الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون والموقف من دعاة الثقافة

فائز الحيدر

2009 / 7 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المثقفـون والموقف من دعـاة الثقافـة
لقد جئت الى هذا العالم كي اختلف معه
( مكسيم غوركي )

شهد العراق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تغييرات في واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وهبت على العراق بعد الحرب العالمية الثانية رياح التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، ونشأ جراء ذلك صراع مرير بين الشعب العراقي بكافة فصائله السياسية وبين السلطة الحاكمة . ولعبت الثقافة العراقية دورا" كبيرا" ومهما" كأداة للتغيير في ذلك الوقت .. كما ولعبت المقاهي الأدبية وروادها من الأدباء والشعراء والفنانين دورا" كبيرا" في رفع الروح الثورية للشعب العراقي ، وبرز الكثير منهم في مجالات الأدب والشعر والقصة والفن يشهد لها بالبنان على الساحة الثقافة العراقية والعربية والدولية ، وأطلق عليهم لقب الرواد الأوائل للحركة الثقافية العراقية أمثال .. جواد سليم ، محمد مهدي الجواهري ، معروف الرصافي ، جميل صدقي الزهاوي ، حسين مردان ، بدر شاكر السياب ، عبد الوهاب البياتي ، عبد الأمير الحصير ، بلند الحيدري ، غائب طعمة فرمان ، لميعة عباس عمارة ، أحمد الصافي النجفي ومصطفى جمال الدين وغيرهم الكثير...

وهنا لابد ان نسلط الضوء اليوم عن ما هي الثقافة ومن هم المثقفون ؟؟ ... فقد لا نجد تعريفا" واحدا" لمعنى الثقافة وهذا يرجع لإختلاف وجهات النظر والآراء بين العلماء والفلاسفة والمثقفين في تحديد تعريف معين للثقافة يوافق عليه جميع العاملين في الحقل الثقافي ، ويعرَّف الأنثروبولوجي البريطاني ( إدوارد تيلور (الثقافة بالشكل التالي: ( هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة ، والمعتقدات والفن ، والأخلاق ، والقانون ، والأعراف ، والقدرات ، والعادات التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع )
ورغم كون هذا التعريف شاملا" ودقيقا" لكنه غير مقبول من قبل بعض الأطراف الثقافية ، وقد يكون التعريف التالي مرضيا" من قبل غالبية الأطراف والمثقفين وهــو .. ( الثقافة هي عبارة عن مقاييس أخلاقية ونظرة عامة الى كل جوانب الحياة الروحية والمادية تؤثر على السلوك والعادات وتهدف الى رفع مستوى الإنسان الى الأحسن والأفضل وتتناقل من جيل الى آخر عن طريق اللغة والمحاكاة ويعتبر المثقف هو المرآة التي تعكس هذه النشاطات الثقافية ) .
والمثقف كما يقول ( إدوارد تيلور ) ( هو الفرد الذي لايقف بعلمه واطلاعه عند حد محدود ... فهو الذي ذاق المعرفة ، وأحبها ، وتأثر بها ، وتهيأ لها ، فأصبح إنسانا" بأوسع معاني الكلمة ، إنسانا" لايحس الغربة في أي وطن من أوطان الناس أو بيئة من بيئاتهم ، ولا يجد القلق حتى يسمع الناس يتحدثون في أي ضرب من ضروب الحديث ) .
وهنا يمكننا القول ان المثقف هو الشخص ( الذي يمتلك قـدراً من الوعي والثقافـة والإطـلاع على الأشكال المتعـددة للثقافة ، وهذا الأمر يتطلب من قبل المثقف عملا" وجهدا" مضاعفا" متواصلاً لحركة التطور لأنواع الثقافـة المتعددة في العالم ) .ويتصف المثقف بإطلاعه الواسع على الحياة ، و يملك قدرا" معقولا" من التعليم والمعرفة حتى يمكنه من مواصلة الثقافة ، لا يؤمن بالخرافات والتطرف والتعصب ، و يؤمن بالحوار الديمقراطي وأحترام الرأي الآخر ، أن يكون متزنا" ، متواضعا" ، عفيف اللسان ، متسامحا" ، مراعيا" لمعايير الأخلاق السائدة في الأوساط الثقافية .
فبعد حالة التصدع والأنحسار التي عاشتها الثقافة العراقية خلال فترة النظام الدكتاتوري السابق استبشر المثقف العراقي في المنفى بزوال القيود التي كبلته لسنوات طويلة اثر عملية التغيير وسقوط الصنم وراح يعيد تنظيم نفسه ويعد برامجه لواقع جديد طالما انتظره لاسيما وقد استقبل التصريحات والخطب والوعود والأماني وحلم الديمقراطية والانفتاح والحرية التي كان من المؤمل أن يعيش في ظلها الجميع .

لكن هذه الآمال سرعان ما تبخرت مع الأسف وانقلبت الأمور من جديد وحدثت مفاجئات غير متوقعة فساد الشارع العراقي العنف نتيجة غياب الجانب الأمني ، وقتل جراء ذلك العديد من المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات كما حدث للشهيد كامل شياع ، كما وهاجر القسم الآخر من جديد إلى منافي شتى وتوزعوا في بقاع متباعدة ، أما من بقي في الداخل فقد انشغل في تدبير أموره الحياتية الصعبة . وهكذا توقفت مئات المشاريع الثقافية عن التنفيذ وتحولت الأنظار إلى هموم الساعة والقلق من المستقبل المجهول .
ومن هذا يمكننا ان نلمس اليوم حقيقة الوضع المزري الذي يعيشه الوسط الثقافي والأدبي والإعلامي العراقي الذي لا يمكن فصله عن المأزق السياسي الذي يمر به الوطن وهو تحت وطأة الأحتلال وهيمنة الأحزاب الدينية والطائفية المتخلفة ، حيث انحسرت الثقافة بكل أشكالها . وظهرت ثقافات بديلة مثل ثقافة الأرهاب ، التطرف ، العنف ، الثقافة الطائفية ، وثقافة إنهاء الآخر ، تلك الثقافات التي أوقفت التقدم الثقافي وشلت الحياة الثقافية ، وانتشرت ظاهرة الخطف والتهديد والأبتزاز والتصفيات الجسدية لرموزها ، الى جانب غياب الرؤية الواضحة للحكومة وأحزابها الطائفية في المجال الثقافي الأمر الذي يؤدي إلى استحالة قيام المثقفين بمهامهم الثقافية .

فالوسط الثقافي والإعلامي يمر اليوم بمحنة كبيرة نتيجة تسلط القوى الدينية والطائفية ، حيث أحتلت الساحة الثقافية العراقية وجوه جديدة لا تمت للثقافة بصلة ، وساهمت في تشويه المعالم الثقافية الأصيلة وما بقي منها على مجمل الساحة الثقافية . فبعد كل هذه السنوات لم يتحقق غير الصراع والتنافس على المناصب واقتسام المواقع والفساد المالي والأداري عبر ممارسة صيغ التوافق والمحاصصة الطائفية المقيتة واستبعاد الأساتذة والأكاديمين والمثقفين وأصحاب الخبرة ، وغزت الأسواق الأدبية الكتب الدينيـة والخرافية والأساطير التي تروج للطائفية والثقافة المتخلفة من بلدان الجوار ، ومنعت الأغاني والموسـقى والرقص الشعبي وحتى مراسيم حفلات الزواج كما وأغلقت دور السينما وحوصرت المهرجانات الأدبية والمسرحية والشعرية ومنها مهرجان المربد السنوي ، وأصبح الركض خلف المال والتزوير الثقافي هو البديل عن الأعمال الإبداعية من خلال الفساد الأداري والمالي الذي يعم الوطن .

وبما ان المثقفين هم شريحة اجتماعية ضمن فسيفساء المجتمع المتنوع وعاشوا في مجتمعات متباينة متخلفة أحيانا" فقد حمل البعض منهم رواسبا" وأمراضا" نفسية عديدة منها مرض الطائفية والأنـا واصبحت هذه الأمراض صفة ملازمة لشخصية العديد منهم.. وفي ظل هذه الفوضى في الواقع الثقافي ، تأثر البعض من المثقفين بالأوضاع السياسية التي يمر بها الوطن ، ففقد البعض من الكتاب والشعراء والأعلاميين والصحفيين سمعتهم الثقافية ، وانعدمت شخصيتهم وفقدوا استقلاليتهم بعد ان باعوا أنفسهم لمؤوسسات السلطة الثقافية الطائفية ، وتحولوا الى دمى يتلاعب بهم هذا المسؤول أو ذلك التيار السياسي أو الديني أو الطائفي ، وأصبح المثقف العراقي يعيش صراعا" بين حريته ورسالته الثقافية وبين الأرهاب والقتل على أيدي مليشيات العمائم المتخلفة ودعاة الثقافة التي سيطرت على الساحة الثقافية العراقية ، فمنهم من فر بجلده الى خارج الوطن ليواصل من هناك رسالته الثقافية بعيدا" عن إرهاب السطة وتوجهاتها الثقافية ، ومنهم من ألتزم الصمت وقبل بالأمر الواقع وهم القلة بالطبع ، ومنهم من باع قلمه لقاء اجور زهيدة ، وهناك من أصطف طائفيا" ويصفق للفكر الديني الطائفي والعشائري المتخلف ، وهناك من تخلى عن فكره المثقف الواعي واستقلاليته واصبح يهتف للحاكم والأفكار المتخلفة التي تغزوا الشارع لقاء امتيازات بسيطة .. أما المثقفين الجهلة ومن دعاة الثقافة فقد أحتلوا المراكز الأساسية في الساحة الثقافية وفق المحاصصة الطائفية .

ومن البديهي ان يدرك هؤلاء الجهلة والمتسلطين اليوم على واقع الثقافة في الوطن دور المثقفين المعارض في المنفى ، وما يقومون به من نشاطات ثقافية وأدبية وفنية وكلمات صادقة تعبر عن محنة الوطن الثقافية ، فراحت تمد أياديها الخبيثة تحت اسماء وشعارات مختلفة لتسئ لما يكتبه هذا أو ذاك من المثقفين والفنانين والأدباء في محاولة لأعاقة العمل الثقافي والتشويش عليه واحلال العهر الثقافي والفكري مكانه ، وذلك بمواصلة الضغط والتهميش ، ومن خلال تدمير من بقي منهم تحت ضغوطات الحياة في المنفى ووضع العراقيل امام عودتهم للوطن ليعيشوا طيلة حياتهم في حالة إغتراب طالما يقولون ( كلا ) لدعاة الثقافة المتخلفة .

لقد شاءت الصدف أن أحضر جانبا" من أحدى اللقاءات الأدبية ، لألتقي بأحد دعاة الثقافة الطائفيين الجهلة الذين يتحملون اليوم مسؤولية كبيرة في وزارة الثقافة ، ، وفي هذا اللقاء سمعته يتحدث عن تطور الثقافة العراقية والأهتمام بالمثقفين من قبل وزارته وظرورة عودتهم الى الوطن ، وانه يستنكر أرهاب السلطة والقمع الثقافي للمثقفين ، ويطالب بحرية الرأي والأختلاف والحوار الديمقراطي ، وتعتقد عند سماعه للوهلة الأولى إننا امام مثقفا" كبيرا" عانى من الأضطهاد والظلم والرأي الواحد كبقية المثقفين ونسب الى هذا المنصب عن جدارة . ولكن عند طرح بعض االأسئلة عن واقع الحياة الثقافية والمثقفين في الوطن ، تسمع أجوبته التي تدل على مستواه وضحالة ثقافته وطائفيته ، فعن رأيه بالكتاب والأدباء والشعراء العرب في هذا الوقت ، يبدأ بالأبتسامة وكأنه خبير بمجمل الثقافة والمثقفين العرب وهو يلتفت يمينا" ويسارا" محاولا" جذب انتباه المحيطين به ويحرك رقبته يمينا" ويسارا" ويتنحنح قليلا" ، واضعا" يده اليمنى على كرشه الكبير وبيده اليسرى ما تبقى من سكارته ليقول ماذا تريد ان تسمع عنهم ؟ ان هؤلاء المثقفين غالبيتهم من الفاشلين ، هم ادباء الوطن العربي المتخلف يكررون ما مضى من التأريخ وليس لهم أي شئ جديد .
وعن رأيه بالشاعر الكبير ( الجواهري ) ، فيجيب بسرعة ، انه شاعر كلاسيكي عرف بعد مقتل أخيه ( جعفر ) ولا يمثل غير دعاية للشيوعيين ، وعن الشاعر ( مظفر النواب ) ، يقول ان شعره لا يفهمه إلا المحيطين به من الناس ولا يفهم بالشعر شيئا" ، وعن شاعر المقاومة ( محمود درويش ) يقول انه شيوعي معروف ولولا دعاية حزب الشعب الفلسطيني لما وصل شعره للجماهير الفلسطينية ، وعن الشاعرة المندائية ( لميعة عباس عمارة ) ودواوينها السبعة لأجاب أنها صابئية مندائية وشعرها عبارة عن دعاية للمندائيين ، وعن الكاتب ( عزيز سباهي ) ومؤلفاته العديدة وآخرها كتبه الثلاث ( عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي ) فيجيب انه لم يسمع عنه ، ولم يقرأ له شيئا" ، وعلمت ان ما ذكره في ثلاثيته قد كتب سابقا" من قبل القادة الشيوعيون الأخرين في مذكراتهم ، وعن العالم المندائي ( عبد الجبار عبدالله ) ، فيقول ان ما توصل له من أبحاث علمية لا يمكن تطبيقها في الواقع العملي وحاز على سمعة أكثر مما يستحق ، وعندما تسأله عن آخر ما قرأ وماذا كتب أخيرا" فيقول لا شئ في السوق يستحق القراءة هذا اليوم وانه توقف عن الكتابة احتجاجا" على الثقافة الهابطة والأوضاع السائدة . وعن رأيه وعلاقته بالمثقفين الآخرين فيرد انه لا يحبذ الجلوس معهم لما يحملونه من نرجسية عالية .

شجع حوارنا هذا بعض الأخوة وتوسعت دائرة المهتمين بالثقافة وبدأ الحوار الديمقراطي الذي يدعوا له فبدأ كلامه ببعض الآيات القرآنية وبعض أقوال الأئمة وبعض الحكم والمصطلحات حاملا" مسبحته بيده مؤكدا" قول الشاعر ( اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ) وانه يؤمن بالحوار الديمقراطي وسبق له ان تعرض شخصيا" للأضطهاد بسبب آراءه تلك وجسمه يحمل آثار التعذيب ، وسبق وان اختلف فكريا" مع هذا وذلك من المثقفين العراقيين والعرب ، وعندما يفرغ ما في جعبته من كلام فارغ يدعوا الأخرين لأبداء آرائهم في الحوار وبما طرحه من آراء ، ولكن ما ان تطرح رأيك المخالف حول مقتل مستشار الثقافة العراقية الشهيد كامل شياع مثلا" والتغطية على الجريمة من قبل الحكومة بحجة مواصلة التحقيق ، حتى يكفهر وجهه وتتغير ألوانه ويترك مسبحته وسكارته وترتجف شفاه وتكتشف انك امام جلاد من نوع آخر . وقبل ان تكمل ما تود ان تقول حول اسلوبه في المديح المبالغ به لنفسه والتقليل من قيمة المثقفين العراقيين والعرب وما هو تأريخه الثقافي ونشاطاته الثقافية ؟ تراه قد كشر عن أنيابه وتهيأ للهجوم ويتحول الى موضوع آخر ، وعندما تذكره بما قاله قبل قليل حول الحوار الديمقراطي بين المثقفين وأحترام الآخر وقول الشاعر الذي استند عليه يتهمك بعدم المعرفة وبالكفر والألحاد والزندقة والعمالة وغيرها من النعوت .

وأذا كان هذا هو واقع حال دعاة الثقافة والمتسلطين على الساحة الثقافية العراقية ، يمكن ان نتصور واقع الثقافة المزري هذه الأيام . وهنا يأتي السؤال الى متى يستمر الحال ؟ وما هو موقف المثقفين مما يجرى ؟
إن واجب المثقفين اليوم هو توحيد الشعب والوطن بعيدا" عن الطائفية والقومية ، فهم أداة الأنفتاح على الثقافة الديمقراطية ، وعليهم تقع مسؤولية تنقية الثقافة العراقية من كل التشوهات التي دخلت عليها وأنشاء ثقافة أصيلة تشارك فيها كل القوى المثقفة في المجتمع بعيدا" عن تدخل السلطة وتأثير رجال الدين ، وممارسة ثقافة الحوار والتسامح والأعتراف بالآخر ، ورفع الوصاية بكل اشكالها علي الانشطة الثقافية ، والأعتماد على الكفاءات في اختيار الكوادر الثقافية وألغاء التقاليد المتخلفة التي غزت المجتمع وبرز من خلالها المثقفين الاميين والجهلة ممن استلموا المواقع السياسية والثقافية بحكم ما يملكون من تراث طائفي وعشائري متخلف ولكي تكون الثقافة مرآة عاكسة لكل مكونات المجتمع وهمومه بعد ان غابت عنه طويلا" بسبب غياب الديمقراطية والنظام الديمقراطي وحل محله النظام الطائفي والعشائري المتخلف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط