الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي يربط المغرب بالمشرق؟

عبد الرحيم الوالي

2009 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


مؤخرا، بعد أن قرر المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران كان رد فعل هذه الأخيرة أنها امتطت القضية الفلسطينية لتزعم أن قرار المغرب يسيء إلى "وحدة العالم الإسلامي" و من ثمة إلى القضية الفلسطينية. و على الفور بادرت الخارجية المغربية إلى الرد مؤكدة على دور المغرب في مناصرة قضايا "الأمة الإسلامية" و القضية الفلسطينية بشكل خاص، و كأن المغرب ملزم بهذه "المناصرة".
بالطبع، فالجميع يعرف الدور الذي قام به المغرب في صراع الشرق الأوسط مالياً، و سياسياً، و عسكرياً. و من السهل الشروع في التغني بالأموال المغربية التي أنفقت بسخاء كبير لدعم الفلسطينيين، و الدماء المغربية التي سالت بسخاء في الجولان، و غير ذلك. لكنْ، أليس جديرا بنا ـ نحن المغاربة ـ أن نطرح السؤال: ما الذي يربطنا، فعلاً، بالمشرق و مشاكله و قضاياه و على رأسها القضية الفلسطينية؟
الجواب الجاهز، و المعتاد، عن هذا السؤال هو أننا نرتبط بالمشرق عبر اللغة و الدين، أي عبر العربية و الإسلام. و هو جواب ظل يخفي ـ على مدى قرون طويلة ـ كثيرا من المغالطات. فلا المغرب عربي مائة مائة، و لا هو مسلم مائة بالمائة، و لا المشرق أيضا كذلك. و بينما تتشكل الهوية المغربية من روافد عربية و أمازيغية و أفريقانية و إسلامية و يهودية، تتشكل هوية المشرق من روافد سريانية و كردية و عربية و تركمانية و مسيحية و غيرها. و الحكم على المغرب و المشرق معاً بأنهما عربيان و إسلاميان يمثل منظورا شوفينيا و طمساً لكل ما ليس عربيا و إسلاميا في المشرق و المغرب على حد سواء، أي أنه لا يعدو كونه وهماً أيديولوجيا بعيدا تماما عن حقيقة الواقع و التاريخ.
اليوم، يوجد المغرب في سنته الحادية عشرة على إطلاق مشروع التناوب على السلطة في 04 فبراير 1998. كما رفع المغرب مؤخرا كل تحفظاته على اتفاقية إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة، و النساء المغربيات لسن فقط زعيمات أحزاب أو وزيرات أو برلمانيات و إنما منهن مستشارات للملك، و ينشط في المغرب أزيد من ثلاثين حزبا سياسيا في كامل العلنية و بكامل الحرية، و تتوفر البلاد على نسيج مدني يتشكل من مئات المنظمات و الجمعيات، و لدينا نسيج نقابي من عشرات النقابات، و يكفل الدستور الحريات و الحقوق المدنية و السياسية و الإنسانية، و ما إلى غير ذلك من المكتسبات التي حققها الشعب المغربي خلال أزيد من نصف قرن من التضحيات.
فما الذي يربط مغربا كهذا بمشرق تحكمه أنظمة استبدادية، متخلفة، تتقوقع حول الحزب الوحيد، و الحكم الأسروي، و تمنع النساء من رخص السياقة، و لا مجال فيها للحديث عن حقوق الإنسان و لا عن الحريات العامة الفردية و الجماعية؟ أي، باختصار، ما الذي يربط مغرباً سائرا في مشروعه الحداثي الديموقراطي بمشرق غارق في التخلف و الاستبداد؟
الجواب هو أن لا شيء يربطنا بهذا المشرق إذا ما استثنينا الجواب الجاهز: اللغة و الدين. و إذ تبين أن رابط اللغة و الدين هو مجرد وهم أيديولوجي، فلا شيء البتة يربطنا بالمشرق إلا بعض الاستثمارات الخليجية في المغرب، و بعض المساعدات المالية التي تمنحها بعض دول الخليج للمغرب. أما في ما عدا ذلك فالمغرب يبقى أقرب إلى الغرب منه إلى المشرق. و لا مجال للمقارنة، بحال من الأحوال، بين بلد يناقش فيه حالياً مشروع الملكية البرلمانية، و بلدان ما تزال تحكمها روابط العشيرة، و القبيلة، و لا تعرف انتخابات و لا تعددية سياسية و لا تناوبا ديموقراطياً على السلطة.
إن المغرب ـ بتجربته الديموقراطية ـ يوجد اليوم أمام سؤال الاختيار التاريخي الذي عليه أن يحسمه بكامل الجرأة و المسؤولية: إما الارتهان إلى هذا الارتباط الوهمي بالمشرق، أو الالتحاق بالعالم الديموقراطي، الحر، و المتقدم، أي بالغرب. و لا يمكنه أن يظل إلى الأبد في "منزلة بين المنزلتين"، أي عالقاً بين غرب حداثي، ديموقراطي، علماني، و مشرق تقليداني، استبدادي، و تيوقراطي حتى النخاع. و الموقف التاريخي المطروح على المغرب اليوم هو أن يحسم اختياراته الكونية الكبرى عمليا بالانسحاب التام من أوهام الأيديولوجيا القومية و الدينية. فالدين ـ و الإسلام بشكل خاص ـ عقيدة فردية يسأل عنها الفرد في الآخرة و لا تسأل عنها الدولة التي لم يرد نص ديني إسلامي بكونها تتعرض كشخص معنوي للحساب الأخروي. ذلك أن الحساب الوحيد الذي تتعرض له الدولة في العصر الحديث ـ كما في كل العصور التي سلفت و التي ستأتي ـ هو حساب دنيوي عن مدى حرصها على مصلحة الشعب أو تفريطها فيها. و مصالح الشعب المغربي، الذي قدم تضحيات جساما لتحقيق التراكم الديموقراطي الحاصل اليوم في البلاد، تستوجب القطع التام و النهائي مع مشرق متأخر كثيرا عن طرح نفس أسئلة الديموقراطية التي طرحها المغاربة سنة 1944 مع تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.
إن المغاربة ـ باستثناء وهم الارتباط الديني و اللغوي بالمشرق ـ كانت لهم دائما هويتهم المتميزة تماماً عن المشرق. و المغربي العربي يجد نفسه أقرب، بالضرورة، إلى المغربي الأمازيغي منه إلى العربي المشرقي. بل إن المغربي المسلم يجد نفسه أقرب إلى المغربي اليهودي منه إلى المشرقي سواء كان عربيا أو لم يكن. و هذه الهوية المغربية المتميزة، و المشتركة بين جميع المغاربة، هي التي جعلت الأمازيغي و العربي، و المسلم و اليهودي، جنبا إلى جنب في معترك النضال من أجل الديموقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و سيادة القانون. و يكفي أن نذكر من يحتاج إلى تذكير بعلال الفاسي العربي، و محمد بنسعيد الأمازيغي، و أبراهام السرفاتي اليهودي، و غيرهم كثيرون من المغاربة الذين دافعوا جنباً إلى جنب عن استقلال المغرب و وحدته و عن الديموقراطية و الحرية.
إننا مجتمع متعدد الروافد الثقافية و الحضارية و نعترف بالتعدد و نؤمن بالاختلاف و بالديموقراطية و بكل القيم الإنسانية الكونية. و حتى إن كنا لا نزال متخلفين كثيرا عن الغرب فنحن متقدمون جدا على هذا المستوى عن المشرق. و ليس من العقل في شيء أن نتشبث بالبقاء إلى جانب المشرق المتخلف بدل الالتحاق بالغرب المتقدم.
طبعا، لا نعير هنا أي اهتمام لبعض الشطحات الشوفينية الخرقاء التي تطالب بإعادة النظر في الوضع المتقدم الذي منحه الاتحاد الأوروبي للمغرب بدعوى "قمع الأمازيغ". و ذلك لسبب بسيط هو أن الأمازيغ في المغرب مواطنون يتمتعون بكل الحقوق التي يتمتع بها غيرهم، و منهم مليارديرات و وزراء و جنرالات في الجيش و يحتل عدد منهم مناصب سامية أخرى عديدة في الدولة المغربية. و الذي يروج دعوى "قمع الأمازيغ" ليس إلا شخصا واحدا أراد أن يؤسس حزبا خاصا بالأمازيغ فصدر حكم قضائي بعدم قانونية الحزب لأن القانون المغربي لا يسمح بتأسيس الأحزاب على أساس ديني أو عرقي. و نحن نفهم أن الرجل محرج جدا لأنه لم ينفذ المخطط الرامي إلى إذكاء النعرات الطائفية في أوساط الشعب المغربي، و الذي تحركه أوساط لم تعد خافية حتى على أكثر الناس غباء و بلادة.
و حتى يقطع المغرب الطريق نهائيا على هذه الأجسام الغريبة عن فضاء الديموقراطية، يتحتم عليه الآن أن يستكمل ما تبقى من حلقات الانتقال الديموقراطي باعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية، و إجراء إصلاحات دستورية تسمح بتعزيز المؤسسات المنتخبة ديموقراطياً، و القطع النهائي و التام مع مشاكل المشرق التي لا تمت إلينا ـ في الواقع ـ بأي صلة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - MAROC UNI
APULEE ( 2009 / 8 / 2 - 20:48 )

Bravo Mr Ouali
Très bon article.
Courage et Merci.


2 - ممتاز و نعم المقال مقالك يا عبد الرحيم..
محمد كوحلال ( 2009 / 8 / 3 - 13:00 )
مقال هام جدا شكرا للاخ الوالي.
تقبل تحياتي و مودتي 10 على 10

اخر الافلام

.. تتطلّب اللياقة والقوة.. شاهد كيف تتدرّب لاعبة غولف في صالة ر


.. بلينكن: واشنطن تعارض معركة كبرى في رفح




.. مقتل أكثر من 300 شخص وإصابة مئات وتدمير أكثر من 700 منزل جرا


.. طالبة تهدي علم فلسطين لعميد كلية بيتزر الرافض لمقاطعة إسرائي




.. ناشط ياباني ينظم فعاليات غنائية وثقافية للتعريف بالقضية الفل