الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق والمستقبل المجهول

طلال احمد سعيد

2009 / 7 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يقول الشيخ محمد عبده ( لادين في السياسة ولاسياسة في الدين ). كلام صدر عن ابرز المفكرين الاسلاميين في العصر الحديث الا انه لم يلق الاذان الصاغية من الكثير من العاملين على تسيس الدين واستخدامه وسيلة لاستلام مقاليد الحكم في هذا البلد او ذاك .
في العراق هرعت الاحزاب الاسلامية التي دخلت البلاد مع المحتل الى السيطرة على السلطة واعلنت هوية العراق دينية طائفية عرقية , وعلى هذا الاساس تشكل مجلس الحكم عام 2003 , وعلى هذا الاساس تشكلت حكومة ابراهيم الجعفري , وعلى هذا الاساس شرع الدستور , وعلى هذا الاساس تشكل مجلس النواب وشكلت حكومة نوري المالكي ومازال الامر كذلك . حكم الاحزاب الدينيه افرز المحاصصة الطائفية التي اصبحت الشكل الرسمي لهيكل الدولة ومؤسساتها .
هذا الحكم يقود العراق نحو المجهول فلا احد يعرف ما سيحدث غدا وحزمة المشاكل الكثيرة التي تواجه البلاد ولدت ولم تجد لها طريقا للحل . ويمكن الجزم بان النخب الحاكمة عجزت عن ايجاد الطريق لاقامة الدولة العراقية الحديثة , كما عجزت عن توزيع السلطات بين المركز والاقليم وبين المركز والمحافظات . والملفت للنظر ان الجميع متمسك بالدستور باعتباره المرجعيه لحل المشاكل غير ان الحقائق تثبت بان الدستور هو نفسه سبب المشاكل ، فقد نجح في اقامه فيدرالية كوردستان ولكن الفيدرالية فشلت في ان تلعب دورا بناءا في وحدة العراق وسبب ذلك يعود الى النصوص الدستورية نفسها التي جاءت ناقصة او غامضة مما ادى الى ضياع الضوابط وانعدام التعريف السليم للفيدرالية فالمادة (120) من الدستور اعطت الحق للاقليم بوضع دستور له وهو نص يثير الاستغراب وبناءا عليه قام اقليم كوردستان باصدار دستور اصبح موضع نقاش وجدل ومعارضة من قبل الكثيرين واضاف عنصرا جديدا للمشاكل القائمة بين الاقليم والمركز .
دستور اقليم كوردستان تطرق الى المناطق المتنازع عليها وهي نفس التسمية التي اطلقها دستور العراق على بعض المناطق العراقية والمعروف ان المناطق المتنازع عليه لايجوز ان تقع ضمن حدود البلد الواحد انما تقع عادة بين الدول المتجاورة . ولاندري كيف تجرأ مشرعو الدستور العراقي على تضمين مثل هذه العبارة فيه والتي اصبحت بمثابة قنبلة موقوته . ونحن كعراقيين لم نسمع اطلاقا بان نزاعا قد جرى بين العرب والكورد حول خانقين ومندلي او حول زاخو وعقرة وسنجار . والغريب ان السيد نيجيرفان برزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان يصرح (ان المؤشرات صارت تقترب من اي وقت مضى نحو حصول نزاع مسلح بين الاقليم والحكومة المركزية ) . هذا التصريح لرئيس وزراء كوردستان يدمي قلوب المناضلين العراقين الذين طالما رفعوا الرايات وقدموا التضحيات تحت شعار ( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان ) هذا الشعار الذي رفع منذ اربعينيات القرن الماضي ولم يدر بخلد احد ان فيدرالية كوردستان ستهدد بقيام نزاع مسلح بين العرب والكورد .
قضية كركوك والمادة (140) من الدستور قنبلة موقوته اخرى رئيسية تعكر العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم , هذه القضية او المشكلة ان جاز التعبير عنها لم تجد طريقها للحل لاعبر اللجان الدولية ولاعبر اللجان الحكومية والبرلمانيه . وقد اكدت القضية هشاشة العملية السياسية الجارية في البلاد . صحيح ان جذور المشاكل في كركوك سببها تصرفات الحكم الصدامي الذي عمل على تغيير الطبيعه السكانيه للمدينه , الا ان سقوط نظام صدام حسين واعلان الديمقراطية نهجا للبلاد يجب ان يشكل البداية الصحيحة لحل مشكلة المدينه ونعتقد ان الحل يقع بين ايدي ابناءها بعيدا عن المزايدات السياسية والمؤثرات الشوفينيه . فالشعارات الاستفزازية المثيرة لاتنفع انما الذي ينفع هو التهدئة واعطاء الاهالي المزيد من الوقت عبر شكل من اشكال المراحل الانتقالية قد تطول او تقصر جسب الضروف والعمل الذي يجري من اجل التطبيع وتشجيع الجميع على العيش بمحبة وسلام كما كان سائدا منذ عقود من الزمن .
العراق امام مرحلة جديدة من حياته اذ انه مقبل على انتخابات برلمانيه عامة مطلع السنه القادمة هذه الانتخابات يجب ان تكون الفيصل لمستقبل العراق ويجب ان تكون مناسبة لكشف قائمة الحساب مع من تولى الحكم خلال السنوات الست الماضية , فقد اصبح يقينا ان الابقاء على حكم الائتلافات الدينيه والطائفية سيجر البلاد الى المزيد من المآسي .
ان استعراض حال العراقيين خلال السنوات الاخيرة امر يدعو الى الذهول فالخدمات لم تتقدم خطوة واحدة والاقتصاد ازداد تدهورا . العراقيون في القرى والارياف وفي بعض المدن يعيشون ضروف العشرينيات من القرن الماضي ويشربون الماء من البرك الاسنه ويقيمون بين النفايات والازبال هذا البلد الذي دخلته مليارات الدولارات من ايرادات النفط والمساعدات الخارجية لم يتمكن من انجاز مشروع حيوي واحد كما يقول وزير التخطيط الحالي السيد علي بابان .
العراق الذي عاش شعبه المتآخي منذ قرون اخذ يشهد هجمات دموية متكررة ضد الاقليات من المسيحين والصابئة المندائين واليزيدين هذه الحملات غريبة جدا عن سلوك الانسان العراقي المسالم فمن اين تأتي الهجمات انها بلا شك حصيلة الثقافات الدينيه المتطرفة التي تبثها بعض الاحزاب المشاركة في الحكم . والا كيف نفسر غياب الحراسات عن الكنائس في بغداد بعد ان تعرضت الى العديد من الاعتداءات في مرات سابقة . لقد اخذ اعداد المهاجرين الى الخارج بالتزايد بسبب الاضطهاد الذي تتعرض له الاقليات الدينيه وسوف تصبح مسألة الاجئين العراقيين والمهاجرين اكثر تعقيدا واشد عمقا مما يؤكد ان السلطات الحكومية اخفقت في حل هذه المشكلة فالذين تركوا ارض الوطن بلا عودة صار يشكل رقما كبيرا بالغ الخطورة خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار ان فيهم الكثيرمن الكفاءات العلمية وذوي الاختصاص .
الناخب العراقي الذي سيدلي بصوته عبر صناديق الاقتراع يجب ان لايمنح ايه فرصة لعودة من فشل في حكم البلاد خلال السنوات السابقة فالعراق الان هو بامس الحاجة الى تحالفات وطنيه تضم كل القوى الديمقراطية والعلمانيه واليبرالية بالفعل وليس بالاسم .
السيد رئيس الوزراء الذي ينادي بالشعارات الوطنيه ونبذ الطائفية يتفاوض منذ فترة مع الائتلاف العراقي الموحد من اجل اعادة تشكيلة على اسس جديدة . ونحن نقول للسيد رئيس الوزراء ان هذا الائتلاف الذي شكل على اسس طائفية لايمكن اطلاقا ان ينقلب الى تشكيلة وطنيه تؤمن بالمشروع العراقي لان مكونات الائتلاف والمنظمين اليه هم انفسهم الذين قادوا العراق الى الوضع الذين هم فيه وقد وصف احد النواب العراقين الائتلاف العراقي الموحد ب (حقبة من حقب التخندق الطائفي والفشل في مجال الخدمات) .
اطلعت على اقتراح قدمه الدكتور كاظم حبيب ونشر على الحوار المتمدن بتاريخ 20-7-2009 تحت عنوان (هل من حظ لعقد مؤتمر عام للقوى الديمقراطية والعلمانيه والليبراليه العراقية ) والذي دعى فيه الى تحالف تلك القوى باعتبار تلك الفرصة الوحيدة المتاحة فعلا في مجال النضال السلمي غير الانقلابي للخلاص من المآسي التي عاشها ولايزال يعيشها الشعب العراقي في ظل الطائفية الحاكمة .والتحالف المقترح لخوض المعركة الانتخابية يجب ان يكون قاسما مشتركا اعظم بين القوى السياسية المذكورة وهويدعو من اجل ذلك الى عقد مؤتمر للقوى المعنيه لغرض التوحد والتنسيق .
اني ككاتب سياسي اؤيد اقتراح الدكتور حبيب واشد على يديه لكني بنفس الوقت اود ان الفت انتباهه الى ان التحالف الكوردستاني لم يعد ذلك التحالف الذي كنا نتمناه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف