الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيرة الأحزاب العراقية ونظرية (الضامن الدولي) !!

كريم عبد

2009 / 7 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عندما نقع في أزمة، غالباً ما نفتش عن الحقيقة كي نفهم ما حدث. ولكن عندما تواجهنا الحقيقة ونكتشف مراراتها، يحدث أن نشيح بوجوهنا إلى إتجاه آخر تهرباً، لأن نتائج الأزمة أكبر من قدرتنا على التحمل. هذا هو حال الأحزاب العراقية الآن، على مختلف تلاوينها تقريباً، وهي تسمع رنين أجراس الإنتخابات العامة القادمة على مبعدة ستة أشهر.
ستة أشهر تقابلها ست سنوات مثقلة بالأخطاء والخطايا، بدءاً بالمحاصصة مروراً بالفساد السياسي ونتائجه الخطيرة مالياً وإدارياً، وليس إنتهاءً بالخلافات الأيديولوجية المتوارثة أو تلك الخلافات المفتعلة التي دأبت عليها الاحزاب الكردية كلما فاحت رائحة الفساد في الأقليم أو إقتربت الإنتخابات هناك.
ليس الحراك السياسي هو الوصف الأقرب إلى الواقع لما يجري في العراق الآن، بل هو الحيرة السياسية. لأن تفكك إئتلافات وتحالفات سابقة وتشكيل أخرى، لا يعني بالضرورة ضماناً للنجاح السياسي أو سيراً مضموناً بإتجاه الإنتخابات العامة القادمة، بل ربما يكون دليلاً على التخبط والعشوائية في العديد من جوانبه.
أن كل ما حدث ويحدث في الحياة السياسية بالعراق خلال العقود الأربعة الماضية، سلطة ومعارضة، يمكن وضعه تحت عنوان واحد هو (غياب المعرفة) !! الذي أدى إلى غياب الحكمة. فإذا كانت السياسة الإقليمية والدولية توضع، كما هو مفترض، إجابة على سؤال : كيف نربح المستقبل. فإن سياسات صدام حسين كانت تؤدي دائماً إلى خسارة الحاضر وضياع بوصلة المستقبل، إلى أن إنتقل من القصر الجمهوري إلى تلك الحفرة البائسة. أما بالنسبة لعلاقة المعارضة العراقية (سابقاً) بالمعرفة، فهي لا تقل جفاءً !! فلو راجعنا أدبيات وصحف المعارضة خلال أكثر من ثلاثة عقود، فإننا نادراً من نجد بحثاً أو مقالاً أو برنامجاً سياسياً جديراً بأن نتوقف عنده.
ليس من الصحيح أن نبرر أخطاءنا بصعوبة الظروف، لأنه لا يوجد كفاح سهل عندما تكون في مواجهة ديكتاتورية عاتية. فلكي تُدير معركة من هذا النوع، يجب أن تبتكر وسائل وأساليب قادرة على تفكيك تلك الصعوبة. لكن غالبية أحزاب المعارضة إتجهت إلى الطريق الأسهل !! إلى نظرية لم تُحسن فهمها، وبالتالي لم تُحسن مواجهة عواقبها اللاحقة. إنها (نظرية الضامن الدولي).
وباختصار، تقول هذه النظرية ما مفاده : ( إذا أردت أن تحكم البلد يجب أن يكون لك ضامن دولي. أي أن عليك أن تعتمد على طرف دولي مؤثر له مصالح في بلدك، يقوم هو بدعمك سياسياً وأمنياً مقابل أن تقوم أنت لاحقاً بضمان مصالحه السياسية والاقتصادية في بلدك ... ) وإذا كانت أحزاب المعارضة التي شردها حكم البعث ولاحقها بالإغتيالات وجعلها في حالة عراء سياسي، قد وجدت بهذه النظرية ملاذاً لا بد منه خلال عقود المنفى. فإنها وبحكم فقرها الثقافي وافتقادها لحاسة الإبداع السياسي، قد وضعت كل البيض في سلة (الضامن الدولي) !! وبما أن هذه الأحزاب متعددة الإتجاهات السياسية فقد تعدد الضامنون الدوليون بالنتيجة، بدءاً من إيران مروراً ببعض الدول العربية وليس إنتهاءً ببريطانيا والولايات المتحدة.
أن 35 سنة من الديكتاتورية، تركت آثاراً سلبية كبيرة على مفاهيم هذه الأحزاب وطرق تفكيرها، جعلتها تتصرف بردود الأفعال دون أن تتمكن من إنتاج برنامج سياسي قادرة على الإمساك بزمام المبادرة، خصوصاً وإنها لم تحسب للمتغيرات الدولية حساباً، فاحزابنا العتيدة لم تدرس فحوى وتبعات هذه نظرية. لم تُدرك بأن نظرية الضامن الدولي هذه كانت قد شاعت في سنوات الحرب الباردة، حيث كثرت الإنقلابات اليسارية واليمينية لمصلحة الكتلة السوفياتية أو الغربية. وحكومة الإنقلاب بطبيعتها حكومة استبدادية ولذلك فهي تحتاج لضامن دولي يحميها من شعبها داخلياً ويمهد لها الطريق خارجياً، وهي لذلك مستعدة لدفع الثمن، وأحياناً للعب دور الوكيل الإقليمي لمصلحة الضامن الدولي كما فعل صدام حسين قبيل وخلال حربه على إيران، فصدام وأمثاله هم نتاج هذه النظرية وصناعها. لكن الحرب الباردة وظواهرها إنتهت والعراق بعد 2003 أصبح مُحتلاً والعالم تحت هيمنة القطب الواحد، أي أن اللعبة تغيرت أدواتها وقواعدها، لكن الأحزاب العراقية تريد إقامة نظام ديمقراطي يتسع لمشاركة جميع المتضررين من الديكتاتورية بينما الضامنون الدوليون لهذه الأحزاب متضاربو المصالح بالعراق !! ومن هنا بدأت حيرة هذه الأحزاب وتناقضاتها التي تحولت الآن إلى دوامة دوّختتها، بل ودوّخت الضامنين الدولين أنفسهم !!
لقد استطاعت هذه الأحزاب أن تنجح في الانتخابات العامة 2005 من خلال استقطاب جمهور الناخبين عبر سياسية تخويف الطوائف والقوميات بعضها من البعض الآخر، فقد صدّق العراقيون المغلوبون على أمرهم تلك الأكاذيب واعطوا فرصة ثمينة لتلك الأحزاب لكن الضامنون الإقليميون والدوليون كانوا قد أخترقوا هذه الأحزاب من داخلها، وكانت عملية نهب المال العام والفساد والإفساد تجري على قدم وساق، وكل هذا كانت الأحزاب الكردية والدينية تعتبره قمة الذكاء السياسي مادامت قد ملأت جيوبها وانتفخت أوداجها من المال العام !!
بعد الإنتخابات وتشكيل الحكومة أكتشف العراقيون من جميع الأديان ولطوائف والقوميات، بأنهم إنتخبوا في الغالب لصوصاً وبهلوانات سياسة، يضحك على عقولهم (الضامنون الدوليون) وهم بدورهم يريدون الضحك على عقول مواطنيهم. فخلال السنوات الماضية أصبحت ممارسة الفساد نوعاً من الفهلوة والشطارة دون أي إعتبار لمصالح المواطنين ومشاعرهم ناهيك عن القيم والإعتبارات الإنسانية : أدوية فاسدة وأغذية فاسدة وضمائر أكثر فساداً، بهذه الطريقة تريد هذه الأحزاب أن تقود العراق على طريق الديمقراطية !!
وخلال ذلك نسي هؤلاء بأن الضامن الدولي يمكن أن يحمي حكماً استبدادياً يديره حزب واحد، أما الحكم الديمقراطي بتعددية حزبية فإن العامل الأساسي فيه هو جمهور الناخبين. والجمهور العراقي الذي تساقطت على رأسه الأكاذيب الطائفية بطالةً وتدهورَ خدمات ونهباً للمال العام، قد أثبت خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، بأنه ما يزال يمتلك حاسة التمييز وإن هذه الحاسة لا بد أن تتطور بحكم المرارة المستمرة وتراكم الأكاذيب. وهذا ما أصبحت تُدركوه أحزاب (الففتي ففتي) الكردية والأحزاب الطائفية التي تخلت عنها طوائفها ولذلك فهي في حيرة ما بعدها حيرة، ليس لأنها تخشى الإفلاس في الانتخابات العامة القادمة فقط، بل هي أيضاً أصبحت مصدر عدم ثقة حتى أمام (الضامن الدولي)، أنها أمام مقلب مزدوج لم تكن تتوقعه، ولكن هذه هي العواقب التي لم يحسب لها زعماء هذه الأحزاب ومستشاروهم حساباً ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز