الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقات المتوسطة وانتخاب الغرف المهنية؟

أحمد الخمسي

2009 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


منذ ماي الأخير إلى اكتوبر المقبل، تستكمل الحكومة الإشراف على تشكيل طبقة الناخبين الكبار، من مختلف القطاعات والمؤسسات. إذ بصدور هذا العدد من الأيام (24/7/2009)، تكون ستة قطاعات اقتصادية قد انتخبت ممثليها في الغرف المهنية: الفلاحة والصيد البحري والصناعة التقليدية والصناعة الحديثة والتجارة والخدمات. وفي شتنبر المقبل تتشكل هيئات مجالس الجهات، بعد ما تشكلت مجالس الأقاليم والعمالات. لننتهي يوم ثاني اكتوبر 2009 من تشكيل الثلث ضمن الغرفة الثانية.

ولنبدأ بالتذكير الذي تردده الطبقة السياسية حول ما يفيد العبث من إحداث الغرفة الثانية من البرلمان. سواء من حيث دورها في التشريع والمراقبة أو من حيث وقوعها عبئا ثقيلا على الزمن النيابي والمساطر الإدارية، ناهيكم عن العبء المالي. في مقابل هذه الورطة المؤسساتية التي أراد من خلالها الملك الراحل أن يستقطب أوسع فئات الواقفين على عتبات المؤسسات الرسمية للدولة، لتحسين السمعة والجاه أو لتقوية حظوظ قضاء المنافع الزبونية، هناك من اقترح التخلي عنها واستكمال تفعيل أبواب الدستور، الكفيلة بتوسيع الاستشارة فيما يتعلق باتخاذ القرار الاقتصادي والاجتماعي، عبر إنشاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي المنصوص عليه في الدستور والذي لم ير النور منذ آخر تعديل عرفه الدستور (1996) إلى اليوم (2009).

فالانشغالات الانتخابية ممتلئة الاجندة. لكن الغاية المرجوة من المؤسسات حيث تصب إحصائيات صناديق الاقتراع، لا أحد يتقن احتساب العلاقة بين اللحظتين: الاقتراع من طرف المواطنين. وتزكية الملك للرؤساء المنتخبين بواسطة الظهائر والاستقبالات البروتوكولية. مما يفرغ المسلسل الانتخابي برمته من شحنته الشعبية. بل يفرغه من مضمونه السياسي بمجرد ما يتأكد أن الملك غير ملزم دستوريا بنتائج الانتخابات. بل الانتخابات هي الملزمة باتخاذ الاختصاصات الدستورية للملك على أصعدة كل السلطات: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
لكن، إذا كان ذلك العطب سياديا، يقزم بل يسعى لتقزيم مسؤولية الشعب أمام الدور الحاسم للملك، ويستصغر دور المجتمع أمام الهيمنة الشاملة للدولة، فغياب المنظور الشامل لدى الطبقة السياسية عن الدور المنوط للغرف المهنية هو تخلف تاريخي. بل عمى سياسي آني لدى قادة الأحزاب السياسية التي تظل حتى، تكرر ما تبادر إليه الدولة، باعتباره منزها عن الخطأ وبكونه عين الصواب. بهذا المعنى، قبل سنة مضت دعى الملك إلى الاهتمام بالطبقة المتوسطة. وهو تقدم من جانب الدولة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي اتجهت نحو الفئات المتضررة من الهشاشة والإقصاء والفقر. من زاوية الجماعات المنتخبة. وهو ذكاء سياسي لربط المؤسسات المنتخبة محليا بالمستفيدين من التنمية البشرية ليرتبطوا بالشأن المحلي سياسيا وتتقوى مسببات المشاركة السياسية. نعم، الاهتمام بالطبقة المتوسطة تقدم نحو طبقة أعلى من الطبقات الممسوسة بالفقر أو المهددة بالسقوط فيه بين الظرفية والأخرى.
أما القول هنا بالعمى السياسي، فيشمل كل الطبقة السياسية. بما فيها المجلس الحكومي ووزارة الاتصال. التي من المفترض، أن تتحسس التوقيت السياسي الدقيق لتفعيل الاهتمام الملكي بالطبقة المتوسطة. أليس التوقيت هو انتخاب الغرف المهنية؟ الفلاحية والصيد البحري والصناعة التقليدية والصناعة الحديثة والتجارة والخدمات؟!!!! ست قطاعات لا تهم وزير الاتصال ليتمم تنظيراته المتهجمة دوما وأبدا من زاوية الوعي الشقي المهموم بالسجال لفائدة الدولة. بدل إنتاج خطاب منتج مفعل لما يقترحه مركز القرار الملكي من توجهات استراتيجية! إن الدور الذي لا يرقى إلى الربط الاستراتيجي بين نخب الغرف المهنية وبين تقوية وتوسيع الطبقة المتوسطة وغرس دورها في صلب المؤسسات المحلية والإقليمية والجهوية.
ولهذا القول بالعمى السياسي دليل ساطع. فالصحف اليومية المستقلة راعت تخمة اهتمامها بالانتخابات الجماعية المحلية الأخيرة لتوازنها باهتمام لاحق بنفس الكم بصدد ممثلي القطاعات الاقتصادية في الغرف المهنية. ولا هي خلقت نقاشا مواكبا لتنوير الرأي العام بفوائد الانتخابات المهنية أو بعبثيته. ناهيكم عن خلو بعض ما نشرته الصحف الحزبية من دعاية انتخابية لفائدة مرشحيها للغرف المهنية، دون الربط بالتنمية الاجتماعية البشرية خصوصا لأطرها الحزبية في القطاعات المختلفة. لتبين أنها جددت وعيها ونظرتها نوعيا. بما يفسر التصاقها العضوي بالحكومات الثلاث الأخيرة. بحيث كلما خطب الملك في قضية جديدة إلا وتبدأ البروبغندا البالغة المدح للملك من زاوية الأبعاد الاستراتيجية ومن حيث الفوائد الاجتماعية والاقتصادية لمبادراته. لكن الذاكرة التي تنسى محاور ما تعتبره استراتيجيا بل تاريخيا في مبادرات الملك، سرعان ما تنسى ما لوكته من إطناب في المدح والتقريظ. وما دام النسيان هو مآل المبادرات المفصلية في سياسة الدولة، معناه أن المتوقف معها في لحظة الإعلان عنها، تموقف لغير ذاتها. بل مجرد تموقف عام بنية مسبقة لدعم الرسميات قصد تقوية حظوظ المنافع الشخصية أو الحزبية والفئوية في أحسن تقدير. معناه مجرد جلب وتجديد لحسن السيرة.
فالطبقة السياسية وهي تتفرج على انتخاب الغرف المهنية، لم تنس المجلس الاقتصادي الاجتماعي، كمؤسسة دستورية مشلولة فحسب. بل، تنسى ما للعلاقة الوثيقة بين تقوية دور الطبقة المتوسطة وبين انتخابات الغرف المهنية. قبل يومين، في صفحة الرأي، كتب رشيد جرموني، حول الطبقات المتوسطة، من زاوية الرؤية السوسيولوجية، عند ماركس وويبر وبورديو. في حدود التعريف وتنوع زوايا المعالجة. بينما نجد الصحافة الصينية مثلا، عندما بدأ الاهتمام الدولي كتوجيه عام ضمن تطويق الفقر وفتح مداخل للتنمية البشرية قصد نقل أجزاء من السكان من حالات الهشاشة والإقصاء والفقر إلى حالة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، كانت واضحة التعريف. من حيث الوضعية المادية للطبقة المتوسطة. كونها مستقرة الوضع المهني الذي يوفر لها الاستقرار المادي في الحياة داخل المجتمع.
فقد كان التعريف الصيني في السنوات الأخيرة للطبقة المتوسطة بمعايير مادية واضحة: كون الشخص المحسوب على الطبقة المتوسطة بالإضافة إلى كونه مستقر مهنيا وماديا. يتجلى استقراره في معايير تربطه بالمعيش الحديث من حيث مقوماته. فهو يتوصل بميزانية سنوية تكفيه الاستهلاك الذي يمليه عليه نمط العيش العصري. بل توفر له نسبة للادخار. يستعمله في التحسين المستمر للتجهيزات الالكترومنزلية ووسائل النقل السيارة والوضع الصحي السليم والقدرة على تمويل برنامج سياحي شخصي سنوي.
وهذا الوضوح يسهل على السلطات الصينية، عبر استطلاعات للرأي من خلال المؤسسات المهنية، معرفة العدد من الصينيين الذين غادروا أوضاع الهشاشة الاقتصادية الاجتماعية إلى أوضاع الرفاه النسبي وهو المناخ المعيشي الذي يميز الطبقة المتوسطة. وبالتالي، تكون العمليات الانتخابية مناسبة لمعرفة أوضاع الطبقات والفئات، من زوايا المهن نعم، لكن المطالب المهنية مناسبة لتحديد أوضاع كل فئة. أما إذا كانت انتخابات الغرف مجرد "مؤامرات" للإنزال أوالشطب من اللوائح للأنصار أو للخصوم. فتلك علامات فلسفة البؤس لدى الطبقة السياسية عندنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب