الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
على الأقل: ضرورة مكافحة جدية للفساد في كوردستان العراق !
محمد محمد
2009 / 7 / 21مواضيع وابحاث سياسية
ـ لم يرحبوا، وطبعا لم يتعاونوا بل ورفضوا حتى حق تقرير مصيرهم القومي أيضا، رحبوا أخيرا على مضض، ولكنهم لم يتقنوا التعاون الفعال معهم في العراق المحرر
ـ خطورة مضاعفات العجز الأمريكي (الغربي عموما) على حقوق الشعب الكوردي في العراق وفي الأجزاء الأخرى بشكل خاص وعلى حقوق الشعوب المقموعة والمضطهدة في المنطقة بشكل عام
ـ طالما يتحملون بتقصيرهم جزءا مهما من المسؤولية في نشأة العجز الأمريكي هناك ... فيفترض أن يكافحوا جديا على الأقل الفساد المتعدد في كوردستان العراق وذلك قبل أن يتوسع اليأس وخيبة الأمل لدى الأغلبية الساحقة للشعب الكوردي المنهوب -المهمش والمهدد
كما هو معلوم للكثير من المراقبين والمهتمين بوضع الشعب الكوردستاني، أن هناك خلل قاتل تجلى في طبيعة العمل السياسي الكوردي على الأقل منذ انتشار الوعي القومي لدى الشعوب الرازخة تحت الحكم العثماني والتفكير بضرورة انشاء الدول القومية والوطنية لها في المنطقة خلال نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. فخلال الحروب والصراعات الكثيرة بين روسيا القيصرية والسلطنة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مثلا كان هناك تفاعل وتداول بين الأرمن والروس بصدد التفاهم فيما بينهم على المصالح المتبادلة(وهكذا بالنسبة الى حركات شعوب البلكان المسيحية والمسلمة المحتجة على النفوذ العثماني أيضا وتواصلهم مع الروس والغرب آنذاك)، الى درجة أن حضر وفد أرمني حتى الى مؤتمر برلين الدولي لعام 1878 الذي كان عقد بعد انهاء تلك الحروب بهدف تقديم وتوضيح قضية شعبهم المحتل, على الرغم من أن عدد الأرمن المتواجدين داخل السلطنة وبجوار الحدود القفقاسية الروسية كان ضئيلا جدا بالنسبة الى العدد السكاني الكبير للكورد هناك والذين كانوا في غيبوبة أهل الكهف بخصوص التداول السياسي مع الروس أو غيرهم آنذاك, وكذلك رغم أن العديد من المستشرقين والسواح والدبلوماسيين الروس والغربيين كانوا يستطلعون الكورد في مناطقهم في حالات معينة ويحاولون ايقاظهم بقوميتهم وأصولهم الخاصة بهم والعمل على حثهم واستنهاضهم على التحرر من الحكم العثماني التوراني، وذلك انطلاقا من مصالحهم ودوافعهم الخاصة ولتأمين عوامل تفتيت تلك السلطنة, ولكن دون جدوى، سوى محاولات محدودة جدا أحيانا لبعض وجهاء عشائريين أو دينيين كورد للقيام ببعض الاعتراضات الشبه المسلحة الخفيفة في مناطق ضيقة وبوجود تنافر وخلافات مأسوية حتى بين أفراد أسر أولئك الوجهاء وغيرهم وكذلك في غياب أي تواصل أو تنسيق مع القوى الدولية الطامعة في ممتلكات السلطنة العثمانية السابقة ولم يكن بهدف انشاء تكوين قومي كوردي بالمعنى السياسي المناسب، بل في حالات معينة كانوا يعانون فيها بحدة أكبر من أوامر السلطات التركية بخصوص فرض ضرائب ضخمة عليهم أو شعورهم بالاهانة الكبيرة أمام أفراد عشيرتهم من جراء عنجهية تلك السلطات المفروضة عليهم أو مطالبتهم بتقديم رجال عشائر وخيول للقتال في جبهات الصراع مع الآخرين كما كان يفرض عليهم ذلك منذ مئات السنين لقاء اعطائهم بعض الألقاب التورانية كالباشا، والبيك، والخان ومدشنا تلك الألقاب بالصاق بعض قصاصات أغطية علب الكونسروة من قبل المسؤولين العثمانيين التورانيين على صدور أولئك الوجهاء (وفق ما وصف ذلك النوع من التدشين- المرحوم Arebê Shemo - خلال اطلاعه عليه كمترجم للغات روسية وتركية وأرمنية منذ نهايات الحرب العالمية الأولى)، مثلما كان العرب أيضا يعطون للبعض منهم سابقا لقب السلطان, الأمير(مير) أو الشيخ أيضا, وذلك لمصلحة الفتوحات التورانية العثمانية في البلقان, والقفقاس، بلاد الشام ومصر، شمال أفريقيا، بل وحتى في كوردستان الذي كان متحدا مع ايران حتى بداية القرن السادس عشر وذلك عندما قام بعض من وجهاء الكورد بمساعدة العثمانيين التورانيين ضد الكورد والفرس لفك ذلك الاتحاد وبالتالي تقسيم كوردستان الأول والكارثة الكبرى.
فمن المعروف أنه يصعب جدا للشعوب المضطهدة والمستحكمة أن تتمكن بقواها الذاتية وحدها من تحقيق آمالها التحررية دون توفر حالات التصادم بين أولئك الحاكمين وبين أقوياء أجانب آخرين وبنفس الوقت قيام الحركات السياسية التحررية الناضجة لتلك الشعوب بالتنسيق والتعاون مع هؤلاء الأخيرين.
وفي هذا السياق يمكن التنويه والتذكير باختصار بتقصير سياسة الكورد خلال نشوب الحرب بين السلطنة العثمانية وبين الحلفاء الأوربيين اثناء الحرب العالمية الأولى من 1914 ـ 1918 وبعدها.
فخلال نشوب تلك الحرب تمكن الأرمن المهيئون وبترحيب كبير من التنسيق والتعاون الجديين مع قوات روسيا القيصرية ضد القوات العثمانية وكذلك قيامهم بانتفاضة في مناطق وان سنة 1915، كذلك وان الكثير من الأرمن المشردين مسبقا نتيجة لتلك النشاطات قد أرشدوا حتى القوات الفرنسية خلال توغلها في مناطق كيليكيا ، الأمر الذي أدى لاحقا رغم الضحايا الكثيرة ورغم انسحاب القوات الروسية من مناطق شر ق تركيا بعد الثورة البلشفية 1917 الى نشوء جمهورية أرمنية سوفيتية.
وفي هذا السياق تمكنت حتى تلك القبائل العربية البدوية المسلمة في شبه الجزيرة العربية من الاستفادة من تلك الحرب وتعاونت مع قوات الحلفاء ضد القوات العثمانية المسلمة، فضلا عن اليهود والمارونيين المسيحيين الذي كانوا منذ ما قبل تلك الحرب وخلالها وبعدها قد تواصلوا ورحبوا بمشروع وبقدوم قوات الحلفاء المخلصة، الأمر الذي أدى أيضا لاحقا الى انشاء دولة لبنان التي كانت تحوي آنذاك أغلبية مارونية مسيحية تحت الانتداب الفرنسي، وهكذا تباعا بالنسبة لليهود في فلسطين أيضا.
وفي هذا الاطار ولدى اجراء مراجعة وتقييم موضوعيين للوضع الكوردي خلال وبعد انتهاء تلك الحرب، يتبين أن الكورد هم فقط من الشعوب التي كانت خاضعة للسلطنة العثمانية ولم يرحبوا بقدوم قوات الحلفاء في المنطقة ولقد تعاونوا مع الأتراك التورانيين ضد تلك القوات خلال الحرب وكذلك مقاتلتها اثناء تمركزها وانتشارها في العديد من المناطق التركية، السورية، العراقية والكوردستانية، ولم يتمكن وجهاء الكورد آنذاك أيضا من التفاهم والتواصل في الوقت المناسب مع قادة تلك القوات، أي كعمل الذي يقطع الشجرة من تحت أرجله! وهناك بعض الأمثلة على معارك وشجارات الكورد مع تلك القوات في تركيا بقيادة مصطفى كمال وكاظم قره بكر اثناء احتلال العديد من المناطق التركية الغربية والعاصمة استنبول من قبل الحلفاء، في الداخل السوري بقيادة يوسف العظمة وأحمد بارافي وأحمد ونجيب برازي...، وفي المناطق الكوردية في شمال وغرب حلب بقيادة هنانو ومن ثم عبر حركة المريدين الأكراد، في عامودة وبياندور بقيادة بعض وجهاء العشائر الكوردية وبمشاركة بعض القبائل العربية البدوية، وفي بعض مناطق كوردستان العراق بقيادة شيخ محمود الحفيد الذي كان يقاتل القوات الانكليزية رغم أن قادة الانكليز كانوا يحضوه على تشكيل حكومته الكوردية المحلية تحت الانتداب الانكليزي في العراق !
فمن المستغرب جدا هنا، أن تلك المواجهات القتالية لم تكن من أجل المطالبة بتشكيل ادارة أو كيان كوردي، بل فقط يبدو كما ذكر سابقا لعدم نضوج الشعور القومي, لدافع مقاومة الغرباء الغير مسلمين كما تعودوا تقليديا على ذلك التوجيه ولتحريض البعض منهم من قبل الأتراك المنتقمين من الحلفاء أيضا.
هكذا، والى أن شكل الحلفاء العديد من الدول ورسموا الحدود الخاصة بها وعقدوا اتفاقات دولية وأقليمية ومحلية بخصوص التشكيلات الجديدة في المنطقة، أي بعد فوات الأوان وبعد دق الطبل الكبير في آذانهم ويجدوا نسبيا رشدهم, ليأتي بعض من الشخصيات الكوردية النادمة متأخرا بمحاولة التواصل مع مندوبي الحلفاء حول بعض الحقوق الكوردية (خصوصا في كوردستان سوريا آنذاك من قبل المرحومين حاجو ، جكر خوين وخلو وغيرهم في الثلاثينات)، ولكن دون جدوى حيث كان كل شيء قد تم ترتيبه سابقا.
والمصيبة الكبرى الأخرى هي، أنه رغم عدم نضوج الوعي القومي والسياسي لدى الكورد ورغم أخطاء بعض وجهائهم المذكورة سابقا، تضمنت اتفاقية سيفر 1920وقبل ترسيم الحدود الرسمية بين سوريا وتركيا وكذلك بين العراق وتركيا على بنود معينة تنص على منح الشعب الكوردي مبدئيا حكما ذاتيا في المناطق ذات الأغلبية الكوردية ومن ثم يصار الى تشكيل دولته هناك، شرط أن يتم أولا اجراء استطلاع وفد دولي على رغبات الكورد بذلك أو فيما اذا كانوا يفضلون البقاء مع الترك، وذلك بناءا على اقتراح الوفد التركي لدى الحلفاء. حيث أجبر الحلفاء آنذاك السلطات العثمانية المتبقية تحت سيطرتهم على التنازل لهم بفصل سوريا(بلاد الشام) والعراق والجزيرة العربية وغيرها عن السلطنة السابقة. أما بخصوص حق تقرير مصير الكورد آنذاك فقد أقترحت تلك السلطات لهم بل يقال ترجت لديهم بأن يتم أولا أخذ آراء الكورد قبل الاقرار بذلك معللة كون الكورد مسلمين ومتآلفين منذ قرون مع الترك. وطبقا لذلك وافق الحلفاء بذلك وأرسلوا لاحقا وفدا دوليا لاستطلاع أراء العديد من وجهاء الكورد العشائريين والروحيين حول ذلك، وقد تفاجأ الوفد على أثرها برغبة أولئك الوجهاء بالبقاء والعيش مع الترك وفي ظل السلطنة المتبقية. فاستنادا على تلك الاستطلاعات ولاسباب دولية وأقليمية طارئة أخرى تم الغاء تلك البنود المعنية بحقوق الكورد في معاهدة لوزان المشؤومة سنة 1923. وهنا، بدأ الشعب الكوردي ونخبه المعاصرة تكتشف وتصل الى حقائق دامغة لاحقا حول مدى الكارثة وحجم تلك الأخطاء الهائلة المذكورة سابقا والتي كان يرتكبها بعض من وجهاء العشائر والمذاهب الكوردية في تلك المراحل المتقاربة المهيئة قبل وخلال وبعد الحرب العالمية الأولى. حيث بتحطيم السلطنة العثمانية من قبل الحلفاء نشأ آنذاك ظرفا مؤاتيا جدا لتسهيل تشكيل دول وكيانات قومية للشعوب التي كانت خاضعة لها، لو كانت حركاتها السياسية ناضجة وفاعلة قبل وخلال وبعد تلك الحرب ومتواصلة مع القوى الدولية المعنية، وهذا ما لم يكن بعد متوفرا لدى الكورد حينذاك.
فعقب ذلك يعود بعض الحركات الكوردستانية في مراحل لاحقة لتمارس النضال السياسي وحتى المسلح أيضا في هذه المرة ضد الأنظمة الدكتاتورية والشوفينية الغاصبة الوليدة من رحم تلك المرحلة السابقة وذلك بامكانيات ضعيفة وفي غياب العوامل الذاتية والموضوعية ولعدم وجود توازن القوى وخصوصا في ظروف الحرب الباردة السوداء السابقة وبوجود الاقتتال الداخلي المأسوي أحيانا بين أطراف تلك الحركات وكذلك باعتماد بعضها حتى على تلك الأنظمة الغاصبة لكوردستان نفسها، مما كان يؤدي ذلك الى المزيد من التدابير الشوفينية والاستيطانية المطبقة من قبل تلك السلطات ضد الكورد، بل والى اتخاذ تلك السلطات ذلك ذريعة لشن حملات عسكرية رهيبة على مناطق سكنية كوردستانية عديدة خصوصا في كوردستان الجنوبية والشمالية والى حد ما الشرقية أيضا وذلك لتدميرها وابادة وتشريد أعداد هائلة من سكانها المدنيين بغية احداث تغيير تركيبتها الديموغرافية تحت حجج مواجهة العمل المسلح الكوردي وخطر الانفصال, هذا وحتى دون تحقيق نتائج مهمة تذكر لصالح آمال الشعب الكوردي.
هكذا الى أن انتهت الحرب الباردة السوداء السابقة، حتى بدأ الغرب وفق استراتيجيته الجديدة وبما ينسجم مع مصالحه طبعا يعيد الاهتمام والتدخل نسبيا لصالح الشعوب المقموعة والمهددة في بعض البلدان. فقام هذا الغرب بعد الهجرةالمليونية للكورد الجنوبيين سنة 1991 بتمرير قرار دولي باعادة أولئك اللاجئين وايجاد بعض المناطق الآمنة لهم في كوردستان العراق وحمايتهم ( خصوصا أمريكا وبريطانيا) بشكل مستمر حتى تحرير العراق سنة 2003، وذلك رغم التكاليف الكبيرة ورغم معارضة العديد من السلطات المجاورة والغير المجاورة لتلك الحماية وكذلك رغم مقاتلة PDK - YNK - PKK لبعضها البعض لسنين عديدة خلال مرحلة تلك الحماية, وحتى عبر استقواء بعض من هذه الأطراف بالسلطات الغاصبة لكوردستان، كالسلطات السورية, الايرانية، التركية وحتى العراقية السابقة في مقاتلتهم لبعضهم البعض وحتى أحيانا في ايذاء المشروع الغربي أيضا !
بل كان الغرب ينهمك جدا آنذاك في لم شمل تلك الأطراف وحتى ارغامهم على المصالحة فيما بينهم، وهنا الكل يعلم ويتذكر ما قامت به أخيرا السيدة الوزيرة مادلين أولبرايت سنة 1998 أمام وسائل الاعلام العالمية عندما حضت بقوة كل من رئيسي PDK، YNK جلال طالباني و مسعود برزاني على مصافحة بعضهما البعض ، الأمر الذي استغرب الشعب الكوردي وأصدقائه كثيرا ولماذا تصل العداوة والانتقام بينهما الى ذلك الحد بحيث أرغما على تلك المصافحة الخجولة!
هكذا، وبعد ارتكاب الأحداث الارهابية 11.09.2001 في USA من قبل مجموعات ارهابية ممولة ومحرضة بدورها من قبل بعض السلطات المعادية للغرب وللحريات والديموكراتية في المنطقة، سرع( بتشديد الراء) وعزز الغرب من مساعيه الجادة باحداث تغييرات مهمة أخرى كتحرير افغانستان والعراق ونسبيا في لبنان وتصعيد الضغوط الجادة على السلطة البعثية الدكتاتورية الشوفينية في سورية ... أيضا. ومن المهم جدا الانتباه هنا، على أن ساسة الكورد المعنيين قد رحبوا هذه المرة أخيرا وعلى مضض بالتدخل الأمريكي والبريطاني في العراق سنة 2003 ويشكرون دوما الحكومات الأمريكية والبريطانية على تحريرهم للعراق ولكنهم وللأسف الشديد لم يتعاونوا جديا ووفق متطلبات العصر مع قواتهما بعد تحريرها للعراق وذلك لجلب الاستقرار هناك. فبعد بعد تحرير العراق خلال ثلاثة أسابيع معدودة رغم كبره وقوته جغرافيا, ديموغرافيا وعسكريا نسبيا, وبتضحية فقط حوالي ثلاثين عسكريا أمريكيا وبريطانيا آنذاك( كمعجزة العصر)، تعرضت القوات الأمريكية ـ البريطانية المحررة ـ الدولية الأخرى لاحقا الى صعوبات وخسائرة هائلة من قبل المجموعات الارهابية المتنوعة الموالية للنظام البائد وكذلك المحرضة والممولة من قبل العديد من السلطات الدكتاتورية والشوفينية والنفطية الخليجية القبلية في المنطقة، وللأسف الشديد بغياب التعاون الجدي والمخلص للقوى السياسية والأمنية العراقية صاحبة المصلحة الأساسية في ذلك التحرير( خصوصا القوى الشيعية والكوردستانية وحتى السنية المعتدلة) مع تلك القوات المحررة لتشديد المراقبة وملاحقة تلك المجموعات الارهابية من أجل جلب الاستقرار المناسب الى العراق الجديد, الأمر الذي أدى لاحقا الى نشوء خطة بيكر ـ هملتون المعروفة السابقة سنة 2006 وأخيرا الى تعديل التكتيك وحتى الاستراتيجية الغربية المعنية في المنطقة أيضا. هذا, علما وكما ذكر سابقا أن هذه القوى كانت تحاول منذ عقود عديدة وبالاعتماد على بعض الأنظمة الدكتاتورية الشوفينية الغاصبة الأخرى لكوردستان والقامعة لشعوبها أيضاباحداث تغيير معين في العراق وفي ظروف دولية غير مهيئة وبوجود عوامل الاقتتال والتناحرات الكثيرة بين مجموعات وأطراف تلك القوى، مما كان يؤدي ذلك الى شن حملات عسكرية رهيبة من قبل السلطات الوحشية العراقية السابقة على المناطق المدنية (وخصوصا الكوردستانية) لتدميرها وابادة أعدادا هائلة من السكان المدنيين واحداث تغيير ديموغرافي للكثير من المناطق الكوردستانية الجنوبية الغنية بالنفط والمحاصيل الزراعية المتنوعة والمهمة استراتيجيا بالمحازات مع أقليم كوردستان سوريا، كمناطق مندلي، خانقين، كركوك، شنكال ، شيخان، باشيقة وغيرها في محافظة الموصل، الأمر الذي جعل منها مناطق تابعة للحكومة المركزية في بغداد، وذلك بعد تشريد أغلب سكان الكورد منها، وجلب وافساح المجال للمستوطنين العرب هناك, هذا وحتى دون تحقيق نتائج مهمة تذكر للكورد خلال تلك الأوقات.
بينما وبعد تحرير العراق لم تتمكن تلك القوى حتى من القيام بمراقبة لوجستية وملاحقة جدية لتلك المجموعات الارهابية، على أساس أنها تنتمي لسكان العراق ليتمكنوا بشكل أكثر وانجح من القوات الدولية الغريبة على القيام بتلك المهمات اللوجستية والأمنية، وبالتالي قد أدت تلك الصعوبات أمام قوات التحالف الدولي بتأثير سلبي وخطير على القضية الكوردستانية في العراق وحتى في الأجزاء الأخرى أيضا. حيث أضطرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية على الموافقة على مطاليب القوى والسلطات المعادية للكورد، وهذه ما تجلت عبر اهمال خطة بيكر ـ هملتون لمسألة كركوك والمادة 140، تقليص صلاحيات حكومة أقليم كوردستان بخصوص مجالات النفط والعقود مع الشركات الأجنبية، مطالبة البيشمركة بالانسحاب من مناطق ديالى وكركوك وموصل، تنفيذ السلطات التركية لغارات متتالية على بعض مناطق أقليم كوردستان بل ولولا رفض EU - USA - RUS - NATO - IRAN مسبقا، لقامت القوات التركية بغزو شامل للأقليم وحتى كركوك ضمنا, هذا ولايزال الحبل على الجرار بخصوص تناقص دراماتيكي لحقوق الكورد هناك الى درجة انه ربما سوف تنتهي لا سمح الله بوضع مستقبلي يتم فيه أكثر فأكثر الاندماج الاختياري Integration في العراق بين الكورد والعرب والتركمان وغيرهم بعد أن كان ذلك الاندماج أو الانصهار يتم عن طريق عنف السلطات السابقة، أي لا تبين اشارات وامكانيات التدرج في تشكيل تكوين كوردي معين كما هو مأمول منذ وقت طويل، وذلك اذا ما استمرت سياسات وأداء القيادات الكوردستانية هكذا .
أما بخصوص سياسات القيادات الشيعية المتعددة، فان قسما منها "مجلس الاسلامي الأعلى" اتصف ويتصف بالموضوعية ويستوعب أهمية تحرير العراق من حكم السلطات الشريرة السابقة ولكنه ضعيف الأداء بالتعاون مع القوات الدولية المحررة، هذا في الوقت الذي خلاله اتصف ويتصف القسم الآخر "كتيار الصدر، الدعوة وغيرها" بالنفاق الغبي منذ تحرير العراق والذي لا يهتم قيد أنملة بأهمية ذلك التحرير بل ويحاول الغدر بذلك، وهذا ما يؤدي مستقبلا مرة أخرى أكثر فأكثر الى تقوية نفوذ السنة والسلطات السنية المجاورة للعراق كالسعودية، الأردن وتركيا وغيرها، وناسيا هذا القسم مدى الظلم والتشرد والتهميش الذي تعرض اليه المجتمع الشيعي على الأقل منذ العهد السلجوقي التركماني مرورا بالعهد العثماني السني وانتهاءا باستلام السنة السلطة في العراق منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وحتى تحرير العراق سنة 2003 .
على العموم فان الشيعة قد تخلصوا من حكم السلطة الصدامية البعثية السنية السابقة، ولديهم دولتهم وكيانهم القومي، فليس ذلك مهما لهم بأن ينتصر المشروع الغربي في العراق والمنطقة بل والعديد من منظماتهم تسعى في اطار التعاون مع بعض الأنظمة المجاورة حتى الى افشال ذلك المشروع. هنا فان الشعب الكوردي المهدد والذي لايزال دون كيان وحقوق قومية مشروعة، هو الذي ينضر جدا من فشل المشروع الغربي في العراق وفي المنطقة، لأنه دون نجاح ودعم غربي قوي لحقوق الكورد يصعب جدا أن يتمكنوا من نيلها في العراق وفي الأجزاء الكوردستانية الأخرى أيضا. فكان بامكان الحركة الكوردستانية العراقية نفسها وحتى بغياب الدعم الشيعي أن تسهل وتزيل الصعوبات أمام القوات الأمريكيةـ البريطانية لوجستيا وكونترولا في العراق المحرر لو سخرت نفسها وفق عقلية وسلوكية عصرية، علما أن كافة الامكانيات التكنيكية والاقتصادية توفرها لها تلك القوات، وبهذا الخصوص مثلا لو كان هناك الاسرائيليون أو الأرمن أو اليونانيون بدلا من الكورد، عندئذا لتمكنوا بجدارة من انجاح المشروع الغربي ومن جلب الاستقرار الى العراق المحرر!
أي، أن الصعوبات الكبيرة التي حدثت من قبل تلك المجموعات الارهابية أمام قوات التحالف الدولي في العراق منذ تحريره والى الآن بسبب غياب التعاون الجدي المناسب من قبل تلك القيادات الشيعية والكوردستانية بتأمين المراقبة والملاحقة الجديتين لتحركات وعمل تلك المجموعات، والتي كلفت حتى الآن حوالي 4500 قتيل ، 22000 جريح أمريكي وأكثر من 500 مليار دولار أمريكي، بالاضافة الى أعداد أخرى من التضحيات والنفقات المادية لبريطانية وغيرها في العراق, هي التي أضرت الاستراتيجية الغربية في المنطقة.
وهكذا، يبدو أكثر فأكثر بأن ضعف أداء وتعاون ساسة الكورد الشيعة في العراق المحرر مع القوات الدولية بغية جلب الاستقرار هناك، كعامل سلبي حاسم، قد دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بأن تكونا حزرتين من ملف كركوك والمادة 140 بشكل عام وذلك ارضاءا للقوى والسلطات المعادية للكورد وذلك بغية ارساء نوع من الأمن والاستقرار في العراق. حيث ان الشريط الضيق والمحصور المتضمن فقط لمناطق دهوك، هولير والسليمانية والذي لا يلامس حدود كوردستان سوريا الا نقطة مائية ضيقة وحرجة من نهر دجلة، ويحوي 50 بالمئة من الجبال الجرداء مساحة يقل أهمية من تلك المناطق السهلية الكوردستانية المتنازعة عليها للمادة 140 من حيث الموارد المعدنية والبترولية والزراعية. فالموقف الاضطراري الأمريكي البريطاني ذلك لا يندرج في اطار تقاعسهما أو خزلانهما المقصود للكورد كما وصفه وشكا منه رئيس أقليم كوردستان العراق مسعود برزاني مؤخرا لجريدة الشرق الأوسط، بل العكس ربما هو الصحيح، أي أن ضعف وهشاشة أداء تلك الادارات الخجول منذ تحرير العراق والى الآن هو الذي خزل نسبيا الاستراتيجية الأمريكية والغربية عموما هناك !
وفي جانب آخر اضافة الى تلك التقصيرات الكبيرة المذكورة لساسة الكورد المعنيين، هناك قلق واستياء كبيران أيضا لدى أقسام واسعة من الكورد في العراق عموما وفي أقليم كوردستان خصوصا وذلك بصدد ازدياد حدة الفساد المتنوع المتفشي هناك.
حيث وفق تقارير بعض الوسائل الاعلامية الغربية على الأقل مثل نيو زيويك، واشنطن بوست و ب.ب.سي فضلا عن بعض المنظمات الحقوقية الدولية والكوردستانية مؤخرا، بأنه هناك الكثير من النهب المليوني لأموال ميزانية ومؤسسات الشعب الكوردستاني المحتاج والمظلوم من قبل المتنفذين وبعض أعوانهم وتهريبها الى بنوك أوروبية وأمريكية والى بعض دول الجوار من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك احتكار أفراد عوائل معينة وبعض أتباعهم لمعظم مراكز الادارات السياسية، الحكومية الامنية والعسكرية والاقتصادية في الأقليم وفي المشاركة الكوردية في بغداد أيضا, هذا في الوقت الذي يعاني فيه أغلبية الشعب الكوردي من البطالة والفقر والحرمان من المشاركة المناسبة في ادارة شؤونن الأقليم والشعور بالقلق واليأس من متطلبات الحياة والمعيشة الحالية والمستقبلية . وهنا باضافة هذا الجانب السلبي مع التقصيرات السلبية المذكورة في القسم السابق من هذا المقال يهدد ويشكل خطرا جديا على الوضع الكوردستاني الحالي والمستقبلي هناك. حيث كما هو معلوم كافح ويكافح الشعب الكوردي المضطهد في سبيل تحرره القومي والاقتصادي والاجتماعي معا وليس فقط من أجل التكلم والتعلم والغناء بلغته الكوردية. وبوجود ادارة أو حكم ذاتي معين وعندما يشعر ويلاحظ الشعب تلك المساوئ والحرمان ثانية، يؤدي ذلك حتما الى اليأس وخيبة الأمل لديه بل يؤثر سلبا حتى على درجة اندفاعه وحماسه المطلوب. كما لايمكن تبرير تلك الحالات الخطيرة من الفساد والاحتكار السلطوي الفئوي كما يبرهها أحيانا بعض المسؤولين أعوانهم المستفيدين على أساس أن تلك الحالات المفسدة والمسيئة هي موجودة في دول المنطقة أيضا بل وأن الفساد هي ظاهرة عالمية !
يصح أن يقال بأنه في دول الجوار هناك أيضا الفساد وفي بعضها الحكم العائلي القبلي والطائفي أيضا, ولكن هي الأقل دول معترف بها دوليا لشعوبها وربما سوف تتمكن تلك الشعوب مستقبلا من تغيير تلك الأنظمة الفاسدة ثم لا يعني ذلك بأن تلك الشعوب هي راضية بذلك الواقع الفاسد والقامع والناهب. بينما الشعب الكوردي لايزال يتمتع في كوردستان العراق فقط بنوع من الحكم الذاتي الاداري ضمن جمهورية العراق ولا يعلم ماذا بالضبط ينتظره غدا في ظل ذلك التأرجح والتبدل في الخطط الأمريكية والغربية في المنطقة فضلا عن تهديدات الأنظمة الغاصبة المجاورة المتكررة للأقليم، واضافة الى ذلك كله، خصوصا اذا كان هناك الشعب الكوردي يعاني ميؤسا وقلقا من الوضع الاداري والاقتصادي الفاسد لأقليم كوردستان!
فهذه الآفة الخطيرة التي تزداد نموا وتوسعا هي التي تؤثرا سلبا على نفسية واندفاع الشعب الكوردي المهدد الذي لايزال أمامه الكثير الكثير لنيل بعض حقوقه القومية والاقتصادية والجغرافية وبالتالي سييخلق لديه شعور الاحباط هذه المرة من ادارات حركته التحررية نفسها، وكأن الحرية المنشودة الساعية اليها هذا الشعب سواء في كوردستان العراق أو في الأجزاء الأخرى أيضا هي ستكون كالوضع الحالي المطبوع بالفساد والمحسوبية العائلية أي فقط لاستمتاع وحرية فئة معينة محدودة في الأقليم، علما أن الشعب الكوردي المضطهد منذ وقت سحيق يكافح وينتظر الحصول على نفس وشكل ممكن من حق تقرير مصيره وهو صاحب قضيته وأرضه. ثم ان الشعب الكوردي الواعي لمصالحه القومية والاجتماعية والاقتصادية وسعيه نحو الرفاهية لايمكن مقارنته بالعرب البدو في السعودية والخليج وبالتالي لايمكن أن يصمت ويخضع لمشيئة الذين ينهبون أمواله وثرواته ويسلطون هم وأفراد أسرهم وبعض أعوانهم فقط على كافة مراكز وشؤون الأقليم كما هو الحال في تلك الدول الخليجية أو في سورية وغيرها.
فلهذه الدوافع والأسباب المتنوعة ينبغي على النخب والمنظمات الحقوقية والسياسية الموضوعية الكوردستانية أن تنتقد بجرأة تلك الأفعال المرضية الخطيرة وتتقدم الشعب بالاحتجاجات و المظاهرات المناسبة والتوجه لدى القوى والمنظمات الدولية المعنية لمطالبة السلطات بمكافحة وحش الفساد واجراء اصلاحات ديموكراتية جادة وتوسيع المشاركة الشعبية في كافة مجالات ادارة الأقليم وتوفير فرص العمل والتعليم وتحسين الأجور على قاعدة العدالة الاجتماعية، وذلك على الأقل لتكون هناك جبهة داخلية موحدة لصد ومقاومة الأخطار التي تهدد الوجود الكوردي هناك حاليا ومستقبلا.
محمد محمد ـ ألمانيا
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا