الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية تونسية ام دولة حزب

الهادي خليفي

2009 / 7 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الجمهورية نظام حكم يعتمد الديمقراطية وسيلة للتداول على الحكم ويتميز المجتمع فيه بالتعدد السياسي والجمعياتي فاذا فقد هذا النظام ديناميكية ادواته ولم تتمكن الاخيرة من الايفاء بالغاية المرجوة منها فقدت الجمهورية اي معنى ،بمعنى اكثر تبسيطا اذا عجزت الديمقراطية عن تحقيق التدوال السلمي على السلطة وكان التعدد غير منتج لاي تغيير في اوضاع المجتمع ولم يعبر بصدق عن ميولات افراده فان ذلك النظام لا يمكن ان يوصف الا زيفا بكونه نظاما جمهوريا ديمقراطيا ..
لا تشّذ تونس عن حالة العديد من الدول العربية في كونها تتبنى الجمهورية شكليا كنظام حكم فيما تنزع الممارسة فيها في اتجاه اخر بعيد عن مبادئ وقيم هذا النظام والسبب لا يعود الا الى تهميش دور الشعب في الحكم واستفراد الحاكم بسلطة مطلقة والى تقوية حزبه الى اقصى الحدود تحت ستار مفضوح من التشريع حتى يكون الضامن لاستمرار حكمه ،ولان الحاكم فوق كل مسائلة فامتيازاته تنتقل الى ممتلكاته ومنها حزبه :الحزب الحاكم الذي يتغوّل حتى يخشى على الدولة من الذوبان فيه..
تفاجأ وانت تشتري طابعا بريديا في تونس بان الصورة التي يحملها ويخلدها تجسد شعار مؤتمر لحزب سياسي حاكم منذ اكثر من نصف قرن واذا صادف وشاهدت القناة التلفزية الرسمية فستتساءل حتما عما اذا كانت هذه القناة ملك للحزب الحاكم ام للحكومة التونسية وذلك نتيجة استئثار طرف بعينه بها وتوجيهها بعيدا عن دورها الاعلامي المتمثل في نقل المعلومة والارشاد والتوعية الى جعلها وسيلة دعاية حزبية محضة وفي المؤسسات العمومية ،مؤسسات الدولة التونسية فان المناشير الادارية تعلق جنبا الى جنب مع المناشير والوثائق الصادرة عن شعب مهنية تابعة للحزب الحاكم تنتصب في قلب المؤسسات العمومية التي يلقى العمل النقابي المعترف به دستوريا فيها كل انواع العراقيل والمنع ...والتونسي نتيجة التشابك السائد بين مؤسسات الحزب ومؤسسات الدولة اصبح لا يرى غرابة في لافتة ترفع على مبنى حكومي فيها ان جامعة او لجنة تنسيق كذا ....للحزب الحاكم ترحب بالسيد /ة......او انها ذراع حامية لتوجهات الرئيس وحزبه ..كما لا ينكر التونسي ان يسال التبرع بمال لبناء دار للحزب الحاكم و لا يرى غضاضة في ان تكون هذه الدار اعلى بناء في بلده متعالية على الفنادق السياحية والبنوك المالية والمراكز التجارية فلا صوت يخالف ويعلو فوق صوت وبناء الحزب الحاكم .لا مشكلة ان اجتمع غداة احداث سليمان وزير الداخلية بعدد من رجالات الحزب الحاكم بمقر ذلك الحزب ليبين للراي العام الحزبي ابعاد واسباب واطوار ما استجد وليعش باقي الشعب على الاشاعة ولتسترح مؤسسات الدولة المختصة ووسائل الاعلام من صخب المؤتمرات الصحفية ...ونزاهة المعلومة.
اما المؤسسة المسؤولة عن الامن فالاولوية في وظيفتها ليست مراقبة الجريمة والعمل على الحد منها بقدر ما اصبحت تتمثل في مراقبة المعارضين السياسيين - الذين يعملون من اجل خير الوطن وتقدمه ومن اجل ان يشارك كل ابناء الوطن في تسييره وفقا للقانون- وذلك لانها تخلت عن كونها مؤسسة محايدة وتحولت الى اداة تخدم الحزب الحاكم وتقدم له ما يستحق من المساعدة وربما اكثر مما يحتاج لتابيد سيطرته على المجتمع واخضاع الحياة السياسية لمشيئته فهي لفائدته تعنف المتعاطين للشان السياسي وتسجنهم وترهبهم للكف عن نشاطاتهم وهي تفبرك السيناريوهات لايقاف الافراد والاحزاب والجمعيات المستقلة عن العمل لا لسبب الا عدم رضى الحزب صاحب السلطة عنهم وهي تزيّف الانتخابات بشهادة من كانوا يوما على راسها لضمان بقاء سيطرة الحزب الواحد وهي تمنع الترخيص للتظاهر السلمي وتمنع تعليق الصور واللافتات الدعائية للاحزاب السياسية تمسّكا بالنصوص على حد زعمها ..فيما لا تبالي اذا اقدم على ذلك "سيدها "الحزب الحاكم..كما لا يسجل لهذه المؤسسة تحقيقها المساواة بين المواطنين فبعضهم له الحق في الحصول على جوازات سفر وبعضهم محرومون من ذلك حتى وان كانت لهم نفس الوضعيات القانونية ..كما لم يسجل ابدا انها قدمت اعوانا لسلطة القضاء او حتى تخلت عنهم لجرم ممارسة العنف او مخالفة القانون وما اكثر ان تخالف هذه المؤسسة القانون..ان هذه الادارة كثيرا ما تتعلل بانها تمنع التعذيب وممارسته وتبرر بان ما يتم في بعض الاحيان ما هو بالتاكيد الا نتيجة عمل فردي لا تتحمل الوزارة عبء مسؤوليته .ومثل هذه الاجابة تثير اسئلة كثيرة فهل العون الذي مارس التعذيب كانت لديه النوايا العدوانية المسبقة حتي يحمل من منزله الأدوات اللازمة لتحقيق مبتغاه ؟وان فعل ذلك اويسمح له بادخال ما يشاء الى مقرات العمل ..؟ان الاجابة الاقرب الى الواقع ان الادوات التي يمارس بواسطتها التعذيب موجودة في اماكن العمل وهنا يطرح سؤال اخر :من جاء بها ؟ ولاي غاية؟وهل يمكن للعون ان يبادر تلقائيا الى ممارسة التعذيب وهو يعرف انه بذلك الفعل يخالف القانون ويعرض بالتالي نفسه الى الفصل من وظيفته وفقدان مورد رزقه؟ الامر متعذر اذا استندنا الى العقل والمنطق والقانون والاخلاق والدين وروح الانسانية ..ولا استنتاج الا احد اثنين :اما ان تكون وزارة الداخلية لا تنتدب الا من يعانون سادية وحبا مجنونا لالحاق الاذى بالاخرين للعمل لديها كاعوان او ان ما يقوم به الاعوان هو نتيجة عمل مبرمج وسياسة معتمدة للادارة.
اما المؤسسة المسؤولة عن القضاء فحالها في الولاء للحزب الحاكم دون الدولة ليس بافضل من سابقتها اذ انها تاخذ تقارير اعوان الامن كحقيقة لا يمكن مجادلتها والاعترافات التي تنتزع من المعروضين عليها وهم عادة من المعارضين السياسيين او الناشطين في مجالات حقوق الانسان والحريات العامة تحت اصناف من التعذيب لا تخطر ببال تعتبرها كافية لادانتهم دون ان تكلف لمرة نفسها عناء التحقيق من جديد ومحاسبة من اجبر المعتقلين على تلك الاعترافات ..وهي لا تاذن ابدا بإيقاف اعوان المؤسسات الحكومية فكانما لديهم حصانة تمنع المساس بهم وتجعلهم فوق القانون ما داموا في خدمة الحزب الحاكم..كما لم يسجل التاريخ لهذه المؤسسة انها اذنت بفتح تحقيق في فساد او سوء استغلال للسلطة او اهدار لمال عام ضد مسؤول ولم تخالف يوما ما يطلب منها ما افرغ استقلالها من كل معنى .
اما الاعلام فيدعم ويتمتع بكل الامتيازات وفقا لدرجة ولائه للحزب الحاكم وتوجهاته وهو للمحافظة على تلك الامتيازات يجهد نفسه في تحوير المعلومة واعادة صياغة الخبر والوقائع بما لا يزعج حكومة الحزب الواحد او يقلل من اعجاز الانجازات التي ياتيها رئيس الحزب =رئيس الجمهورية ،ان هذه الحالة خلقت اعلاما يعتمد على صحفيين يتابعون من المكاتب ما يحدث في نهايات الدنيا ويكتفون بنقله حرفيا في لا مبالاة بابسط القواعد لاكاديمية العمل الصحفي وحتى تلك المصادر التي يستقون منها معلوماتهم سرعان ما ينقلبون عليها اذا ذكرت خرقا للقانون اتته سلطة الدولة او احتجاجا لسياساتها باعتبار ان تلك السياسة هي نتيجة تخطيط وتصور الحزب الحاكم للاقتصاد او التربية او غير ذلك من المجالات.
هذه عينات قليلة جدا من تداخل ورمي رهيب امتدت من خلاله ادوات الحزب الحاكم في تونس في كل مفاصل الدولة وحتى اذا تعلل هذا الحزب بانه لم يطالب اي من مؤسسات الدولة ان تقدم له اي خدمات فذلك غير كاف لتبرئته من الاستفادة منها اذ كان بامكان السلطة لو صدقت نواياها في تحييد الادارة وتحقيق الفصل بين مؤسسات الحزب ومؤسسات الدولة ان تعالج الامر بالتشريع حتى يتم ضمان عدم وقوع الالتباس والتداخل بين مهام ووظائف كل طرف ..فبالتشريع يمكن اجبار المسؤول في السلطة عن التخلي عن منصبه صلب الحزب الذي ينتمي اليه مادام في الموقع العام وهذا الاقتراح يجب ان يشمل في اقل تقدير رئيس الجمهورية الذي عليه ان لايكون رئيسا لحزب وللجمهورية في ان معا حتى يشعر التونسيين انه رئيسهم جميعا وانه يقف منهم مهما كان انتمائهم الحزبي موقفا محايدا وبالتشريع يمكن تجريم التزييف في الانتخابات ومضاعفة العقوبة اذا كان من قام بها عونا اداريا وبالتشريع يمكن سن نصوص تحمل المسؤولية لأعلى المسؤولين في الادارات التي يثبت عدم حيادها وبالتشريع يمكن ضمان استقلال القضاء وفصله عن التبعية للسلطة التنفيذية وبالتشريع تقلص صلاحيات رئيس الجمهورية وبالتشريع يضمن تكافؤ الفرص في العمل السياسي والاعلامي والجمعياتي..
سيظل امر الفصل بين الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة متعذرا ما دامت عقلية الاستئثار والانفراد بالحكم هي المسيطرة على الطبقة السياسية النافذة والحاكمة وهذا الامر بكل تاكيد يحقق المصالح الذاتية لهذه الطبقة الاوليغارشية الا انه لا يحقق ابدا مصلحة الشعب التونسي والدولة التونسية التي اصبحت توصف "دولة حزب" ..ورغم ان تحييد الادارة قد رفعته المعارضة الحقيقية المستقلة شعارا ومطلبا اساسيا لاي مشروع اصلاحي يمكن التوافق عليه فان الاهتمام لم يتجه له او ينصب عليه يوما ممن يمسكون بزمام الحكم في البلاد..بل لم تعتبره السلطة الا دعاية تستهدف الاساءة لها .
ان التداخل اوعدم الفصل بين الحزب والدولة يشكل اكبر مثال لفشل نظامنا السياسي الذي يقوم فيه الحاكم بجمع كل السلط ويوفر له اكبر الفرص للتحكم المطلق وبالتالي التحول من حاكم باسم الشعب الى مستبد بالشعب.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا