الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنون و حرائق و سهول

مصطفى العوزي

2009 / 7 / 24
الادب والفن



من منا يصدق أن المجانين بدورهم يكتبون ، كما يكتب العاقل رواية أو قصة أو قصيدة شعر؟ ، من منا يصدق أن للمجنون أيضا حسا أدبيا و روحا فنية يستطيع بها التعبير عن حياته اليومية بماضيها و حاضرها في رواية أو سلسلة مذكرات ؟ . تامورا بطل رواية حرائق في السهول للكاتب الياباني شوهي أؤكا استطع أن يحقق هذا ، و ذلك عندما يبدأ كتابة مذكراته في المستشفى بناءا على نصيحة الطبيب المعالج الذي رأى أن الكتابة هي إحدى الدعامات الأساسية التي ستساعد تامورا في العلاج من مرضه العقلي و لنفسي الذي أصيب به نتيجة للحرب التي كان جنديا مشاركا فيها .
يبدأ تامورا بطل هذه الرواية بسرد مذكراته من اللحظة التي لطمه فيها قائد سريته ، فقد كان تامورا مجندا في الجيش الياباني في الفيليبين ، و أصيب بمرض السل ، فقرر قائد السرية تسريحه من الخدمة العسكرية على اعتبار أن الجيش لا يقبل بجندي مريض في صفوفه ، فراح تامورا على المستشفى الذي بدوره رفض استقبله بحكم ضعف الطاقة الاستيعابية و كثرة الجرحى و المرضى الذين يتقاطرون عليه يوميا ، فعاد تامورا إلى الثكنة راغبا في العودة إلى صفوف الجيش ، غير أن قائد السرية رفض عودته هذه و طلب منه الرحيل على الفور حتى لا يعدي باقي أفراد السرية ، ثم نصحه بالانغراس أمام باب المستشفى حتى تعثر له الإدارة على غرفة يعالج فيها ، بعدها يروح تامورا في رحلة طويلة و شاقة مملوءة بالكثير من المخاطر و الصعوبات ، يجوب فيها جبال و هضاب و غابات و سهول الفيليبين ، بحثا عن الأكل من اجل البقاء على قيد الحياة ، حتى باقي الجنود اليابانيين هناك لم يكون لهم من هدف سوى الخروج من مستنقع الفيليبين أحياء ، و أصبح البحث عن وجبة أكل اكبر هاجس يتحكم في حركاتهم و انتقالاتهم ، تامورا أيضا ظل يتنقل من مكان لأخر بحثا عن بعض الأكل ينقذه من الموت ، و ينتهي به المطاف أمام جثث زملائه في السرية العسكرية ، فيتردد في أخد قرار أكل إحدى هذه الجثث كما فعل الكثير من الجنود هناك بعدما استحال عليهم العثور على حبات البطاطس التي كانت الوجبة الوحيدة المتوفرة في تلك السهول . تتوقف رحلة تامورا عندما تتوقف ذاكرته فجأة و هو يمسح بندقيته التي قتل بها زميله ناغاماتسو .
في هذه الرواية تحضر معالم الدين المسيحي خصوصا تجربة التجلي عند المسيح ، و هو ما يعكس تجربة الكاتب الذي كان متأثرا في شبابه بمبادئ الدين المسيحي ، و يتجسد ذلك في الرواية من خلال رصده للصراع الذي دار بين يده اليمنى و يده اليسرى حينما جلس يرقب الجثث و يتردد بين خيار أكلها من عدمه ، فلم يكون ليستسلم لغريزة الجوع الفطرية و فضل بدلا منها الصبر و الترفع بنفسه عن هذه الغرائز المادية ، معتنقا بذلك قيمة الشهادة في سبيل الوطن الذي ظل يحارب من اجله إلى أخر رمق من حياته . بعدما كتب تامورا مذكراته في المستشفى و هو يتابع جلسات التحليل النفسي ، قرر ختماها بعبارة يتمظهر فيها إيمانه بالله ، و ذلك حينما يقول في حديثه عن الخلاص الذي يأتي به المسيح : إذن فالمجد لله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا


.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي




.. فنان إسرائيلي يعيد بناء أنفاق حماس تضامنا مع المحتجزين الإسر


.. صابر الرباعي: أتمنى المشاركة في عمل كوميدي مع أحمد حلمى أو ه




.. البلالين ملت الاستوديو?? أجمل أطفال الوسط الفني مع منى الشاذ