الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا نسمع ولا نرى، نضرب ونعذب فقط

رمضان متولي

2009 / 7 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حكومة رجال الأعمال همها الأساسي، وربما الوحيد، هو البحث عن سمسار شاطر لترويج مصر. السؤال الأساسي في أي خطة أو استراتيجية تتبناها هذه الحكومة هو: كيف نبيع مصر؟، ويأخذ هذا السؤال صيغا مختلفة حسب كل مجال، مثل كيف نسوق المقصد السياحي المصري؟ كيف نجذب المستثمرين؟ كيف نبيع البنوك والشركات العامة (الخصخصة)؟ كيف نروج العمال المصريين في الخارج؟ نعم هذا هو السؤال – كيف نبيع مصر؟ - الذي انتهى إلى سلسلة من الإجراءات كانت نتيجتها المنطقية والطبيعية هي ارتفاع نسبة الفقر في مصر إلى 41%، وزيادة البطالة والتعذيب، حسب ما ورد في تقرير التنمية البشرية العربي، ونستطيع أن نضيف عليها الفساد وارتفاع معدلات الجريمة والعنف الأسري وغيرها من المظاهر السلبية التي تعصف بمجتمعنا.

كيف نبيع مصر؟ سؤال حدد المهمة الرئيسية لعصابات السلطة ورجال الأعمال بالتعاون طبعا مع مؤسسات حماية مصالح الرأسمالية العالمية مثل "صندوق النقد" و"البنك الدولي" و" منظمة التجارة العالمية"، والاجراءات التي اتخذت في إطار تنفيذ هذه المهمة كان من نتائجها تربية حيتان الرأسمالية المصرية على دماء فقراء المجتمع المصري بالمعنى الحرفي للكلمة وليس بالمعنى المجازي. أصبح هؤلاء يملكون المليارات ويعيشون نمطا من الحياة يحسدهم عليه أباطرة الفساد والاستبداد في جمهوريات الموز السابقة في أمريكا الوسطى.

يعتقد البعض أن ارتفاع نسبة الفقر حدثت نتيجة لتدهور النشاط الاقتصادي، والحقيقة أن هذا الزيادة الصارخة في معدلات الفقر حدثت خلال فترتي الانتعاش الاقتصادي في مصر، أي خلال منتصف التسعينيات من القرن الماضي وخلال الأعوام الثلاثة من أوائل 2004 وحتى 2007 والتي شهد فيها الاقتصاد المصري ارتفاعا كبيرا في معدلات النمو في إجمالي الناتج المحلي. نعم تزايد الفقر في زمن الانتعاش وتعزز وأصبح أكثر رسوخا وأشد وطأة في أزمنة الركود.

معنى ذلك أن ارتفاع نسبة الفقر في مصر إلى هذا المستوى جاء نتيجة لأسلوب التوزيع العدائي الذي يميز الأغنياء على حساب الفقراء، الذي يمنح المستثمرين مزايا كثيرة بهدف تعظيم أرباحهم ومن بين هذه المزايا بل وأهمها تخفيض حقوق العمال في الأجر والرعاية الاجتماعية والأمان الوظيفي. تعويم سعر الجنيه المصري في عام 2003 رفع أرباح شركات التصدير ولكنه أدى إلى انخفاض كبير في قيمته أمام العملات الأخرى بما يعنيه ذلك من ارتفاع الأسعار خصوصا في السلع الرئيسية التي يستهلكها الفقراء (واردات الغذاء مثلا). رفع أسعار الوقود عندما ارتفعت أسعار النفط في السوق العالمية عوض الحكومة عن تخفيض الضرائب على الأغنياء ولكنه أدى إلى زيادة جديدة في الأسعار، وحتى بعد أن انخفضت أسعار النفط في العالم لم تتراجع الحكومة عن زيادة أسعار الوقود واعتبرت ذلك توفيرا في فاتورة الدعم. المضاربة على أسعار الأراضي عظم أرباح الدولة ورجال الأعمال، لكنه جعل الحصول على سكن ملائم حلما بعيد المنال للفقراء في بلد تزايد فيه عدد القصور والفيلات والمنتجعات وتجمعات الإسكان الفاخرة بوتيرة فائقة، ناهيك عن احتكار سلع أساسية واستراتيجية من قبل حفنة من رجال الأعمال النافذين في دوائر السلطة، وما ترتب على ذلك من زيادة في أسعارها وتدني مستوى المعيشة.

عداء الحكومة وأحبابها وأصحابها للفقراء يتجلى أيضا في موقفها من الإنفاق على الخدمات التي يستفيد منها أصحاب الدخل المحدود، فبينما تنخفض الضرائب على الأغنياء إلى أقل مستوى بالمعايير العالمية، وتتعاظم ميزانيات الإنفاق على الأذرع الأمنية للدولة لمواجهة التكلفة الباهظة لممارسة القمع والاستبداد وتكبيل الحريات وحراسة النظام السياسي، وهو ما لاحظه تقرير التنمية البشرية عندما رصد انتشار التعذيب على نطاق واسع، نجد الأيادي مغلولة حتى الأعناق في الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وغيرها مما جعل أمراضا تافهة تستوطن البلاد وتحصد أرواح الفقراء الذين يموتون أيضا جملة وبالمجان في الكوارث التي صنعها عداء السلطة لهم، مثل كوارث العبارة والدويقة وحوادث الطرق.

لأن هم الحكومة الأساسي يمكن اختصاره في كلمة "بيع"، لا نتوقع أي رد فعل لما أشار إليه تقرير التنمية البشرية حول زيادة معدلات الفقر والبطالة والتعذيب، خاصة وأن الدهون والشحوم التي تراكمت تحت جلود مسئوليها من عرق ودماء ودموع الفقراء جعلتها سميكة جدا حتى أنهم باتوا لا يشعرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يهدد بإيقاف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل ما تبعات هذه الخ


.. أسو تتحدى فهد في معرفة كلمة -غايتو- ????




.. مقتل أكثر من 100 شخص.. برازيليون تحت صدمة قوة الفيضانات


.. -لعنة الهجرة-.. مهاجرون عائدون إلى كوت ديفوار بين الخيبة وال




.. تحديات بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في تشاد.. هل تتجدد