الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا أصدقائي ، لم يعد هناك صديق !

عصام عبدالله

2009 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


عناوين كتب الفيلسوف الفرنسي " جاك دريدا " - Derrida ( 1930 – 2004 ) ، هي مفتاح سر فلسفته ، وهو غالبا ما يلخص كل ما يريد قوله في " شذرة " أو " اقتباس " ، في بدايات فصول كتبه . و كتابه " سياسة الصداقة " ، يبدأ بإقتباس مربك ، ليضعنا مباشرة أمام خيارات مفتوحة ، من التأويلات والتفسيرات وربما التبريرات أيضا .
الاقتباس هذه المرة أخذه عن الفيلسوف والأديب الفرنسي " ميشيل مونتني " (1533-1592) الذي نسب للفيلسوف اليوناني " أرسطو " هذه العبارة : " يا أصدقائي ، لم يعد هناك صديق " ... ليرينا علي طول صفحات الكتاب ، وعبر استراتيجيته في التفكيك – Deconstruction التناقضات الكامنة داخل مفهوم " الصداقة " ذاته ، فوراء كل محاولة لتحديد معني " الصديق " ، يباغتنا دائما مفهوم " العدو " ، ، بدءا من أرسطو ومرورا بمونتني وكانط وحتي نيتشه وكارل شميت .
وهو يستشهد بعالم النفس الأشهر " سيجموند فرويد " - Freud الذي أفاض في بيان العلاقة بين القمع والتخفي ، فما يقمع لا يختفي أبدا لكنه يعود دائمًا كي يزلزل كل البناء القائم، مهما كانت درجة الاستقرار التي يبدو عليها . وهو ما يصدق أيضا علي مفهوم ( الصداقة ) الذي يخفي في جوفه مفهوم ( العداء ) ويقمعه .
ومن هنا فإن كتاب " دريدا " عن " سياسة الصداقة " أو قل " الفلسفة السياسية للصداقة " أزعج المحافظين الجدد في أمريكا وتيار اليمين في أوروبا ، لأنه يكشف : كيف أن مفهوم " الأخوة " مثلا ، وهو من أكثر المفاهيم اتفاقا وأقلها خلافا بين البشر ، وأحد مبادئ الثورة الفرنسية : الحرية ، الإخاء ، المساواة ، لا يأخذ كامل معناه ومبناه إلا من نقيضه ، ألا وهو مفهوم " العدو " المشترك .
ويثبت في الوقت نفسه أن المواقع التي يحتلها ، كل من " الصديق" و" العدو " ليست ثابته ، وإنما هي تتبدل بإستمرار في مسيرة التاريخ والجغرافيا : ليصبح العدو صديقا ، والصديق عدوا . ففي مجال السياسة ، لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ، فقط توجد ( مصالح ) دائمة .
مما يؤكد علي أننا لا نستطيع أن نضمن ثبات " الصداقة " واستمرارها ، كما أنه ليس في وسعنا أن نكره الآخرين علي صداقتنا إلي الأبد ، فقد ينقلب الصديق إلي عدو والعدو إلي صديق ، ذلك أن هذا التماثل المزعوم بيننا وبين الصديق ، كما يقول دريدا ، يقوض الاختلاف بيننا ( ويقوضه اختلافنا في نفس الوقت ) ، ومن ثم علينا أن نواجه بشجاعة في المجال السياسي هذه " المعضلة " المتمثلة في : وجود ( الصديق العدو ) و ( العدو الصديق ) .
ويندد دريدا بوجه خاص بأفكار الفيلسوف السياسي وعالم القانون الألماني " كارل شميت " ، الذي كرس منطق " الصديق " و" الشبيه " في السياسة الدولية علي مدار القرن العشرين ، واعتبر " الآخر " و " المختلف " و ( كل من ليس معنا ) ، خطرا يجب التخلص منه مهما كلفنا الثمن .

وتلك هي الأفكار ( النازية والفاشية والأصولية ، وأيضا أفكار المحافظين الجدد) التي مهدت لكل الجرائم الإنسانية ، التي ارتكبت – وماتزال ترتكب – بدم بارد ـ في أركان العالم الأربع . فالسياسة - عند شميت - هي ، وقبل كل شيء ، القدرة على استكشاف " العدو"، وهي ترتكز في نظره على التفرقة الصارمة بين " الصديق " و" العدو" .

لم يمهل القدر " جاك دريدا " حتي الرابع من يونيو 2009 الماضي ، ليتأكد بنفسه من صواب رؤيته ، فقد ظل يردد منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وحتي وفاته مساء الثامن من أكتوبر عام 2004 ، أن تعبير ( محور الشر ) الذي استخدمه الرئيس " جورج بوش الأبن " جعل من ثلث سكان كوكب الأرض ( أعداء ) محتملين للولايات المتحدة والغرب . بينما استطاع خطاب الرئيس " باراك أوباما " بجامعة القاهرة ، وفي أقل من ساعة زمن ، تحويل الأعداء المحتملين إلي ( أصدقاء ) محتملين .
ملحوظة : عادت شعبية الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما إلي سابق عهدها المزدهر ، قبل الرئيس السابق جورج بوش ،‏ وفق استطلاع عالمي للرأي أجراه معهد بيو الأمريكي للأبحاث‏ ، شمل‏27‏ ألف شخص في‏25‏ دولة‏ ، بينها مصر‏.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد