الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحفاد نيرون

مصطفى الكمري

2009 / 7 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كان الإمبراطور الروماني نيرون غاية في الخشونة وفساد الأخلاق. فجال فى خاطره يوماً أن يتمتع بحريق روما مثل ما حدث لمدينة طروادة. فأمر بحرق مدينة روما لهذه المتعة الرخيصة. ولما اندلعت ألسنة اللهب، صعد إلى برج عال بعيداً عن المدينة وهو يأكل ويشرب. وتناول بيديه قيثارته و راح يغني طرباً من كلمات الأناشيد والأغاني التي قالها الشعراء في وصف طروادة أثناء احتراقها.

سنتين بعد هذه الجريمة الشنيعة مات نيرون منتحرا. ليصير في نظر البعض مجرد أسطورة تحكيها الجدات لإخافة الأطفال المشاغبين. لكن الحقيقة أن نيرون لم يمت إلا فيزيائيا. فروحه الشريرة لم تتوقف منذ ذلك التاريخ الى الآن، عن السفر عبر الزمان و المكان، في بحث دائم عن نفوس ضعيفة تسكنها، لتصل الماضي بالحاضر و ليبقى حريق روما دائم الاشتعال.

روح نيرون تسكن اليوم في أعماق الكثير من الناس عبر العالم. ففي كل المجتمعات يختبأ أحفاده بين جموع الناس في انتظار ساعة الجريمة. في المجتمعات المتقدمة كما المتخلفة, هناك أحفاد لنيرون يتربصون و يتآمرون من أجل إيذاء الآخرين و الاستمتاع بمعاناتهم و صيحاتهم و استغاثاتهم.

في المجتمعات المتقدمة فهم الناس هذه الحقيقة، فأقاموا أنظمة لدولهم يصعب معها صعود أحفاد نيرون لمناصب المسؤولية و كراسي الحكم، و جعلوا الحاكمين تحت سلطة الشعب يعزلهم متى ما أخطأوا و يتركون مناصبهم جبرا بعد دورات محددة حتى لا تسكنهم روح نيرون الشريرة، و حتى لا يكون الشعب أول ضحايا السادية و الهمجية. و جعلوا من العدالة سلطة قائمة الذات و من القانون سقفا يعلو و لا يعلا عليه يستظل بظله كل المواطنين سواء بسواء، لا فرق بين بعضهم البعض إلا بمقدار التزامهم و احترامهم لبنوده و مساطره. لذلك تقدمت هذه المجتمعات، و أسست دولا قوية تؤمن بالحياة و تضمن الكرامة لمواطنيها، فصار أحفاد نيرون تائهين في شوارعها، ينتظرون ساعة غفلة لارتكاب جريمة معزولة هنا أو هناك، ما يفتأ القانون أن يقتص لضحاياها.

في المغرب كما كل المجتمعات المتخلفة، لا زال الناس بعيدين عن فهم هذه الحقيقة، لذلك وجدت روح الشر ضالتها فوق أراضيه فراحت تعبث و تلهو بأرواح الأبرياء، مستغلة في ذلك طبيعة نظام الدولة الذي يمكن أحفاد نيرون من تسلق مناصب المسؤولية، و التحكم في رقاب العباد. إنهم منبثون في كل أجهزة الدولة و على أعلى المستويات: غياب الديموقراطية يمكنهم من أن يصيروا وزراء و سفراء و مسؤولين كبار، استفحال الرشوة يمكنهم من شراء القانون كأي سلعة رخيصة الثمن، اقتصاد الريع يمكنهم أن يصيروا أرباب شركات و تجارا كبارا و عدم استقلالية القضاء و عدم نزاهته يجعلهم في منأى عن كل حساب أو عقاب... و النتيجة دولة ضعيفة على حافة الإفلاس و مجتمع مريض منهك.

في الختام بقي أن أشير أن نيرون لم ينتحر إلا بعد أن ثار ضده الناس، بعد أن اقتنعوا أنهم ميتون ميتون فالأجدى الموت بكبرياء و كرامة. عندها أعلنه مجلس الشيوخ عدوا للشعب... فاختفت معه ديكتاتورية الرومان و أعلنت ديموقراطية روما... و به وجب الختام و السلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة