الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس قمرنا

عباس بيضون

2009 / 7 / 22
الادب والفن



قبل 40 عاماً نزل أول إنسان على سطح القمر. لقد مشى بقدميه الشبيهتين بالحراشف على أرض أحلامنا. عندها صاح الشعراء الساذجون بأنهم استعمروا أرض خيالهم. الحقيقة أن خيالهم بدا في هذه اللحظة بائساً وضيقاً. بدا الشعر ايضاً، هذا الشعر على الأقل، بلا خيال. لقد كان مسبوقا، ليس الآن، ولكن منذ بدأ التفكير بالكون وفي كل مرة يبدأ فيها التفكير بالكون. من حسن حظ الشعر أن ليس كله مرتهنا بالقصور العلمي او بجهل الكون. ليس شكسبير ولا غوته، ولا هو لورين ولا المتنبي من هذا النوع.
أما بالنسبة لنا نحن العرب فإن واحداً من كبار مفكرينا لم يصدق أن التقنيات العلمية نفذت من الجاذبية. كان رجلاً غلبه العمر ورده إلى تقوى حرفية ففهم من بعض الآيات ان هذا محال وأنه فوق إرادة الله. على كل حال لم يكن الوحيد فقد شكك كثيرون، لأسباب مختلفة، بالمسألة كلها. لا يهمنا ذلك الآن. سواء انكر ذلك الكبير ام أقر فاننا كنا بعيدين كثيراً عن المسألة. في تلك الفترة لم تكن عقولنا ولا أحلامنا ولا زادنا العلمي او الفكري تطمح الى فتح كهذا. لقد بدت هذه قضية غيرنا. قمرنا حينذاك الذي لم نبلغه كان برنامجا آخر مختلطا ومركبا. قبل أربعين عاما كنا نتطلع إلى التحديث والتحرير والتوحيد معاً. لم نكن نعرف يومذاك كم كان ذلك طموحا وصعبا. كنا نظنه قريبا وأقرب من ذلك القمر الذي تباهوا بالنزول على أرضه. كان قمرنا ذلك الحين. الآن ننظر إلى ما حدث، مرورا بـ 1967 وما بعدها. فنرى الحروب الأهلية وريثة هذا البرنامج الضخم.
لقد فشلنا بالطبع. هذا صحيح. لكن الحروب الأصلية التي كانت انكشافاً للواقع وتوفزاً له في الوقت ذاته لم تكن كلها شراً. لقد أعادتنا مراحل إلى الوراء، لكن أي وراء، وراء أحلامنا الساذجة، وراء خيالاتنا التي لا مقابل لها في مؤسساتنا ودولنا وجيوشنا وأحزابنا وسياساتنا. لقد كان مشوار الاحلام قصيراً ومشوار الواقع طويلاً للغاية. ومهما يكن فإننا لا نزال في أوله. انه يتراكم علينا ويتتابع، لكننا نتلقاه اكثر مما نفهمه. نتابعه أكثر مما نستشرفه. نخوضه اكثر مما نستخلص منه. سيكون لذلك أطول بكثير. ما زلت على خصومة مع الواقع. ما زلنا نعيشه ونفكره في آن معاً. ما زلنا نعيش في مكان ونفكر في فضاء آخر. فانه سيكون أطول وأطول إلى ما لا نهاية.
نعود مع ذلك للقمر. لقد غدا هو الآخر ذكرى. الآن نحن بعده بكثير، لكن كلما تقدمنا نعلم اننا لا نكاد نعلم شيئاً. ان الكون لا يزال شبه مجهول لنا. تاريخ آخر كوني هذه المرة أمامنا. لا نعلم اذا لم يكن هذا من مصادر العولمة، مع عوامل الاقتصاد والصراع الايديولوجي والبيئة وخلافها فإن العالم قد تحوّل إلى جرم صغير. لا نعرف كم يخيف هذا هؤلاء الذين لم يجدوا مكاناً في العالم الصغير نفسه ولن يجدوا في الكون مكاناً أكبر. كم يخيفهم ان يفقدوا أنفسهم فيه. لذا يبحثون عن قمرهم على الأرض، اللغة، الحدود، التراب، الدين. ليست هذا أشياء صغيرة. لقد كانت جذوراً على الأرض فلماذا يبيعونها للسماء؟ لا أحد يجزم بماهية الصراع المقبل، لكننا نعلم أن هذا القمر الذي نزلوا على أرضه ليس قمرنا.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-