الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فراغات القوة الأميركية

محمد سيد رصاص

2009 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


في يوم 5كانون الثاني1957،وبعد شهرين من انتهاء حرب السويس التي أظهرت علامات الأفول في قوة الامبراطورية البريطانية،قدم الرئيس الأميركي أيزنهاور مشروع(ملء الفراغ)لملء فراغ القوة الذي تصور الأميركان أنه سيحصل في منطقة شرق السويس بمناطق النفوذ والسيطرة البريطانيتين في العراق والخليج العربي وفي جنوب اليمن.
لاتنتج فراغات القوة فقط في حالة أفول الامبراطوريات،وإنما أيضاً عن حالة اعتلالها. تحصل الحالة الأخيرة الآن عند الامبراطورية الأميركية،التي عاشت حالة مدِ استغرقت من نهاية الحرب الباردة عام1989إلى منتصف عام2006،عندما بدأ الإعتلال في القوة الأميركية بالظهور في منطقة الشرق الأوسط مع نهاية حرب تموز 2006ونتائجها التي انعكست على مجمل المنطقة.
استفاد خصوم ومقاوموا وممانعوا الأميركان ومشروعهم (="مشروع الشرق الأوسط الكبير"13شباط2004) من حالات فراغ القوة الأميركية بالمنطقة،هنا أوهناك،وقاموا بملئها واحتلال حيزها. أيضاً أتاح هذا المجال لحلفاء الولايات المتحدة لكي تنطلق قوتهم فوق السطح برضا واشنطن،من أجل سد الفراغ،سواء كانوا عرباً،مثل السعودية ومصر(بعد أن أطلقت وزيرة الخارجية الأميركية بتشرين أول2006نظريتها "حول الصراع بالمنطقة بين المعتدلين والمتطرفين"،وهو مايمثل تعاكساً مع سياسات الولايات المتحدة أثناء غزو العراق واحتلاله عندما أدى التحالف الأميركي-الايراني لتجاهل أميركي لمصالح ورؤى السعودية ومصر وتركيا في الموضوع العراقي)،أم غيرهم كمايحصل منذ ذلك الحين من تعويم أميركي كبير للدور التركي،والذي امتد لإمساك ملفات مفصلية(المفاوضات السورية- الاسرائيلية،مثلاً).
شكَل امتداد الإعتلال الأميركي إلى نطاق أبعد من الشرق الأوسط،أوبسببه،فرصة لروسيا لكي تلجم الإندفاعة الأميركية في القفقاس(جيورجيا،آب2008)،أولتلغيم الأوضاع الداخلية التي ساعد الأميركان على انشائها بالسنوات السابقة لتستطيع موسكو عبرأزمة امدادات الغاز وكذلك من خلال الدرس الجيورجي قلب التحالفات الداخلية لغير صالح الموالين لواشنطن(أوكرانيا،كانون أول2008)،أولدفع القوى المحلية لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في البلد المعني(قرغيزيا،شباط2009).
يحصل هذا أيضاً في القارة السمراء:مع فشل الإستعانة الأميركية بالوكيل الإثيوبي في الصومال يتم اللجوء الأميركي الآن إلى قوى اسلامية"معتدلة"=شريف شيخ أحمدضد "المتطرفين"مع تضافر قوى اقليمية افريقية تشكل قوام جنود" قوة الاتحاد الافريقي".كذلك،يتم تعويم أميركي مدروس لدور اقليمي لدولة جنوب افريقيا في الأزمة الكونغولية ،بعد أن تم تحجيم الطموحات الرواندية المقلقلة لإقليم شرق الكونغو عبر تمرد أقلية التوتسي هناك،وأيضاً يحصل مثيل لذلك من خلال دور جوهانسبورغ في الأزمة الداخلية بزيمبابوي التي أفضت مؤخراً إلى حكومة مشاركة بين حزب الرئيس موغابي وحزب المعارضة.
في بعض هذه الحالات السابقة،تجتمع المصالح المشتركة بين(القطب الواحد للعالم)،الذي يمر بحالة اعتلال كبيرة لم تقتصر على السياسة وإنما امتدت إلى(وول ستريت)،وبين القوة الإقليمية المعنية لكي يرسم دور معين يتلاقى عليه الطرفان.في حالات أخرى،يُفرض الدور ضد إرادة واشنطن،كمايحصل منذ عام2006من طهران ،أوابتداءاً من آب2008من قبل موسكو في"حدائقها الخلفية السابقة".في هذا الإطار،يمكن أن يكون الدور الفرنسي،الذي برز في لبنان وجيورجيا بصيف2008 ثم حيال دمشق بالفترة ذاتها،جامعاً وحصيلة لكلا الوضعين السابقين،أي الرضا الأميركي مع القبول المُرغَم من قبل واشنطن بدور تؤديه باريس في وضع معتل أميركياً ماكانت العاصمة الأميركية لترضى بأداء باريس له لوكانت مازالت في وضع القوة والإندفاع،كماحصل من قبل بوش الأب قبل أيام من حرب1991لما رفض وأفشل مبادرة الرئيس ميتران(بالتشارك مع الرئيس الجزائري بن جديد)لمنع نشوب الحرب من خلال عرض فرنسي على الرئيس العراقي بانسحاب قواته من الكويت مقابل ضمانات دولية بعدم ضرب القوات العراقية والعراق والغاء عقوبات الأمم المتحدة التي فرضت إثر غزو العراق للكويت .
في هذا الإطار،،يمكن القول بأن حالة الإعتلال في القوة الأميركية،خلال السنوات الثلاث السابقة،قد أدت إلى انزياحات،وتعديلات،وتغييرات،في توازن القوى،على الأصعدة الإقليمية،بهذه المنطقة أوتلك،ماأدى إلى فرض لوحات اقليمية مختلفة(وأحياناً أوضاع داخلية جديدة)كماحصل في المنطقة الممتدة بين كابول وغزة هي على تعاكس كبير مع لوحة2001-2005،وهو أمر ينطبق على قفقاس مابعدآب2008.إلاأن ذلك لم يتجاوز حدود الأطر الإقليمية لكي يصل إلى مستوى التوازن العالمي،الذي لايمكن القول حتى الآن بأن اللوحة العالمية قد وصلت توازناتها إلى حالة مقلقلة أومهددة لوضعية(القطب الواحد للعالم)التي وصلت إليها واشنطن في خريف1989،مادامت الدول الكبرى،إماهي تحت جناح واشنطن(بريطانية-ألمانية- فرنسة-اليابان)،أوهي لاتفكر بالصدام مع واشنطن مكتفية بمكاسب اقتصادية وتكنولوجية ولو مع بعض الضربات تحت الحزام أوالتشويشات ضد الأميركان في قضايا اقليمية محددة(الصين)،أولاتنوي التحول إلى قوة عالمية من جديد مكتفية بدور لايتعدى ضمان عدم تحول"حدائقها الخلفية"إلى مناطق نفوذ للآخرين أوتهديد أوعداء لها(روسيا).
هنا، نجد سياسات مختلفة عند الرئيس الأميركي الجديد، باتجاه الابتعاد عن سياسات صدمت الحلفاء قبل الأعداء عند بوش الابن، مثل"تحالف الراغبين"و"الحرب الوقائية" التي سوَغ بهما حرب العراق 2003 ضد إرادة مجلس الأمن الدولي وشركائه الأطلسيين في باريس وبرلين، نحو التفات أميركي أكبر إلى "الناتو" كوسيلة لتحقيق المهمات (أفغانستان،مثلاً)، ونحو سياسات تشاركية- تعاونية مع الدول الرأسمالية الكبرى(مجموعة الثمانية) لإيجاد سياسات مشتركة بين واشنطن والآخرين لمعالجة الأزمة المالية-الاقتصادية العالمية،وهو ما برز بوضوح في قمة العشرين ً بلندن بنيسان الماضي،وفي القمة الأخيرة للثمانية بإيطاليا. كما يلمس،عند أوباما، تكتيك جديد ، بخلاف سلفه، باتجاه الابتعاد عن سياسات تصادمية، مع روسيا والصين، عبر تقديم تنازلات إرضائية لهما ، بعد أن برزت قوتهما بالترافق مع الضعف الأميركي المستجد، في مواضيع كانت مثيرة للصدام والاحتكاك معهما (الدرع الصاروخي- جيورجيا- أوكرانيا- تايوان........إلخ) مقابل تعاونهما في قضايا أخرى أصبحت أكثر إلحاحا عند واشنطن (إيران- أفغانستان- كوريا الشمالية)، في وقت،أيضاً، يلاحظ وجود سياسات ارضائية أميركية جديدة للمسلمين(برزت إشاراتها بوضوح في خطاب أوباما الأخير بالقاهرة)من أجل كسب مساعدتهم لحل مشكلات شائكة (أفغانستان- ايران- العراق)تقف الآن أمام الرئيس الأميركي الجديد.
كانت سياسات الرئيس أوباما،خلال الأشهر الستة الأولى من توليه منصبه،متركزة على معالجة فراغات القوة ،التي نتجت عن الحفر والمستنقعات وحالات الفشل التي تركها له سلفه:هل سينجح؟...........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي