الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرطة الأخلاق العربية وشجاعة لبنى

أحمد حسو

2009 / 8 / 4
حقوق الانسان


قبل حوالي خمسة عشر عاما تعرضت، في دمشق، لموقف مماثل لما تعرضت له الصحافية السودانية لبنى أحمد حسين. لكن علي أن أعترف بأني لم أكن أملك، يومها، شجاعة لبنى و"نمت على الموضوع" وكأن شيئا لم يحدث. كما أن القصة لم تتعلق بارتدائي لبنطلون أو سروال، كما هي الحال عند لبنى، إلا أن جوهر القصتين واحد وهو أن كلينا كان ضحية لشرطة الأخلاق العربية مع تعدد أسمائها. ولو أني أثرت الموضوع، حينها، لربما كنت قد تسببت في نقاش في سوريا حول هذه القوانين المهينة للإنسان كما هو حاصل، اليوم، في السودان، لكن لسبب ما لم أفعل. في الحقيقة لا أعرف تماما لماذا سكتت على الموضوع وأردت "لفلفته" بكل ما أوتيت من قوة؟ ربما لأني لم أكن أملك الأوراق الثبوتية التي تثبت شخصيتي، إذ كنت خارجا للتو من سجن عدرا السياسي، وكنت مازلت مطلوبا للأمن العسكري بتهم سياسية ولو اعتقلوني من جديد لكنت قد قضيت سنوات أخرى في سجن آخر؛ إنها قصة معقدة لمن لا يعرف هرمية الأجهزة الأمنية السورية وتداخل عملها. وتعود القصة إلى عام ألف وتسعمائة وأربعة وتسعين، وبعد خروجي من السجن بأيام، إذ كنت في حديقة عامة في دمشق (حديقة تشرين) مع صديقة سورية نجلس سوية على العشب وكان الوقت مساء، وكانت الحديقة لاتزال تعج بالرواد إذ كنا في فصل الصيف. تقدم مني شاب بثياب مدنية وسألني عن علاقتي بالصديقة التي تجلس معي: هل هي أختي أم زوجتي أم ماذا؟ وشدد على أن أعطيه الأوراق الشخصية ودفتر العائلة (قسيمة الزواج). وعلي أن اعترف اليوم بأني فوجئت بالسؤال، لا بل صعقت؛ ربما للأسباب التي ذكرتها وربما لأني كنت محروما من الحقوق المدنية ولم أكن أملك أوراقا شخصية في الأصل. انتابني فجأة شعور غريب بأني سأعود إلى السجن من جديد. ورحت أستعيد شريط التعذيب ومرارة الزنزانة، التي قضيت فيها أحد عشر شهرا ونصف بصحبة الظلام والجراذين. كما أصابني الخوف على الصديقة وعلى سمعتها فيما لو اعتقلتها الشرطة بتهمة أخلاقية. وهذا هو الفارق الآخر بيني وبين لبنى أحمد حسين التي لم تكترث لهذه "الخزعبلات"، بل مضت في شجاعة نادرة إلى الدفاع عن حقها حتى النهاية.
لم أعرف ماذا أجيب ولذت بالصمت. تمالكت الصديقة نفسها، بعد أن كانت أيضا في طريقها للانهيار، وتمتمت ببضعة كلمات توحي بأننا لم نفعل شيئا معيبا وبأن عليه أن يتركنا في حالنا. فجأة هبط علي الوحي وأمسكت بذراعه، مع ابتسامة ذات مغزى، وأخذته جانبا وأعطيته كل ما أملك من نقود على أن يعتقنا، وهو ما حصل فعلا. وفي طريق العودة لم ننبت ببنت شفة (هي وأنا) وكأننا أقدمنا على شيء مشين. هي لم تقل لي شيئا وأنا أيضا، وبتواطئ ضمني، سكتنا على الموضوع طيلة هذه السنوات إلى أن قرأت ما حدث للبنى أحمد حسين، ضحية السروال أو البنطلون "الفاضح". لبنى اعتقلت بسبب سروال وأنا تعرضت لما يشبه الاعتقال بسبب جلوسي مع صديقة في حديقة عامة وأمام مرأى العشرات. وإذا كانت المادة، التي اعتقلت بموجبها لبنى، باتت معروفة وتحمل الرقم مائة واثنتين وخمسين من القانون الجنائي السوداني وتتناول "الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة"، فإن المادة التي كدت أعتقل بموجبها غير معروفة، حتى الآن، لكنها موجودة على كل حال.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تلوّح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة.. ما القصة؟


.. وفد إسرائيلي يخطط للسفر إلى القاهرة لاستئناف محادثات الأسرى




.. إصابات واعتقالات خلال فض احتجاجات في حديقة أميركية شهيرة


.. في إطار خطة بريطانية لترحيلهم إلى رواندا.. تقارير عن خطة لاع




.. بريطانيا ورواندا.. خطة ترحيل اللاجئين | #غرفة_الأخبار