الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي المغربيين: تحالف تكتيكي أم تحالف طبقي استراتيجي؟

بن بيه رشيد

2009 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تكون لدى العديد من المتتبعين لما أفرزته انتخابات 12 يونيو الجماعية اعتقاد راسخ، يتمثل في أن التحالف بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، يفرضه ما عرفه المشهد السياسي والحزبي من متغيرات؛ كان أهمها ظهور حزب الأصالة والمعاصرة الذي يستهدف هذين الحزبين. فبالنسبة للاتحاد الاشتراكي، يعتبر حزب الأصالة والمعاصرة حزب السلطة والنظام، أما العدالة والتنمية فتعتقد أن هذا الحزب يستهدفها لوحدها دون غيرها من الأحزاب، خصوصا بعد ما أصبحت تحقق نتائج هامة في الانتخابات التشريعية والجماعية.
إن هذه الظروف والملابسات هي التي يعتبرها العديد من الملاحظين من الأسباب الرئيسية للتقارب والتنسيق الموجود، حاليا، بين حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، بعد انتخابات 12 يونيو2009. وهو التنسيق الذي تم فعليا في العديد من المدن مثل: أكاد ير الرباط.. إلا أن تلك الأسباب، في نظرنا، تبدو غير مقنعة؛ لأن الذي يحكم التحالفات بين الأحزاب في نهاية المطاف هو الأصول الطبقية والقاعدة الاجتماعية التي تستند عليها تلك الأحزاب.
فما صحة الاعتقاد الذي يذهب إلى أن التوافق والتنسيق بين هذين الحزبين مجرد تعاون على تدبير الشأن العام؟
الفكرة التي نطرحها للنقاش في هذه الورقة، تتمثل في كون التحالف بين العدالة والتنمية يعبر عن تحالفات طبقية لفئات من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة الراغبة في تحقيق حراك اجتماعي عن طريق الوصول للسلطة، والتموقع في مختلف المجالس الجماعية والتمثيلية. وقد ساهم ظهور متغير حزب الأصالة والمعاصرة في الدفع بهذه الروح الطبقية إلى درجات متطورة وعجل بالتحالف بين هذين الحزبين.
فكلا الحزبين يجسدان مصالح البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، وبعض فئات البرجوازية الكبيرة المهددة بالاندحار الطبقي. فبعض الفئات الوسطى تسعى، من خلال تحالفات عدة، و تكتلات طبقية، إلى الانفصال عن البرجوازية المتوسطة أو الصغيرة. والالتحاق بالبرجوازية الكبيرة. وهذه الفئة هي التي تقود حاليا التحالف من داخل هذين الحزبين، دون أن تتم مناقشة طبيعة تلك التحالفات في الأجهزة الوطنية لتلك الأحزاب؛ بالرغم لما للتحالفات من تأثير جوهري على الحزب وهويته ونشاطه ومستقبله بشكل عام، وهو الشيء الذي لم يحصل فيه أي نقاش بين قواعد هذين الحزبين.
بخصوص الاتحاد الاشتراكي، كان واضحا أن هذا الحزب، بعد توليه تدبير العديد من القطاعات الوزارية، يدافع عن مصالح الباطرونا. مثلا، سهرت وزارة التشغيل والتكوين المهني على إعداد مشروع قانون الإضراب ل2009 قصد لجم الحركة النقابية وتجريد الطبقة العاملة من سلاح الإضراب، كما تم من قبل خوصصة العديد من المؤسسات العمومية. كذلك، كان معروفا أن هذا الحزب لم يهتم إطلاقا بالفئات العاملة والكادحة. وهو الشيء الذي تولت الدولة القيام به من خلال مبادرة التنمية البشرية.
أما العدالة والتنمية، وبالنظر لأصولها البرجوازية، كانت لا تعارض من إجراءات الحكومة التي قادها "الاشتراكيون"، سابقا، إلا الجانب الأخلاقي والديني؛ مثل خطة إدماج المرأة في التنمية، المهرجانات الثقافية، الأفلام التلفزية والسينمائية، وذلك قصد بناء صورة عن الحزب الأصلح والأفضل. وبعد استنفاذ تلك الأدوات لجاذبيتها، وبفعل ما حصل من أحداث إرهابية يوم 16 ماي بالدار البيضاء 2003، أخذ هذا الحزب ينزع أقنعته. ففي آخر الانتخابات قدم مرشحات غير محجبات ليسجل بذلك البداية في تحول خطابه الديني وسلوكه السياسي.
إذا نظرنا إلى الأصول الطبقية لكلا الحزبين، نكتشف أنهما يدافعان عن نفس الفئات الاجتماعية المنتمية للبرجوازية الصغيرة والمتوسطة وبعض فئات البرجوازية الكبيرة. ولا يناضلان من أجل مصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين وصغار الفلاحين. وما جعل الناس تعتقد بوجود اختلاف بين الحزبين هو: الاختلاف في نوعية الخطاب الإيديولوجي الذي يروجه كل حزب. فقد كان ضروريا لحزب العدالة والتنمية، من أجل تحقيق هيمنة إيديولوجية أن تستعمل الخطاب الديني، الذي يشكل الأفق المعرفي لأغلبية المغاربة. وهو الخطاب الذي يبدو متعارضا مع الخطاب الحداثوي للاتحاد الاشتراكي.
وما يؤكد هذا الكلام هو عدم انخراط هذين الحزبين في الدفاع عن القدرة الشرائية، والنضال مع الجماهير؛ على غرار ما قامت به العديد من التنظيمات اليسارية، وجماعة العدل والإحسان( على الأقل عندما شاركت في مسيرة 27 مارس2007. بالدار البيضاء، حول تدهور القدرة الشرائية.)
إن ما يحصل حاليا من تنسيق، ومختلف أشكال الدعم المتبادلة بين هذين الحزبين، وبالنظر لانحدارهما من نفس الأصول الطبقية، يعبر عن تحالفات إستراتجية. بالرغم من أن كلا الحزبين يتحدثان على أن الأمر لايتعلق إلا بما هو ظرفي ومؤقت.
وما يجعلنا لا نركن للتحليل الذي يعتبر أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تكتيك سياسي؛ هو أنه إذا كان من الممكن أن تكون هناك تحالفات لمواجهة الأصالة والمعاصرة. فمن المنطقي، بالاستناد إلى المعيار الإيديولوجي، أن تكون هناك تحالفات بين العدالة والتنمية وحزب الاستقلال. أما الاتحاد الاشتراكي بدوره، فكان يتوجب عليه، من الناحية الطبيعية، أن يتحالف مع العائلة اليسارية. وعدم حصول مثل هذه التحالفات في اتجاه اليمين أو في اتجاه اليسار، يدفع بنا إلى إثارة الاهتمام إلى أن العامل الطبقي هو الحاسم في مثل هذه التحالفات، وليس العامل الإيديولوجي. لأن الذي يحدد التحالفات هو الوضع الاجتماعي وليس الوضع الإيديولوجي.
لقد عجل ظهور حزب الأصالة والمعاصرة، بانطلاق مسار التحالفات الطبقية ، التي تظهر في شكلها الحقيقي والطبيعي بعد كل تهديد لمصالح بعض الفئات الاجتماعية، ومواقعها في المؤسسات والمجالس التمثيلية. فالفئات الوسطي، دائما، بحكم وضعها الطبقي، المحكوم بالخوف من السقوط بين الفئات الفقيرة، والرغبة في تحقيق الحراك الطبقي؛ هي الأكثر وعيا بالأخطار التي تهددها، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. وبالتالي هي التي تقود دائما مبادرة التعبير عن المواقف. وهذا ما يفسر من جهة، ردود الأفعال الرافضة لحزب الأصالة والمعاصرة .ومن جهة ثانية، رغبة هذين الحزبين في إعادة بناء الذات من خلال التخويف من حزب الأصالة والمعاصرة.
إن التحالف بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، في ظل الظروف الراهنة، يظهر على أنه مجرد تنسيق وتعاون. إلا أن طبيعة القاعدة الاجتماعية المشكلة لهذين الحزبين، تفرض أن يسير هدا التنسيق في اتجاه تحالف استراتيجي. وسيتعمق هذا الخيار بسبب مسألتين أساسيتين:
أولا: فشل حزب العدالة والتنمية في احتلال المراتب الأولى من حيث الحصول على أكبر نسبة من المقاعد الانتخابية. وهي الرغبة التي يراها فيما قبل ممكنة التحقق. وقد كان هذا الطموح هو الذي يؤجل دائما مسألة التحالفات بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية. إلا أنه، بالنظر لعدم تحقيق ذلك الطموح بعد انتخابات 12 يونيو الجماعية، اضطر هذا الحزب إلى القبول، حاليا، على الأقل، بالتنسيق مع الاتحاد الاشتراكي.
ثانيا: في حالة عدم تمكن الاتحاد الاشتراكي من استعادة مكانته في المشهد الحزبي التي مافتئ يحلم بها بعد نكسة انتخابات 7 شتنبر 2007 والانتخابات الجماعية ليوم 12 يونيو 2009.
ففي حالة تراجع مكانة هذين الحزبين في المشهد السياسي المغربي وتراجع عدد الأصوات الانتخابية التي يحصلون عليها، سيتم الانتقال، وبشكل ضروري، من التنسيق والتحالف الظرفي إلى التحالف الاستراتجي الذي يجسد، في العمق، التحالف الطبقي لفئات متعددة من الطبقات الوسطى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد