الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هويةالجزائر/ انتماءات وليس انتماء.

الطيب آيت حمودة

2009 / 7 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الجزء الأول
تعد ظاهرة البحث في الهوية إحدى السمات الأبرز في تاريخنا المعاصر ، فكل يبحث عن ذاته وذاتيته في سجل الزمن ، لعله يهتدي اٍلى الجواب الشافي ، وكل الآراء المبدية تنم عن الاٍنصاف أو الطمس ، ذما و قدحا للغير ، واستحسانا ومدحا للذات ، وبعد المخاض العسير تبين أن أكبر المخاطر كامن في النظرة الأحادية ، اٍنه خطر الاٍنتماء الاٍثني القومي ، الذي ولد من رحم الغرب ، وتبنته أقوامنا من باب التجميع والتآلف ، لصياغة مجتمع وحيد ومتحد لا نشاز فيه ، ولو بانتهاج سياسات الطمس والقسر ، والتنكر لمسار التاريخ ...... وكانت نتائج التوجه عكسية تماما فأصبح الأمل خائبا ، لأن الأمر فيه مدعاة لتأجج أفكار عنصرية مماثلة كانت تعيش في الظل ، تنتظر الفرص المناسبة للاٍبانة عن نفسها ، للصدع بأمرها ، فكان الدواء علقما و سما قاتلا ، في حق الأمة مشرقها ومغربها ، وتلك سقطات شوفينية ، لا ترى اٍلا نفسها في مرآة الأدلجة العاكسة ، التي حولت الأمل إلى كابوس عشعش في جسد الأمة ، يصعب فك طلا سمه ، وتفكيك رموزه التي غرست في ألباب العقول الحاضنة للفكر العروبي القاتل ، وكنا نعتقد بأن اٍثم ألأدلجة العروبية قاصر على شمالنا الاٍفريقي ، اٍلا أن الواقع أثبت أن ما نعانيه صنو مما عاناه ويعانيه المشارقة المحسوبين عربا ، فأنين العراقيين لا يتوقف، وآهات السوريين لا حد لها من ممارسات البعث والبعثيين ، فأصبح العرب من أشد الناقمين على الأيديولوجية العروبية ، التي لم تنتج سوى حكومات استبدادية عميلة ، وظفت آلياتها لقهر شعوبها والحفاظ على ريوعها ومكتسباتها ومصالح السائرين في ركبها .
والمتتبع للتجاذب الهوياتي أكاديميا واٍعلاميا ، تتضح هوة فسيحة من الٍاندفاعات والتجليات والتصورات ، التي لا تنبع من موضوعية بقدر ماهي مستلهمة من ذاتية متجذرة ، سببها تراكمات الماضي قريبه وبعيده ، سواء ما تعلق منها بالدين أو اللغة أو الاٍرث الحضاري والثقافي ، فكانت سمة الاٍقصاء طاغية ومتجبرة ، وظهرت بفعله في بلداننا ثلا ث تيارات رئيسية متنابزة ، متخاصمة ، متطاحنة ، وكل تيار له مرتكزاته وقناعاته وأساليبه في الدفاع والهجوم والتمكين ، فأصبحت البلاد عبارة عن حلبة لتخاصم المتنافسين ، ولعبت وسائل الاٍعلام دورها في التضخيم والتمييع لهوى في النفس لا حبا للأوطان .... وهو النزوع الذي يفجر براكين الثورة والتمرد والعصيان هنا وهنالك ، وهو ما يؤدي حتما للاٍنحراف والاٍنزلاق تجاه أتون حرب أهلية لا شك ، وهي على وشك طرق ألأبواب ، اٍذا لم تعالج ألأمور الهوياتية عن تبصر و حكمة وحسن تدبر .
والتيارات الثلاثة المتنافسة على الظفر بتاج الهوية الجامعة في شمالنا الاٍفريقي هي :
1) الهوية العربية ....
وهي هوية وافدة ، معالمها مكرسة بفعل العقيدة الاٍسلامية ، منذ أيام الغزو العربي للشمال الاٍفريقي ،
أي أنها انتماء من جملة الٍانتماءات ، هذه الهوية التي كانت مفخرة للأمة بفعل الاٍ سلام ولغته ، تحولت على يد القوميين العرب في بدايات القرن العشرين إلى اديولوجية مهيمنة ، تحت تأثير نشوء القوميات الأوربية على حساب الأمبراطوريات القديمة المتآكلة ..... فكان العرب صورة طبق الأصل للأجندة الغرب ، وبتأييد منه على الخيار بيد الأنجليز وضابطهم لورانس العرب ..؟ وبانتصار ثورة الضباط ألأحرار في مصر ، برزت براثين قومية العرب بوضوح على يد جمال عبد الناصر، الذي أعطى لها وثبة لم يسبق أن وصلتها ، في عهود سابقة ، بفعل المقارعة العنيفة التي أبداها في مناوئة الاٍستعمار، فأصبح التغني بالعروبة رمزا للتحرر والاٍنعتاق من الخليج اٍلى المحيط ، فصبغت ( بضم الصاد) الأمم بصبغة العروبة تظلما ، وغدت بلدان المغرب عربية بالجملة ، ولم تنفع التنبيهات والاٍحتجاجات التي عولجت أمنيا ، فأصبح الاٍسلام خادما طيعا للفكر العروبي المهيمن أحيانا . وغدا ضدا معرقلا للتطلعات التي تنشدها الأنظمة ، فأصبح الاٍخوان عرضة للتضيق والخنق والتهجير ، فتولدت عن الفكر دولا قومية عدة بأنظمة استبدادية تسير بتوجيهات وتنظيرات البعثيين .
هذه الأنظمة سعت إلى تكريس الهيمنة العروبية في كل شيء ، في الاٍثنية ،والدين ، واللغة ، والتاريخ ، والحضارة ، سعيا منها إلى تكوين شعوب متجانسة ولو بما يتعارض مع تشريعات الإسلام ،وغلقت الأبواب في وجه الطموحات الأخرى ، وهو ما ولد الاٍحتقان والكبت ، والنزوع نحو التمرد والمقاومة .
2) الهوية الاٍسلامية :
يرى الاٍسلاميون حقهم في الاٍستئثار بالسلطات ، وبالأساليب الديموقراطية المعهودة ، وهم مدعمون بقداسة الدين ، وحرمة اللغة العربية ، والتعاطف مع العقيدة ، ويرون أن ألأمة يجمعها الاٍ سلام ، وما السلطات القائمة في نظرهم اٍلا طواغيت لامتصاص دماء المسلمين ، واتضح الأمر جليا بعد سقوط المعسكر لاٍشتراكي ، وانتقال أمراض المجتمعات الغربية اٍلينا ، بما تنفثه من غبار الفساد والميوعة باسم الحرية والاٍنفتاح ، فكان انتصار الخميني في ٍايران مبعثا للتفاؤل ، في بعث دول اٍسلامية شبيهة ، وكانت محاولات يائسة في السودان والجزائر ، ٍالآ أن الأنظمة القومية لم تفسح لها المجال للبروز والوصول اٍلى المبتغى، فتحولت المطالب الاٍسلامية إلى تصادم دموي في الجزائر ، أتى على الأخضر واليابس لعشر سنوات كاملة ، عرفت بالعشرية السوداء . فأصبح التقتيل والاٍجرام مستباحا باسم الاٍسلام ، وعلى أيدي مسلمين ضد أهل ملتهم بلا وازع ، فأصبحت الحرابة منطقا وجيها في التعامل مع الخصوم .
3)الهوية الأمازيغية :
هي هوية قديمة قدم التاريخ ، تفاعلت مع هويات الوافدين ، و تناغمت مع متطلبات الحاضر ، وكانت ردة فعل على طغيان الفكر العروبي المهيمن ، الطامس للذات المحلية ، الناكر لكل ما هو قديم من تاريخنا ، فلا أمجاد تذكر ، ولا أسماءتنطق ، ولا تسميات تقبل * فالتاريخ مقصور على تمجيد ما بعد القرن السابع ، واللغة هي العربية ، والجنس هو عربي ... والٍاسلام جامع بالاٍسم لا بالفعل ، كل من يتجرأ على الصدع بالأمر والجهر بالخصوصية والاٍنية يضرب بالسياط ، ويتهم بالكفر والعمالة والتبعية ، ويصنف ضمن العملاء ، وأذيال الاٍستعمار ويحشر في خانة الطابور الخامس . واتضح للأمازيغ أن الحقوق لا تمنح واٍنما تنتزع ، فسعوا إلى المطالبة بالحقوق ، والتمتع بنفس الاٍمتيازات الممنوحة للهويات الوافدة الأخرى ، فكان التصادم قاسيا ومكلفا، انتهى بتحقيق بعض المطالب التي لم ترق الى المطلوب ، وكان الاٍعتراف بالأمازيغية كمكون للشخصية الجزائرية ، مع دسترتها بوصفها لغة وطنية . اٍلا أن المحقق لا يتوافق مع المطلب ، فالمطالب لا زالت متأججة ، والحسم لم يكن وافيا ، فمازالت التطلعات نحو المزيد من المكاسب قائمة .

اٍنها هوية واحدة بانتماءات ...

اٍن هذا المنحى الهوياتي أحادي النظرة بهويات تبدو كأنها متباعدة ومنفصلة هوية بثلاثة رؤؤس أساسية ، كأنها وحش برؤوس ثلا ثية الأبعاد ، وهي صورة للٍاستبداد التنظيري ، الذي يلغي الآخر ، ويرفض الانتماءات المكونة للنسيج الهوياتي ، فلنفرض جدلا أن احد التيارات هو المهيمن ، فكيف يكون مصير التيارات المضادة ، لا شك وأن ما فعله العروبيون سيكرره الاٍسلاميون والأمازيغ بالمثل أو أشد ...لأن الآنتقام والمماثلة هي سمة البشر ، فلا خير يرجى من التعدد الهوياتي والتداول فيما بينها على السلطة ، التي أصبحت تسلطا مادام جميع الأمة لا يشعر بالاٍطمئنان والراحة النفسية ، ومهما كانت التحولات ، والتداول على الحكم فاٍن خطر الانفجار قائم ، لوجود أطراف غير راضية وغير مقتنعة غير مشاركة قولا وفعلا في القرارات الهامة الموجهة لسياسات البلاد .
ولو عدنا الى الوراء قليلا ، وبحثنا في الذات البشرية واٍرهاصاتها ، لتبيين أن الفرد الواحد ( وليكن أنا على سبيل المثال ) ، عندما أزن نفسي ، وأتساءل في لبي ووجداني عن أي هوية أنتمي ؟ ما هي الهوية التي أنا راض عنها ، أو متبن لها ، أو قابل لطرحها ..... فلا أقدر الجواب ، فتلك الهويات كلها بأبعادها مغروسة في وجداني ، فهي ممثلة عندي بأصدق التجليات ، في ذاكرتي ينبوع من ذكريات الماضي الأمازيغي القديم بأرضه ، وتاريخه حلوه ومره ، بطبيعته ونسمات بحره ، بشساعة أفقه ، برماله وتلاله ، بخصائصه اللغويه التي حافظنا عليها رغم سنون القهر والتدمير ، وأنا مسلم لا أختلف عن بقية المسلمين في نهجي وتصرفاتي ، أعتقد ما يعتقدونه ، وأسعي إلى ما يسعون اليه ، تجمعني معهم الألآم والآمال ، والذكريات ، يجمعني معهم القرآن الذين أتلوه ، والصلوت التي أصلي، ولي مع العرب صلات ووسائج قربى ، تجمعني وأياهم وحدة العقيدة والمصير ، والوطن الواحد الذي لابديل عنه ، ولامفاضلة فيه اٍلا بما يقدمه الفرد من جلائل الأعمال لبلاده ووطنه وأمته ، أنهل من تراثهم وأمجادهم ، ,أعرف عنهم أكثر ما أعرف عن نفسي ، ولغتهم على لساني صباح مساء بين ضلوعي وجوانحي ، أحرص عليها كل الحرص لأنها لغة ديني ، لا أتوانى في تعليمها لأبنائي الذين بسببها تنكروا للغتهم الأصلية . فالهوية كما قال أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة [.. تتشكل من انتماءات متعددة ، ...... وهذه الاٍنتماءات ليست رقعا .......اٍنها رسم على بشرة مشدودة ، ويكفي المساس بانتماء واحد لكي ينتفض الشخص بكليته ...] وهويتنا في الجزائر تعد من الهويات المعقدة ، [ لأنها حاملة لعدة انتماءات وهو ما يؤدي الى شروخات وخيارات ممزقة تتعارض فيما بينها ... والناس مدعوون لنسج الروابط واٍزالة سوء الفهم والتعقل والهدوء .... وقدرنا أن نكون صلة وصل وعبارات (بتشديد الباء)، ووسطاء بين مختلف الجماعات والثقافات بتنوعها ، وعندما يكون هؤلاء غير قادرين ، ومصرين على العودة اٍلى ذويهم ، وصفوف قبائلهم ، يحق أن نقلق عن مصير البلد والعالم ..؟].

ومن خلال هذه الاٍطلالة عن ذاتي ، يمكن رسم خريطة طريق ، والوصول إلى قناعة راسخة هي أن هوية الاٍنسان هوية واحدة بحدود متعددة ، أي أنها هوية متعددة الأبعاد والمؤثرات ، هوية بانتماءات ، فالشخص واحد لكنه يحمل في ذاته وعقله ووجدانه إرهاصات الماضي والحاضر ، وتطلعاته للمستقبل ، والهوية الاٍنسانية دائمة الحركة والتطور ، فهوية الأجداد ليست بالتمام هوية الأحفاد ، فما كان محاطا بالقداسة أصبح بفعل الزمن تافها ، وما نعتقده اليوم ضروريا يصبح كماليا ، والانتماءات متجددة متطورة بفعل انفتاح البلاد وتعرضها للغزو والنفوذ ... والتمسك بانتماء واحد وحيد ، مدعاة إلى خلق الطغاة ، والقتلة والسفاحين ، فالتعصب والقتل على الهوية سمة الماضي والحاضر .
ومن هنا يتضح الخيط الرفيع الفاصل بين الهويات ، وتتوضح معاني الهوية البسيطة والمركبة ، والهوية الصلبة واللينة . ويتحدد موقعنا بجلاء وتبصر بينها ، وندرك في الأخير أن الجزائري واحد بانتماءات متعددة ، وما على المواطن اٍلا قبول هذه الاٍنتماءات واعتبارها من اٍنيته وذاته ، فالدفاع عن الأمازيغية والعربية والإسلام ، والعادات والتاريخ المشترك ، يدفع اٍلى الاٍحساس بالتجانس ، واٍن بدت للبعض فوارق في الأصول والأعراق ، وهي فوارق وهمية من صنع الصناع ، الساعين اٍلى التمزيق والتفريق ، لتحقيق الطموحات السياسية التي لا شعار لها إلا الغاية تبرر الوسيلة ..









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أقصر الطرق
مختار ملساوي ( 2009 / 7 / 17 - 01:22 )
خاتمتك موفقة.
تقديري أن اقصر الطرق لتحقيق الهويات هو الاعتراف المتبادل بها، وهذا أفضل حل للحيلولة دون نجاح مغامرات المغامرين لجعل هذه الهويات الطبيعية المقبولة هيوات قاتلة.
تحياتي

اخر الافلام

.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة


.. كأس أوروبا.. ما حظوظ المنتخبات الأربعة في الدور نصف النهائي؟




.. مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية يعقد في القاهرة


.. في ظل الحرب.. سيدة تحوّل منزلها في الجنوب اللبناني إلى مصنع




.. ما أبرز ما أوردته الصحافة الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على