الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضيحة أبو غريب هي لنا قبل الأمريكان

عمرو اسماعيل

2004 / 5 / 9
حقوق الانسان


نشر صحفي أمريكي صور تعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب و فضح الممارسات السادية لبعض جنود الاحتلال والتي تدل علي أحقر ما يمكن أن تصل إليه النفس البشرية ولعل أحقر شيء فيما حدث هو عملية التصوير نفسها والتي تدل أن من قاموا بهذا العمل استمتعوا به لدرجة الاحتفاظ بصور تذكارية وكأنهم في رحلة سياحية .. والغريب أن الجندية التي تظهر في معظم هذه الصور تبدوا في مقتبل العمر وتبدوا مستمتعة و كأنها في حديقة الحيوان .
ولكن السؤال الذي يتبادر الي الذهن أين كنا عندما كان يحدث ما يحدث, ألم يقل العراقيون الذين عذبوا و أهينوا في سجن أبو غريب لباقي العراقيين ماذا كان يحدث لهم .. الم يقل أحد لأحمد منصور مناضل الجزيرة ماذا كان يحدث داخل المعتقلات الأمريكية حينما كان في الفلوجة.. هل علمت أي وسيلة أعلام عربية بامر هذه الصور قبل نشرها ولماذا لم تحاول أن تكسب الجزيرة أو غيرها هذا السبق الصحفي والوطني في نفس الوقت بدلا من قناة سي بس أس الأمريكية و برنامج ستون دقيقة .. فمن الواضح ان الذي سرب هذه الصور و رغم شجاعته و مبادرته قد حقق ثروة من وراء ذلك وهذا ليس مستغربا حسب قيم الأعلام الأمريكي ..
أن الحقيقة المؤسفة يا سادة أن من عذب أمريكي ومن فضح التعذيب أمريكي ونحن لم نفعل كالعادة أي شيء ألا الصراخ وبعد فوات الأوان .. لم نفعل ألا ما نجيده تماما وهو الصراخ الغير مفيد.
أما الحقيقة الأكثر أسفا يا سادة فهو أن ما كان يحدث في سجن أبو غريب لم يفضح قبل نشر الأعلام الأمريكي لهذه الصور لأن من تعرضوا للتعذيب و من سمعوا به من العراقيين او من رجال الصحافة و الأعلام العرب الذين تمتليء بهم العراق الان .. كانوا يعتبرون ان ما كان يحدث في سجن أبو غريب هو أمر طبيعي .. كان يحدث في نفس السجن أيام صدام حسين وبصورة أكثر قسوة و بشاعة ويحدث في جميع السجون العربية حتي كتابة هذه السطور و سيظل يحدث أن لم ينقذنا الله , ماكان يحدث في سجن أبو غريب قبل نشر الصور لم يصدم لا العراقيين و لا العرب لأنه كلن بالنسبة للجميع شيء معتاد داخل هذا السجن وكل سجن عربي ولأن ثقافة التعذيب متأصلة فينا قد نستنكرها إذا كنا الضحايا ولكن الجميع يمارسها أذا وصل للسلطة.
نعم يا سادة لم تنكشف عمليات التعذيب في سجن أبو غريب لأن العراقيين اعتبروا أن ما يفعله الأمريكان في المعتقل هو لعب عيال بالنسبة لما كان يحدث أيام الزعيم الأوحد الغير مأسوف عليه صدام حسين وهو مجرد تصرفات مراهقين و مراهقات أمريكان يريدون تضييع الوقت وعمل بعض الصور البورنو لأجساد العراقيين العارية.
الحقيقة المرة يا سادة أن المعتقل أو السجن والتعذيب هما كلمتان مترا دفتان ومتلازمتان في العقل اللاشعوري العربي لدرجة أن الجميع في العراق من شعب و صحافة ومجلس حكم ورغم أنه بالتأكيد كان هناك من هو علي إطلاع بما كان يحدث, لم يبدؤوا الاحتجاج والصراخ الا بعد نشر الصور في الإعلام العالمي .. وأذكر بصفة خاصة هيئة علماء المسلمين والذين لم يحاولون فضح هذه الممارسات قبل نشرها لأنهم مقتنعون لا شعوريا إن التعذيب في السجون و المعتقلات هو أمر طبيعي سيمارسونه هم أنفسهم إذا وصلوا للحكم في العراق أو أي دولة عربية أخري وحتى بعد نشرها كل ما فعلوه هو مظاهرة خيبانة أمام السجن كان تعدادها لا يزيد عن بضع مئات .
أن ما فعله الجنود الأمريكان في سجن أبو غريب هو ضد كل قيم حقوق الإنسان التي تدعي أمريكا أنها تدافع عنها والتي غزت العراق من اجلها رغم أن غزو دولة أخري واحتلالها مهما كان المبرر هو اهم وأخطر انتهاك لحقوق ألإنسان ولن ينفع اعتذار بوش او رامسفيلد ولا حتي معاقبة من قاموا بهذا العمل الشائن في جعلنا ننسي ما حدث لأن العمل الوحيد الذي قد يجعلنا نصفح عن أمريكا هو أن تكف أيديها عنها وأن تكف عن الانحياز والتأييد الأعمي لإسرائيل .
أما الدرس الأهم والذي أن لم نعيه فلن تحترمنا لا أمريكا و لا غيرها .. ولن تحترمنا حكوماتنا و لا حكامنا ..هو أننا يجب شعوبا قبل حكومات أن نقف بقوة ضد التعذيب أيا من كان من يقوم به سواء كان جندي احتلال أو جندي وطني داخل مركز شرطة او سجن في أي دولة عربية.
أن كثيرا ممن يتباكون الآن عما حدث في سجن أبو غريب لم نسمع لهم صوت عندما كان يحدث نفس الشيء في نفس السجن أيام صدام او أي سجن آخر الآن في أي دولة عربية .. ام أن التعذيب علي يد عربي مسلم حلال و علي يد أمريكي كافر هو حرام .
أن التعذيب وعدم احترام حقوق الأنسان و الأعتقال الغير قانوني و دون توجيه اتهام هي ممارسات يجب ان نرفضها في دولنا مهما كان الفاعل ويجب أن نفضحها ونفضح كل من يقوموا بها مثلما فضح الأعلام الأمريكي ما حدث في أبو غريب .
هل تعرفون أنه حتى الآن وفي بعض الدول لا داعي لذكر أسمائها يحدث التعذيب و بأمر من القاضي نفسه لأن التعذيب هو من منظومة النظام القضائي في هذه الدول.
لماذا نستغرب أن الحكومات العربية لم يكن اعتراضها علي ما حدث في سجن أبو غريب قويا .. لأنها تمارس التعذيب و بصورة أقسي داخل سجونها وتخاف أن تفضحها أمريكا أن هي اصدرت اعتراضا قويا .
لابد ان نتعلم ونستفيد من التجربة ونتعلم أهمية الأعلام وقوته في فضح مثل هذه الممارسات .. لابد أن نتعلم كيف نصرخ في وجه كل نظم الحكم في بلادنا والتي تمارس تعذيب المعارضين و حتي صغار المجرمين بصورة منهجية.
كم أتمني أن يصبح سجن أبو غريب بالنسبة لنا مثلما أصبح سجن الباستيل بالنسبة لفرنسا ولباقي العالم الحر .. هو رمز لنهاية حقبة وبداية لحقبة جديدة في عالمنا أهم ما فيها هو احترام حقوق الأنسان .
كم احلم ألا يكون رد فعلنا علي ما حدث في سجن أبو غريب مثلما كان رد فعلنا في كل مصائبنا .. صراخ و نواح ثم يعود كل شيء كما كان و يستمر التعذيب علي ايدي السجان الوطني قبل الأجنبي .
أن لم نصلح البيت من الداخل فلا أمل .. وسنظل ملطشة أمريكا و شارون ومش بعيد بعد عدة سنوات الهند و الصين .. هذه هي الحقيقة يا سادة .. لنا الله.

د. عمرو اسماعيل
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. صعود أقصى اليمين بالجولة الأولى من الانتخابات يثير ق


.. مصير المعارضة والأكراد واللاجئين على كفيّ الأسد وأردوغان؟ |




.. الأمم المتحدة تكشف -رقما- يعكس حجم مأساة النزوح في غزة | #ال


.. الأمم المتحدة: 9 من كل 10 أشخاص أجبروا على النزوح في غزة منذ




.. فاتورة أعمال العنف ضد اللاجئين والسياح يدفعها اقتصاد تركيا