الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحيل دون عودة

مصطفى الكمري

2009 / 7 / 18
حقوق الانسان


طلال شاب مغربي يقيم في الولايات المتحدة، حيث حصل على جنسيتها مؤخرا. خلال الأيام الماضية، عاد الى المغرب بعد طول غياب، من أجل زيارة والديه، شأنه في ذلك شأن كل المهاجرين المغاربة الذين يقولون أنه لولا الوالدين و العائلة لانقطع ما يربطهم بالمغرب، لأنهم وجدوا عنه وطنا بديلا يمنحهم الكثير من الحقوق قبل أن يطالبهم بالواجبات، و يجعلهم متساوين مع باقي الناس ينعمون بالكرامة و الحرية في ظل سيادة القانون.

ذهب طلال الى مركز الشرطة من أجل الحصول على البطاقة الوطنية... منزل متسخ في شارع أكثر وساخة، تعلوه راية قديمة ممزقة مال لونها الأحمر الى البياض. ضحك طلال و هو يقارن هذا المركز بمراكز الشرطة في ولاية كاليفورنيا حيث يعيش منذ سبع سنوات، لكنه قال مع نفسه أن الأمر عادي فالمغرب بلد قليل الامكانيات، و من الاجحاف مقارنته مع الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة في العالم. لكنه عاد ليقول لنفسه أن قلة الامكانيات لا تبرر الوساخة و الاهمال، و أن علما نظيفا بثوب جديد لن يكلف شيئا يذكر، اللهم اهتماما من قبل المسؤولين و حبا خالصا للوطن.

في باب مركز الشرطة تحلق العشرات من النساء و الرجال في شبه فوضى، تلحفهم أشعة الشمس و تعلو في وجوههم بين الفينة و الأخرى صرخات الموظفين، كأنهم متسولون ينتظرون الصدقة لا مواطنون أتوا لقضاء مصلحة ادارية. سأل طلال بعض المنتظرين فمنهم من أخبره أنه ينتظر منذ ساعة دون جدوى، و منهم من جاء بالأمس دون فائدة فعاد اليوم على أمل أن لا يكون مطالبا بالعودة غذا... لأن الموظفين لا يأتون الا بعد التاسعة و النصف، و عندما يحضرون يتركون الناس دون أن يهتموا بقضاء حوائجهم، و يعاملوهم بتعال و عجرفة لا مبرر لها.

تساءل طلال لماذا لا توجد قاعة انتظار تحترم آدمية المواطنين بدل الوقوف كقطيع الأغنام على قارعة الطريق؟ هل الأمر مقصود من أجل اذلال الناس و تمريغ كرامتهم في التراب؟ أم أن وزارة الداخلية بجلالة قدرها لا تملك من المال ما يكفي لشراء بضع كراس، و هي التي تنفق عشرات الملايين من الدراهم لشراء الهراوات و العصي التي تقمع بها المحتجين، و تكسر بها ضلوع العاطلين المطالبين بالعمل؟

عاد طلال أدراجه خاوي الوفاض، بعد أن وقف نصف ساعة ذهبت هباء منثورا، و احساس بالاهانة يغمره من رأسه حتى أخمص قدميه. عاد بعد أن رأى كيف تقضى مصالح البعض بالرشوة أو المعارف حتى لو جاؤوا متأخرين عن كل الناس. و في طريق عودته تذكر كلام المسؤول الأمريكي يوم أخذ الجنسية الأمريكية بأن السفارات الأمريكية حول العالم في خدمته متى ما طلب المعونة أو وقع في مشكلة ما... و تساءل عن جدوى البطاقة الوطنية المغربية و الجواز الأخضر الذي لا يخلق سوى المشاكل دون أن يمنح أي امتياز. و بدأ يتذكر كل ما رآه و حكي له منذ وطأت قدماه المغرب... رشوة الدرك في طريق المطار، ابن خالته الذي وقعت له حادثة سير، و عندما نقل الى المستشفى و هو فاقد الوعي في حالة خطيرة تستوجب التدخل السريع، ربطه الممرضون الى كرسي متحرك حتى لا يحرك رأسه المصاب لأنه كان ينتفض دون وعي، و ترك عند الباب لأن العلاج يستوجب المال... و لولا علم عائلته و قدومها في الوقت المناسب و عمره الذي مازال فيه بقية، لمات دون أن يبذل في سبيل انقاذه ما يستحقه الانسان بل و حتى الحيوان.

أخرج طلال هاتفه المحمول و اتصل بسمسار المنازل ليخبره أنه لم يعد مهتما بشراء بيت. و أسرع في خطاه و قذ اتخذ قرار الرحيل فورا... دون عودة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -جبل- من النفايات وسط خيام النازحين في مدينة خان يونس


.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان




.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي


.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن




.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك