الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نوري باشا السعيد
ميسون البياتي
2009 / 8 / 6سيرة ذاتية
(( المعارضون أشد وطنية مني , إلا أنني أعتقد بأن سياستي هي الأوفر حظا والأحسن للوصول الى الغاية التي ننشدها جميعا , فليس بيد أحد أن يعدل المعوج أكثر من ذلك )) . نوري السعيد
شخصية السيد نوري باشا السعيد الذي ترأس الوزراء 14 مرة خلال فترة العهد الملكي , شخصية من أكثر شخصيات زمانها , إثارة للجدل , فمنهم من يتهمه بالعمالة للأجنبي , ومنهم من يراه وطنيا في قمة الوطنية . للحديث عن شخصية هذا الرجل , وجانبا من تاريخ العراق الملكي , وكيف تم إستعمالنا من قبل البريطانيين والأمريكان لنقتل بعضنا البعض نيابة عنهم , إخترت لهذا الغرض , أن نقرأ كتاب ( نوري السعيد _ رجل الدولة والإنسان ) .
يقع الكتاب في 377 صفحة من القطع كبير المتوسط , ومن منشورات دار الساقي 2003 وتأليف الدكتورة عصمت السعيد ( كنّة ) السيد نوري السعيد , زوجة إبنه السيد صباح , ووالدة حفيديه : السيدين فلاح وعصام .
مأخذي الوحيد على هذا الكتاب أنه رغم قيمته الوثائقية إلا أن الدكتورة المؤلفة لا تهتم كثيرا بتدوين التواريخ , فلا تكتب أرقام السنوات إلا نادرا , أما حين تذكر الأيام والشهور فهي تشير إليهما هكذا : ( 2 تشرين ) ولا ندري أي تشرين منهما تقصد , مما كلف جهدا كبيرا للتحقق من بعض الوقائع التاريخية .
يتصدر الكتاب إهداؤه الى شعب العراق من قبل الدكتورة عصمت , كما يتصدره شكر وتقدير من مبرة السيد عصام السعيد لكل الذين ساهموا بمساندة إخراج الكتاب .
بطبيعة الحال فإن الدكتورة عصمت , التي حصلت على شهادة الدكتوراه عام 1958 من جامعة باريس عن أطروحتها المعنونة (( العراق ودور العوائد النفطية في سير تطوره )) ستبدأ بسرد تاريخ العائلة وجزء مهم من أحداث العراق , منذ الفترة التي دخلت فيها الى عائلة السيد نوري السعيد زوجة لولده السيد صباح عام 1936 .
تحدثنا الدكتورة عصمت وهي مصرية الجنسية , أنها كانت تقيم مع والدها ( علي باشا فهمي ) في جزيرة بيوك آظه التركية الواقعة في بحر مرمرة , حين زارهم السيد نوري السعيد وبصحبته زوجته السيدة نعيمة العسكري ( أخت جعفر العسكري ) وولدهما صباح , في طريق عودتهم من لندن الى العراق .
صباح نوري السعيد كان يحمل شهادة هندسة طيران من جامعة كمبريدج , وتعرض الى حادث سقوط طائرة في بغداد كاد يودي بحياته , ولذلك فهو بصحبة العائلة عائدا من لندن التي قصدها للعلاج , وعند مرورهم بجزيرة ( بيوك آظه ) وبعد أيام من وصولها أصيب صباح هذه المرة بإلتهاب الزائدة الدودية مما تطلب إدخاله المستشفى لإجراء عملية للزائدة , ولم تكن هذه العملية سهلة في ذلك الوقت , زاره صديقهم والد الآنسة عصمت للإطمئنان , فصادف وجود كمال أتاتورك عند المريض أيضا , وفي تلك الزيارة خطب نوري السعيد الآنسة عصمت الى ولده صباح المريض , بمباركة أتاتورك نفسه .
تمت إجراآت خطوبة بسيطة , بعدها إنتقلت العروس الى بغداد لإكمال بقية متطلبات الزواج الذي وقع في بيت العائلة في الوزيرية ( راغبة خاتون ) ليلة الجمعة 22 أكتوبر 1936 .
بعد 6 أيام من حفل العرس , وقع إنقلاب بكر صدقي , وقتل فيه ( جعفر العسكري ) خال العريس . وبخلاف كل التبريرات التي قرأناها كأسباب لإنقلاب بكر صدقي تذكر الدكتورة عصمت ص 33 (( إن أهم ما كان يصبو إليه بكر صدقي هو إنشاء دولة كردية في المنطقة . كان ينقل الضباط العرب من المواقع الحساسة ويستبدلهم بضباط أكراد . لقد تأكد ذلك عندما تم قبول الطلبة الجدد في المدارس العسكرية فكانت نسبة الأكراد بينهم أكثر من 70% )) .
عند مصرع جعفر العسكري وسيطرة القوات التي تدين بالولاء لبكر صدقي على الدولة العراقية , أمر الملك غازي كلا من ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد بمغادرة العراق حفاظا على سلامتهم , فغادر الهاشمي والكيلاني الى لبنان , فيما توجه نوري السعيد وعائلته بطائرة عسكرية حملتهم من مطار ( قاعدة الهندية ) البريطانية في العراق , الى مصر حيث أقاموا بضيافة أنسبائهم .. وكانت الرواتب التقاعدية لنوري السعيد وإبنه صباح تصلهما الى القاهرة .
عين الملك غازي ( حكمت سليمان ) رئيسا للوزراء , بناء على الأمر الذي تلقاه الملك من قادة الإنقلاب , ومن الغريب أن حكمت سليمان هو ( عديل ) نوري السعيد فقد كان متزوجا من شقيقة لجعفر العسكري هو أيضا , وهذا إن أشار الى شيء فإنما الى أن جميع هؤلاء الضباط ( الأحرار ) لم يكونوا أكثر من ( أدوات ) لقوى خارجية تستعملهم لتنفيذ أجنداتها على أرض العراق .
لم يستمر هذا الوضع طويلا فبعد 8 أشهر كان بكر صدقي جالسا مع قائد القوة الجوية في مطعم مطار الموصل حين تقدم عريف من الشباك القريب منهما وأطلق النار على رأس بكر صدقي وأرداه قتيلا , وقتل قائد القوة الجوية بطلقة في معدته حين حاول ملاحقة العريف . بعد التشييع ساءت أمور وزارة حكمت سليمان بشدة .. فأقالها الملك وشكل وزارة جميل المدفعي .
تم البحث عن مكان جثة جعفر العسكري التي تم دفنها كيفما إتفق قبل 8 أشهر .. وأقيم لها تشييع مهيب , وأعيد دفنها في المقبرة الملكية تكريما , ثم سمح لصباح نوري السعيد بالعودة الى بغداد لشغل وظيفته الإدارية في مصلحة السكك الحديدية , وفي 20 آب 1937 رزقت العائلة بحفيد نوري السعيد البكر الذي تمت تسميته ( فلاح ) .
منذ إنقلاب بكر صدقي ثم مقتله , فإن العسكر الذين كانوا يتدخلون في الحكم وبسبب كونهم لم يواجهوا بموقف حكومي صارم يمنعهم , لذلك كانت محاولاتهم تتكرر بدون خوف من عقاب , ولهذا نجدهم سيحاولون هذه المرة إسقاط حكومة جميل المدفعي .
فكما تروي لنا الدكتورة عصمت في كتابها ص 36 و 37 قام الجيش هذه المرة بنشر إشاعات عن أن حكومة المدفعي ستسعى الى تطبيق قانون ( الدعاية المضرة ) وستصدر أحكاما على عدد من الضباط وزعماء المعارضة , بعدها أرسل ضباط ( المربع الذهبي ) صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد وكامل شبيب ومحمود سلمان إنذارا الى المدفعي يطالبونه بالإستقالة .. فإمتثل لإنذارهم وقدم إستقالته الى الملك غازي , وحين قبلها الملك أرسل رئيس الديوان الملكي ( رشيد الخوجة ) الى رئيس أركان الجيش ( حسين فوزي ) قائلا له : (( إن حركتكم طعنة نجلاء للدستور ولكننا نرجو أن تكون هذه هي المرة الأولى والأخيرة )) . على إثر ذلك تم تعيين نوري السعيد رئيسا للوزراء للمرة الثالثة في 25 ديسمبر 1938 فما هي جدوى تلك الحركة العسكرية .. إذا كانت قد غيرت المدفعي بنوري السعيد ؟
بإندلاع الحرب العالمية الثانية كانت التيارات السياسية العالمية تغلي في العراق . فمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني , وأستاذ التاريخ في دار المعلمين العالية ( درويش المقدادي ) الذي سيصبح عميدا للدار بعد ذلك , وجميع الفلسطينيين الذين أبعدتهم بريطانيا عن فلسطين الى العراق بسبب مشاكلهم مع اليهود كانوا من المناصرين لألمانيا كرها في بريطانيا .
إستهوت هذه الدعوات حتى الملك غازي نفسه الذي بدأ يستعمل إذاعة قصر الزهور في بث دعايات مناهضة للبريطانيين .. ويطالب بعراقية الكويت رغم كل المقررات التي تم إجبار حكومة والده الملك فيصل الأول على توقيعها في بروتوكول العقير . لهذا كان ينبغي التخلص من غازي في حادث سيارة مفبرك , وإستغرقت الدكتورة عصمت سرد 8 صفحات لتوحي لنا أن لا علاقة لعمها نوري السعيد بتلك الحكاية . عندها هاجت الجماهير العراقية لمقتل غازي وقامت بقتل القنصل البريطاني في الموصل ثم شهدت الملكة عالية دون أن تقسم على شهادتها أن الملك المتوفي كان يرغب أن يتسلم عبد الإله الوصاية على عرش ولدها إذا حصل له مكروه فأصبح العراق بيد السفارة البريطانية وبيد نوري السعيد الذي يسيطر تماما على عبد الإله .
بعد مقتل الملك غازي إستقالت وزارة نوري السعيد الثالثة , ولكن ما أن تم تشكيل الوزارة من جديد تحت وصاية عبد الإله على العرش , حتى أعيد نوري السعيد رئيسا لها وذلك في 6 نيسان 1939 .
مجموعة من الوزراء في وزارة نوري السعيد الرابعة تجادلوا بشدة في حفلة عامة بينما كانوا سكارى , ثم تم توجيه الكلام الى رستم حيدر وزير المالية مطالبينه بمغادرة العراق والعودة الى بلده الأصلي لبنان . بعد عدة أيام دخل عريف في الجيش الى وزارة المالية وأطلق عدة طلقات نارية على رستم حيدر فأرداه قتيلا , عند التحقيق مع هذا العريف ذكر أسماء بعض الوزراء , فعم الهياج بين الوزراء لإدراجهم في التحقيق .. فسقطت الوزارة .
حين شكل الوصي عبد الإله الوزارة من جديد , كانت وزارة مؤقتة لغرض محاكمة العريف حسين فوزي قاتل رستم حيدر وتمشية الحال لعدة أسابيع ريثما يتم إختيار وزارة جديدة , وهكذا تم إختيار نوري السعيد للمرة الخامسة رئيسا للوزراء . حيث إنتهت فترة رئاسته للوزراء بعد إعدام قاتل رستم حيدر بفترة قصيرة .
يوم 3 آذار 1940 وقع إختيار الوصي على مدير الديوان الملكي ( رشيد عالي الكيلاني ) لتشكيل الوزارة المرتقبة .. حيث أسند فيها دور وزير الخارجية الى نوري السعيد . كانت
كانت الحرب العالمية الثانية في أوج إشتعالها , فقد إنهارت بولندا وهولندا وبلجيكا وكان سقوط باريس وشيكا , وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تبيع السلاح وتمنح الدعم المالي الى كل الفرقاء المتقاتلين سواءا كانوا من المحور أو الحلفاء ولم تدخل رسميا الى الحرب بعد , مستخدمة الحرب أداة لإنعاش معامل سلاحها وإقتصادها الوطني , وكان من مصلحتها سقوط كل دول أوربا بيد المحور , فتنهار بناها الإقتصادية وتظل تابعة في كل متطلباتها للأمريكان .
الوزراء العراقيون في تلك الفترة ولإنعدام نظرتهم السياسية الشاملة كانوا يعتقدون أن مناصرة دول المحور كفيل بجعلهم يستقلون عن بريطانيا مستغلين فرصة هذه الحرب الكونية الطاحنة , متناسين أن ألمانيا حين كانت تقوم بإسقاط دولة في أوربا , فإنها تخضع تلك الدولة مع مستعمراتها , الى سيادة المحور الإستعمارية , وما وقع في أندونيسيا خير شاهد على ذلك , فحالما سقطت هولندا بيد ألمانيا , حتى إندفعت اليابان حليفة ألمانيا الى إحتلال أندونيسيا التي كانت مستعمرة هولندية .
إنقسام الوزراء العراقيين بين مؤيد لدول المحور ومناهض لها أدى الى إنهيار وزارة رشيد عالي الكيلاني في 31 كانون ثاني 1941 فقام الوصي بتكليف طه الهاشمي بتشكيل الوزارة الجديدة , عندها تضامن العقداء الأربعة مع رشيد عالي الكيلاني الذي كان مؤيدا لألمانيا , من أجل القيام بإجبار طه الهاشمي على الإستقالة , ثم فرض الأمر العسكري على الوصي لإعادة الكيلاني الى الوزارة .
مساء الأول من شباط 1941 أعلن رشيد عالي الكيلاني من دار الإذاعة قيام حكومته العسكرية , وبدأ العسكر تحت إمرته يتوجهون الى دوائر البريد والبرق لإحتلالها لقطع الإتصالات . ثم قامت سيارة عسكرية بالتوجه الى دار نوري السعيد وإعتقلت إبنه صباح لأن والده كان في تلك الفترة في الأردن , لكن تدخل زوجة رشيد عالي الكيلاني التي كانت صديقة لأم صباح هو الذي أدى الى إطلاق سراحه .
أما سمو الوصي فقد هرب من قصره متنكرا الى بيت عمته الأميرة صالحة في الرصافة ومن هناك الى القاعدة البريطانية في البصرة . عندها قامت حكومة رشيد عالي الكيلاني بخلع عبد الإله عن وصاية العرش وتعيين الشريف شرف محله ( بدَّل الماء , بعد الجهد .. بالماء ) وأخذت تمارس سياسة واضحة الصلة بألمانيا , ولذلك كانت حكومة رشيد عالي الكيلاني تعرقل حرية تنقل القطعات البريطانية من أجل وصولها من الهند الى جبهات القتال التي تريدها بريطانيا , وذات يوم كانت الحكومة العراقية موعودة بشحنة سلاح ألماني تصلها جوا الى قاعدة الحبانية , عندها وقع الصدام بين القوة الجوية البريطانية , والحكومة العراقية مما أدى الى قصف بغداد بالطائرات فهربت الحكومة العراقية الى ايران .
عندها أعطيت الأوامر الى ( الملك عبد الله الأول ملك الأردن ) بعزل الشريف شرف وإعادة عبد الإله الوصي الى بغداد ب ( زفة سلاح ) فتقول الدكتورة عصمت ص 61 _ 62 (( عندما إطلع الملك عبد الله عاهل الأردن على الخطة التي إتبعتها الحكومة القائمة في بغداد , قام بدور إيجابي لإيقاف خطوات المحور فإستعان بالجيش العربي وإتجه الى العراق ومعه الوصي الذي خلعه الكيلاني , عندما سمعت بغداد بزحف الجيش العربي الى العراق , هرب رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة وجماعتهم الى إيران ومعهم الحاج أمين الحسيني )) .
لكن هذا لم يعن أن الأمور سارت على ما يرام بعد ذلك , فكثير من العراقيين , ومعهم فلسطينيون بضمنهم ( درويش المقدادي ) عميد دار المعلمين العالية , الذين كانوا يؤازرون حكومة الكيلاني وتطلعاتها الألمانية تمت إحالتهم الى المحاكم وصدرت بحقهم أحكام بالسجن تم تنفيذ أغلبها في قواعد البصرة البريطانية .
لم يكن العرب يعانون من التفرقة العنصرية في الدولة العثمانية , حتى ظهور حزب ( الإتحاد والترقي ) التركي , الذي يعلي مناصروه ( العنصر التركي ) على غيره من كل أقوام الدولة العثمانية , بسبب أن أغلب المنتسبين الى هذا الحزب هم من ( يهود الدونمة ) الذين هاجروا الى الدولة العثمانية بسبب إضطهادهم في دول أوربا , والذين أثناء معيشتهم في الدولة العثمانية , أصبحوا يظهرون الإسلام ... ويخفون اليهودية .
عندها قام الشريف حسين بن علي شريف مكة بإعلان التمرد العربي داخل الدولة العثمانية مستمدا الدعم من الحكومة البريطانية , وبلعبة مدروسة بدأ الأمريكان بمغازلة طموح العرب الى الإستقلال حين أعلن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون النقاط الأربعة عشرة عام 1919 عند توقيع معاهدة فرساي حين قال (( ينبغي ضمان سيادة حقيقية للأجزاء التركية من الإمبراطورية العثمانية الحالية , أما الأقوام الأخرى الموجودة الآن تحت الحكم التركي فينبغي أن تضمن لها الحياة ضمانا لا مراء فيه مع إعطائها فرصة للقيام بالحكم الذاتي )) .
نظرا الى أن الحكومة البريطانية كانت تريد الإستحواذ على العراق والشام بعد إجبار فرنسا على الإنسحاب من سوريا ولبنان عند سقوط باريس بيد الألمان , لذلك تحججت بريطانيا بحاجة العراق الى منفذ على البحر الأبيض المتوسط لتصدير نفطه , أو حاجة فلسطين التي كانت وقتها تحت الإنتداب البريطاني الى نفط العراق , لهذا أوعزت الى نوري السعيد بطرح ( مشروع الهلال الخصيب ) حيث يعاد توحيد سورية ولبنان وفلسطين وشرق الأردن في دولة واحدة تدعى ( دولة سوريا ) يتم توحيدها مع ( دولة العراق ) على شكل ( عصبة عربية ) .
بقيت الأمور ما بين أخذ ورد بين كل من بريطانيا التي تستحوذ على العراق وفلسطين وشرق الأردن والكويت _ والولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تبسط نفوذها على سوريا ولبنان بعد إجبار فرنسا على الإنسحاب منهما , وهكذا أجهض مشروع الهلال الخصيب .
تداركت بريطانيا هذا الفشل بالدعوة الى تأسيس الجامعة العربية في مصر , لتقاوم النفوذ الأمريكي المتعاظم في الشرق الأوسط عن طريق إستعمال العرب بالنيابة عن بريطانيا وبواسطة جامعتهم العربية , مستغلة طموحهم الشديد الى التحرر والإنعتاق , لتحارب بهم النفوذ الأمريكي المتنامي .
حالما تأسست الجامعة العربية عام 1945 في مصر كان نوري السعيد من أوائل الذين رشحوا السيد عبد الرحمن عزام ( مصري ) لشغل منصب أمينها العام , لكن الجامعة العربية ومنذ ذلك الحين لم تكن فعالة , وكانت متحيزة , ولا تعمل على دعم الروابط الإقتصادية واللغوية والثقافية والجغرافية أو التاريخية للعرب , كل هذا دفع نوري السعيد الى طلب تعديل بعض قوانينها الإدارية فإعتبر عبد الرحمن عزام ذلك مساسا شخصيا به , وكأنه رئيس دولة مستقلة تم التدخل بشؤون دولته الداخلية فكتب الى نوري السعيد رسالة طريفة في التعامل بين المنظمات الإقليمية والدول المنتمية إليها نشرتها الدكتورة عصمت في ص 98 وجاء فيها :
(( عزيزي نوري باشا السعيد
السلام عليكم وبعد فطالما انصفتك فلم تنصفني , واحتفظت بودك فلم ترع ودي , ويعلم الله اني صبرت استبقاءا لمحبة , ووفاء بعشرة , ورغبة في تعاون لخدمة امتنا . فأبيت الا ان تتجاهل ذلك كله .
فهل بقي الا ما تقبل المرؤة وان أقبل القطيعة التي اردتها ؟
كلانا غني ّ عن اخيه حياته ونحن اذا متنا اشد تغانيا
المخلص عبد الرحمن عزام 14 / 5 / 1949 )) .
نهاية الأربعينات صدر قرار تقسيم فلسطين , ووقعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى , ورغم تأسيس بريطانيا للجامعة العربية , إلا أن هذه الجامعة لم تنجح في إستعمال العرب لحماية مصالح بريطانيا في المنطقة , وهكذا تأسست الدولة العبرية بالضد من رغبة بريطانيا , وكان على الحكومة البريطانية مغادرة فلسطين حيث يقع ميناء حيفا وهو أهم موانيء البحر الأبيض المتوسط قاطبة .
عام 1952 وقع إنقلاب عسكري أمريكي في مصر لإخراج البريطانيين والفرنسيين منها , عندها وكتحصيل حاصل خسرت بريطانيا نفوذها ( كليا ) على العرب الذي كانت تمارسه من خلال الجامعة العربية , ولهذا كان على بريطانيا أن تجد لها وسيلة أو طريقة لتأسيس تجمع جديد يمكنها من الحصول على بعض النفوذ , وهكذا سارعت الى تأسيس حلف بغداد كإستجابة لمشروع أيزنهاور في صد الخطر الشيوعي عن الشرق الأوسط وأفريقيا .
بالمثل إندفع نوري السعيد في هذا المشروع , فرغم كونه رجل بريطانيا في العراق إلا أن رؤيته لنفوذها وهو يضمحل , جعلته يكرر نفس الخطأ الذي إرتكبته حكومة رشيد عالي الكيلاني بالإرتماء في حضن السياسة الألمانية من أجل التخلص من البريطانيين , لكنه فعلها هذه المرة مع الأمريكان . فقد كان يرى أن إنغماسه في مشروع حلف بغداد سيجعله رجل الأمريكان في المنطقة وبذلك يتخلص العراق من النفوذ البريطاني , لكننا سنجد أنه حالما سيتأسس حلف بغداد من العراق وتركيا وايران وباكستان برعاية بريطانية وحضور أمريكي , حتى بدأ عبد الناصر يناصب نوري السعيد العداء المعلن .
تقول الدكتورة عصمت عن عبد الناصر في ص 134 (( لقد أصبح واضحا أن الحاكم الجديد مستبد النزعة ويؤمن بالحكم الفردي وعندما تمت له السيطرة الكاملة على مقدرات مصر تبلورت شخصيته الديكتاتورية كاملة .. لم يبق لنظام الشورى المصطنع الذي كان يجمع زمرة الضباط الأحرار في بداية الحكم الجمهوري أثر يذكر على مر الأيام إذ تم إقصاء كل من يعارضه بالتدريج .. وفي آخر عهد حكمه كان لا يقبل المناقشة في الأمور التي تتعلق بالسياسة التي صمم أن يتبعها , بل كان يفرض إرادته على العالم العربي بأسره ويأمل أن يفرض زعامته الشخصية المطلقة على الوطن العربي الكبير من الخليج العربي الى المحيط الأطلسي )) .
سبب هجوم عبد الناصر على حلف بغداد وشخص نوري السعيد كان : إرسال واشنطون الى بغداد لمناسبة توقيع ميثاق حلف بغداد 210 مدفع من عيار 20 ملمتر مع ألف قذيفة عتاد لغرض تدريب الجيش العراقي عليها , وكانت تلك الشحنة , من الأشياء التي يحلم نوري السعيد بالحصول عليها منذ زمن بعيد . غير أن هذا السلاح أوغر صدر عبد الناصر الذي لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تزوده به .. رغم مطالبته الشديدة , حرصا منها على سلامة الموازنات العسكرية في المنطقة وبالأخص لغرض حماية إسرائيل .
حينها سعى عبد الناصر الى عقد صفقة سلاح ( كان يعتقد أنها سرية ) مع الإتحاد السوفييتي لكن الأمريكان لم يمانعوا في ذلك , على العكس لاقت هذه الصفقة كل الترحيب , لكنها أدخلت مصر في مستنقع حرب اليمن التي كان لها سببان مباشران :
# طرد البريطانيين من قواعدهم في الجنوب العربي وأهم تلك القواعد هي قاعدة عدن .
# إحراق كل السلاح الذي تسلمته مصر من الإتحاد السوفيتي .
وقد كانت حرب اليمن المصرية , لا تقل بشاعة عن حرب فيتنام الأمريكية , ففي فترة مبكرة من ستينات القرن الماضي كانت حرب اليمن في أكثر مراحلها , تكلف الحكومة المصرية (( في اليوم الواحد )) ما قيمته : (( حوالي 5000 رجل + مليون دولار )) ونتج عن تلك الحرب شطر اليمن الى يمنين , وهزيمة العرب الكبرى في حرب حزيران 1968 وسأكتب عن ذلك في موضوع منفصل .
تم توقيع ميثاق حلف بغداد في نهاية عام 1955 , ومن أهم تأثيرات توقيع هذا الميثاق على العراق هو إلغاء معاهدة 1930 ( البريطانية _ العراقية ) سيئة الصيت , وبموجب هذا الإلغاء قامت الحكومة البريطانية عام 1956 بتسليم قاعدة الشعيبة الجوية الى القوة الجوية العراقية , وكان عليها ضمن جداول محددة إخلاء بقية قواعدها تباعا . وباشر نوري السعيد في تخطيط مشروع إعمار العراق معتمدا على ثروة عائدات النفط العراقي , كما إستمرت الأحداث سجال بين عبد الناصر ونوري السعيد .. ولكن .. ما هو السبب المباشر الذي أدى الى تسقيط الحكم الملكي في العراق ؟ وهل كان ذلك بموجب خطة أمريكية أم بريطانية ؟
إضافة الى إعتماد كتاب الدكتورة عصمت السعيد الذي بين أيدينا لتوثيق ذلك الإنقلاب , أدعو القاريء الكريم للعودة الى مصدر مهم منشور باللغة الإنكليزية , وهو كتاب ( حرب خروشوف الباردة ) من تأليف الأمريكيين ( ألكسندر فورسينكو و تيموثي نفتالي ) . فمنذ الصفحة 183 سيبدأ المؤلفان بشرح الطريقة التي إستعمل بها الأمريكان حكومة لبنان من أجل إسقاط الحكم الملكي في العراق .
وسنرسم الآن صورة للأيام الأخيرة من الحكم الملكي في العراق , وكيف تم تحويلنا الى جمهورية .. وهو ما يجهله أغلبنا أما بحكم صغر السن , أو بحكم التعتيم الإعلامي التام , أو بحكم التحيز والعناد والإنغلاق .
نعود الى الدكتورة عصمت السعيد في كتابها ص 175 حيث تقول : (( كان الهجوم المكثف الذي تشنه إذاعة صوت العرب والإعلام المصري على حلف بغداد يرمي إلى إثارة الشكوك حول وجود بنود سرية فيه لصالح المستعمر وإسرائيل ........ وعندما وقع إنقلاب 14 تموز 1958 في العراق كان أول ما قام به المتآمرون هو الهجوم على ( دار ميثاق بغداد ) للسطو على كافة الوثائق الموجودة فيه ونقلها الى القاهرة لفحص محتوياتها لكنهم لم يجدوا فيها ما يثير الشك أو الإنتقاد )) .
في يوم الأول من شباط 1958 تم توقيع الوحدة الإندماجية الفورية بين الرئيس السوري شكري القوتلي , والرئيس المصري عبد الناصر . ولأن هذا المشروع الوحدوي كان ( مشروع أمريكي ) صمم ليتناسب مع تطلعات الجماهير العربية , لذلك سارع البريطانيون الى طرح مشروعهم الوحدوي البديل أو المقابل . فبعد أسبوعين فقط , وفي يوم 14 شباط 1958 أعلن رسميا عن تأسيس ( الإتحاد العربي ) الذي يعرف أيضا بإسم ( الإتحاد الهاشمي ) بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية , وهو إتحاد مفتوح العضوية لكل من يريد المشاركة فيه . ملك العراق هو رئيس الإتحاد ومقر الحكومة دوري مابين بغداد وعمّان كل 6 أشهر .
دخول الكويت الى الإتحاد العربي كان من الأهداف التي ركز عليها نوري السعيد بقوة , حيث طالب برفع الحماية البريطانية عنها وسعى الى إقناع حكام الكويت بمزايا الإنضمام الى الإتحاد , وتمت دعوة حاكم الكويت الشيخ عبد الله السالم الى بغداد وتباحث الطرفان في قضية تحرير الكويت من السيطرة البريطانية ثم الدخول الى الإتحاد العربي .
الحكومة البريطانية التي أصبح لها دور هامشي في العراق بعد توقيع معاهدة عام 1955 كانت تنظر الى الولايات المتحدة الأمريكية وهي تزاحمها في السيطرة على الشرق الأوسط بعين الحذر الشديد , وتضع في حسابها أن نوري السعيد منذ ذلك التاريخ أصبح يلعب الأدوار لمصلحة الأمريكان وليس لمصلحة بريطانيا .
منذ إنسحاب فرنسا من سوريا ولبنان , وهذين البلدين يقعان تحت النفوذ الأمريكي المباشر , وكذلك نجد والحجاز بعد أن حولتهما شركة أرامكو النفطية الى مملكة عربية سعودية , أضف الى ذلك أن الأمريكان ومنذ العام 1948 كانوا قد أسسوا إسرائيل على أرض فلسطين , وفي العام 1952 قلبوا نظام الحكم في مصر وفصلوا عنها السودان وإستولوا على قناة السويس , والجامعة العربية , وأشرفوا على جلاء القوات البريطانية عن مصر .. وفي العام 1955 نازع الأمريكان البريطانيين على حكم العراق , ومنذ العام 1953 أشعلوا حرب الجزائر ضد الفرنسيين , كما دخلوا على خط الصراع مع فرنسا في مراكش حول قضية إعادة محمد الخامس الذي خلعته فرنسا عن الحكم بسبب تقاربه مع الأمريكان .. والصراع قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار بين البريطانيين والأمريكان في الجنوب العربي لإخراج البريطانيين من اليمن , وحضرموت , وقاعدة عدن , وسلطنة عمان ... ولم يتبق بيد البريطانيين من كل هذه اللعبة غير موطيء قدم صغير في الأردن .. وآخر في الكويت .
أما نوري السعيد , فهو حاكم داهية قرر أن يلعب لعبة نهضة وتطوير العراق من خلال اللعب على خط الصراع الأمريكي البريطاني .
في زمن نوري السعيد دخل العراق عضوا مؤسسا للجامعة العربية 1945 وهي تتأسس على يد بريطانيا .. وبقي العراق عضوا في هذه الجامعة حتى بعد أن تحولت الى جامعة أمريكية في عهد مصر الجمهورية .
وفي زمن نوري السعيد قاد العراق حلف المعاهدة المركزية ( السنتو ) 1955 الذي أطلق عليه إسم حلف بغداد , فتم إجبار بريطانيا من قبل الأمريكان على توقيع معاهدة 1955 مع العراق ألغيت بموجبها معاهدة 1930 . وبريطانيا وهي تراقب ما يقوم به نوري السعيد فهي تفهم جيدا ما يجري .. لكنها تعلق الأمر الى حين .
في زمن نوري السعيد تم تأسيس الإتحاد العربي 1958 كنموذج بريطاني مقترح للوحدة العربية , وبقدر ما كانت بريطانيا تضغط من خلال هذا الإتحاد على نوري السعيد من أجل جعله ظهيرا للأردن الذي ( يتهدد فيه نفوذ البريطانيين ) من قبل ( الأمريكان ) بأن يتم إبتلاع الأردن في أول حركة توسعية لإسرائيل ,, بقدر ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على نوري السعيد من خلال حلف بغداد ,, ليقوم بضم الكويت الى الإتحاد العربي , لكي تبتلع الكويت أمريكيا بعد ذلك .
حسبت بريطانيا ما يلي لكي تقرر قرارها :
# ما بقي لها في العراق بعد توقيع معاهدة 1955 وهو ليس بالشيء الكثير .
# شكها بنوري السعيد وهو ( يلعب على الحبلين ) بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية .
# قيمة الأردن كدولة فقيرة المصادر محاصرة من جميع جهاتها بدول واقعة تحت النفوذ الأمريكي .
# قيمة الكويت كمدينة صغيرة غنية بالنفط مجاورة لمحميات نفطية أخرى بحجمها أو أصغر منها , مجاورة لإيران الشاهنشاهية التي لبريطانيا علاقات راسخة معها .. إضافة الى وقوع الكويت في أعلى نقطة من الخليج العربي كنقطة طريق بري الى آسيا ...
وكانت ( ساعة الصفر ) لإعلان القرار البريطاني : آذار عام 1958 وبعد أن زار وزير خارجية بريطانيا ( سلوين لويد ) بغداد وإجتمع بالملك فيصل الثاني بحضور ولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد ووزير الخارجية توفيق السويدي إضافة الى الدكتور فاضل الجمالي .
تم الحديث في هذا الإجتماع عن ضرورة أن تعلن بريطانيا إستقلال الكويت ليتم ضمها الى الإتحاد العربي وكانت الحجج التي زرعها السفير الأمريكي في بغداد على لسان نوري السعيد هي :
# توسيع الإتحاد وقبول عضو غير هاشمي فيه .
# مساعدة الأردن ماليا ليحافظ على حدوده مع إسرائيل .
# مقاومة الدعايات الهدامة .
# إستفادة الكويت من مياه العراق .
# حماية الكويت من أي إغتصاب خارجي .
عندها إعتذر سلوين لويد عن مواصلة الحديث في الموضوع قائلا : (( إن إستقلال الكويت أمر يستوجب قرارا بمستوى مجلس وزراء )) .
خلال فترة قصيرة بعد عودة سلوين لويد الى لندن تفاهمت بريطانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية على :
* تقاسم الدور في الأردن , لذلك نشاهد أن علاقة الملك حسين أصبحت وطيدة الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل منذ ذلك الحين .
* وأن تسحب بريطانيا يدها كاملة من العراق .. مقابل أن لا يقترب الأمريكان من محمية الكويت .
الأمريكان وقد صار أمر العراق كله لهم , كانت لهم رغبة في وجود حكومة عسكرية في العراق على غرار ما فعلوه في مصر عام 1952 , أولا من أجل الإعلان القاطع والأخير أن العلاقات البريطانية العراقية إنتهت ولن تعود , وثانيا لزعزعة أركان العراق تحت ذريعة محاربة الشيوعية أو غيرها , فطالما سيبقى هذا البلد الواقع على خط التقاطع البري بين آسيا وأوربا وأفريقيا , بلدا منهارا .. فسيبقى حاضنة خصبة لإحتواء مختلف أنواع التيارات التي تؤثر في سياسة جميع الدول المحيطة به .. البعيدة منها ... والقريبة على حد سواء . ولهذا خططوا بدقة للقيام بإنقلابهم التاريخي الذي حول العراق الى جمهورية في 14 تموز 1958 .
بعد توقيع الوحدة بين مصر وسوريا , تصعد التوتر داخل لبنان بين المسيحيين الموارنة والمسلمين على خلفية أن الرئيس الماروني ( كميل شمعون ) لم يقطع علاقاته مع الغرب عام 1956 حين دخلت مصر في حرب السويس . ثار غضب الرئيس المصري عبد الناصر , وزاد من غضبه حده أظهار كميل شمعون تقاربه مع حلف بغداد , بحكم كون شمعون ونوري السعيد من المناصرين لمشروع أيزنهاور في صد خطر الشيوعية عن الشرق الأوسط وأفريقيا .
عند إعلان ( الجمهورية العربية المتحدة ) كان رئيس الوزراء اللبناني المسلم ( رشيد كرامي ) من المناصرين لها , وهو الذي ساند سياسة عبد الناصر منذ حرب السويس .
اللبنانيون المسلمون طالبوا الحكومة بالإنضمام الى الوحدة في هذه الجمهورية الجديدة , بينما المسيحيون كانوا يريدون لبنان دولة مستقلة . عندها تمرد المسلمون اللبنانيون وتم الإدعاء أن هناك قوات من الجمهورية العربية المتحدة قادمة من سوريا ستقوم بمناصرتهم , مما دفع كميل شمعون الى تقديم شكوى الى مجلس الأمن الدولي . فقامت الأمم المتحدة على الفور بإرسال فريق من المحققين الذين رفعوا تقريرهم بأنهم لم يجدوا أيا ما يثبت ذلك الإدعاء . عندها أعلن كميل شمعون أنه يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة .. مما زاد الأمور حدة في لبنان .
كانت الخطة محكمة لإستدراج المنطقة للقيام بعمل لا يعلمه إلا الله والجهة التي تقوم بتخطيطه . في هذه الأثناء كانت الحكومة المصرية والرئيس جمال عبد الناصر شخصيا يجري إتصالات ومباحثات مع مجموعة من الضباط العراقيين لقلب نظام الحكم في العراق والإتفاق معهم على خطة لتنفيذ ذلك .
مخاوف من إمتداد العنف الذي يقع في لبنان الى الأردن , جعل الحكومة الأردنية التي ترتبط مع بغداد بالحلف الهاشمي , تطلب من الحكومة العراقية تحريك قطعات من جيشها للذهاب الى الأردن تحسبا لأي ما قد يستجد . وهذا هو بيت القصيد من كل ما سبق من تمهيدات : تحريك بعض قطعات الجيش العراقي ... لأن هذه القطعات ما أن تحركت , حتى خالفت التعليمات المعطاة لها فلم تذهب الى الأردن لكنها حاصرت المواقع المهمة في بغداد مثل وزارة الدفاع ودار الإذاعة .. ثم حاصرت القصر الملكي , وهي بقيادة كل من العميد الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف . وعند الفجر فتحت السفارة المصرية في بغداد أبوابها ووزعت المنشورات وصور عبد الناصر , وأعطت التعليمات .
ومنذ الصباح الباكرأعطت القوة التي تحاصر القصر الملكي , الأوامر الى العائلة المالكة بمغادرة القصر , وكانوا كل من : الملك فيصل الثاني , الوصي عبد الإله , زوجته الأميرة هيام , الملكة نفيسة زوجة الملك علي ووالدة الوصي عبد الإله , الأميرة عابدية خالة الملك , وبعض الخدم .. أمر الجميع بالتقدم في الحديقة على شكل صف والإستدارة بوجوههم الى الحائط , وبدأ النقيب عبد الستار العبوسي بإطلاق النار فشاركته القوة المحاصرة بإطلاق النار .. فتم قتل العائلة المالكة وخدمها برمتهم .
بعد ساعة من الوقت جاءت سيارات عديدة لحمل الجثث , حيث رفعت جثث النساء وتم التوجه بسرعة لدفنها , أما جثتي الملك وعبد الإله الوصي فقد وضعتا في لوري عسكري , للتوجه بها الى وزارة الدفاع . وفي الطريق حاصرتها الجموع , وتم ( سحب ) أو ( تسليم ) جثة عبد الإله من اللوري .. ليجري عليها ما يشين كل مسلم (( المثلة حرام ولو بالكلب العقور )) وسيعقب هذه العملية المشينة , ذلك الفعل القبيح الذي سيقع لاحقا على جثتي نوري السعيد وولده صباح .
مساء نفس اليوم قدمت الحكومة المصرية التهاني للضباط العراقيين على نجاحهم في إسقاط الحكم الملكي وبدأت الإذاعات المصرية تذيع نشيد ( بغداد يا قلعة الأسود ) بصوت أم كلثوم الذي كان معدا لهذا اليوم .. منذ بدأ التخطيط للإنقلاب .
عند إنهيار العراق وهو قائد حلف بغداد بهذا الشكل , فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخشى أن يستغلها الإتحاد السوفييتي فرصة للإنقضاض على دول الحلف بمهاجمة تركيا أو ايران أو الباكستان , لذلك كانت بحاجة الى وضع قواتها الجوية والبحرية في أعلى حالات الإنذار , وفي أقرب نقطة من موقع الحدث . لذلك ففي صباح يوم 15 تموز 1958 قام كميل شمعون بطلب العون من الحكومة الأمريكية التي تبسط نفوذها على لبنان بالتدخل لحماية الأوضاع الداخلية .. فإستجاب الرئيس الأمريكي أيزنهاور مباشرة بتنفيذ عملية بلو بات ( الوطواط الأزرق ) .
قامت قوات إنتشار سريع أمريكية قوامها 14000 رجل بالوصول الى لبنان دفعة واحدة حيث قامت الجوية منها بإحتلال مطار بيروت ودائرة قطرها بضعة أميال تحيط بالمطار , أما قوات
المارينز فقد إحتلت ميناء بيروت المشرف على المدينة , ثم وصل مبعوث أيزنهاور ( روبرت ميرفي ) الى بيروت وأشرف من هناك على حماية دول حلف بغداد , وحماية الوضع الجديد في العراق أيضا , فقد كان هناك قلق من وصول مساعدة من العرش الأردني الى أشقائهم في عرش العراق . ووجود القوات الأمريكية في بيروت .. معناه سقوط الحكم الملكي في الأردن إذا فكر الإتحاد الهاشمي بمد يده للتدخل في أحداث العراق . أصدر الإتحاد السوفييتي بيانا ( شجب ) بموجبه ما يقع في العراق , أما روبرت ميرفي فقد برر بقاءه في لبنان بحجة تهدئة أوضاعها . وبعد إحكام السيطرة على أوضاع المنطقة بعد هزة خروج العراق من حلف بغداد , تم إنتخاب فؤاد شهاب رئيسا لجمهورية لبنان , وإنتهت عملية الوطواط الأزرق .
تروي الدكتورة عصمت السعيد تفاصيل الأيام الأخيرة من لم شمل هذه العائلة المنكوبة فتقول بأن نوري السعيد وعائلته كانوا قد وصلوا الى لندن بداية تموز 1958 لتمضية العطلة , فوصلت العديد من البرقيات تطالب بعودة نوري السعيد الى بغداد لعدة أيام لمناقشة بعض الأمور العالقة ثم العودة الى لندن برفقة الملك فيصل الثاني يوم 14 تموز . ولم تكن هناك طائرة تحمله الى بغداد فإستقل طائرة حمل ليس فيها كرسي بل جلس طيلة الرحلة الى جانب الطيار . ووقتها لم يكن رئيسا لوزراء العراق , بل رئيسا لوزراء الإتحاد الهاشمي المكون من العراق والأردن .
ليلة 14 تموز قام بعض ضباط الفرقة الثانية بسجن آمر الفرقة غازي الداغستاني في غرفته وأعطوا القيادة الى عبد الكريم قاسم , فدخلت الفرقة الثانية الى بغداد للقيام بالإنقلاب وإستولت على المقرات المهمة وبضمنها وزارة الدفاع التي إستقر فيها الزعيم قاسم .
توجه عبد السلام عارف لمحاصرة القصر الملكي , وقسم من معيته ذهب الى دار نوري السعيد للقضاء عليه . ولم يكن مع الباشا ليلتها غير سائقه ( عبود ) . دق الباب ( وصفي طاهر ) وهو المرافق الخاص لنوري السعيد الذي شغل هذا المركز منذ عام 1953 وهمس في أذن السائق أنه يريد مقابلة الباشا .
أخبر وصفي طاهر الباشا بأن داره محاصر وأن عليه مغادرتها . لبس الباشا الروب ووضع مسدسين في جيبه , وحيث أن داره كانت واقعة على نهر دجلة , فقد لمح صياد سمك يقود ( بلم ) في النهر .. ناداه وطلب منه أن يحمله الى ضفة الرصافة حيث وزارة الدفاع , لكن غزارة أصوات القنابل والرشاشات جعلت الباشا يعود الى الكرخ بنفس البلم ويختبيء في دار جاره الدكتور صالح البصام .
حين جاءت الشرطة تبحث عنه في المنطقة أضطرت عائلة البصام الى تهريبه عند أقاربهم في منطقة الكاظمية , وحين صار بيت الكاظمية خطرا تم تهريبه الى بيت آخر في البتاوين , حيث وشي به أصحاب البيت الى الشرطة مما إضطره الى مغادرة البيت والسير ملثما بين الجموع ترافقه السيدة أم عبد الأمير زوجة الحاج محمود الإستربادي وخادمتها .
حين لمح نوري السعيد مرافقه الشخصي وصفي طاهر على رأس مجموعة من الشرطة يبحثون عنه لإلقاء القبض عليه , أمر النساء بالإبتعاد .. ففرت الخادمة , عندها أخرج مسدسه وأطلق النار على نفسه , وحين صرخت أم عبد الأمير ... قتلها وصفي طاهر على الفور ظانا أنها هي الأخرى رجل ملثم . ثم تقدم من نوري السعيد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة , وأمطره بوابل من الرصاص من رشاشته . وكان ذلك يوم 15 تموز 1958 .
متى سلم وصفي طاهر رئيس وزرائه نوري السعيد الى الإنقلابيين ؟ لو كان فعلا من مجموعة الضباط الأحرار .. لما ذهب الى بيت نوري السعيد ليلة الإنقلاب محذرا مما دفع الباشا للهرب من بيته , ولكن أغلب الظن .. أن ما وقع على العائلة المالكة من قتل , وعلى جثة الوصي من تنكيل , هو الذي جعل وصفي طاهر ينضم الى ضباط الإنقلاب , وينطلق على رأس مجموعة من الشرطة لتعقب سيده .
حملت جثة نوري السعيد الى وزارة الدفاع حيث أمر الزعيم عبد الكريم قاسم بدفنها على الفور , لكن ( بعض ) العراقيين الذين كانت القاهرة تحييهم بصوت أم كلثوم وهي تصرخ (( يا عربا دوخوا الليالي وأرهقوا صهوة المحال )) قاموا برد التحية .. في اليوم التالي لدفن الجثة .
نبشوا القبر في يوم 16 تموز , وأخرجوا الجثة , وسحلوها في شوارع بغداد .. ومروا بها مسحولة من أمام السفارة المصرية ... متجهين بها الى منطقة الميدان , وهناك وكما تذكر الدكتورة عصمت السعيد ص 306 (( أراد قائد الشرطة أن تسحق الجثة قبل إشعالها فأمر سائق الدبابة بسحقها بشراسة , ولما تردد الرجل في التنفيذ هدده بالمسدس فرضخ للأمر وحرك الدبابة )) .
(( تم إشعال الأشلاء فيما بعد وعندما خمدت النار جمع أحد المارين ما تبقى في كيس وحمله الى الكاظمية حيث دفن بجانب مقبرة السيد حسين السيد يونس وهذه المعلومات جاءتنا سرا من السيد عبد الهادي الجلبي )) . إنتهى
السيد صباح نوري السعيد كان مدير السكك الحديد وكان موجودا في بغداد وقت هذه الأحداث , حين سمع بما يجري من تمثيل بجثة والده .. ذهب الى دار الإذاعة التي كانت الحكومة الجديدة تذيع منها البيانات والأناشيد , مطالبا بتسليمه جثة والده , وكان محتدا جدا . تم رميه بالرصاص ثم علق وقطع وسحلت جثته الى باب دار كامل الجادرجي , وكانت جثته هي الثالثة التي يتم التنكيل بها بهذا الشكل في العراق الجمهوري الطافح بالدم , ولا يعرف مكان دفن ما تبقى منها لحد اليوم .
حالة من الفلتان الأمني وقعت وقتها في العراق , جعلت الزعيم عبد الكريم قاسم يدرك أن ما يحصل ليس ثورة .. بل إنقلاب . فالجيش أصبح آلة يصعب التحكم بها , وكل عسكري بيده قطعة سلاح صار يعتقد أن بإمكانه أن يفرض بها ما يشاء من أفكار , أما السفير المصري في بغداد فقد أصبحت له مكانة خاصة بسبب ضباط الإنقلاب المخدوعين بشعارات الوحدة الإندماجية الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة , التي قادت الهياج الجماهيري عبر إذاعاتها العاملة على الموجات القصيرة والمتوسطة والطويلة التي كانت تخاطب وتنادي الضباط العراقيين , وكانت المظاهرات والمسيرات تملأ شوارع دمشق والقاهرة , وتصل صورها وهتافاتها عبر كل الوسائل المقروءة والمرئية والمسموعة .
يوم الأول من آب 1958 أمر الزعيم عبد الكريم قاسم بتشكيل مليشيا ( المقاومة الشعبية ) وجعلها مرتبطة بوزارة الدفاع التي يباشر عمله اليومي منها , عندها أدرك المخدوعون بشعارات الوحدة أن الأمور لن تكون مثلما تريد قيادتهم في القاهرة , وذلك ما دفع عبد السلام عارف في لقاءه التالي بعبد الناصر في دمشق الى أن يبادر بالقول أنه سيقتل عبد الكريم قاسم بطلقة ثمنها عشرين فلس إذا وقف بوجه الوحدة الإندماجية , فتمت إحالته الى المحكمة وطرد من وظيفته بسبب ذلك , فقام مناصروه بتخطيط إنقلاب عبد الوهاب الشواف الفاشل الذي أغرق العراق بموجة جديدة من الدماء , وجعل الإذاعات المصرية تبدأ بمهاجمة الزعيم عبد الكريم قاسم بنفس الطريقة التي كانت تهاجم بها نوري السعيد من قبل ... وهكذا الى أن لحق عبد الكريم قاسم بركب شهداء العراق في 8 شباط 1963 ولم تنته أو تتوقف مؤامرة الوحدة على العراق عند هذا , فالبعثيون وهم شركاء للقوميين منذ إعلان الوحدة الإندماجية الفورية السورية مع مصر في الأول من شباط 1958 , كانوا قد بدأوا يلمسون النتائج الوخيمة لهذه الوحدة على سوريا , وأصبحوا يصفون وضع سوريا بأنها واقعة في ( مرحلة الإستعمار المصري ) لذلك إنقضوا على هذه الوحدة وأسقطوها بإنقلاب عسكري أوصل مأمون الكزبري الى رئاسة وزراء سوريا بتاريخ 29 / 9 / 1961 .
والآن وبعد الإطاحة بعبد الكريم قاسم .. بدأت الدعوة من جديد الى الوحدة الثلاثية بين ( مصر وسوريا والعراق ) لكن تجربة السوريين المرة في وحدتهم السابقة مع مصر , جعلت البعثيين السوريين يسارعون الى قلب نظام الحكم في سوريا بعد شهر واحد في 8 آذار 1963 وتسلموا السلطة ليتمكنوا من مفاوضة مصر من واقع خبرة عملية بالوحدة , وليس من واقع الأحلام والهوى , عندها قام القوميون بطرد شركائهم البعثيين من الحكم في العراق بما يعرف ب ( ردة تشرين ) التي قام بها عبد السلام عارف لكي تبقى الغلبة للمصريين في هذه الوحدة .
إستمر الحكم العارفي في العراق حتى وقوع نكسة حزيران التي تراجع فيها المد الناصري وإنتكست معه كل الأحزاب العربية الموالية له أو المتفرعة عنه ولم تعد صالحة للحكم , لذلك قرر الأمريكان تسليم دفة قيادة العراق الى البعثيين عام 1968 حيث تمت قيادتنا بطريقة حاسمة ومدروسة حتى وصلنا الى عام الإحتلال الصريح والمباشر في 2003 .
السيدة نعيمة العسكري _ أم صباح كانت تعاني أساسا من متاعب في القلب , وكان بمعيتها في لندن أثناء تلك الأحداث : كنتها الدكتورة عصمت , وحفيديها فلاح وعصام .
تلقوا التعزية من شخصيات عديدة حول العالم , بعضها كان يعزي فعلا , والبعض الآخر كان كمن يقتل القتيل ويسير في جنازته .. وهذا هو حال الدنيا دائما . فقد تلقت السيدة نعيمة العسكري برقيات تعزية من كل من : رئيس وزراء بريطانيا المستر هارولد ماكميللان , يوم 25 تموز 58 وأخرى بتاريخ 24 تموز من المستر سلوين لويد وزير خارجية بريطانيا الذي كانت محادثاته الأخيرة مع الباشا هي الحد الفاصل لتغيير كامل الأوضاع في العراق , ورسالة من المندوب السامي البريطاني في العراق وأول سفير بريطاني فيه السير فرانسيس همفريز بتاريخ 21 تموز . كما تلقت العائلة تعازي الكثير من رؤساء الدول ورؤساء الوزارات .
بريطانيون كانوا يملكون الدار التي تسكنها هذه العائلة , إدعوا بأن نوري السعيد كان قد دفع إيجار البيت لعدة سنوات من أجل أن يتركوا العائلة تعيش فيه دون شعور بالمنه أو الإحسان , وقد كانت العائلة تعاني من عسر مادي لأن نوري السعيد أو إبنه صباح ورغم كل ما وقع عليهم من تنكيل إلا أن أحدا لم يجرؤ على إتهامهم باللصوصية أو أنهم من سراق أموال الشعب .
عانت السيدة نعيمة العسكري من آلام نفسية وجسدية كبيرة الى أن توفاها الله في لندن ولم يذكر الكتاب سنة لوفاتها .
الدكتورة عصمت إضطرت للعمل في الترجمة , وأحيانا في إذاعة ( بي بي سي ) وأشرفت على تربية ولديها فلاح وعصام اللذين كانا طالبي ثانوية وقت وقوع أحداث تموز 1958 , وكانا قد شاهدا على صدر صفحات الصحف الأمريكية والبريطانية ما وقع لجثتي جدهما ووالدهما .
تخرج السيد فلاح السعيد من إحدى جامعات إسكتلندا طيارا مثل أبيه , ثم عمل طيارا خاصا للملك حسين ملك الأردن , ثم إنتقل الى مؤسسة عالية للطيران بعد ذلك , حتى وفاته بسبب حادث سيارة , حيث أقيم له تشييع ملكي مهيب ودفن في المقبرة الملكية الأردنية بأمر من الملك , ولم يذكر الكتاب تاريخ ذلك . وحتى وفاته كان يسافر بجواز سفر عراقي لأنه طيلة حياته لم يسع للحصول على جنسية بلد غير العراق .
أما السيد عصام السعيد فقد تخرج مهندسا معماريا من جامعة كمبريدج , وله مؤلفات منشورة عديدة في مجالات الفكر والعمارة والفنون , وبإمكان القاريء الكريم الدخول الى موقعه الألكتروني على الرابط التالي :
www.issam-el-said.co.uk/
للسيد عصام السعيد حكاية ذات مغزى مع جمهورية العراق , فرغم كونه كان حريصا على عراقيته ومهما كان حالها أو وضعها , ولم يسع للحصول على جنسية بلد غير العراق . إلا أنه تلقى عام 1985 كتابا من السفارة العراقية فيما يلي نصه :
(( لقد أعلمتنا مديرية الجنسية والأحوال المدنية أنه تعذر عليها العثور على ما يشير الى حصول نوري السعيد أو ولده صباح على شهادة الجنسية العراقية رغم التحريات الدقيقة والإستفسار من جهات عديدة )) .
كان وقع هذا الكتاب على نفس هذا الإنسان الفنان وقع الصاعقة , فقد كانت الحكومة العراقية عندها تجبره على التخلي عن آخر ما يربطه بالعراق .. وهو مجرد وثيقة جنسيته العراقية . قدم إعتراضا الى السفارة , وبعد أخذ ورد تم تجديد جواز سفره العراقي , لكن وقع الحكاية عليه , كان مدمرا معنويا , لذلك بدأت تنتابه نوبات من إرتفاع الضغط التي لم تستجب للعلاج . نفسه الفنانة المرهفة وحساسيته المفرطة , وهول الأحداث التي مرت على عائلته , وجحود العراق بحقوق أبنائه رغم عدم عقوقهم , سبب له حزنا دائما أثر على صحته بشكل كبير . ومع الأسف لم يتمكن السيد عصام من تحمل المزيد من العذاب , ففي عام 1988 , إرتفع ضغطه أثناء نومه , وفاضت روحه الى بارئها وهو لم يتم عامه الخمسين بعد .
كتب السير أنثوني نتنج عن صديقه الباشا نوري السعيد , في كتابه الضخم ( العرب ) في الفصل الذي سماه ( عهد نوري السعيد ) قائلا :
(( كثيرا ما تنكر الأفضال في ميادين السياسة , وتنعدم الرحمة عند وقوع الثورات , ولكن مما لاشك فيه أنه مهما تبدلت الأوضاع في المستقبل , فإن العراق كدولة حديثة مزدهرة , بعد أن كان خاضعا للحكم العثماني مدة أربعة عقود , سيبقى وبما لايُقدَّر , مدينا لجهود نوري السعيد الجبارة , وهمته كرجل دولة )) .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر