الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام والفساد

عدنان شيرخان

2009 / 8 / 5
الصحافة والاعلام


في دول عديدة في اسيا وافريقيا حيث مرتع ومراعي الفساد بجميع انواعه، لا يخفي العديد من كبار المسؤولين غضبهم من وسائل الاعلام فيما يخص قضايا الفساد، ويحملونها مسؤولية تضخيم هذه القضية واعطائها حجما اكبر بكثير مما هي على ارض الواقع، يعتقدون ان الفساد في بلدانهم اقل بكثير مما تصوره وتعرضه وسائل الاعلام.
وفي الجانب الاخر تعتقد غالبية كبيرة من المواطنين بأن الاعلام يقف على رأس المقصرين في فضح الفساد، وان مجموعة من العوامل والدوافع تقف شامخة وراء هذا التقصير تترواح بين الخوف من عواقب الكتابة عن الفساد بجدية، وبين المساهمة والمشاركة في الفساد بتلقي اموال من فاسدين مقابل السكوت، والابتعاد بنشر مواضيع تتعلق بالاثار المدمرة التي ستلحق بالارض نتيجة ظاهرة الانحباس الحراري.
من المثير للسخرية حقا اتهام الاعلاميين بتضخيم ظاهرة الفساد، والاولى اتهامهم بالتقاعس عن اداء دورهم المهم في كشف هذه الظاهرة، والبحث عن الذين يقفون وراءها، وقبولهم بالصمت او التستر بضعف او انعدام المتابعة الاعلامية للفساد، وان انعقاد لسانهم عندما يأتي ذكر الفساد، اشاعة لمشاعر الخوف التي تحيط بالفاسدين وانهم لا يتورعون عن فعل اي شئ عندما يمس الاعلام اوضاعهم.
ولكن لمحاربة الفساد بجميع انواعه وصنوفه السياسي والمالي والاداري وجه اخلاقي يقوم به المجتمع، عندما تشيع ثقافة احتقار الفساد والفاسدين والمفسدين والتصدي لهم بمنتهى الشجاعة. على النقيض من المجتمعات التي تظهر الاحترام للفساد والاعجاب بما تؤول اليه احوال الفاسدين، وتقديس الصعود المالي السريع للاشخاص وان لم يأت شرعيا، وجاء عن طريق ( الفهلوة)، ومواجهة الشرفاء بالمثل الشائع ( الرجال اللي اعبي بالسكلة رقي)، او ان فلانا ( ذيب امعط ) يسرق وينهب ولا يستطيع القضاء والنزاهة اثبات شئ ضده.
مشكلة الفساد في جوانب عددية تتعلق بالموقف منه اجتماعيا واخلاقيا، ومن رمي تبعاته على مخلوقات تأتينا من المريخ، المجتمع الذي يظهر احتراما كما يظهر المجتمع البريطاني مثلا للصحافة التي تتصدى للفساد، يفكر الفاسدون ألف مرة قبل ان يفعلوا شيئا.
في بريطانيا وقبل نحو ثلاثة اشهر نشرت صحيفة الديلي تلجراف نفقات اعضاء البرلمان البريطاني، وقالت انهم طالبوا بتعويضات من خزينة المجلس بين تغطية تكاليف صيانة منازل ريفية او بيوت فخمة بتكاليف بلغت عشرات الاف الجنيهات. واشتملت القائمة طلب احد النواب دفع راتب سنوي بلغ 14 الف جنيه لموظف يقوم برعاية المنزل الخاص بالنائب، وطلب اخر بدفع الفي جنيه لتنظيف نفق يحيط بمنزل ريفي لاحد النواب، وايضا دفع تكاليف صيانة لمهبط طائرات عمودية. واعتبرت الجريدة هذه الطلبات التي تتعلق بنفقات باذخة سيثير حفيظة دافعي الضرائب بشكل اوسع ويثير الشكوك حول اداء مكتب مراقبة نفقات مجلس العموم.
المعلومات (الصحيحة) التي نشرتها الصحيفة، دفعت برئيس مجلس العموم البريطاني مايكل مارتن الى الاعتذار والتعبير في بيان صدر باسمه عن عميق أسفه للفضيحة التي تحيط بنفقات نواب البرلمان البريطاني، وقال " إن النواب خذلوا الشعب البريطاني"، وعندما تعالت الأصوات المطالبة باستقالته، لم يتردد بالاستجابة لها وقدم استقالته، وهو أول رئيس لمجلس العموم يجبر على التنحي من منصبه منذ أكثر من ثلاثة قرون.
لقد ضغطت التغطية الاعلامية المكثفة على مجلس النواب بشدة وحطمت اضلاعه، وجعلت الناس ينظرون الى السياسيين وكأنهم مجرد نفعيين يسلبونهم اموال الضرائب، ونسفت أي اخلاقيات يعتقد الناس انها لا تزال متبقية لدى السياسيين ومؤسسات الديموقراطية الراسخة.
ماذا سيحدث لو اوتي الاعلام في دول عديدة مثل ما اوتي في بريطانيا من قوة ونفوذ واحترام ومصداقية، وصال على الفساد ودمر حصونه التي كانت تبدو باعين الكثيرين منيعة. معظم قضايا الفساد تمر على الشعوب النائمة المنبطحة المسترخية، التي تنتظر دائما ان يأتيها شئ من المجهول لينقذها، اما الشعوب الحية فلا تنطلي عليها الحيل، وبأمكان صحيفة واحدة كما فعلت الديلي تلغراف ان تهز عرش مجلس العموم وان تجبر رئيسه على الاعتذار والاستقالة. المعارك ضد الفساد من اصعب واشرس المعارك، ولن تتقدم الشعوب خطوة الى الامام، ما دامت ارضة الفساد تنخر اقتصادها، وتسرق نسب عالية من مواردها، وتصبح مصداقية المشاعر الوطنية التي يحرص السياسيون على اظهارها بمناسبة وبدون مناسبة موضع شك كبير ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيون في الضفة الغربية يحيون الذكرى الـ 76 للنكبة


.. خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول مستقبل قطاع غزة بعد الحر




.. من هو صلاح الدين الأيوبي برأي ريم بسيوني؟ • فرانس 24


.. تهريب سجين وقتل 3 حراس في فرنسا




.. الجيش الإسرائيلي: مقتل 5 جنود وإصابة 16 آخرين في تفجير مبنى