الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآن . . صار عرفات شهيدا

تامر المصرى

2009 / 7 / 21
القضية الفلسطينية



مثله؛ كالذي شهد أكثر من مائة زحف أو نحوها، دون أن تعرف له بطولة، وما في بدنه موضع لأثر ضربة سيف أو طعنة رمح أو رمية سهم ... وها هو يمضي وقد أعيا زمانه التثبيط والتلبيد والتخريف، إلى موته بعد حين، على فراشه حتف أنفه، كما تموت العير، لا يؤانسه إلا كأس يلاغي أباريق خمره، في حضرة شيوخ لا يحضرون إلا في جوقة طرق شيوخ "الديناري والبستوني" على طاولة، قد تتبدل في صباح ليلتها، إلى طاولة يجلس هو خلفها، ليدلي فيما سماه مؤتمرا ونراه مؤامرة، بشيء عن الشهيد الخالد ياسر عرفات، معتمدا تهويمات المخادعين الكذوبين، الذين يلجئون إلى اختلاقات حكاياهم، كما يلجأ قليل الصدق لليمين، وقليل العلم للتكبر، وقليل المال لثمين اللباس، وقليل حظ النسب للأسماء المركبة ... وهذا قبس من هشيم نار فتات فاروق قدومي.

لم يكن فاروق قدومي في مؤتمره، الذي يؤسفنا فيه ما استحث فينا مهماز التعليق والإدلاء، كما يؤسفنا فيه أيضا شبهات ارتباطاته بالتوقيت والشللية الإقليمية التي لا تنشط إلا في الخفاء، خرابا وتدميرا لبيتنا، ويؤسفنا أكثر مكانية الرواية المبثوث منها فضيحة فبركات الرجل، الذي بلغ من السفور حدا قصيا .. لم يكن القدومي أكثر من عاشق للسلطة مولعا، أو كان فاجرا عن غير دليل مقتحما، ولكنه كان زاعما للحق وربما مبطلا، على وقع الحراك التنظيمي المشهود، لحركة فتح وهي على عتبات ميلادها الجديد، في المؤتمر السادس، والذي نأمل أن يكون فيه المولود غلاما من فئة الذكران، لتنبعث الروح في الجسد من جديد. وليس ياسر عرفات، العنوان والهوية والميراث، أكثر من عصا موسى التي توهم قدومي الزج بها عن غير حق في معركة المؤتمر، سيأتي على إبطال سحر فتح في نهوضها عن قعودها، المتأبد بمأساة بقاء القدومي وغيره من حملة الموازين بشكلها المقلوب، في جوقة القيادة التي لم تألف عنه سوى الترضيات لا المواقف والقرارات، فخاب ظنه وفأل النافخين في كيره المسموم.

فأبو اللطف الذي يعرف عنه الجميع، أنه لا يستفيق من سكرته، يخطئ كالعادة، في ظنه أن حسم معركة فلسطين قد يكون في لبنان أو طهران أو دمشق، وبالتالي فإنه يفترض بالمؤتمر العام السادس أن يكون خارج الوطن، ولو أمعن ضميرا، لأدرك أن المعركة الفلسطينية التي يأتي في سياقاتها مؤتمر فتح السادس، تقوم بالدرجة الأساس في الوطن، لا سواه. فيما يصير الآن عرفات شهيدا، بنظر القدومي، الذي كان أول من اغتال ياسر عرفات سياسيا، قبل أن يفكر شارون بتصفيته جسديا، حينما كان يجتمع كما تثبت محاضر أرشيف دبلوماسية منظمة التحرير والسلطة الوطنية، مع قيادات عربية وغير عربية عند اتفاقية أوسلو، ليتهم عرفات بأقذع تهم الخيانة والتفريط والاستحواذ، دون خجل، فكانت تلك طعنة قدومية لعرفات في الحياة، وهنا هو يطعنه مرة أخرى في الممات، بما طلع علينا به من فبركات، طالت رجلين منتخبين ممثلين من قبل الشعب، وبإرادة حرة.

لن نسأل فيما استعصم به جمهور الكتاب والمنطقيين، وتمتموا به لسانا وقلما وشفتين، عن جدوى البوح بعد خمس سنين من سرية الكتمان، في أمر قال القدومي أنه بحوزته الزكية. ولن نستزيد في إضفاء شروحات عن كارثية ما قاله أبو اللطف، بحق تاريخه الذي لم يشهد تجربة عشر دقائق اعتقال. ولن نتصنع الحكمة في توجيه اللوم والنصح على قاعدة أنه من القيادات التاريخية ـ أهلا وسهلا ـ كونه ينتمي إلى فئة غلب فساد رأيها على أن يجعلها قابلة للنصح والخطاب. بيد أننا نسأل عن حال فتح التي ارتضت لرجل يقوده الكبرياء والهوى، أن يبقى في علياء قيادتها، رغم ما سُمع عنه في السنوات الأخيرة، من انتظامه على قبض المال السياسي المشبوه، من جهات إقليمية، يفصل بيننا وبينها، تدخلها في شأننا الفلسطيني، عبر قنوات الدم والآلام، التي دفعت بحماس إلى ما تسميه حسما، ونسميه انقلابا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

علمنا ما لامس أسماعنا عن هذا الرجل، الذي رده الله إلى أرذل سنين عمره دون مهابة، مع الأسف، أنه لا يحفل بفتح أو بمنظمة التحرير، إلا إذا ما وافقت عطايا فتح والمنظمة أغراضه، لهوا ورياءً. وعلمنا الدهر الحافل بالروايات، أن بعض الناس عبيد لمنافعهم وعبيد للزمان، وأن العقل لا يفيد العزم عندهم، وإنما العزم يتولد من ضرورة الانتفاعية. تماما؛ كما تولد عزم فاروق قدومي على الإفادة والتصريح والإدلاء بما أدلى، من ضرورة أن يكون كما شاء له الهوى، قياديا أبديا استحواذيا أو تملكيا بالشكل المريض، دون أن يدفع مقابلا لذلك، سوى امتطاء صهوة جواد الفارس، كما يمتطي جيادا أخرى بالحرام، على شاشات الفضائيات، شاتما وقادحا، أو متمتما وناصحا بأنصاف جمل، لو أمعنا فيها لوجدناها لا تصادف الفكرة فيها المضمون، كما لا يصادف فيها المعنى دلالة المنطوق بالكلمات.

لا يغيظني القدومي بما فعل، بقدر ما يغيظني استعداد بعض الدهماء، لتلقي أحاديث المتباكين على عرفات اليوم، ونحن أحق الناس بالبكاء والندب عليه لا غيرنا، وقد كانوا ـ الباكون اليوم على الشاشات ـ ألد أعداء عرفات في أمسه قبل أن يموت، وأكثرهم فُجرا، وأوقحهم على وصف أبي عمار بما لم يصف مالكٌ فيه كؤوس خمره. لينبري المماحكون ـ والمماحكون من ذات اشتقاق اسم الفاعل للممانعين ـ للتأويل والتقويل، رفعا لكوفية عرفات فلسطين، وقد كان أحدهم قد كتب في سنوات عرفات الأخيرة، مقالة يقول فيها زاجرا: اقتلوه أو اعزلوه قبل فوات الأوان، لنراه اليوم مزمجرا يدافع عن عرفات. فيما آخر يتذكر اليوم في مقالاته التي تأتينا عبر بريده الراكد في الزوايا المعتمة على الشبكة العنكبوتية، عاطر الذكر ياسر عرفات ويصفه بالشهيد، فيما كان قبل شهرين يصف الفتحاويين في مقالات سابقة بأنهم عبدة الأموات، وذلك لأننا نخلد عرفات. بينما طحالب القليل من الفصائل التي سفكت دمنا في أكثر من مؤامرة مع جيوش نظامية لدول أرادت قهر فلسطينيتنا لنكون عبيدا لها، تنمو على ضجيج مخازي القدومي لتطالب بكشف الحقيقة، والحقيقة أنهم قتلوا عرفات معنويا منذ أن كان حيا. ثم تعلو أصوات من حماس لتستذكر الشهيد عرفات، وقد كان في نظرهم يهوديا مغربيا، أو بائعا مفرطا، أو خائنا متنازلا، قبل سنوات لا زلنا نذكرها، وأرقوا دماء عشرات محبيه في معركتهم على الشعب عند الذكرى الثالثة لاستشهاد ياسر عرفات... فالآن؛ صار عرفات شهيدا، برسم النكاية لا القناعة، وتلك فقاعات اجترارات بالونية لتصريحات رجل أقل ما يمكن القول فيه، أنه أجبن من أن يتحلى بالجراءة والشجاعة كي يعود إلى الوطن، ويحضر المؤتمر العام السادس، ليقف وجها لوجه أمام من اتهمهم بالإفك المفترى، وهم على مسافة منه في المقدمة، طهراً ورجولةً وانتماءً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا