الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة الكون عبر الزمان(32) جهاز الاشارات الثانى أو اللغة أو الوعى

سامح سعيد عبود

2009 / 7 / 20
الطب , والعلوم



يمتلك البشر باعتبارهم أرقى الرئيسيات أرقى جهاز للاشارات الأول، وأعقد و أرقى أشكال الانعكاس النفس، وبالطبع فإن تطور المخ، و تعقده كان أساس هذا التطور الذى أوصلنا لأرقى جهاز عصبى مركزى لأرقى حيوان، وظيفته هى عكس الواقع المحيط بالإنسان فى صورة وعى باعتباره أرقى أشكال الانعكاس النفسى. فالأفكار والمثل والصور والقيم والعقائد والمشاعر و الأحاسيس والأراء مصدرها المخ البشرى، نتيجة التأثر بالواقع الطبيعى الاجتماعى، ولكل هذه المنتجات المخية أساس مادى مهما استقلت عنه نسبيا، هو الصلات العصبية التى تتكون فى المخ بين مناطقه المختلفة، وهى عملية تنتج عن تفاعلات كهروكيميائية، ويمكن التأثير عليها بمركبات كيميائية، سواء تلك التى يفرزها الجسم نفسه، أو بتلك التى يتناولها من الخارج.
فالبشر بالإضافة إلى امتلاكهم قدرات انعكاس ما قبلهم من حيوانات من ، قابلية للإثارة، واهتياجية وسلوكيات وراثية غير مكتسبة أى انعكاسات غير مشروطة، فضلا عن اكتسابهم من البيئة الطبيعية والاجتماعية سلوكيات أى انعكاسات مشروطة، الا انهم يملكون فضلا عن ذلك ما يميزهم عنها جميعا، و الذى لا يتواجد إلا من خلال جهازهم العصبى المتطور هو وحده ألا وهو الوعى، و الذى يتجسد فى الجهاز الثانى للإشارات الذى ينفرد به البشر من دون كل الكائنات الحية .
هذا الجهاز يعبر عنه باللغة البشرية، و التى تختلف عن ما يقال لها لغات الحيوانات مجازاً، والتى هى مجرد مفردات متنوعة لجهاز الإشارات الأول، والتى تتنوع من مجرد أصوات أو مقاطع صوتية أو روائح عند الكثير من الحيوانات، أو حركات معينة بالوجه أو الأطراف أو سائر أطراف الجسد عند أخرى تعبر بها تلك الحيوانات عن إحتياجتها و مخاوفها ومشاهداتها و غزائزها و رغباتها و مشاعرها النفسية المختلفة، و للتفاهم مع غيرها من الكائنات الحية، و هى ترتبط فحسب بتلبية الاحتياجات الحيوية للكائن الحى .
و تلك اللغات أو الجهاز الأول للإشارات لا علاقه لها بالوعى باعتباره متميزاً عن المادة، و خاصية مميزة للمخ البشرى ، والتى أكتسبت هذا بفضل تكوينها المعقد.. أما اللغة البشرية أو الجهاز الثانى للإشارات فهى وسيلة تعبير عن هذا الوعى من خلال رموزها الأكثر غنى وثراء والأكبر بما لا يقاس والمتميزة عما يقال لها لغات الحيوانات مجازاً، فاللغة البشرية هى وسيلة إنتاج و حفظ هذا الوعى، و إنتقاله من كائن بشرى لكائن بشرى آخر ، و من جيل بشرى لجيل بشرى آخر، والتعبير عن الأفكار والمشاعر المرتبطة بالغرائز الحيوية و العواطف و القيم و المعارف و الحاجات الاجتماعية و البشرية المختلفة .
أما كيف حدث هذا التطور فهو ما يمكن أن نعرفه من خلال حقيقة تطور الإنسان العاقل المعاصر فقد بدأ أسلاف الإنسان العاقل المعاصر من البشر أشباه القرود العليا، يستخدمون عناصر من الطبيعة لتلبية إحتياجتهم البيولوجية كالعصى لاسقاط الثمار من على الأشجار، والأحجار لصيد الحيوانات، و هذه العمليات تمارسها كل الرئيسيات بشكل عام، و كانت هذه العمليات فى البداية تحدث مصادفة كأن يحدث أن قرداً ما حاول أن يقطف ثمرة من على شجرة موجودة فى مكان لا تطوله يده، و تصادف إمساكه بعصا طالت هذه الثمرة، و أسقطتها، وكان من نتيجة ذلك إشباع حاجة حيوية بالنسبة له، فأرتبط فعل إمساك العصا، وإسقاط الثمرة بهذه الحاجة البيولوجية مما أحدث إنعكاسا نفسيا شرطيا عند القرد فأخذ يستخدم العصا كلما حاول إسقاط الثمار من على الأشجار، وقد أخذ هذا الانعكاس يتطور بمرور الوقت، وتتعقد معه بنية المخ البشرى، وتزداد قدراته و وظائفه عمقا و تنوعا، ليتلائم مع الخبرات المستجدة ، وأخذت كل هذه القدرات و الامكانيات تنتقل من جيل إلى جيل بالتعلم و التقليد حتى وصلنا إلى المخ البشرى بقدراته المعروفة على إنتاج الوعى.
وأخذ الجسد الإنسانى يأخذ شكله الحالى عندما أخذ أسلافه من البشر أشباه القرود يتطورون من خلال الطفرات الوراثية، والتراكمات من التغيرات التى تنتقل عبر الوراثة إلى أن وصلوا إلى شكلهم الحالى ... فقد أخذت إيديهم من خلال ممارسة العمل تزداد مرونة و مهارة و تزداد قدرتها على الامساك بالأشياء، والتحكم فيها والتأثير عليها وتغيرها بشحذ الأحجار و تهذيب العصى والعظام ... الخ، و أخذت الأعين تتركز فى منتصف الجبهة فتزداد قدرتها على الرؤية الجيدة، و هى التمييز بين الأشياء فى أحجامها وألوانها ودرجة صقلها وخشونتها و لمعانها،و أبعادها، وإن لم تكن رؤيتهم فى حدة إبصار بعض الحيوانات التى تفتقد برغم هذا التفوق القدرات المختلفة للعين البشرية، و أخذت الجمجمة تتشكل بحيث تتسع لحجم المخ المتنامى، وذلك بضعف الفك وصغر نموه، بعكس الفك الضخم القوى الذى يعوق نمو المخ لدى القردة العليا، فتضاءل حجم الفكين أدى لاتساع الفراغ الخاص بالمخ بالنسبة للجمجمة فأخذت الجبهة تستقيم لتستوعب كبر حجم المخ ... وأخذت القامة تنتصب أكثر بالقدرة على المشى بواسطة القدمين فقط مما جعل الذراعين متحررين ليمكنهما العمل، و أخذ يخف الشعر من على الجسد، و تقصر الأذرع بعد ما فقدت وظيفتها فى تسلق الأشجار، والتى تركها البشر أشباه القرود .. وأخذت هذه الطفرات و التغيرات الطفيفة تنتقل عبر الأجيال من خلال الوراثة، و أخذ الإنسان المعاصر و أسلافه الأقربين من البشر أمثال إنسان نايندرتال خطا مميزاً عن باقى الكائنات الحية، وذلك بما حققوه من تطور وقدرات أعلى على التكيف مع البيئة والتأثير فيها فاستطاع البشر الانتقال من الغابة الكثيفة إلى مناطق أخرى تختلف مناخا وتضاريس ونباتات وحيوانات وظروف بيئية مختلفة شديدة التنوع حتى أخذت أشكاله الحديثة تتشكل منذ ما يقرب من25 ألف عام حتى يلائم كل هذه البيئات المتنوعة، و فقد الكثير من المظاهر الخارجية التى كانت لا تميزه عن الكثير من القردة العليا، وهى الغوريللا والشمبانزى والجيبون وإنسان الغابة.
و كل هذا جعل تأثيره على البيئة يزداد من خلال أدوات العمل التى كان ينتقيها مصادفة فى بادىء الأمر، تم عمداً، تم بدأ فى تشكيلها . بحيث تحقق أغراضها على وجه أفضل حتى أصبحت سلوكا عاما لديه وخبرة تنتقل من خلال الوراثة، و إشارات الجهاز الأول .. وكلما زادت الخبرات، و الارتباطات الشرطية، بين ما يعكسه المخ البشرى من ظواهر الواقع المختلفة، و تلبية إحتياجته البشرية و ما أدى إليه هذا من تطوير جهاز الاشارات، و الذى ساعد على زيادة تطور المخ، و قدرته على القيام بوظائف أعقد حتى أصبح لديه القدرة على صنع أدوات العمل مما يلاقاه فى الطبيعة من خامات معدنية أو خشبية أو حيوانية بدلاً من البحث عن هذه الأدوات فى الطبيعة، و ذلك بتحوير ما يجده فى الطبيعة من أحجار وعصى وأعشاب وجلود وعظام، وهذا أدى لمزيد من التطور والتعقد أدى فى النهاية لتطوير النشاط الانعكاسى الذى يلبى الحاجات البيولوجيه إلى نشاط واعى يهدف للتأثير على البيئة بواسطة أدوات العمل التى يصنعها الإنسان الشبيه بالقرد أو أسلافنا من البشر والتى أخذت تتطور لأنواع أكثر تطوراً ورقيا تدريجيا حتى وصلت إلى الإنسان العاقل المعاصر.
الا إن هذه العمليات الجديدة على عالم الحيوان أخذت تفرض الاتصال بين أشباه القرود هؤلاء، وأخذت العلاقات تتطور فيما بينهم حتى تحولت لعلاقات إجتماعية فيما بينهم أى أنهم كونوا مجتمعا بشريا بهذه العلاقات، والذى أنحدر من قطعان أسلافهم من أشباه القرود، وأخذ هذا المجتمع يتطور بشكل مستقل عن إراداتهم، و وعيهم، حيث يتحكم فى هذه العلاقات، وهذا التطور ضرورة الإنتاج الجماعى للحاجات المادية والنفسية فى هذا المجتمع حيث يستحيل تلبيتها بشكل فردى، و إشباعها بشكل فردى، و بذلك تكون لدينا أرقى أشكال الوجود المادى المعروفة لدينا حتى الآن، و تعتبر الحركه الاجتماعية أرقى أشكال الحركة، و أكثرها تعقداً، وأن هذا الشكل المعقد من الوجود المادى، أخذ يعكس بدوره المؤثرات الخارجية فى عقول أفراده فى شكل وعى إجتماعى الا إن هذا كله ما سوف نؤجل الحديث عنه ... وحيث أن العلاقات الاجتماعيه و أهمها علاقات الإنتاج هى التى شكلت المجتمع البشرى الذى ساعد على المزيد من التطور، فقد كان هذا المجتمع فى حاجة لوسيلة اتصال بين أفراده تتجاوز الجهاز الإشارى الأول الذى لم يصبح متلائما مع درجة التطور التى وصل إليها الإنسان، فقد كان الشرط الضرورى لهذه الوسيلة هى تلبية إحتياجتهم فى التعبير عن وعيهم، و بذلك يستطيعون من خلالها أن يؤدى كل فرد دوره فى العلاقات الاجتماعية المختلفة.
فالعمل المشترك وما يفرضه من ضرورة التنسيق والتقسيم وتحديد الأهداف و الوسائل و تبادل الأراء لم يعد يكفيه جهاز الاشارات الأول ، ولذلك كان لابد من تجسيد المرحلة الجديدة من الانعكاس النفسى ألا و هو الوعى فى شكل جهاز الاشارات الثانى .
حين التقى البشر فى العمل المشترك كالصيد الجماعى لوحوش الغابة أو الدفاع عن القطيع البشرى الذى أخذ يتحول لمجتمع أو مواجهة الأخطار الطبيعية المحيطة بهم .. الخ الخ ، فأنهم أخذوا يرمزون للظواهر المختلفة و الأشياء و العمليات من حولهم بأصوات معينة، و مع تطور الجهاز الصوتى من حنجرة وفم و أسنان و جيوب أنفية و لسان و الذى اكتسب بمرور الوقت القدرة على تنغيم الأصوات و تحريكها و نطق أعداد متنوعه منها يستطيع الجهاز الصوتى الحالى للإنسان المعاصر إصدار 200 صوت على الأقل ، والتى أخذ يركبها فى مقاطع صوتية كلما زادت الحاجة إلى مزيد من المفردات بزيادة الظواهر والأشياء والعمليات التى يحسها الإنسان ويرغب فى التعبير عنها وبمزيد من التطور أخذت المقاطع الصوتية لا تكفى للتعبير فقط ولذلك فقد تطور الجهاز إلى الكلمات وهى البنية الأساسية للغة و أخذوا يستخدمون هذا كله للتعبير عن ما هو هام فى حد ذاته لحاجتهم البيولوجية من طعام وشراب ونوم وجنس و لما ليس له أهمية فى حد ذاته لحاجتهم البيولوجية والذى تولد لديهم نتيجة الارتباط الشرطى والذى كون لديهم الانعكاس النفسى
وقد أخذت هذه الرموز التى تجسد هذا الانعكاس فى شكله الارقى تحل ما تعبر عنه فى عقولهم فذكر الطعام ككلمة يذكرك بحاجتك للطعام وقد تشعر بالجوع عند مجرد سماعك لحديث عن الطعام وهكذا ... وأخذوا يستجيبون للكلمات كما يستجيبون لما تعبر عنه مثل إستجابه الكلب لرنين الجرس فى المثال السابق ومن خلال اللغه وإستعمالها عكس الناس الواقع المادى فى عقولهم فى شكل صور مجردة عن المادة... صور مثالية متميزة عن المادة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الهوس بالتجميل امتد للعيون.. غير لون عينيك خل


.. الاحتلال يدمر آبار المياه وشبكات الصرف الصحي بحي الزيتون




.. صباح العربية | باحثون يؤكدون: استخدام الإنترنت مرتبط بالرضا


.. صباح العربية | هل تصدق؟.. سم الضفدع قد يعالج الاكتئاب والقلق




.. مبادرة فردية في السودان لمعالجة أزمة المياه