الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن عقلي المحتجز : رد عقلي

محمود الزهيري

2009 / 7 / 25
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


كيف يكون لديك عقل منتج في أي عمل من الأعمال أو فعل من الأفعال , إذا كان عقلك يعمل كرقاص الساعة حينما يتم ملؤها يتحرك يميناً ويساراً , وحينما تفرغ الساعة يقف هذا الرقاص بلا حراك وتصبح الساعة مرصودة عقاربها علي تاريخ محدد وزمن ثابت ؟!!

العقل لايمكن أن يكون له الحق في فعل الإبداع إلا إذا كان مطلق السراح بلا وصايات سياسية أو دينية , أو حتي وصايات العادات والأعراف والتقاليد المتوارثة من الفرد والعائلة والقبيلة والمجتمع , فوجود حوائط صد ثابتة لحدود العقل تجعله لاعقل , ويتحول هذا العقل إلي قلب تملؤه مشاعر الحب أو الكراهية , الشجاعة أو الخوف في إطار هذه المصدات العقلية الملعونة .

ومن ثم فإن العقل تحت هذه الظروف يعمل كخادم علي الفاشيات الدينية أو السياسية ويعمل من أجلها فقط لاغير إذ هو واقع تحت أسر هذه الفاشيات الملعونة التي تعمل فقط لصالح الإنسان المنتمي لها فقط , ومن ثم فمن هو غير منتمي لها يعتبر آخر يتوجب مكافحته والعمل ضده بإعتباره آخر سياسي أو ديني يتوجب تطبيق عليه قانون الفاشية بإعتباره آخر مغاير ومعادي , وقانون الفاشية هو القتل أو السجن والإعتقال أو النفي والتهجير قسراً .
لاحرية عقلية والمؤسسات العلمية واقعة تحت سيطرة الدولة التي يتفاعل معها النظام الحاكم بالطغيان والإستبداد بداية من إختيار موظفي المؤسسات العلمية بالتعيين ليكونوا خداماً راكعين للنظام الحاكم علي عتبات الإستبداد والطغيان , وليسوا خداماً للعقل والتجارب العقلية المبدعة , إذ لا إبداع مع إستبداد , ولا حرية مع طغيان .

لا حرية بلا ديمقراطية , ولا بحث علمي يمكن أن ينتج آثاره في ظل أنظمة الإستبداد , وهذا ينطبق علي التاريخ الذي كتبته أيادي كتبة أنظمة الإستبداد والطغيان ليكون في النهاية تاريخاً مزيفاً مشكوكاً في مصداقيته وأحداثه وتنطبق علي هؤلاء الكتبة السلطويين مقولة لينين : أقرب الناس الى الخيانة هم المثقفون .

ولدينا العديد من الوثائق التاريخية المكذوبة التي تشهد فقط علي أن الطغيان كان رحمة , والإستبداد كان ديمقراطية , واحتكار مقدرات الشعب كان عدالة في توزيع الثروة , وأن الرأي الأوحد للزعيم الموهوب كأنه وحياً ألهياً , وأن مؤسسات الثقافة تنطق بما يريد أن ينطق به الشعب العاجز القاصر , فهي تفكر كبديل عنه , وتعمل عقلها بديلاً عن العقل الذي يحتاج لوصاية ولم يبلغ سن الرشد العقلي .

لايمكن كتابة التاريخ العقلي للشعوب الواقعة تحت سياط أوجاع وآلام الإستبداد , فالعقل مشطوب بإنحيازه للسلطة , والذي يفرض نفسه ويؤسس لذاته هو القلب الذي تسيطرعليه المشاعر والأحاسيس الإنسانية بمشاعر وأحاسيس ووجدان الوطن فقط ليحل الوطن محل المواطن , ويحل الزعيم محل المواطنين , ويحل العقل الفردي محل العقل الإجتماعي , لدرجة يصبح فيها حلول الوطن والمواطنين في شخص وذات الحاكم ليكون هو المتحكم في مصائر الوطن والمواطنين في آن واحد .

المثقف والسلطة علاقة خطر تبني علي المنح والمنع , علي الترغيب والترهيب , علي حسابات مصلحية فردية للمثقف مخصومة من الحسابات المصلحية الإجتماعية للمجتمع .

السلطة في البلدان العربية مبنية علي رأي أحادي لحاكم فرد يستخدم ويوظف كل مؤسسات المجتمع لتفعيل رأيه الأوحد , ومن ثم فالوهم أو التوهم بأن الدول العربية لديها مثقفين مستقلين يمثل حقيقة إسمها الخرافة .
المثقفين العرب في معظمهم يستخدمهم الأمن وتوظفهم الأجهزة الأمنية ليكونوا مخبرين , أو مرشدين سريين لتلك الأجهزة الأمنية لتجنيد زملاؤهم , والتجسس علي بعضهم في مجالس المثقفين من عملاء الأجهزة الأمنية , لدرجة أن شاع تعبير بين أواسط بعض المثقفين المستقلين , بأن : المثقف العربي أصله مخبر سري !!

لايوجد في الحقيقة مثقف يدافع عن السلطة , أو يحتمي بها , أو يعمل لديها أي عمل وظيفي , وببساطة شديدة فإن الإلتصاق بالسلطة تحت الخوف من المنع , والرغبة في المنح لاينتج إلا مسوخ من البشر لايمكن أن يطلق عليها صفة المثقف , لأن قواعد الثقافة تبني عليها أعمدة الإستنارة التي تنتج للمجتمعات طاقات خلاقة من الضوء ليحررها من ربقة الإستعباد وفسادات الطغيان السلطوي , بمعني مفاده أن المثقف يسعي لتحرير الإنسان من عبودية الإنسان للإنسان , والتي تبدأ من تحرير العقل , ليصبح الإنسان فاعلاً بدوره في إطار منظومة القيم والأخلاق الإجتماعية التي ينتجها مجتمع من المجتمعات ليصير الحفاظ عليها في إطار منظومة قانونية وتشريعية إجتماعية من إبداع المجتمع ذاته وفقاً لحاجاته ومتطلباته المتجددة .

التربية علي العبودية والإنصياع لطرائق الإستبداد تكون في غالب الأمر مرهونة بالعبودية لعقل واحد وسلطة واحدة وعقيدة واحدة , فالطغيان يمقت التعدد , والإستبداد يحارب الحريات أحياناً ويقتلها أحياناً أخري .

التاريخ العربي ملئ بمأسي الإستبداد والطغيان , ولايمكن أن تفصل أحداثه عن بعضها لأنها نسخ متشابهة ومنسوخة من أصل واحد مبني علي فكرة الإله الواحد والكتاب الواحد والرسول الواحد والدين الواحد والحاكم الواحد , وهذا الأخير يتصرف في أمور المجتمعات كيفما شاء علي زعم أنه ظل ُ لله في أرض الله , وهذه الفكرة لها مردودات في كتب التراث , وفي حقيقة الأمر لاتمت تلك الكتب والمؤلفات بصلة إلي مرادات الله ولامرادات رسل الله .

الثورات في بلادي أمرها نادر الحدوث , وإن حدثت فمردودها إلي الفشل , وهذا راجع إلي أن الشعوب في بلادي تنتظر الكاريزما القائد / الزعيم الملهم / المخلص الموهوب / , وليس في بلادي مجتمعات مبنية قواعدها علي الحرية التي تنتج ماتريد تلك المجتمعات من خلال تفعيل دور حريات الأفراد , وثورة يوليو كان مبناها علي الإستبداد السياسي وإن حققت جزء من العدالة الإجتماعية , وحتي إن أزالت جزءاً من مآسي القلوب وأزالت جزءاً من أحزانها وطمأنت تلك القلوب , إلا أنها ثورة إحتجزت العقل وأممته لصالحها ليبقي عقل الزعيم الملهم , والقائد الموهوب الذي ليس بعد عقله عقل , وليس من قبله عقل , وألهبت مشاعر الجماهير , لدرجة توارثها علي مر الأجيال , ومع ذلك وبعد مرور هذا الزمن الطويل علي ثورة 23 يوليو 1952 , إلا أننا في حاجة إلي قيم العقل المحتجزة والمأسورة في سجون يوليو 1952 حتي الآن وبصور متغايرة , وإن كان القلب مهموم ومحزون , ومقهور لدرجة قد تصل إلي اليأس لانه لم يُرَد حتي الآن , والذي يمكن أن يرد لنا القلب السعيد الهانئ المسروقة فرحته , والمسلوبة بهجته , هو حينما يُرَدُ لنا العقل ونستعيده من إحتجازه وأسره , وفي هذا الوقت من الممكن أن نقول : رُدَ عقلي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستيف بانون.. من أروقة البيت الأبيض إلى السجن • فرانس 24


.. فرنسا: حزب الرئيس ماكرون... ماذا سيقرر؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. أوربان يزور أوكرانيا ويقترح وقفا لإطلاق النار للتعجيل بإنهاء


.. فرنسا: التعايش السياسي.. مواجهة في هرم السلطة • فرانس 24 / F




.. كبار جنرالات إسرائيل يريدون وقف الحرب في غزة حتى لو بقيت حما