الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اضطرابات شينغيانغ و-مشاع- القضايا الفسطاطية

ماجد الشيخ

2009 / 7 / 16
كتابات ساخرة


بداية وبعيدا عن أي توظيف أيديولوجي، أو أي استثمار لما يجري في إقليم شينغيانغ الصيني في صراعات النفوذ والهيمنة، التي يمتلئ بها فضاء العلاقات الدولية، لا يسعنا إدانة النظام الصيني كونه شيوعيا أو غير شيوعي، أو إدانة حركة الأقلية (الأويغور) إزاء الاضطرابات التي يشهدها الإقليم، ذلك أن الاضطرابات يمكن لها أن تحدث في أي إقليم آخر، على ذات الخلفية، بغض النظر عن الواقع الأكثري أو الأقلوي فيه، فحين تنحصر أسباب الصراع في الوضع الاقتصادي – الاجتماعي، لا يبقى كثير أهمية تذكر للحديث عن صراع إثني أو قومي، أو بين أكثرية وأقلية، رغم ما يمكن للبعض من الدفع باستثمار المسألة في مجريات سياسية، أو توظيفها ضمن صراعات أيديولوجية تلبي رغبات هذا البعض، بالنفخ في قضايا نائمة أصلا، وإذ تستيقظ فلأهداف محلية – داخلية لا تتعداها إلى نطاق العالم الأوسع، على ما يرغب البعض ويشتهي.

فكما الصراع المحتدم اليوم في إيران، كذلك الأمر في الصين، لا تتعدى أسباب الاضطرابات السياسية، أو تلك المتراكبة معها، من أسباب اقتصادية أو اجتماعية، إطاراتها المحلية. في ظل ترصد قوى إقليمية أو دولية، ومحاولة الدخول من الشبابيك الضيقة للتدخل هنا أو هناك، باسم الحرية أو الديمقراطية أو حقوق الأقليات وحقوق الإنسان ..إلخ من تسميات يصعب تصديقها، أو الانسياق خلفها؛ إلاّ لمن اعتادوا الانسياق خلف الشعارات والأوهام التي تقولبها الأيديولوجيا مرة، واستثماراتها التوظيفية مرات.

وإذا كان من الصعوبة بمكان، عدم تجاهل وجود أو توافر اصطفافات وانحيازات إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، فلأن الانفتاح العولمي بات اليوم، وأكثر من أي وقت سبق، يتيح تدخلات وتداخلات لا حصر لها ولا حدود، نظرا لتوافر تقنيات الاتصال والتواصل الحديثة، وهي التي باتت أكثر سفورا حتى في صب الماء في الطواحين المختلفة للقوى المتنازعة، على ما يجري اليوم بالانحياز والسفور إلى صالح أقلية الأويغور، كونها تدين بالديانة الإسلامية، ما يجعل الأيديولوجيا الإسلاموية تصطف أوتوماتيكيا إلى جانبها، دون بحث جدي ومعمق، ودون تمحيص، كدافع للانحياز إلى الحقيقة، حقيقة الأسباب التي دفعت باضطرابات إقليم شينغيانغ إلى الواجهة، واجهة صراعات واصطفافات داخلية محلية، لا هي ذات طابع إقليمي، ولا هي ذات امتدادات دولية، إلاّ إذا كان أصحاب الأيديولوجيا الإسلاموية أو القوموية، أو غيرهما من صيغ الأيديولوجيا السائدة اليوم، يعتبرون أن كل قضية من قضايا الدول /الأمم، "قضايا مشاع"، يمكن التدخل فيها متى شئنا وشاء الهوى الأيديولوجي والمنفعي أو المصلحي ذلك.

هذه المشاعية التي تبيح لذاتها التدخل في قضايا العالم الواسع المختلفة، هي من ذات النوع الفسطاطي الذي شرّع للإرهاب الوحشي وللغزوات العسكرية الوحشية، وقدم لها مسوّغات استمرارها، الفقهي من جهة، والإستباقي أو الوقائي من جهة أخرى. ما يضفي على صراعاتنا في عالم ما بعد الحرب الباردة، سمات حروب ساخنة أشد ضراوة، ساحاتها فضاء العالم كله شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، هي الحرب الأعنف من حروب الأسلحة على اختلافها التقليدية وغيرها، وهي التي تواصل ضرباتها وتتواصل ليس عبر الأسلحة، ولكن عبر الأجساد الانتحارية، و"العقول" و"الأفكار" والأيديولوجيات المنتحرة سلفا.

وإذا كانت إدارة أوباما تسعى الآن لبناء إستراتيجية مغايرة لإستراتيجية سلفه في الإدارة السابقة، في ظل أزمة مالية عميقة محليا ودوليا، حيث تسعى إلى إقامة مثلث استراتيجي يمتد من الصين مرورا بالهند وصولا لليابان، إلاّ أن العلاقة الثنائية الأبرز بقيت تميل نحو الصين، حتى ولو كان ذلك على حساب، أو إلى درجة تقليلها من مسائل ما يسمى حقوق الإنسان التي أعاقت تقدم علاقاتهما البينية في السابق، بينما يتطلب الوضع الراهن التركيز على المسائل المالية والأمنية والتجارية والاقتصادية القائمة بين البلدين.

من هنا لم تجد اضطرابات إقليم شينغيانغ مؤخرا، الصدى الذي كانت تجده أحداث اضطرابات أقل لدى واشنطن، لجهة استثمارها بالتشهير ببكين وبسياساتها "الشيوعية ضد حقوق الإنسان" على ما درجت أيديولوجيا اليمين المحافظ في الولايات المتحدة، عبر استخدامها مسائل وقضايا الأقليات وحقوق الإنسان والقمع الداخلي في العلاقات البينية الدولية، للحد من تطويرها. ويبدو أن الوضع الحالي ما عاد بإمكانه تكرار سردية العلاقات الأكثر أدلجة وتصادما بين الأنظمة السياسية المختلفة، ليس نظرا لاختلاف نظرة كل نظام إلى الآخر، وضرورة التماثل بين الأنظمة المتعددة والمختلفة، بل ولحاجة هذه الأنظمة إلى مسألة التعاون البيني من أجل حل مشاكلها المالية والداخلية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي بات يقتضي التخلي قليلا عن صرامة الأيديولوجيا الفسطاطية، والانزياح، بل والانحياز أكثر، ولو نحو أيديولوجيا توافقية، تتيح تعايشا ولو على مضض، واستغلال طاقات كل طرف والأطراف كلها، من أجل إيجاد مخارج سياسية ودبلوماسية ممكنة لإشكالات عميقة، باتت تواجه عالمنا بالجملة.

ولأن واشنطن بحاجة للاعتماد على بكين من أجل تمويل ديونها، فهي اتجهت راهنا، وسوف تتجه في المستقبل كذلك للحوار مع الصين، وهو التعاون والحوار الموازي للتعاون والحوار مع روسيا، الذي أثمر في أعقاب لقاء أوباما – ميدفيديف، مؤخرا، مفاوضات ومقايضات متبادلة بين سياسات واقتصادات دول كبرى، لا بد من تفاهمها، إذا ما أرادت التعايش الآن وفي المستقبل، رغم أنظمتها المختلفة وسياساتها المتباينة، وهو اتجاه يتعزز مع الأيام، من أجل بناء نظام دولي تعددي، يبدو أن حلقة التطور الراهن لأنظمة المجتمعات والدول باتت تستدعيه بإلحاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي


.. صباح العربية | الفنان الدكتور عبدالله رشاد.. ضيف صباح العربي




.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها