الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرة.. أسم علي غير مسمي

عمرو اسماعيل

2004 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


هناك فرق كبير بين أن تدعي وسيلة أعلام أنها حرة وبين حرية الأعلام .. فالحقيقة أنه لا توجد وسيلة أعلام حرة تماما سواء كانت صحيفة أو قناة تليفزيونية أو موقع علي الأنترنت حتي لو سمحت بنشر الراي الآخر فوسيلة الأعلام تعبر في النهاية عن رأي مموليها أو القائمين علي رئاسة تحريرها أو الحزب الذي تتبعه وهذا ليس عيبا أن سمحت بنشر الرد علي المواد المنشورة بها .. أما حرية الأعلام فتعني السماح بالتواجد علي الساحة الأعلامية في أي دولة لوسائل أعلام من كافة التيارات السياسية و الأيديولوجية و الثقافية.
فقناة الجزيرة لا تستطيع أن تدعي أنها حرة تماما رغم مساحة الراي و الرأي الآخر بها فهي في النهاية تتبع تيار أيديولوجي معين مسموح له أن يهاجم وينقد أي شيء ألا قطر و الأسرة الحاكمة فيها .. وكذلك الأمر بالنسبة للعربية أو غيرها من القنوات الفضائية التي غيرت الأداء الأعلامي في العالم العربي ولكنها لا تستطيع أن تدعي أنها حرة تماما فهناك دائما خطوط حمراء لا يمكن تعديها يضعها الممول أو أيديولوجية رئاسة التحرير أو الدولة التي تتبعها .. ونفس الشيء ينطبق علي أي وسية أعلام أخري .
وفي أمريكا نفسها لا توجد وسيلة أعلام تستطيع أن تدعي أنها حرة تماما رغم أن أمريكا تتمتع بلا شك بما نستطيع أن نعتبره حرية أعلام وذلك لأنه لا توجد قيود علي وسائل الأعلام ألا قيود القانون المطبق علي كل ما هو أمريكي .. ولذا تجد صحف وقنوات تليفزيونية تعبر عن كل أنواع الطيف السياسي .. وحرية الأعلام بهذا التعريف هي موجودة فعلا في السيبرسبايس أو ما أصطلح علي تسميتة بالأنترنت .. ولكن لا يستطيع أي موقع أن يدعي أنه حر تماما فهو في النهاية يعبر عن أيديولوجية القائمين علية مهما ادعي العكس ومها سمح بحرية النشر .
وقناة الحرة التي أطلقتها أمريكا في فضائنا لكي تعلمنا الحرية كما تدعي هي أكبر مثال ذلك .. فهي في النهاية بوق أدارة بوش الممول الحقيقي لها .. وهي في محاولتها لتثبت أنها حرة فشلت تماما في أداء الوظيفة التي أطلقت من أجلها وهي الدفاع عن وجهة النظر الأمريكية .. ومحاولة تسويق السياسات الأمريكية الخاطئة في منطقتها .. أو في النهاية محاولة نشر المباديء الديمقراطية بالمفهوم الأمريكي أو نشر مباديء الحرية و حقوق الأنسان وياليت هذا كان هدفها لكانت ممكن أن تقبل في عالمنا علي الأقل من قطاع كبير من مشاهدي القنوات التليفزيونية .
وكانت بداية المأساة هو اختيار أسم الحرة .. ففقدت القناة مصداقيتها منذ اليوم الأول لأن الجميع يعرف أنها ليست حرة ..ألم يسأل مؤسسي هذا المشروع أنفسهم لماذا نجحت أذاعة صوت أمريكا أو ألأذاعة البريطانية من لندن رغم أن الأسم في كلتا الحالتين كان يعترف بوضوح بالأتجاه الأيديولوجي لكل محطة ولكنه الأداء المهني الجيد و السماح بتواجد الأراء المختلفة ضمن الأتجاه الأيديولوجي العام لهما .. ولعل هذا كان السبب الرئيسي لنجاح الجزيرة لأنها استفادت من نجاح البي بي سي و اقتبست منها الأداء المهني .
لابد أن تعترف الحرة أنها فشلت و أنها أسم علي غير مسمي وهي في النهاية ستضر بامريكا وهذا ليس المهم ولكن الأهم أنها ستضر بمفهوم الديمقراطية في العالم العربي و هي تصب في مصلحة أعداء الديمقراطية في عالمنا فهي في دفاعها بطريقة غبية عن بعض سياسات أمريكا الخاطئة في العالم العربي و استضافتها الدائمة لوجوه بحد ذاتها لفعل ذلك و الأعتماد علي مقدمي برامج يفتقدون للكاريزما بالمفاهيم العربية .. أتت حتي الآن بنتيجة عكسية تماما .
كان من الأفضل لها منذ البداية أن تبرز عن وجهها الحقيقي كبوق دعاية للأدارة الحالية في البيت الأبيض وأن تؤدي هذا الدور بمهنية عالية .. كنا من الممكن أن نتقبلها علي الساحة الأعلامية و نلجأ لها أحيانا لتمحيص بعض الحقائق .
أما الدور الحقيقي الذي كانت ممكن أن تنجح فيه قناة الحرة (بعد تغيير أسمها) .. أن تكون صوت للديمقراطية والحرية و حقوق الأنسان للعالم العربي .. بعيدا عن الأدارة الأمريكية .. أن تفضح الممارسات غير الديمقراطية للنظم الحاكمة في عالمنا ,, أن تبث برامج بلغة سهلة و شيقة يفهمها المواطن العربي عن المكاسب التي حصلت عليها الدول الغربية بعد تبنيها الديمقراطية وفلسفة تقبل الآخر وليس حوار الطرشان المسمي حوار الحضارات و الأديان .. وأن تبث الأخبار بحيادية و مهنية وتعتمد علي مقدمي برامج يتمتعون بقبول بالمقاييس العربية.
لقد نجحت صوت أمريكا في الماضي ومازالت الأذاعة البريطانية بالعربية أكثر الأذاعات الموجهة للعالم العربي نجاحا ولكن فشلت الحرة تماما لأنها ادعت أنها حرة وهو ادعاء باطل لأي وسيلة أعلام فهناك فرق شاسع بين حرية الأعلام وادعاء وسيلة أعلام أنها حرة .. فأنا عندما أكتب هذا الكلام أعبر عن وجهة نظري والحرية الحقيقية أن يكون هناك وجهات نظر أخري ونتجادل جميعا دون أن نحمل السيوف لكي يخرج القاريء بوجهة نظره الخاصة .. هذه هي الحرية الحقيقية .. تقبل الاخر والتعايش معه .. والأختلاف بالكلمات وليس بالسيوف والعنف و خاصة العنف المعنوي .. الذي هو أسوأ و أقسي أنواع العنف.
لقد فشلت قناة الحرة لأنها ادعت أتها حرة .
د. عمرو اسماعيل
[email protected]
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت