الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة والسراب .. قراءة في البعد الصوفي عند أدونيس

مازن لطيف علي

2009 / 8 / 8
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تميّز أدونيس في الثقافة العربية المعاصرة بغزارة إنتاجه الشعري والنقدي ونوعيته واستمراريته، كما خصص جزءاً كبيراً من كتاباته النقدية لنقد الواقع العربي ثقافياً ومعرفياً خصوصاً في ثلاثيته "الثابت والمتحوّل".. في الكتاب الصادر حديثا" الحقيقة والسراب ـ قراءة في البعد الصوفي عند أدونيس مرجعاً وممارسة"، الصادر عن "منشورات الاختلاف "2008 للكاتب الجزائري سفيان زدادقة الذي يتكوّن من: مدخل يحمل عنوان (الصوفية ونصّ الحداثة: فراق السؤال ولقاء الشعر) وثلاثة فصول الأوّل؛ كان بعنوان (مدارات التصوف والشعر: في الثقافة العربية الإسلامية)، والفصل الثاني (أدونيس ومرجعية التصوف)، والفصل الثالث ( التناصّ الأدونيسي: جدل المقدّس والمدنّس) يرى أنّ أدونيس لا يحبّ أن يحاكَمَ كناقدِ، أي وفق الأكاديمية والضبط المنهجي والجانب المرجعي، بل يجبُ النظر إليه باعتباره فناناً، وتحديداً فناناً ثوريا، والثوار معروفون بنزقهم وفوضويتهم ورفضهم وحماسهم، وأيضاً بجسامة أخطائهم..
ويرى بعض الباحثين أنّ أدونيس كان متأثّرا بروح المستقبلية أو الطليعية أكثر من تأثّره بتيّار الحداثة ككلّ، وذلك لشدّة هجومه على التراث والتراثيين، وقد حاول أدونيس أن يطبّق مفهومَ التحوّل حتى على نصوصه الشعرية، وكان مدفوعاً باشتعاله التنظيري في قراءة الماضي، من بين أوائل الشعراء العرب الذين حاولوا البحث عن أوجه التشابه بين الصوفية والحداثة، فأدونيس في كتابه "الثابت والمتحوّل" يرى في اللحظة الصوفية حركةً ثوريةً متطرّفةً يضعها تاريخيا في موقع المعارضة / الحداثة، ذلك أنّ الصوفية في رأيه شكّلت أحد أجنحة الصراع الفكري بين نظام الدولة القائم ( الأموي ـ العبّاسي) الساعي نحو الثبات والاستقرار، وبين قوى التغيير والثورة في المجتمع، مثلها في ذلك مثل الطوائف الأخرى كالاعتزال والعقلانية والباطنية والإلحاد .. الخ، ويرى سفيان زدادقة أنّ أدونيس دمج العلاقة بين الشعر والتصوف دمجاً معرفياً، فالشعر لديه نوع من الوحدة التي يبحث فيها عن حلّ التناقضات في الوجود، عن طريق التجاوز والإفلات من أسر العادي واليومي إلى المطلق واللامحدود، آمن أدونيس كما آمن الصوفية من قبله بالكشف، وبدأ تدريجيا في مواقفه يتحوّل من الانتصار للعقلانية والشكّ والديكارتية إلى منحى آخر مختلف تماما، يميزه الإشراق ورفض المنطق وتقويض سلطة العقل والواقع. ويجد قارئ أدونيس في شعره الكثير من النماذج الصوفية التي تمثل رموزا للتمرد على الأعراف والفكر السائد، مثل الحلاج والنفري والسهروردي، وهناك إصرار واضح عند أدونيس على الربط التاريخي بين نشأة التصوف وظاهرة التشيع، دون أن يكلّف نفسه عناء إثبات هذه الصلة..
وعن مفهوم الصورة يرى سفيان زدادقة أنّ أدونيس يكاد يستند كلّيا على ابن عربي في عرضه لمفهوم الصورة عند الصوفية، كما استند إليه كلّيا في عرضه للحبّ الصوفي، لكن المشكلة أنه لا يحدّد بدقّة أفكار ابن عربي وأفكاره هو الخاصة، فيحدث الالتباس في القراءة فيما يخص التمييز بين أفكار الرجلين، وهذا التماهي مع الأعلام -شرقيين وغربيين- من خصائص أدونيس غير الأكاديمية .. ففي كتابه " النص القرآني وآفاق الكتابة" يجعل أدونيس ذلك الانتقال التاريخي من الشفوية إلى التدوين الذي وقع في الثقافة العربية القديمة، انتقالا من الخطابة إلى الكتابة، أو من الطور الشفهي إلى الطور الكتابي، ويحدّد نقطة الانتقال هذه بلحظة تدوين القرآن.. ويذكر الكاتب أنّ أدونيس يُصرّ على، أنه صوفي ملحد، ويقول إن صوفيته تقوم على أن الواقع كلّي، يجمع بين ما يظهر وما يخفى في العالم، وأنّ الظاهر لا يعّبر عن كل الحقيقة، ولكنه ربما يعّبر عن الجانب السطحيّ والمؤقت والعابر منها، وأن هذه الأخيرة ليست جاهزة مسبقاً، يتعلمها الجميع مثلما يتعلمون في كتاب، وإنما نجدها في الوجود وفي الحياة وفي التجربة ..
ويذكر زدادقة أنّ ما جعل أدونيس يصّر على محاول التأصيل باستثمار التصوف في نقل الحداثة واجتلابها وزرعها في الثقافة العربية المعاصرة، هو إعجابه بجرأة ابن عربي وثوريته الفكرية التي تقلب أساس الشريعة وفكرة العقاب والثواب، لقد قدّس ابن عربي الإنسان إلى الحدّ الذي جعل المعصية منه كمالاً مدفوعاً في ذلك باستقراءاته الاشتقاقية عن الأضداد وأسماء الله الحسنى.
ويؤكّد المؤلف أن الدارس لشعر أدونيس لا بدّ أن يلاحظ أولاً ذلك الزخم من الإحالات والتأثرات والاستشهادات والاقتباسات التي تعجّ بها قصائده. مؤكدا أنّ أدونيس -على مستوى التفكير- ليس ذلك المنظّر العقلاني الذي يحرص على تماسك مشروع النقدي، أو إثبات جدارته لامتحان الزمن، إنما هو شاعرٌ يرتدي ثوب المفكّر، والشاعر بطبيعته طيرٌ حرّ، مغرّد، لا تسجنه النظرياتُ ولا تحكمه الأبنية المنطقية، لكن أهم ما أنجزه أدونيس هو إعلانُ الحرب على المسلّمات الثقيلة، الحرب على تحجرّنا في فهم دوغمائي للتراث بوصفه ثابتا.
في خاتمة الكتاب يؤكّد زدادقة أنّ أدونيس أخذ من الصوفية قشورها، ومظاهرها وكلماتها، ووظف بعض شخصياتها، واقتبسَ بعض شطحاتها، واستعارَ معجمها وإيقاع لغتها، لكنّه أبداً لم يصل إلى جوهرها الذي قامت وتقوم عليه، هذا الجوهر الذي لا يمكن إلا أن يكون دينياً، بكلّ محمول هذا المصطلح الجامع لمعاني الخضوع والإسلام والقبول والإيمان.. وهي المصطلحاتُ/ المفاهيمُ/ المعالمُ/ التي لا يمكن لأدونيس أن يعجبَ بها أو أن يدعو إليها.
اتّسم الكتاب بطابع نقديّ لأفكار أدونيس وفيه دراسة لتاريخ التصوّف وأهمّ رموزه .. ويتألف من 600 صفحة من القطع الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول أدونيس وكتاب الأستاذ الجزائري وعرض الأستاذ مازن لطيف علي
دكتور عدنان الظاهر ( 2009 / 8 / 8 - 07:14 )
أختلف مع الأستاذ سفيان في قوله إنَّ دونيس شاعرٌ قبل انْ يكونَ مفكِّراً . وجدتُ من خلال قراءاتي لأشعار الرجل والعديد من كتبه المنشورة ... وجدته مفكراً قبل انْ يكونَ شاعراً . وأظنني سبق وأنْ قلتُ ذلك في بعض كتاباتي عن الأستاذ علي أحمد سعيد ... وهذا هو إسم إدونيس الأصل ...لماذا أدونيس ؟ أفضّلُ أنْ أسميه بإسمه .
إلتقيت الشاعر في واحدة من زياراته لمدينة ميونيخ فلاحظت بساطته التلقائية وتواضعه وخلقه الجم وناقشته في بعض شعره وسألته لِمَ وقّع كتابه الذي قارن فيه بين الصوفية والسوريالية في مدينة بودابست عاصمة هنكاريا فقال بكل نبل وبراءة : أحب هذه البلدان . إلتقطتُ له العديد من الصور قبل وأثناء وبعد قراءته لبعض شعره من ديوان أغاني مهيار الدمشقي ثم كتبت مقالة طويلة عن تلك الأمسية وما دار فيها . ثم نشرتُ دراسة مقارنة بين ثلاث قصائد لثلاثة شعراء كان أحمد علي سعيد أحدهم . إرتأيتُ من المفيد نشر هذه الدراسة اليوم لعل الأستاذ سفيان زدادقة أنْ يقرأها للتعرف على وجهات نظر أخرى مخالفة لبعض ما كتبَ عن الأستاذ علي أحمد سعيد مع تقديري له وإعجابي بروعة عروض الأستاذ مازن لطيف علي .

د.عدنان الظاهر أيلول(سبتمبر) 2001
ميونيخ / ألمانيا


2 - اشراقات
رحيم الغالبي ( 2009 / 8 / 8 - 07:39 )
رائع
ودلالة على الوعي والذوق الادبي...محبتي وكل اعتزازي


3 - واين تعليقي ؟
دكتور عدنان الظاهر ( 2009 / 8 / 8 - 19:35 )
علقت وأرسلت دراسة مستفيضة عن إحدى قصائد أدونيس فأين هي وما سبب حجبها ؟ عجائب وغرائب في هذا الموقع لكأنه سرداب جان ....


4 - ليس تعليقا وإنما مساعدة
أعطى الله الناصر ( 2011 / 8 / 25 - 03:06 )
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أنا أخوكم في الله الطالب أعطى الله الناصر من دولة الجزائرفي البداية أشكركم
على هده المنافد العلمية القيمة التي جزاكم الله عنها حسنا وخيرا في
دنياكم وآخراكم والشيء الدي وددته منكم أن تكون لي عونا فيما أنا مقبل عليه في بحثي حول الأديب والشاعر السوري أدونيس فأنا أبحث عمن يدلني ويرشدني إلى محطات الشاعر التناصيه وتفاعل نصوصه الشعرية مع الشعراء الحداثيين
جزاكم الله ألف خير رقم الهاتف
0778111752


5 - حول سؤالي عن غياب دراستي عن بعض قصائد أدونيس
عدنان الظاهر ( 2011 / 8 / 25 - 07:05 )
شكراً أنكم نشرتم تعليقي لكنكم لم تنشروا دراستي ولعلكم قد نشرتموها ولا أدري فالذنب ذنبي في هذه الحالة .
عدنان الظاهر
25.08.2011


6 - موضوع التعليق حول التناص عند أدونيس
أعطى الله الناصر ( 2011 / 8 / 26 - 05:18 )
السلام عليكم وبعد :
إن من الأشياء التي شدت انتباهي كثيرا وذلك من خلال تصفح ما يكتب من مقالات ودراسات نقدية على الشبكة العنكبوتية هو افتقار نا إلى الدراسات التي فحواها حول موضوع مهمةجدا هو التفاعل النصي في ديوان أغاني مهيار الدمشقي لما لا نجد من أدباءنا وشعراءنا تدخلات وأراء حول الموضوع بالضبط التناص عند أدونيس مع الشعراء الحداثيين هل هذا لأن المادة العلمية غير موجودة أم لأن الموضوع يستوجب البحث الطويل ولقراءة التناصية المعمقة أم لأن أدباءنا لا يلتفتون إلى شخص أدونيس نفسه فأنا بصراحة قد قدمت بعض المقالات منها مانشر ومنها من لم ينشر لكن الغريب في الأمر أن شخص مثل أدونيس الشاعر الذي أرى فيه أنه يستحق الدراسة والبحث بقدر عطاءه قد أغفل عنه الكثير يا ترى لماذا ؟ وهو الأديب الذي حمل على كتفيه رايات الحرية ونادى للجديد وأعلن التجديد بدءا باسمه.

اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح