الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العلاقة مع أجهزة المخابرات الشرق اوسطية

حسام مطلق

2009 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


هذه السطور هي رسالة لستة اجهزة مخابرات في الشرق الاوسط, وان كنت سوف استخدم مفردة عرب في مخاطبتهم, فليس من باب التخصيص القومي بل من باب مصدرية النظرية الأمنية المتبعة من جهة, والأسس القيمية الناظمة لعملهم من جهة أخرى.
ما يخيف في العلاقة مع أجهزة المخابرات في الشرق الأوسط, أقصد الانطواء في صفوف أحدها, هو هذا الاستهتار الكبير بذكاء الشخص الهدف من جهة, وتسخيرها لكل هذه الطاقات في المجتمع لتصحيح خطأ يقع به احد ضباطها ونموذج المتبع في التصحيح.
مثلا : قد تعجبك فتاة ما لم يكن هم من ارسلها, وبدلا من أن يراقبوا المشهد بدقة, كي يجمعوا مزيدا من التفاصيل عبر هذه العلاقة, مع توافر كل اشكال المتابعة لديهم, من التصنت عبر الموبايل الى الملاحقة الشخصية وغيرها من ادوات, يسارعون الى ممارسة السلطة عبر التدخل الفظ في دفع الفتاة للابتعاد. مع انهم, كما تاريخ المجتمع كله, من انصار تعدد الزوجات, والمباهات بتعدد العلاقات, ولكنهم, وفجأة يصبحون, وبكل سذاجة, من انصار الحصرية النسائية.
يتكرر الأمر, ولا يتوقفون عند التكرار وسببه, بل يقفزون الى استنتاجات نمطية راسخة في أذهانهم استمدوها من سطحية واضحة في التحليل والتفسير سببها ضعف ثقافي حاد وعجز شديد في دقة الملاحظة وفهم الاشارات.
ضابط المخابرات في الشرق الاوسط ينطلق من نمطية عجيبة, تعكس نمطية المجتمع, رغم انه, وبحكم وظيفته, يفترض ان يكون الاكثر تجاوزا للنمطية. فبرغم ما يدركه جيدا في تمايز الهدف هو يفسره عبر السائد من الوعي او التجربة لديه, وهو, في النهاية, قادم من نفس النمطية الاجتماعية التي تسبب العجز في واقعنا, وبرغم ضرورة ان يكون لا نمطيا, هو يعيد انتاج النمطية.
تصل الرسالة متأخرة جدا, او للدقة, يستسلم الى اللانمطية متأخرا جدا, اي بعد ان يتكرر امر التقاءك بفتاة وابعادهم لها, حتى تجد ان لا جدوى من المحاولة, فهم في كل مكان, تاليا, المصير واحد لأي محاولة جديدة.
هنا يتدخل ضابط المخابرات لانقاذ الموقف, وايضا عبر النمطية لا بتجاوز لها, فيرسل لك " عصافير عاشقة " تقف أمامك هناك في الحياة, تتبادل الهمسات, اللمسات, واحيانا, وبشكل خاطف, القبلات, كي يقول لك : اذهب تعرف الى فتاة, المجتمع مفتوح امامك. في احدى المرات ارسلوا شابين كي يتعرفا الى فتاتين . اي الجماعة يريدون ان يدربوك على الطريقة, فقد استسلموا, لا لفهم البعد النفسي, بل لما هم معتادون عليه, او للدقة, ما يريدون ان تبقى الامور عليه, مستسلمون الى النماذج النمطية في التفسير.
التكرار, تكرار محاولة افهامك, يدفع الى الشفقة, خصوصا حين يضمنون المشهد بعض من يدعون انهم من الشواذ جنسيا او مثلي الجنس, ولكن هذا التكرار انما يكرس الأزمة. لانك ببساطة تسأل نفسك : كيف سوف انظم اليهم؟. هل كي أصبح أركوصا كهذا الذي يجلس الان امامي؟. جوهر القضية غائب عن وعيهم, وهنا مصدر الخطورة, لانهم ببساطة يفكرون في تفاصيل كثيرة, وكل ما يفكرون به لا يتضمن احتراما لانسانيتك, ولا لرجولتك.
هم باستهتارهم في البداية المبكرة بخيارك بدأوا الصعوبة, ورغم كل المشقة لم يتوقفوا كي يفكروا في الاساس بل يستمرون في تمريغ كرامة افراد في المجتمع في تمثيليات باهتة تجعلك اكثر نفورا.
وطبعا تسأل نفسك : هل من المعقول ان يديرني من هم بكل هذه السذاجة؟. هل يتوقعون فعلا انك ستستمد الحقيقة من هذه التمثيلية؟. عيون المارة المستغربة لكل ما يجري الاتعني لهم شيئا في تحسين انتاجهم السينمائي؟.
كم كان سيكون سهلا لو قال احدهم : نعتذر لقد أخطئنا في تقدير الامر, عش حياتك, وتذكر ان لك معنا مكان ان رغبت.
كل هذا اللف والدوران, كل هذه الطاقات المهدورة, كل هذه القصص المكررة, بين الاجهزة وفي الجهاز الواحد, تعمق فيك الاحساس بالنفور وبمدى احتقارهم لذكاء الاخرين ولانسانيتك قبل كل شيء.
هل فعلا يعتقدون ان شخصا بهكذا درجة من الذكاء, وتلك التجربة العابرة للاقطار والقوميات, وبكل هذا التعقيد النفسي, قد يقع في الحب, حب إمرأة؟. الحب بمعنى السقوط في حبال صبية. لست اقول انك قد تتجرد من العاطفة نهائيا, ولكنك بكل بساطة تصبح مدركا لكل التعرجات المشاعرية. وهو ما يعني أنك مدرك تماما لمكان المرأة في حياتك. وهو ما يعني انه لايمكن بحال أن تحدد إمرأة لك حياتك. هذا ما لم يفهمه معاصروا المتنبي فيه, فقالوا في رجولته ما قالوا, ولكننا لاحقا, اي بعد قرون طويلة, ادركنا أن المتنبي كان يعيد كتابة أرسطو بالعربية شعريا, وانه كان على علاقة بأخت سيف الدولة, وهي علاقة موظفة, وأن من ذكر في التاريخ ممن عاصروه, فلأنه مر بهم, لا لأنهم, بسيرهم, كانوا سوف يذكرون فيه, او على الاقل بكل تلك الاستثنائية.
لا أفهم كيف يمكن لرجل يحترم رجولته أن يقبل بأن يحدد له آخر, مطلق آخر, زوجته. قلت مرة في مقال - آلية القرار : النفس وأقسامها , قلت : اللسان مرآة القلب, والعين نافذة الروح.
يبدو لي ان احدا لم يعر هذه الكلمة ما تستحق, فضباط المخابرات يقرأون على طريقة كندي, لا لأنهم بذكائه, ولكنهم كسلاء يستعجلون النتيجة. بالنسبة لي أنا لا أنظر الى المشهد, بل الى العين التي تؤدي المشهد. انا لا أفكر بالكلمات التي تقال, فلكل خلفيته, ولكنني افكر بترابطها. أنا لا أنشغل بأجزاء الحدث, بل بمجمل الحدث. أنا لا أفكر بالعلاقة, ايا تكن تلك العلاقة, بل في نتائج العلاقة. واستطرادا, انا لا أقرأ التاريخ, بل اسقط على احداثه القوانين كي ارى المستقبل.
من هنا فرؤياي لكل ما يجري مختلفة عنكم, واهدافي, تاليا, شديدة الاختلاف. يبدو لي ان مقولة العرب لا يقرأون تحتاج الى تتمة : هم لا يقرأون, وان قرأوا لا يفهمون, وإن فهموا لا يتأملون. اختم بكلمات ختم بها غسان شربل مقاله في ذكرى هبوط الانسان على القمر المنشور في جريدة الحياة 20 الجاري تحت عنوان " بماذا يشعر القمر " :تنتابني احيانا اسئلة غريبة. بدل الاحتفاء بالذكرى الاربعين لهذا الانجاز العلمي الكبير اجدني اسأل عما يشعر به القمر حين يسهر قبالة هذه المنطقة المنكوبة التي نسميها الشرق الاوسط؟ هل يستنتج ان قدرنا هو ان نظل حيث نحن. نحسد من يتقدم ونرثي انفسنا. نشكك في نجاحات الآخرين ونبحث عن اعذار لملامحنا التي تزداد هِرما. نستقيل من معارك المستقبل ونقْصر الشهامة على التحصن بكهوف الماضي رافضين اي سؤال مقنع او محرج وأي سبابة ترفع اعتراضا على هذا التكلس الرهيب.
تحول العالم قرية كونية. هذا صحيح. لكننا احتفظنا بمواقعنا في الحي المنكوب منها. نتقاتل بين خرائب اوطاننا وعواصمنا ودولنا ونشكّل لجانا للحوار او لوقف النار. مدارسنا بالية وجامعاتنا قديمة. صناعتنا عاجزة وزراعتنا متخلفة وادارتنا سقيمة. نخسر اعمارنا ونعلق حساسياتنا الطائفية والمذهبية والجهوية على شاشات الفضائيات.
صحيح. بماذا يشعر القمر حين يسهر قبالة كركوك الموعودة بأيام غير مقمرة أبدا؟ وبماذا يشعر حين يسرح ناظريه في خليج عدن وغزوات القراصنة؟ وحين يمضي الليل فوق جبال اليمن ومواقع الحوثيين ودورات الاتصال والانفصال؟ بماذا يشعر حين يمر فوق ليبيا وعمر نظامها الحالي من عمر غزو القمر ولم يتغير فيها شيء غير فوز العقيد بلقب ملك ملوك افريقيا؟
بماذا يشعر القمر حين يسهر قبالة مبنى الجامعة العربية؟ او حين يلتفت الى النهضة العمرانية في دارفور؟ او الى العرس الديموقراطي في موريتانيا؟ وبماذا يشعر حين يحدق في خرائب الجمهوريات اللبنانية؟ في الديموقراطية العجائبية التي تبحث عن الثلث الضائع؟ في المخاض الحكومي الذي يكشف هزيمة كل اللبنانيين بلا استثناء.
غالب الظن ان القمر سيندم على سهره قبالة بلداننا المنكوبة. اضعنا اربعة عقود كاملة. ذهب العالم الى المستقبل وتركنا عراة امام القمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح