجغراسياسية الملتهبة. فقد تمخض لقاء التفاوض بين اوباما وميديفيديف وبوتين عن اتفاقات تعكس تقاطع المصالح وعن مواصلة الاختلاف حول قضايا بقيت بعيدة عن التوافق وتتمترس في خانة التناخر والتناقض في الموقف. لعل اهم ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين هو توقيع الرئيسين ميديفيديف واوباما على مذكرة تقليص الترسانة النووية في كلا البلدين، وذلك في اطار خطة تدريجية مرحلية لتقليص الاسلحة النووية. وحسب خطة التقليص هذه فانه خلال سبع سنوات يجري تقليص الرؤوس النووية الصاروخية من حوالي الفين ومئتي رأس نووي من الف وخمسمئة الى الف وسبعمئة وستين رأسا نوويا. كما اقيمت لجنة من مختصين مهنيين من كلا البلدين بهدف بلورة اقتراح لتقليص جدي في عدد الصواريخ البلاستية عابرة القارات من الف وستمئة محطة ارسال صاروخية الى خمسمئة الف ومئة صاروخ في كل من البلدين.
وفي هذا السياق فان اوباما قد طلب من المسؤولين الروس المساعدة في ملفي ايران وكوريا الشمالية الفوريين، خاصة وان لروسيا علاقات اقتصادية وطيدة وعسكرية مع النظام الايراني بناء المنشأة "بوشهر" للانتاج الذري للاغراض السلمية، كما ان روسيا عضو في اللجنة السياسية التي تتفاوض مع كوريا الشمالية حول مشروعها النووي. وبالطبع لم يطلب اوباما من ميدفيديف او بوتين المساعدة للضغط على حكومة العدوان الاسرائيلي لتدمير ترسانتها النووية والتوقيع على وثيقة جنيف لمنع انتاج وانتشار السلاح الذري ومختلف اسلحة الدمار الشامل!!
هذا ولم ينجح المسؤولون الروس في اقناع اوباما بازالة الدروع الاستراتيجية الذرية ومحطات المراقبة القائمة على اراضي بولندا والتشيك، فاوباما لجأ الى التبرير التضليلي بادعاء ان هذه الدروع غير موجهة ضد روسيا، بل ضد الخطر النووي الايراني، وانه اذا زال هذا الخطر ووافق النظام الايراني على عدم تطوير برنامجه النووي لأهداف عسكرية ساعتها لن تكون حاجة بعد للدروع الصاروخية الامريكية في بولونيا والتشيك، كما وعد اوباما بان يجري بحث هذا الموضوع في لجان خاصة وفي لقاءات مقبلة كما بقيت بين اوباما والمسؤولين الروس ونقطة خلاف بين الطرفين حول الموقف من جورجيا واوكرانيا لم يجر البت بها، فالروس يطالبون بعدم ضمها الى عضوية حلف الناتو (الحلف الاطسي) العدواني لان ذلك يهدد الامن القومي الروسي. ومقابل ذلك امتنع اوباما عن توجيه أي نقد او أي طلب حول موقف روسيا في شمال القفقاز وانغوشيا وانجازي واوستينا الشرقية والشيشان، او حول الحرب الروسية على جورجيا بعد تطاول نظامها العدواني في شمال القفقاز.
ان ما يثير الاستنكار والغضب هو موافقة النظام الروسي وضع اجواء روسيا تحت تصرف قوى العدوان الامريكي والاطلسي على افغانستان وباكستان، والسماح للطائرات العسكرية الامريكية باستخدام الاجواء الروسية لنقل جنود وعتاد عسكرية لدعم قوى الغزو والاحتلال الامريكي في افغانستان!
ومن منطلق الحرص على دعم النظام الرأسمالي المتأزم ومواجهة اعصار الازمة المالية الاقتصادية الذي تواجهه حرص اوباما على دعوة الروس بمواصلة التعامل مع الدولار الامريكي في المداولات التجارية كعملة صعبة عالمية، وان تواصل روسيا بتزويد اوروبا الغربية بالغاز الطبيعي حيث ان بلدان الاتحاد الاوروبي تستورد خمسة وعشرين بالمئة من احتياجاتها للغاز الطبيعي من روسيا، وان روسيا في عملية تثبيت سعر برميل النفط الواحد لدرء خط التقلبات الدرامية الحاصلة في سعر النفط في ظل الازمة الرأسمالية الراهنة.
ما يثير الاستغراب والدهشة والقلق معا انه لم يبرز على بساط محادثات اوباما مع ميدفيديف وبوتين وغيرهما من المسؤولين الروس او لم يتسرب الى وسائل الاعلام أي خبر حول التطرق الى القضية الفلسطينية والى الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي! خاصة وان الادارة الامريكية تبلور مشروع عقد مؤتمر دولي للتسوية بمشاركة اسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية والانظمة العربية المعتدلة واعضاء الكوارتر – الرباعية – امريكا وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة. كما ان روسيا تعد لعقد مؤتمر دولي في موسكو قبل نهاية هذا العام يكون على شاكلة مؤتمر انابوليس الذي عقد في شهر كانون اول الفين وسبعة في امريكا. لم يجر التطرق لهذا الموضوع، خاصة على ضوء المخاطر الجدية التي تنطوي عليها العدوانية الاسرائيلي المتنكرة لاستحقاقات التسوية السياسية والتي تنذر باشعال نار حرب كارثية ضد ايران او ضد حزب الله اللبناني وحماس الفلسطيني. لا نعلم ان جرى التطرق لهذا الموضوع في جلسات سرية مغلقة، ام انه لا حاجة بعد للتطرق لهذا الموضوع، "فالطبخة" لصفقة تسوية قد اصبحت جاهزة!!
ما نود تأكيده في نهاية المطاف ان الهدف المركزي من مباحثات اوباما في موسكو هو وضع قاعدة تساوق وفاق قائم على خدمة المصالح المشتركة الطبقية والاستراتيجية لهذين العملاقين بصفتهما محاور، قوة ونفوذ عسكرية واقتصادية وسياسية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات