الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من التجارب المسرحية في المنفى

قاسم حسن

2004 / 5 / 11
الادب والفن


أول الفرق المسرحية العراقية في المنفى( تجربــه ..المبدعين ببطون خاوية )

قاسم حسن / فنان مسرحي

في لبنان سارت مجموعة من الفنانين العراقيين على هدى ذات الطريق وأسست ووضعت اللبنات الأولى لفرقة المسرح العراقي في المنفى، سميّت بالفرقة العراقية المسرحية ثم توسعت ونمت ودعمت بكوادر فنية معروفة بتاريخها وأخلاقها المسرحية من فنانين اضطروا إلى مغادرة الوطن تحت ظلم وبطش السلطة متنبئين بما سيجري وما جرى.

كانت فرقتنا.. فرقة مسرح الغد (سابقاً الفرقة العراقية) إمتداداً عضوياً للمسرح العراقي التقدمي الذي فرضت عليه سلطة الإرهاب والقمع في بغداد، بعد إعتقال وتشريد البعض الآخر، ومن ثم تفضيل العديد من أبرز وجوهه خشونة العيش ومرارة الغربة، على الإسهام مع خونة الشعب من مثقفي السلطة أو من القلة التي ارتضت أن تتنازل عن شرف كلمتها وتدنس ماضيها الوطني طمعاً في غنيمة أو خوفاً من بطش في تبني فكر السلطة الفاشي، وتجميل وجهها القبيح، وإدارة الظهر لقضايانا المقدسة.. لقد ارتبط مسرحنا العراقي ومنذ بداياته في الثلاثينات من القرن الماضي، بالحركة الوطنية العراقية وانخرط معها في النضال لمقارعة الظلم والقبح والتعسف، وتحولت خشبة المسرح من موقع للترفيه المحض، واللذة المجردة، إلى مرآة تعكس هموم شعبنا وطموحاته في حياة إنسانية كريمة، دون أن يعني ذلك الإخلال بالمستوى الفني الرفيع للعرض المسرحي. فلقد اغتنت حركتنا المسرحية بعطاء مخرجيها وفنانيها المبدعين عبر أساليبهم المتنوعة وانفتاحهم على تجارب المسرحين العربي والعالمي.
وإنطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية والمسرحية في تعرية الفاشية فكراً وسلطة حيث بدأت بأعمال درامية تقدم عبر المناسبات الوطنية والقومية والفلسطينية شارك فيها العديد من الفنانين المسرحيين، مخرجين وممثلين ومنهم الفنان المخرج والممثل الشاب كاظم الخالدي الذي منذ العام 1982 لم يعرف مصيره إلى الآن؟؟.. وفنانين آخرين كان همهم المسرح العراقي حيث أسسوا لتقاليد وأعراف مسرحية ذاتها التي عرفها المسرح التقدمي العراقي، وعملوا دون كلال في ترسيخها والسير عليها وكان منهم الفنان حكمت داوود والفنانة سهام حسين وفاروق صبري وحازم كمال الدين وصائب سلامة ويوسف ماهر والشهيد أحمد المختار ومنعم الفقير وايمان خضر ومنذر حلمي والمرحوم عادل طه سالم وغيرهم التحق منهم الكثير في الشتات من أمثال الفنان غانم بابان، وقد انتقلت الفرقة من الأعمال الدرامية التي تعرض في يوم واحد مثل مسرحية (الجنرال) لمؤلفها غلام حسين ساعدي والتي أخرجها الفنان كاظم الخالدي ولعب دور البطولة فيها الفنان حازم كمال الدين، وكذلك مسرحية (حكاية الرجل الذي صار كلباً) ومسرحية (رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة) ومسرحيات المشهد أو المشهدين والتي تقدم في المناسبات، إلى الأعمال الدرامية الكبيرة والتي تتطلب جهداً كبيراً وإمكانات مالية وغيرها، حيث كان باكورة أعمالها (حكاية جلاد) المأخوذة عن (القصة المزدوجة للدكتور بالمي) من تأليف انطونيو بويروباييخو حيث كلف بإخراجها الفنان منذر حلمي والتي دام التحضير والتدريب عليها شهوراً عدة وحدد يوم العرض الأول في 6/6/1982، وكانت اللمسات الأخيرة ظهر ذلك اليوم الذي امتزجت به أصوات المؤثر الصوتي للمسرحية مع أصوات حقيقية انهالت من السماء قنابل وصواريخ ليبدأ الغزو الصهيوني للبنان الذي استشهد فيه العرض مع كوكبة من الشهداء... وأنتهت مرحلة لتبدأ مرحلة جديدة.
لم يكن المبدعون العراقيون في لبنان وحدهم الذين جاهدوا لتأسيس الفرق المسرحية العراقية في المنفى فكان هناك تبادل الخبرات والأخبار لزملاء آخرين في اليمن، حيث تلك التجربة المتميزة والغنية التي كانت على رأسها الفنانة الكبيرة (زينب) فنانة الشعب العراقي وإلى جانبها جمع من المبدعين والفنانين العراقيين الذين كان نصيبهم من المنفى في تلك البقاع النائية من الوطن العربي الكبير كالفنان لطيف صالح والفنان هادي الخزاعي والفنان غانم بابان وغيرهم من الذين قدموا أعمالاً متميزة مساهمين في النهضة الثقافية إلى جانب أصدقائهم من فروع الفنون الأخرى.
وكنا نسمع ونقرأ عن تجارب لا تخلوا من المغامرات عن محاولات الفنانين في بلدان الشتات التي حوتهم حاملين همومهم المسرحية العراقية أمثال الفنان (أسعد راشد) في هنغاريا وتجاربه التي لا تخلو من المنحى ذاته في تأسيسه لفرقة المسرح الجديد وكذلك الفنان (فارس الماشطة) في الجزائر هذا بالإضافة إلى الجهود الفردية لفنانين وجدوا وحيدين في بلدان شتى مؤمنين بأنه أينما وجد الفنان وجد المسرح العراقي..
وما زالت التجارب والأعمال مستمرة فلا نجد بقعة في هذا العالم إلا ووجد فيها فنانون يقدمون المسرح بذات الروح العالية المستمدة من المسرح العراقي (لا يمكن حشرها في هذا الموضوع المختصر حيث لنا عودة لها وبالتفصيل ربما .. إذا سمحت إدارة الصحيفة في ذلك.
تلك الفترة ذاتها وفي دمشق الشام بدأ الفنان والمخرج المسرحي العراقي جواد الأسدي القادم من بلغاريا بعد إكماله لدراسته هناك عمله الأول بالإشتراك مع بعض الفنانين الموجودين في ذلك البلد ليبدأ مشواره الإبداعي حاملاً هموم المسرح العراقي مشبعاً بتجارب عالمية وعلمية لينبت في الشام بذرة المسرح العراقي التي ما زالت إلى يومنا هذا تجتذب القادمين إلى ذلك البلد من الفنانين المسرحين العراقيين سواء من الذين أنهوا دراستهم في البلدان الشرقية أو من القادمين باستمرار هرباً من ظلم وقسوة النظام في وطننا.
امتدت التجربة هنا لتكبر بعدما التحق من نجا منهم أثر غزو لبنان والتجأ إلى دمشق لاهفا وراء بداية جديدة أكثر قوة وإصرارا وتحديا من التجربة السابقة، ومما شجع على ذلك بوادر الاعتراف من الدولة السورية ووزارة الثقافة بمبادرات الفنانين العراقيين وجديّتهم بإنشاء كيانهم المسرحي المرموق، فتأسست في ذلك الوقت فرقة بغداد المسرحية وقدمت عملها الأول (مصرع جندي) من إخراج الفنان كاظم المقدادي القادم من بلغاريا، وعملا آخر (سفرة بلا سفر) من إخراج الفنان راجي عبد الله القادم من الكويت. ونظراً لتوافد الفنانين من بلدان مختلفة خاصة الذين أنهوا دراستهم العليا تواً كالفنانة روناك شوقي والفنانين سعد السامرائي وشاكر سلامة وبعض الذين اكتوى بنار الحرب والدمار في الوطن من الفنانين والمبدعين الذين وصل عددهم من المسرحيين فقط أكثر من أربعين فنانا وفنانة، إضافة إلى الموجودين أصلاً في تلك الساحة، تم تأسيس فرقة مسرحية ( فرقة بابل المسرحية العراقية) وأصبحت لها هيأة إدارية وبرنامج عمل سنوي تعطى فيه الفرص للمخرجين المسرحيين لاختيار أعمالهم، فكان العمل الأول من نصيب الفنان لطيف صالح (الحصار) لكاتبه العراقي عادل كامل ولعب أدواره بعض من خيرة الفنانين وعلى رأسهم (الفنانة زينب) واستمر عرض المسرحية قرابة خمسة عشر يوماً بظروف لا تخلو من الصعوبة يقفون على المسرح ولسان حالهم يقول... ما الذي يقوله الفنان في منفاه وهو هارب من لظى الجور والإرهاب والإضطهاد؟ الذي جر بلاده إلى محرقة الحرب على أيدي سلطة فاشية؟
إن عتمة الغربة والتشرد لن توقف تفجر العطاء نفسه... ومن هنا إنطلقت فرقة مسرح بابل في طريق عطائها.. وعلى قدر استطاعتها لتمد المسرح العراقي وهي في المنفى ببعض الديمومة والحياة، على الأسس النبيلة التي عرفها الإنسان في العراق.
أي نص مسرحي يختاره المخرج أو الفرقة في زمن المنفى؟ وماذا تريد فرقة عراقية في عملها المسرحي؟
نحن لا نرضى أن يكون المسرح عادياً، استهلاكياً، ولا نرضى أن يكون حيادياً ولا منسوخاً.. المسرح اليوم يجب أن يكون مسرحاً مؤثراً لعرض المصائر البشرية ويجب أن يضع المسرح العراقي على عاتقه تجسيد حياة الإنسان العراقي، وأن ترتفع الأصوات إزاء دمار الوطن وحصار الإنسان والثقافة.
لو نظرنا بشكل سريع إلى كل العروض المسرحية التي قدمت وما زالت تقدم من قبل المسرحيين العراقيين في المنفى لا نجد غير محور واحد وهاجس وهدف واحد قدمت بأشكال ورؤى مختلفة، وبعض النصوص تكررت وأخرجت عدة مرات وفي أمكنة وأزمنة مختلفة هذه اللمحة السريعة لعناوين العروض المسرحية وعلى مدى سنوات المنفى العراقي منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي وبوتيرة إنتاجية واحدة تختلف بالمكان التي تقدم فيه وتخاطب الجمهور الذي تعرض له المسرحية ومن هذه العناوين والمسرحيات التي هي أصلاً من مؤلفها أو جرى إعدادها لتلاءم الحدث وعلى سبيل المثال لا الحصر (الحصار، عرس الدم، الجنرال، حكاية الرجل الذي صار كلباً، ثورة الموتى، القتلة، المملكة السوداء، حكاية جلاد، السجين، رحلة حنظلة، مصرع جندي، سفرة بلا سفر، رأس المملوك جابر، ثورة الزنج، وحشة، الملك هو الملك، قسمة والحلم...الخ) ولا نحتاج إلى كثير من التفكير لكي نعرف المنحى العام الذي عملت عليه كل الفرق والتجمعات المسرحية التي أسست وقدمت أعمالها في المنفى، مضطرة بسبب إجراءات القمع والتدجين، ولم تنقطع جذورها عن تربة الوطن ولم تفك إرتباطها الطبيعي بالشعب العراقي وتاريخه المشهود تحت أي ضغط أو عسف أو إغراء، وبقي هاجسها الرئيسي في وعي ووجدان أعضائها إلا هو ....العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه