الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


1964-2009 : -عدم الانحياز- من القاهرة عاصمة حركات التحرر إلى شرم الشيخ -عاصمة المال والأعمال-

ياسين تملالي

2009 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


بعد انهيار جدار برلين في 1989، قيل الكثير عن انتفاء مفهوم "عدم الانحياز"، فالغرب الرأسمالي أصبح الطرف الوحيد في معادلة القوى العظمى وذراعه المسلح، حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أضحى القوة العسكرية الكبرى الوحيدة بعد اندثار حلف وارسو فيما يشبه غمضة عين.
الأحداث أثبتت أن انتهاء الحرب الباردة لم تكن نهاية الاستقطاب الجيوستراتيجي في العالم. صحيح أن الاتحاد السوفيتي اختُزل في نواته التاريخية، الفيدرالية الروسية، وأن مجال هذا البلد الحيوي تقلص بشكل كبير، فأصبح الناتو على عتبات أبوابه بعد أن كان في مأمن منه وراء سور منيع من "الدول الصديقة". لكن هذا لم يكن يعني أن روسيا فقدت الأمل في استعادة مجدها ولا أن الصين لم تعد تخطط لأن تتحول إلى قطب اقتصادي وعسكري كبير ولا أن باكستان وإيران نسيتا طموحهما لأن تصبحا قوتين إقليميتين يحسب لهما ألف حساب.
لكل هذه الأسباب، ولأنه لم يكن حلفا "ضد الاتحاد السوفيتي" بقدر ما كان حلفا في خدمة الرأسمالية الأوروبية والأمريكية، لم ينفَض عقد الناتو بانفضاض عقد المعسكر الشرقي. بالعكس، واصل الانتشار جغرافيا فضم إليه دولا كانت أعضاء في حلف وارسو كالمجر وبولونيا وبلغاريا ورومانيا، بل حتى بعضَ "الجمهوريات السوفيتية" السابقة كإستونيا وليتوانيا وليتونيا. عدلت أجندته لتتلاءم مع الوضع العالمي الجديد غير أن مهامه الأساسية بقيت هي ذاتها : التدخل العسكري دفاعا عن مصالح الرأسماليتين الأوروالأمريكية أينما باتت مهددة.
على صعيد آخر، لم يؤد انتهاء الحرب الباردة إلى تغيير ملموس على مستوى الهيئات الأممية. أعضاء مجلس الأمن الدائمون هم نفسهم أعضاؤه في أوج الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، كما أن دعوات الدول النامية إلى "عالم أكثر عدلا" لم تلق صدى كبيرا، فالدول الصناعية واصلت إطباق قبضتها عليها من خلال صندوق النقد العالمي وغيره من هيئاتها المالية، موجهة اقتصادياتها وجهة تقضي على شعوبها بالفقر والحروب. لا أدل على أن دعوة حركة عدم الانحياز في الجزائر سنة 1974 إلى "نظام اقتصادي دولي جديد" كانت صرخة في قعر واد من أنها كررتها في 2009، في شرم الشيخ، وبنفس العبارات تقريبا، فيما يشبه روتينا عمره اليوم خمسة وثلاثون عاما.
وباختصار شديد، لم يعن انهيار جدار برلين أن العالم لم يعد مرشحا لأن تولد فيه أقطاب جيوسياسية جديدة، أهمها الصين وروسيا (مخلصة من إرث الاتحاد السوفيتي ومستعيدة توسعية القياصرة)، ولا أن تسيير الاقتصاد الدولي لم يعد حكرا على "السبعة الكبار" ولا أن دور البلدان النامية فيه (من خلال المجموعة المسماة بالـ "77") أصبح أكثر أهمية من ذي قبل. السؤال الذي يطرح نفسه ليس إذاً عن ضرورة استمرار حركة عدم الانحياز التي تضم ثلثي أعضاء الأمم المتحدة و55 بالمائة من سكان الكرة الأرضية. السؤال هو : هل أعضاؤها مقتنعون بما يصوتون عليه بالإجماع في مختلف قممها ؟هل يسعون حقا إلى "عالم بديل"؟
في 1979 عندما ترأست كوبا الحركة، أطلقت بعض صحف المعسكر الغربي العنان لسخريتها مذكرة إياها بأنها جزء من حلف وارسو بحكم أن الخبراء السوفيات، من شواطئها، يرقبون عن كثب ولاية فلوريدا الأمريكية. الأمر اليوم أكثر خطورة مما كان عليه لثلاثين سنة خلت. لننظر في "لا انحياز" بعض "دول عدم الانحياز". مصر، إحدى البلدان التي أسست الحركة، تتلقى من أمريكا معونة مالية سنوية يخصص جزء لميزانيتها العسكرية. المغرب والجزائر وموريتانيا دخلت مفاوضات شراكة مع الناتو. أفغانستان شبه محمية أمريكية منذ 2001، ما يمكن الولايات المتحدة من محاصرة بعض أعدائها في المنطقة، خصوصا روسيا وإيران. المملكة السعودية والإمارات العربية وقطر والكويت والبحرين والعراق تعج بقواعد دول الناتو العسكرية، بل أن الإمارات - ربما بدافع "عدم الانحياز" إلى هذه القوة العظمى أو تلك - أطلقت عملية "تنويع" للحضور الأجنبي المسلح على أراضيها بافتتاح قاعدة فرنسية في أبو ظبي في مايو 2009.
في 1974، لم يكن مطلب "نظام اقتصادي دولي جديد" مطلبا ثوريا، فهو كان أساسا مطلب اندماج في السوق العالمية مشروط بالقضاء على التبادل غير المتكافئ بين الشمال والجنوب وضبط جناح الشركات متعددة الجنسيات وتقوية نفوذ الدول النامية في المؤسسات الدولية. لم يكن مطلبا ثوريا لكنه اليوم، وهو يُطرح من على منصة قمة شرم الشيخ، يبدو أصلا عديم الجدية، فالأغلبية الساحقة من دول عدم الانحياز أعضاء في منظمة التجارة العالمية (التي أقل ما يقال عنها أنها عصب الدول الصناعية التجاري) والباقي (باستثناء كوريا الشمالية وإريتريا وتركمنستان) تستجدي الالتحاق بها وتنتظره على أحر من الجمر.
كما في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ليست لدول الحركة مصلحة في التذيل لأمريكا أو أوروبا أو روسيا أو الصين. ليس مفهوم عدم الانحياز إذاً هو الذي انتفى. ما انتفى هو "دول عدم الانحياز"، فما أعظم الفرق بين مناصبة الناتو العداء (إلى حد التقرب أحيانا من حلف وارسو) والاحتماء بظله، بين التنديد بمؤسسات الرأسمالية الدولية والتمسح بها رغبة في مرضاتها. ما أعظم الفرق بين مصر قمة 1964 ومصر قمة 2009، بين القاهرة، "عاصمة حركات التحرر"، وشرم الشيخ "عاصمة المال والأعمال" التي احتضنت في 2008 أحد منتديات "مؤسسة دافوس"، وهي الأخرى "هيئة محايدة" بالرغم من أن الشركات متعددة الجنسيات هي من تمولها وترعاها.
ياسين تملالي
صحفي وكاتب جزائري
24 يوليو-تموز 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا