الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقدم علمى .. تأخر فكرى (4) أسلمة ومسحنة وهودنة العلم

سامح سعيد عبود

2009 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


‎‎ه- ذكر د.عبد العظيم أنيس رئيس قسم الرياضيات بكلية العلوم جامعة عين شمس فى مقال له معنون ب هل يمكن أسلمة العلوم كنت أود لو استطعت اقتباسه كاملا لما فيه من تأكيد لما أود توضيحه وهو بمثابة شهادة صادرة من عالم متخصص أمين لعلمه .وسأكتفى باقتباس بعض الفقرات الهامة منه.‏‏
"‎‎حكيت قصة مدرس الجامعة الإقليمية الذى وضع بحثا أسماه (علم الإحصاء الإسلامى ) ،وأرسله إلى أكاديمية البحث العلمى بأمل نشر ه،وقد أرسلته الأكاديمية لإبداء الرأى ،فلما تصفحته وجدت أن المادة الإحصائية به هى مما يدرس لتلاميذ المدارس الثانوية ،باختلاف وحيد هو أن كل مفهوم يقدم فى الكتاب يضاف إليه كلمة إسلامى فى آخره ،فالباحث يتحدث عن الوسط الحسابى الإسلامى ،والانحراف المعيارى الإسلامى ،وتوزيع جاوس الإسلامى ،وهكذا أما ما يميز الإسلامى عن المعاصر فى تلك المفاهيم فأمر بسيط ،فإذا كان المتغير محل الدراسة هو عدد الحجاج أو عدد المصلين ،فأن الإحصاء يصبح إسلاميا ،وإذا كان المتغير طلابا مثلا،أو مرضى يصبح معاصرا !،وعندما يأس هذا الباحث من قيام الأكاديمية بنشر بحثه ،لم يتورع عن أن يقدم هذا البحث إلى لجنة جائزة الدولة التشجيعية على هيئة كتاب مطبوع أملا فى الحصول على الجائزة!!"8.‏‏
‎‎وقد عرفت حضارى القرون الوسطى فى المنطقة الإسلامية المئات من العلماء الذين أثروا الحضارة الإنسانية ،ودفعوا البشرية نحو المزيد من التقدم ،إلا أن ما قدموا ما كان ليتم لولا ما قد سبقه من حركة ترجمة واسعة لتراث الحضارات السابقة من يونانية وفارسية ومصرية وهندية،إلا أن ابن سينا لم يسم طبه بالطب الإسلامى ،ولم يسم الخوارزمى ما أبتدعه من جبر بالجبر الإسلامى ،ولم يدع جابر بن حيان أن كيميائه إسلامية.فما يصح وصفه بالعلوم الإسلامية هى العلوم المرتبطة بالدين الإسلامى من فقه وحديث وتفسير وهى علوم تفسيرية وتأويليه لنص مقدس لا تهم سوى المؤمنين بقدسية هذا النص، أما العلوم الطبيعية والاجتماعية فهى علوم إنسانية عامة تخص كل البشر إبداعا واستفادة لكونها علوم تفسر الواقع العام الذى يخص كل البشر أيما كانت عقائدهم .والمأساة الكامنة وراء هذا المنهج الخطير إنه بدلا من أن يحاول المسلمين الاستفادة من العلوم الحديثة وإضافة إبداعات جديدة لها ،يجترون الماضى بشتى السبل ويعيشون على تركته،فهل حاول هذا الباحث الذى ما يصح إطلاق هذه الصفة عليه أن يفيد أمته بما تعلمه من علم الإحصاء لعله يدرك ما هو وضع المسلمين الآن وليس أمس فى سلم التقدم والحضارة.وهل ما وصل إليه المسلمون من وضع مذرى فى العصر الحديث إلا لأن السائد بينهم من المثقفين هم من أمثال مثل هذا الباحث..ولعلك ترى الفرق بين وضع المسلمين وقت ازدهار الحضارة فى المنطقة الإسلامية ووضعهم الآن من خلال المقارنة بين ابن سينا والخوارزمى وابن حيان وبين هذا المدرس الجامعى فهؤلاء صنعوا حضارة وهذا ممن يساعدون على تكريس التخلف لمصلحة المستفيدين منه.‏‏
‎‎ولا تقتصر المسألة على محاولة التوفيق بين الدين الإسلامى والعلوم العصرية المختلفة إلا أن الأمر تجاوز هذا الحد لمحاولة تأويل وتفسير النصوص القرآنية بثرائها اللغوى البالغ ،والتى تحتمل مفرداتها أكثر من معنى لتتماشى مع الحقائق والنظريات العلمية وقد تفرغ لهذا عدد كبير من الباحثين وأساتذة الجامعة والكتاب ،فكلمة دحاها مثلا تعنى دكها حتى جعلها كالبساط ،مما استدعى من الشيخ عبد الله بن باز مفتى المملكة العربية السعودية الإفتاء بأن القائل بكروية الأرض مرتد تستوجب استتابته لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة .إلا أن البعض لدينا من نالوا من العلم الحديث قدرا ما، يفسرون دحاها على أنها تعنى شكلها كالبيضة لكى تتفق والحقيقة العلمية لبيضوية شكل الأرض ،إلا أن الدحية كما يذكر المعجم الوسيط تعنى مكان بيض النعامة وليست البيضة نفسها.يذكرنى هذا بواقعة استدعاء عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد لمحاسبته على قتل أسرى المرتدين حيث قال لحراسهم فى ليلة باردة "أدفئوا أسراكم" فقتلهم الحراس لأن أدفئوا معناها اقتلوا فى لهجة قبيلة كنانة التى كان ينتمى إليها الحراس ،ومن ثم فقد نجى خالد بن الوليد من المحاسبة .‏‏
‎‎يذكر عبد العظيم أنيس أيضا فى نفس المقال المنوه عنه:فى عام 1972 نشر العالم الكبير جاك مونود ،والحاصل على جائزة نوبل فى البيولوجيا (كتاب بعنوان الضرورة والصدفة )عبر فيه عن قناعته بأن أبحاث البيولوجيا قد أوضحت بشكل حاسم أنه لا يوجد مخطط أساسى لعمليات التطور البيولوجى ،وأنه بناء على ذلك لا يرى قوة كونية توجه هذه العمليات ،وأن مفهوم الصدفة هو مفهوم أساسى فى العلم الحديث ،لا فى عمليات التطور البيولوجى وحدها .و إنما فى عمليات التحول الفيزيقى والكيميائى وعلى المستوى الذرى أيضا .ومفهوم الصدفة موجود أيضا فى العمليات الاجتماعية فضلا على أنه المفهوم الرئيسى لعلم رياضى هو علم الاحتمالات وعلم الإحصاء .وتولى الرد على جاك مونود عالم بريطانى آخر -بورتيليمو-وهو أستاذ إحصاء بجامعة لندن بكتاب (إله الصدفة ) صدر عام 1984،وهو محاولة نصف علمية ونصف دينية ،لدراسة مفهوم الصدفة ،ولإعادة تأويل بعض نصوص العهدين القديم والجديد بما يتفق مع هذا المفهوم .أى أن بورتليمو لم يحاول ضرب عرض الحائط بأحد المفاهيم الأساسية للعلم الحديث _وما كان له أن يفعل ذلك وهو أستاذ الإحصاء بالجامعة .وإنما اجتهد بإعادة تأويل بعض نصوص الإنجيل فى مواجهة مفاهيم وحقائق العلم."9.‏‏
‎‎وهو بذلك أكثر التزاما بالأمانة العلمية من أستاذ الفلك بجامعة القاهرة الذى فسر الآية القرآنية "السماء ذات الرجع " بأنها إشارة إلى انعكاس الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الأرض بواسطة طبقات الغلاف الجوى العليا المحيطة بكوكب الأرض ..ومما لاشك فيه أن هذه الطبقات التى لا تبعد سوى مئات الكيلو مترات من على سطح الأرض الكروى يتلوها الفضاء الذى يفصل بينها وبين باقى أجرام الكون اللامتناهى ،ومن ثم فهى ليست السماء المذكورة فى القرآن حيث السماء لغويا هى ما يعلو الرأس أو السطح أو الأرض .وهى تفصل وفق العقيدة الإسلامية بين عالم الغيب وعالم الشهادة، أما الأرض ككرة معلقة تدور فى الفضاء حول نفسها وحول الشمس ويدور الاثنان حول مركز المجرة فلا يوجد لها سقف يعلوها لأن مفاهيم الأسفل والأعلى لا تنطبق عليها ولايوجد بالكون كله ما هو أعلى وما هو أسفل، إلا إذا نسبناه للمراقب .واليهود وفقا لنص التوراة يعتقدون أن السماء غطاء من الجلد يفصل بين الأرض ،وبين السحاب الذى يعيش فيه إلههم "يهوه " الذى يحب أن يحتجب فى الغمام ولذلك سمى بالله بمعنى المحتجب.‏‏
ومن ثم كانت من الصدف الطريفة أن أكتشف أن هذه المحاولات للربط بين النصوص المقدسة للأديان المختلفة والعلوم الطبيعية تشمل أيضا اليهود فالحاخام مناحم مندل شنيورسون الأدمور السابق لحركة "حبد" الدينية المتطرفة "كان يولى بحكم ثقافته وعلومه أهمية قصوى للتطورات العلمية والتكنولوجية وخاصة علوم الفضاء والفلك .وهو يسعى دائما إلى التوفيق بين التوراة والعلم ،ويؤكد غياب أى تناقض بينهما "لأن الله قد خلق العالم حسب التوراة ". وإن ظهر مثل هذا التناقض فهو على استعداد لتأويل النصوص كى تتوافق مع العلوم .وقد رأى أن اختراع الراديو جاء لنشر اليهودية ،وأن اكتشاف الأمواج الكهرومغناطيسية ،إنما هو تأكيد مادى محسوس ،على قرب قدوم "المسيح المخلص"،لأن الأرض تمتلئ باسم الله "10.
وأنا شخصيا لا أعرف كيف يتأتى للبعض مثل تلك الصفاقة ، بأن يربطوا بين نص ما مقدس لديهم، وبين حقائق العلم رغم التناقض الواضح بينهما بهذه البساطة دون ما أدنى خجل مصداقا للقول المأثور "إذا لم تستح فأفعل ما شئت"، وكيف يصدق آخرون مثل هذا الدجل دون أن يكتشفوا التناقض فيما تلقوه .والغريب أنه وفقا للمصدر فأن هذا الحاخام كان يتميز فى شبابه بتفوق دراسى متميز فى العلوم الطبيعية ، وهو يعلم أن الله قد أنتهى من خلق العالم وفقا للتوراة يوم السبت 29 أكتوبر 4696 قبل الميلاد فى حين يعلم بحكم تعليمه الحديث أن الأرض وحدها عمرها أكثر من 4 بلايين عام.
8 ‎‎د.عبد العظيم أنيس-هل يمكن أسلمة العلوم ‏-‎‎سلسلة كتاب قضايا فكرية-الإسلام السياسى .الأسس الفكرية والأهداف العملية _أكتوبر1989 _العدد الثامن_ص183وما بعدها .‏‏
9 _‎‎المصدر نفسه _ص183وما بعدها .‏‏
_10‎د.رشاد عبد الله الشامى -القوى الدينية السياسية فى إسرائيل سلسلة عالم المعرفة -‎الكويت-العدد186-ص276.‏‏










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الهولندية تفرق تجمعا لطلبة جامعة أمستردام المتضامنين


.. عاجل| مجزرة جديدة.. شهداء وجرحى باستهداف إسرائيلي لمنزل من 3




.. تزامنا مع تجدد المعارك شمالا وجنوبا.. هل حققت إسرائيل أي من


.. الملك تشارلز الثالث يسلم إحدى رتبه العسكرية للأمير وليام




.. محامي ترمب السابق يقر بالكذب لصالحه في قضية -شراء الصمت-