الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقود التراخيص مع شركات النفط وسيلة للنهب المنظم

فلاح علوان

2009 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


جاء في "الدستور" العراقي الحالي "إن النفط والغاز ملك للشعب العراقي". ولكن وفقا لسياسات واضعي الدستور أنفسهم، وعلى ضوء المزاد العلني لبيع حقول النفط المنتجة، فسيكون الأمر على النحو التالي: بما إن الحكومة والبرلمان هم ممثلو الشعب وهم منتخبون بصورة "ديمقراطية دستورية"، فسيكون النفط والغاز بهذا المعنى ملكهما أو إن حق التصرف به يقع ضمن صلاحياتهما، الأمر الذي يؤول إلى النتيجة ذاتها أي ملكية النفط والتصرف به، وهو ما وقع بالفعل. وقد برهنت السلطات الحالية بهذا السلوك ليس فقط على كون الدستور صوري وشكلي، بل على إمكان التصرف به على هوى أي قوة وأي سلطة ومنح نفسها الحق حسب حجم الكتلة السياسية المتواجدة في السلطة وقدرتها.

لقد تجاوزت السلطات كون النفط والغاز هو ملكها، لقد تصرفت بهذا الملك على هواها وبصورة غير رشيدة، بحيث مرت بنفس ما يمر به احد مالكي الثروات الذين يتصرفون بالثروة بشكل ينم عن تخلف عقلي أو استهتار وطيش، بحيث يمكن لعائلته وضع اليد على كل ممتلكاته كونه غير مؤهل لأي شكل من التصرف بالثروة.

إن إعلان المزاد على حقول النفط المنتجة، هو ليس فقط طيش أو جهالة، انه تنفيذ لمخطط الاحتلال بأيد محلية، انه استكمال للبعد الاقتصادي للاحتلال، انه بكلمة واحدة خصخصة النفط، بل تقديم صناعة نفطية جاهزة بمعداتها وجهازها البشري الخبير، وثروة مجانية إلى شركات ليست صناعة النفط في العراق بحاجة إليها إطلاقاً. إن ما يبرهن على بطلان ادعاءات الشهرستاني وحكومته حول الحاجة إلى تطوير الصناعة النفطية، هوعرض الحقول المنتجة للمزايدة وليس المواقع قيد الاستكشاف. فهذه الحقول تؤمن إنتاجاً يزيد عن الحاجة المحلية ويؤمن التصدير بكميات توفر عشرات المليارات من الدولارات التي يمكن توظيفها في الاعمار والبناء المزعوم وحتى تسديد الديون.

لقد بلغت ميزانية العراق السنوية نحو 70 مليار دولار العام الماضي بفعل ارتفاع أسعار النفط في العالم، ورغم حجم الميزانية الطائل، والذي يكفي لتطوير الصناعة النفطية والمباشرة بعشرات ومئات المشاريع، ألا أن أي من هذا لم يحصل، واغلب الظن انه لن يحصل أبدا. إن ما حصل هو مسلسل لاستجواب الوزراء الفاسدين المختلسين في البرلمان، والذين لم يستطع من استجوب منهم أن يدافع عن نفسه أو إن يرد التهم، لقد تم التهام ثروة طائلة بين أروقة الوزارات والمؤسسات التي يوظف مسؤولوها عصابات ومافيا لتامين سيطرتهم واستمرار أعمال النهب والرشاوى والفساد.

قبل الاحتلال بسنوات كان دِك جيني نائب الرئيس الأمريكي ومن اكبر نهابي الثروات عبر شركاته الأخطبوطية، يصرح حول حجم حاجة السوق الأمريكية إلى البترول والحاجة لتأمين كميات متزايدة من النفط خلال العقود المقبلة. فكان إن قدم بدروعه ودباباته متذرعا بالقضاء على أسلحة الدمار الشامل ثم بنشر الديمقراطية ثم مكافحة الإرهاب إلى آخر الادعاءات والأكاذيب.

إن تسليم الصناعة النفطية للشركات هو البعد الاقتصادي للاحتلال وهو لا يقل تأثيرا بأي شكل عن الاحتلال العسكري. ومن جانب آخر انه التمهيد للإنهاء التام للصناعة النفطية وجهود مئات الآلاف من العمال والمهندسين والفنيين الذي طوروا جهازا إنتاجيا واسعا خلال عقود من السنين، وطوروا معه مهارات بشرية على درجة عالية من الرقي. إن عقود التراخيص هي خصخصة بلا لبس ولا إبهام، وهي فتح الباب أمام الاحتكارات بحيث يتم فرض سيطرتها شيئا فشيئا لحين تصفية القطاع النفطي بالكامل. لا يقتصر الأمر على العلاقة مع الشركات العالمية، انه سيفتح الباب على مصراعيه للمسؤولين الفاسدين الذين استولوا على ثروات طائلة خلال أشهر أو سنوات وجودهم في السلطة، ليقوموا "بشراء" أو استثمار الحقول مناصفة أو مساهمة مع شركات النهب القادمة بهيأة كواسر بأشداق متوثبة للافتراس والالتهام. انه تعميق للفوارق الطبقية الفاحشة التي عملت السلطات الحالية على ترسيخها منذ الساعات الأولى لتواجدها في القصور كـ " حكام" جدد للبلاد. أي بكلمة انه إعادة توزيع الثروة على الممثلين الجدد للطبقات البرجوازية بعد سرقتها وتقاسمها بتسهيل من الاحتلال والإدارة الأمريكية.

وحيث إن النفط يمثل المصدر الأساسي للثروة في البلاد بحيث يشكل نحو 80% من الاقتصاد، وبهذا المعنى يشكل استيلاء الشركات على هذه الثروة تهديدا جديا بفقدان مصدر أساسي من مصادر الإنتاج والتصدير. إن مواجهة مشروع عقود التراخيص بهذا المعنى هي قضية جماهيرية عامة وليست قضية عمال النفط أو العمال حصرا. إن اعتراض عمال النفط هو مركز المواجهة أو هو خط المواجهة الأول، ولكي تتكامل جبهة عريضة لمقاومة للمشروع، فلا بد من تكامل عناصر الاعتراض بدءا بعمال النفط وبالتلاحم مع كل أقسام المجتمع التي ستصاب بالخراب والضرر، من جموع الكادحين والمرأة والطلبة ودعاة الحرية، وبكلمة جماهير المجتمع التي تعاني من سياسات السلطات الحالية غير المسؤولة، والتي تسببت في ضياع وتبديد ثروة المجتمع.

إن إسقاط مشروع قانون النفط والمشاريع المتممة أو الممهدة، ممكن في حال تنظيم الاعتراض الجماهيري واشتراك قطاعات المجتمع فيه، لقد ابتدأت السلطات وخاصة إدارة شركة النفط في البصرة، ابتدأت القمع مبكرا جدا، حيث أنها مع أول مبادرة لتجمع العمال المحتجين على المشروع في مقر الشركة، قد بادرت إلى التهديد بالفصل والاعتقال وتوجيه تهم الإرهاب. لم تكتفِ الإدارات بهذا، فقد بادرت الوزارة إلى طمأنة الشركات من تهديد النقابات ووجهت تهديدها مباشرة إلى اتحاد نقابات النفط والى اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق.

ان هذه التهديدات ربما ستشكل عرقلة لتنظيم اعتراض فوري واسع على المشروع، ولكنها لن تكون فعالة قطعا أمام تنظيم واسع شامل في عموم البلاد يستهدف تقويض وإلغاء أي محاولة للخصخصة وتبديد ثروات المجتمع وترك العمال عرضة للبطالة. ان إمكانية تنظيم هذه الحركة ليست واردة فقط بل إنها من أولوياتنا ومن مهامنا الأساسية كاتحاد عمالي، وسنعمل على تنظيم اعتراض واسع بوجه هذه السياسات بالتلاحم مع أي جهد يهدف إلى إحباط هذه المشاريع المعادية لأهداف وتطلعات الجماهير.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل