الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر الإيراني اسماعيل خوئي

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2009 / 7 / 21
الادب والفن



كلّما جرى الحديث عن الدكتور إسماعيل خوئي ، أو محاولة التعريف به تذكّرتُ، وبدون إرادتي، مقطعا من قصيدة له باسم " مع السماء" ، يصوّر فيها الشاعرَ نافذةً :

" إن الشاعر لنافذةٌ ، و الشاعر ُشخص يسأل ُ، ويخاف بشدّة: ولهذا يجلس قبالة الشمس ؛ ويرى كل ّ شئ حتى ذلك المخمل الأسود ألعوبة في يد الشمس، زاهيةَ الألوان؛ ومثل نبتة عبّاد الشمس نبيهة يتماهى الشاعر ُ في مخمل دكنة الليل؛ أي أنه يستحيل شمسا في فجر الخلاص"

الشاعر اسماعيل خوئي يعتبر اليوم واحدا من أهم الشعراء الإيرانيين المعاصرين ، وخصوصا شعراء المنفى . فالبحث في الشعر الإيراني المعاصر لا يمكن تصوره دون الخوض في عالم خوئي الشعري.

وقد ولد أسماعيل خوئي في مشهد عام 1938 ميلادية. إنه من الجيل الثالث لمهاجرين من آذربايجان إلى خراسان.

أكمل دراسته الإبتدائية والمتوسطة في مشهد ، واستمر في الدراسة في طهران ، وبعد تخرجه من المعهد العالي للعلوم سافر إلى انجلتره لدراسة الفلسفة في جامعة لندن – قسم الفلسفة التي حصل فيها على شهادة الدكتوراه.

عاد إلى إيران بعد الإنتهاء من الدراسة في جامعة لندن ، واقام في طهران وأصبح يدرّس في جامعة اعداد المعلّمين حتى منعه جهاز السافاك الشاهنشاهي من التدريس .

وله ولدان من زوجته الإيطالية " فرانكا" التي تعرف إليها في جامعة لندن. وله أيضا من زواجه الفاشل الثاني ولدان.

الزيجتان انتهيتا بالطلاق.



طبع أول مجموعة شعرية له عام 1956 في مشهد، سرعان ما ندم عنها رغم أنها قدر لها أن تثير نقاشا كثيرا في الوسط الأدبي الإيراني ، مثلما امتنع عن طبع مجموعته الشعرية الثانية بسبب الشكوك التي انتابته إثر المجموعة الأولى. باعه الشعري الطويل لنصف قرن ، وعمله في المجال الأدبي والثقافي جعلا له مكانة لائقة في تاريخ الأدب الفارسي المعاصر .



قصائد خوئي ترجمت حتى اليوم إلى لغات مختلفة منها الإنجليزية، والروسية، الفرنسية والألمانية ، والهندية والأكرانية ..وغيرها.



يتقن الشاعر الكبير خوئي الإنجليزية ويكتب بها قصائد . Voice of Exile أول مجموعة شعرية يصدرها بهذه اللغة.



دكتور اسماعيل خوئي نموذج بارز لشعراء قصائدهم تعبر بسلاسة و بصراحة وكمال عن معاني الحياة .



فقد أغنى المنفى والتزامُه السياسي والفلسفي والاجتماعي تجربتَه الشعرية بالفارسية والانجليزية .



فالدكتور اسماعيل خوئي فيلسوف لكنْ الفلسفة لم تجعل منه شاعرا، و يمكن القول إن الفلسفة أغنت شعره ، لكننا لا نستطيع أن نسمّيه فيلسوفا شاعرا.



على الأغلب حين نسمع اسم اسماعيل خوئي أو نقرأه نعرف أن ثمة شاعرا كبيرا قد دخل مساحة خيالنا، أو حياتنا. فهو شاعر أولا قبل أن يمسي فيلسوفا، وهو يقارب القضايا السياسية والإجتماعية والتاريخية شاعرا قبل أن يكون باحثا ومحللا وخطيبا.



قصائد خوئي تغور في الأعماق الكونية والإنسانية باحثة عن نبض الحياة في كل شئ. وإن شعره يحمع بين الحداثة والتقليد ، وبين النيمائية* وما بعد النيمائية، وله أسلوبه وقوالبه ومساحته المميزة.



فالقوالب النيمائية* والكلاسيكية الفارسية يرى أنه يمكن استخدامها لتعبئتها بمضامين الحداثة وروح الشعر الخالد، حين تتتدفق عبرها أنهار عالمه الشعري.

تبحره في الفارسية جعل منه شاعرا متعدد الجوانب و الأساليب الأدبية، ما يمكن للقارئ تلمسه خلال قراءة قصائده، وما يلزم هذا الجانب دراسة معمقة من لدن النقاد الأدبيين الإيرانيين.

والشاعر الكبير اسماعيل خوئي واحد من القلة الذين قدموا تعريفا مشخصا للشعر ، بقوله:" إن الشعر هو ذات العقدة العاطفية للإرهاصات والخيال في لغة مكثَّفة ذات ايقاع".

يقول خوئي إن الشعراء يمكن تصنيفهم إلى ثلاث جماعات :

الأولى ، هم الذين يولدون شعراء، ويصبحون أشعر فيما بعد بالجهد والسعي والتعلّم.

الثانية، هم أولئك الذين يولدون شعراء و يفقدون مع البلوغ شاعريتهم.

أما الثالثة، فهم الذين يقولون الشعر لتمكنهم من قواعد الصنعة ، وبسبب عدم احتيازهم على رؤية شعرية يكون شعرهم مثل رمّان انتابه البرد ، فشعرهم يعاني من فقر الدم الشديد ، مثل بعض أساتذة الجامعات.

يمكن القول بدون وجل أو أدنى تردد إن إسماعيل خوئي ينتمي إلى الجماعة الأولى. فهو شاعر وفي حالة التحول الدائم إلى شاعر . فلغته الشعرية مدهشة ومثيرة . قال الكثير من الشعر ، ويواصل كتابته ، ويعيش حياته شعرا.

تأثيرات قصائده تختلف في المتلقي، فبعضها تجعل متلقين يشعرون بالبرد، وبعضها تصيبهم بالذهول والدهشة، أو ينتابهم الضحك والاضطراب ، أو الغضب.

أي لا تترك أية قصيدة له المتلقي بدون أثر بادٍ. فخوئي أينما حل، كان الشعر حاضرا. إنه من القلائل الذين رفعوا الأدب الفارسي في المنفي في سنوات الزمهرير إلى القمّة التي كانها.

ورغم بعده عن وطنه إيران ، فأن مصباحه كان يشع نورا في بيوت عشاق الشعر .

دكتور إسماعيل خوئي من مؤسسي منتدى الكتّاب الإيرانيين ، وكان لدورتين عضو الهيئة الإدارية فيه. ويعتبر الشاعر الكبير من النشطاء في الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان .

لا يسعني أن أقول في حقه ، سوى أنه الشاعر الكبير ، ناصر الحرية ، والجرئ . الشاعر الذي انتشر كالنور في حياة أهل الأدب والفن في إيران:

" فجأة أصبحت حجرا طليقا فوق سطح مسقي ّ للجليد، برفقة العلم ، امتزج لطيفا ، مثل عشق له طعم القبول المستساغ، بشعور رحيل لا حدود له".

وإنه كبير برؤياه الواسعة، ورؤيته لكل أبعاد الحياة، وبالتالي لا تذهب أية كلمة منه هدرا ، بدون أن تستحيل شعرا.

" لا ، لم يصبحْ! لا أتصور ! لم يصبحْ ، لا"

ألا ينبغي لمعرفة نافذة ، أن تستحيل جدارا؟

وبكل اختصار ، أقول إن اسماعيل خوئي نافذة ، نافذة على سهل فسيح تشرق عليه الشمس، أو بستان ذي شجر كثير ، أو لا أدري ، فاكملوا كلامي ! ماذا ستقولون؟

*نسبة إلى نيمايوشيج مؤسس الحداثة الشعرية الفارسية.


نماذج شعرية:

في الدرب

إن ّ ما أراه هو بقاء البحر،

وزهو البستان وعودة الزهو له،

مضي ّ الليل إلى جهة النهار،

وليس انقضاء الموج والورد والندى.

وإننا نمضي ،

يبقى الدرب.

ولا وجود للأحزان.

طهران 1966



نداء الموج الرهيب

إلى: ايرج أمين شهيدي

1

جليد الشتاء القديم ،

تعفن في أ صداف الصخور الثقيلة.

ومم ّ الخشية؟

فأن اللحن لا ينطلق عبثا.

إن نداء الموج الرهيب سيسافر حتى أبعد ضفة:

" البقاء هو أن لا تكون،

أن تكون هو الجري ُ...."
افرض أن الصخور الأولى لم يسمعن.

2

لا يزال البحر دافئا.

لا يزال البحر يجري.

سيمسي البحر دافئا دوما،

سيصبح البحر يجري أبدا.

3

" لكن..."

" أنظر:

كأن شيئا ما ساهر في الصخرة أيضا.

هل تلك الصخرة الثقيلة؟

إنها تتشقق."

" نعم:

إنه تثاؤب
في الهشاشة الواقعة بين هجعتين..."

" لا! إنها نافذة،

ظلالها تذوب في التدفق الساطع،

التدفق الأسير اللامع،

و تتفتق من أعماق الصخر والأناة صوب الإزهار..."


أبدا


قل معي : " حين تمضي مئات مئات آلاف السنين ،


إذذاك..."

لكن لا تقل: أبدا!"

ما أبعده ، أبدا، آه!

أبدا ما أرهبه،

أبدا ما أقساه!


أغنية

بقعة حمراء تضفي دوما على المرج وراء نافذتي:


وردةً:

تذكّر بصفائك في الفجر،

وفي كل ّ فجر،



لمّا أخط ُ الخطوة الثانية إلى خارج بيتي بعد،



حتّى تعودين،



تحطين فمك على زجاج النافذة النديّة،



وتفتّقين شفتيك عن قبلات ِ سلام وتحيّات.



12 مارس 2005



متاهات لندن







ولا الشعر يحويني



لا،



فاغلق هذا الدفتر:



إن وجودي، طليق التجليات،



فلا يحويني الشعر.



خرجت ُ من نفسي .



انفجرت الشمس:



السقوط في الذات،



في حفرة سوداء،



تعمل من جسدي ضريحي:



لكي تغطّي على نوري



فلا تراه عيونكم.



إن كان الموت ُ موجودا، فليس سوى:



أيّ حزن!



و إلى أسفل السافلين:



إنْ صنعَ منّي العشق ُ نبلةً،



أطلقها نحو لااتجاهاته،



عبثا،



وساقها ، مثل النور، خلل قلب الماء,و قلب الورق وقلب الدوران الحريري،



واستقرّتْ ، مثل الظلمة، في قلب الحجر.



فأنا اليوم لم أعد أنا ،



أناي القدرة،



أناي القائمة على الاقلاع؛
وسلوكها ليس بسلوك،
فضاء ٌ هدوؤه السكون عديم الأمواج يجري فيه بحرُه؛

وخلوته تجردت ْ من الشعور بالعزلة.

فقد أجاد أن يجلس يشاهد العالم معصوب العينين؛

ولا يطري الجمال ، سوى من بعيد و في الذاكرة،

وحين يكون سعيدا،

حين يكون في نوم السحر،

يرى أفقا واسعا من الرؤى،

والمرج في دكنة ظلِّه ،

يرنو بذهول إلى رقصة هائجة لفراشة ،
و يحتفي به الخير الخاص والجمال الخالص،

واللهُ يمسّد يدا من الورد على ظهره،

مزيّنا كتفيه بجناحين وريش.

30 آب 2005 متاهات لندن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات