الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باراك أوباما ووهم -العالم الإسلامي-

ياسين تملالي

2009 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


من القاهرة، توجه باراك أوباما بالكلام إلى "العالم الإسلامي" ووعده بأن أمريكا "لن تدخل أبدا في حرب" معه، وكان وراء حديثه عن عظمة الإسلام وسرده قصة الإسراء والمعراج فكرة مسبقة رهيبة : كما في القرون الخوالي، المسلمون "كائنات دينية" بالأساس والعاطفة الدينية لديهم أكثر تأججا منها لدى أتباع أي دين آخر. هذا أيضا ما كان يعتقده بعض أوائل المستعمرين : قل "للمحمديين" أنك تحترم معتقداتهم تكسب ودهم ويفتحوا لك بلادهم على مصراعيها. هذا ما جعل نابليون بونابرت يكتب إلى أحد شيوخ مصر، الشيخ المسيري، راجيا إقناعه بمبايعته : "أتمنى أن يأتي اليوم الذي سأتمكن فيه من جمع كل رجال البلد العقلاء المتعلمين لإنشاء نظام يرتكز على مبادئ القرآن التي هي وحدها المبادئ الصحيحة". هذا ما جعل "احترام الإسلام" والإشادة بأثره في تاريخ البشرية أحد ثوابت الخطاب الرسمي الأمريكي من إيزنهاور إلى أوباما.

تحدث أوباما إلى "العالم الإسلامي" وكما لو كان وحدة متجانسة، على اختلاف لغاته وثقافاته ونظمه السياسية وتفاوت موارد بلدانه الاقتصادية، وهذه فكرة مسبقة أخرى، تمتد جذورها بعيدا في التاريخ الثقافي "للغرب" الأوروبي والأمريكي. ما "العالم الإسلامي" الذي تتحدث عنه صحف العالم كلها منذ أيام ؟ هل هي ممالك الخليج التي يتصدر بعضها قائمة أغنى دول الأرض أم جمهورية تشاد التي أنهكتها المجاعات والحروب ؟ هل هي تركيا ذات النظام البرلماني الذي مكن الإسلاميين من بلوغ أعلى هرم السلطة أم ليبيا ذات النظام العسكري العشائري الذي يشنق الإسلاميين في زنزاناتهم ؟ ما العالم الإسلامي ؟ البلدان التي تطبق "الحدود الشرعية" من رجم وجلد أم تلك التي تطبق في ما عدا الأحوال الشخصية قوانينَ "الغرب" الوضعية بحذافيرها ؟

ورغم أنه رئيس مثقف لا يكتفي بترديد ما يكتبه له مستشاروه، لم يكلف أوباما نفسه عناء التفكير في حقيقة "العالم الإسلامي" الذي توجه إليه بالكلام : هل هو موجود حقا أم أنه أحد مخترعات "المستشرقين الجدد"، عوضوا به خصما نبيلا افتقدوه، "العالم الشيوعي" ؟ ورغم أنه انتقد نظرية هنتنغتون عن صراع الحضارات بين "الغرب" و"الإسلام"، فإنه بشكل ما أقر بصحتها وهو يختزل 57 دولة، تمتد رقعتها من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي ويسكنها 1،4 مليار من البشر، في معتقد ديني تختلف أشكال ممارسته من بلد إلى آخر باختلاف الجغرافيا والتاريخ. ورغم أنه، عكس جورج والكر بوش، لا يؤمن بنظريات "المستشرقين الجدد"، خُدام التوسعية الأمريكية من أمثال برنارد لويس، فإنه يؤمن على ما يبدو بإحدى أفكارهم الأساسية : الإسلام هوية "العالم الإسلامي" الأساسية وفهمه مفتاح فهم أية دولة "مسلمة".

ولا يكمن خطر حديث أوباما عن "العالم الإسلامي" ككيان واحد متجانس في كونه خطأ نظريا فحسب. خطره كذلك في أنه اعتراف ضمني بصحة أطروحات الحركات الإسلامية عن وجود "أمة واحدة من المحيط إلى المحيط"، تتعرض في العراق والصومال وأفغانستان والفيليبين إلى "هجمات قوى الشرك" وعن كون أجدى وسيلة لصد هذه الهجمات هي إقامة دول دينية تقارع "الغرب الصليبي" بمثل سلاحه المزعوم.

"لن تدخل أميركا في صراع مع الإسلام"، قال أوباما وكأنه يعتذر عن دخول سلفه بوش مثل هذه الحروب. لكن هل كانت حملات العسكرية في أفغانستان والعراق "حملات على الدين الإسلامي" أو على المسلمين ؟ من حقنا أن نشكك في ذلك، فأمريكا بوش قوضت نظام الطالبان بمساعدة "تحالف الشمال" الإسلامي ونصبت مكانه نظام حميد قرضاي المولع هو الآخر "بتطبيق الشريعة" . أمريكا بوش قضت على حكم صدام حسين شبه العلماني واستبدلته بحكم ديني لا غبار عليه، كما أن قائمة حلفائها في "العالم الإسلامي" تشمل دولا متزمتة كالسعودية تمنع النساء من قيادة السيارات وأخرى كتونس تمنحهن حق الإجهاض في المستشفيات الحكومية، دولا تطبق الشريعة كأفغانستان وأخرى كتركيا يُقال رئيسها إذا لم يحترم "طابع المؤسسات العلماني"، دولا تعترف بالأحزاب الدينية كالأردن وأخرى كمصر تناصبها العداء...
هل يعني هذا أن بوش لم يكن يؤمن بـ"صراع الحضارات" ولا بأن "الإسلام خطر على الحضارة الأمريكية" ؟ لا طبعا. يعني فقط أن اقتناعاته هذه لم تتجل في سياسة بلاده الخارجية (المصالح الأمريكية أعقد من أن تسير من زاوية إيديولوجية متصلبة) وأنها تجلت أساسا في خطاب يميني عن "الحضارة الأمريكية" المهددة وجه إلى الاستهلاك الداخلي أملا في حشد الأمريكيين وراء مطامع رأسماليتهم الآفلة. ومع ذلك، فما أسهل أن نجد في خطب الرئيس الأمريكي السابق ما يناقض هذه الأفكار كلما توجبت طمأنة "المسلمين". لنذكر أنه في أندونيسيا، في 2003، وصف الإسلام بأنه من "أعظم الديانات" مؤكدا "عدم تعارض مبادئه مع مبادئ الحرية والتسامح والتقدم". لنذكر أنه في 2007، في المركز الإسلامي بواشنطن، قال إنه "أثرى الحضارة الإنسانية". هل قال أوباما في القاهرة عن الإسلام غير هاتين الجملتين ؟
من الواضح أن سياسة الرئيس الأمريكي ستختلف نسبيا عن سياسة سلفه، فليس من أغلق معتقل غوانتانامو كمن فتحه ولا من يدعو إلى حماية الأقليات المسلمة في أوروبا وأمريكا كمن يضيق عليها، لكن الفرق بين الرئيسين ليس في نظرتهما إلى "العالم الإسلامي"، فهذا "العالم" لا وجود له سوى في مخيلة أولئك الذين لا زال يطربهم تعداد مآثرهم في غابر الأزمان. ما يوجد في نظر الإدارة الأمريكية، اليوم كأمس سواء، هو مجموعة بلدان لها فيها مصالح حساسة. الفرق بين أوباما وبوش هو في طريقة حماية هذه المصالح : الأول يريد أن يحميها معترفا بفضل الحلفاء "المسلمين" على أمريكا، فيما كان بوش يعامل هؤلاء الحلفاء كأذناب، لأمريكا عليهم الفضلُ كلُ الفضل.
ياسين تملالي
كاتب وصحفي جزائري
9 يونيو-حزيران 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب