الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديالكتيك المستباح (1)

يعقوب ابراهامي

2009 / 7 / 17
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في الحرب الضروس التي دارت رحاها (على ساحات "الحوار") بين أنصار "فناء الضدين" وأنصار "فناء الضد الواحد" ، صرف "المعلقون" أنظارهم عن المسألة الجوهرية والهامة ، وانشغلوا في صراعات جانبية حول قضايا ثانوية. إذ على الرغم من أهمية الحسم فيما إذا كان حسقيل قوجمان أو كارل ماركس هو الذي اكتشف "قانون فناء الضدين" ، فإن المسألة الأهم هي : كيف تحولت طريقة فلسفية في فهم العالم ، تفسيره وتغييره ، إلى "قوانين طبيعية" مفروضة على الأنسان ، و إلى "حلول سحرية" جاهزة.
كيف استبيحت إحدى ثمرات الفكر البشري وتحولت إلى أداة بأيدي إناس سذج ، حمقى أو أشرار ؟
أين هو "المفكر الماركسي" الذي يدرس الواقع بكل تناقضاته وتعقيداته بدل أن يجد "الحل الملائم" في "القانون الديالكتي" الملائم ؟ وأين هو الماركسي-اللينيني- الستاليني الذي لم يحاول أن يسكت ضميره بتعليل "ديالكتي" متفتل من هذا اللون أو ذاك ؟

أين هو ال"جدانوف" الستاليني الذي لم "يكتشف" القانون الديالكتي المناسب في الوقت المناسب ؟
وأين هو الطاغية الستاليني الذي لم يبرر افعاله ببهلوانيات "ديالكتيكية" ؟
( لم أجد النص الأصلي. أضطر إلى الأعتماد على الذاكرة ، آملاً أن لا تخذلني هذه المرة : عندما سئل ستالين عن اسباب تعزيز أجهزة القمع في الدولة السوفييتية ، في حين أن لينين تحدث عن "تلاشي" الدولة بعد الثورة الأشتراكية ، أجاب بما معناه : إن هذا يجري وفقاً لقانون "وحدة الأضداد" في الديالكتيك : لكي تتلاشى الدولة يجب أن تقوى أولاً. تقوية الدولة ( أي تعزيز أجهزة القمع والمخابرات السرية ) هو الطريق (الديالكتي) الوحيد لتلاشي الدولة .)

في كتابها " الماركسية وفلسفة العلم (السنوات المائة الأولى) " ، تنقل المؤلفة إيلينا شيهان عن آرثور كويستلر وصفه للخراب المعنوي الذي أنزلته "المادية الديالكتيكية" بالحياة اليومية للحزب.
آرثور كويستلر كان عضواً في الحزب الشيوعي الألماني في الأيام الأخيرة لجمهورية فايمر ، بعدها شارك في إقامة "الجبهة الشعبية" في فرنسا في الثلاثينيات من القرن الماضي. يقول إنه عندما كان عضو الحزب يفاجأ بالتقلبات الحادة ، غير المرتقبة ، في سياسة الحزب ، وعندما كانت الشعارات القديمة تستبدل ، بين عشية وضحاها ، بشعارات جديدة لا تمت إلى الشعارات القديمة بصلة ، كان الجواب الذي يتلقاه عضو الحزب ، عندما كان يسأل عن فحوى ذلك ، واحداً على الدوام : " أنت لا تفكر بصورة ديالكتيكية ، أيها الرفيق ."

" شيئاً فشيئاً " ، يقول كويستلر ، " أخذت أكره التفرغ لفحص الحقائق . شيئاَ فشيئاً بدأت أنظر إلى العالم بمنظار التفسير الديالكتي فقط . كان هذا وضعاً مريحاً وممتعاً للغاية ، إذ ما أن يتقن المرء قواعد اللعبة حتى لا تعود حقائق الواقع تزعجه على الأطلاق ."
شيئاً فشيئاً أخذ كويستلر يدرك إن الديالكتيك يولد لدى المرء ذهنية مستعدة لأن تتقبل ، باسم "الضرورة الديالكتيكية" ، أبشع الأمور وأقبحها : " الكذبة الضرورية ، الأفتراء الضروري ، ضرورة تخويف الجماهير ، ضرورة تصفية المعارضين والطبقات المعادية ، ضرورة تصفية جيل كامل من أجل مصالح الجيل القادم ."

عندما سئل كارل ماركس ، على يد إبنته لورا ، عن أحب شعار لديه أجاب : " التشكيك في كل شيئ " . ("De omnibus dubitandum") .
كيف تحولت طريقة البحث والتحليل ، التي بناها وطورها هذا الأنسان ، إلى وسيلة لكم الأفواه ، إسكات الضمير وتبرير كل إكذوبة وحيلة ؟
كيف تحولت الفلسفة ، التي رفعت روح الأنسان إلى السماء ، إلى شعوذة ؟
أين هو "المفكر الماركسي" (الستاليني) الذي لم "يبرهن" على حتمية الثورة الأشتراكية عن طريق تحول الماء إلى بخار عندما تصل حرارة الماء إلى 100 مئوية ؟
وأين هو "الخاطئ" الذي لم يعترف أمام "محاكم التفتيش" الستالينية بأن "إنحرافه" يرجع إلى ضعف فهمه للديالكتيك ( إضافة طبعاً إلى عدم تعمقه في كتابات ستالين) ؟

كتب أحد القراء ، في تعليق ، يقول : رحمك الله يا ماركس ، كم من معارك تخاض باسمك ؟ وأنا أضيف : على أيدي إناسٍ لم يقرؤوك ولم يفهموك.

* هل هناك "قوانين ديالكتيكية" طبيعية ، مفروضة على الأنسان ، (من فرضها ؟) ، أم إن الديالكتيك هو طريقة لفهم العالم ، لتفسيره ولتغييره ؟
* هل "قوانين الديالكتيك" تسري على الطبيعة والمجتع ، على البشر والحجر ، أم إنها تفقد معناها خارج نطاق المجتمع البشري والتاريخ البشري؟
* هل هناك معنى للحديث عن "تقدم ديالكتي قي اتجاه معين" (نحو الأعلى طبعاً) لمن لا وعي له ، والأنسان ، كما هو معروف ، هو الكائن الوحيد الذي يملك الوعي ؟
* هل كان الديالكتيك في نظر ماركس عملية كونية تعمل في النجوم ، في الفضاء الخارجي ، في الطبقات الجيولوجية تحت الأرض ، في الكيمياء وفي البيولوجيا ؟ أم إن مفهومه عن الديالكتيك إنحصر كلياً في الأنسان وفي التاريخ البشري ؟
* هل اختلف كارل ماركس في هذا مع فريدريك أنجلس ، شريكه في تأسيس الفكر الماركسي ، أم إنه كان على اتفاق تام معه ؟
* وستالين (لا يمكن بدون ستالين) ما دوره ؟

كل هذا (أو بعضه على الأقل) سنحاول الحديث عنه في حلقات قادمة.

ملاحظتان:
1. طلب مني حسقيل قوجمان أن "أنور" القراء بالأسم الحقيقي الذي أطلقه كارل ماركس على الماركسية .
الجواب : لم يسميها.

2. إلى الأخت "المناضلة الشيوعية المغربية " التي وصفتني بالتروتسكية : أنا في حيرة من أمري . أنا أشعر مثل ذلك الشخص ، في إحدى مسرحيات موليير ، الذي تكلم طول حياته نثراً دون أن يعرف ذلك . إكتبي لي وقولي لي ، عافاك الله ، ما هي معتقداتي الأديولوجية. (وبالمناسبة ، أنا أنتمي إلى جيل كان فيه "المنحرفون" تيتويين . متى أصبحوا تروتسكيين ؟)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لغة التفاهم في الحوار
فؤاد أمين ( 2009 / 7 / 16 - 21:46 )
الحوار بحاجة الی لغة مشترکة للتفاهم ،أی بحاجة الی قناة فکرية تصب فيها کل الجهود المبذولة خلال عملية تبادل الآراء ، من هذا المنطلق هل السيد يعقوب يعتبر نفسه‌ منتميا للمدرسة المارکسية؟ انني من خلال متابعتي لمقالاته‌ لا أجد ذلك ، ففهمه‌ للديالکتيك کفهم من يريد التنصل من ماض فکري وسياسي ارتد عنه‌ تحت تأثير موجة الارتداد عن المارکسية في أعقاب إنهيار الاشتراکيةالامبريالية في الاتحاد السوفيتي وإعادة الرأسمالية في الصين. ان السيد ابراهامي ليس تروتسکيا ولا شيوعيا تقليديا ، انه‌ في خندق غير خندق الشيوعية المناضلة المتماسکة التي تسترشد بالمادية الديالکتيکية والتأريخية والتي تتمسك بعلم الثورة البروليتارية أي المارکسية اللينينية ، لذا فانني مع موقف الاستاذ حسقيل قوجمان حول ترك مقالاته‌ وعدم الانشغال بالرد عليها .


2 - الدالكتيك المستباح
فؤاد محمد ( 2009 / 7 / 16 - 23:53 )
مهما كان ارى ضرورة الرد عليه يا استاذ فؤاد امبن
لا اتفق مع الاستاذ حسقيل بعدم الرد
لا يمكن اعتبار ستالين الا منحرف بعيد عن كونه شيوعي,وهو السبب الرئيسي في سقوط التجربة السوفيتية.
الستالينة هي السوس الذي ينخر في الماركسية اللينينية
حقا استباح الدايلكتيك على بد ستالين وزمرتة وايتامة
تحولت المركسية الى دين وقوالب جامدة على يد ستالين
تحياتي


3 - نقض النقيض الديالكتيكي لايعني فناء الضدين
سعاد خيري ( 2009 / 7 / 17 - 11:57 )
فناء الضدين يعني الموت وهو حالة محتملة عند عدم توفر الظروف الموضوعية والذاتية الملائمة لبقاء الكائن
اما نقض النقيض المادي الديالكتيكي فهو مرحلة الذروة من صراع الاضداد وانتصار احدها الذي يتغير بدوره نتيجة للمرحلة الجديدة من التطور وظهور نقيضين جديدين . فبعد انتصار الطبقة العاملة على الراسمالية لا تنتفي الراسمالية فقط بل الطبقة العاملة ايضا ويصبح كل البشر عمال ولم يعد هنالك طبقات. وقد يتصاعد الصراع الطبقي الذي تطور في عصرنا واصبح صراع بين الراسمالية وعموم البشرية فقد تلجأ الراسمالية من خلال يأسها الى ابادة البشرية بما تمتلكه من اسلحة دمار شامل. وهذا احتمال يجب تطوير الكفاح ضده

اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. -ليلة تاريخية- لمناصري حزب ا


.. صور من تجمع لحشود ضد اليمين المتطرف في ساحة الجمهورية بباريس




.. لماذا تصدر حزب التجمع الوطني نتائج الدورة الأولى من الانتخاب


.. ماذا بعد أن تصدر اليمين المتطرف نتائج الانتخابات المبكرة في




.. -نتيجة تاريخية-.. اليمين المتطرف يتصدر الجولة الأولى من الان