الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (عام قضيته في العراق)

غسان سالم

2009 / 8 / 8
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قالت فرانسي لزوجها "اشعر دائما إنني بين أيد أمينة عندما أكون معك"، يضع بريمر هذه العبارة في الصفحات الأولى لكتابه (عام قضيته في العراق) ليعطي انطباعا ايجابيا عن ذاته، ويصف نفسه كدبلوماسي محترف قادر على انجاز مهمته في العراق، ويضيف في مكان آخر أثناء حواره مع زوجته الشقراء "إنني أريد هذا التحدي".
يتحدث (نائب الملك الأمريكي!) في هذا الكتاب عن تجربته في العراق.. السفير بول بريمر الذي عين كمدير لسلطة الائتلاف المؤقتة، وهذه المهمة الضخمة مجرد تحدي لا أكثر، لمتقاعد تجاوز الستين من عمره، تحد لبناء دولة العراق ما بعد صدام، ربما يفشل أو ينجح! لكنه قبل التحدي كما يقول، لقد أصبح مبعوث الرئيس الأمريكي هل نجح في مهمته العسيرة؟ ان كان كذلك فما مقدار نجاحه؟. فالعديد من السياسيين الأمريكيين وغيرهم انتقدوه لسوء إدارته ونال الألقاب منها (دكتور العراق الجديد) (نائب الملك) (ماك ارثر العراق). ومن اجل التعرف على تجربته سوف نصعد معه سيارته الـ(لاندكروز) المصفحة ونرتدي جزمته الـ(تيمرلاند) التي أهداها له ابنه (بول) وقد كتب على صندوقها (اذهب واركل مؤخرة احدهم يا ابي)، ونبحر معه في فصول هذا الكتاب، ونسير بين العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، وكواليس الاجتماعات السياسية. عشرة أيام شكل بريمر فريق عمله خلال عشرة أيام فقط وأول ما فعله اصدار القرار رقم (1) لسلطة الائتلاف الذي حضر حزب البعث ومن ثم القرار رقم (2) الذي حل بموجبه الجيش والأجهزة الأمنية وهذا القرار دار حوله الكثير من الجدل - وما زال الجدل مستمرا - لكن بريمر يعتبر ذلك القرار تحصيل حاصل لان الجيش قد حل نفسه أو كما يقول (سرح ذاتيا) ويؤكد بان قراره هذا لاقى تأييدا شيعيا وكرديا، كون 80% من الضباط هم من العرب السنة، ويرى ان الاعتماد على جيش صدام كان سيقود إلى حرب أهلية. الأمم المتحدة يعرض الكتاب مخاوف سلطة الائتلاف من وجود ممثل الأمم المتحدة في العراق وخاصة ان قرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم (1483) الذي دعا الائتلاف إلى العمل مع ممثل الأمم لتسهيل العملية السياسية بغية الوصول إلى حكومة عراقية تمثيلية معترف بها دوليا. وبهذا الشأن كتب في الفصل الرابع (الرقصة السياسية) "وجود ممثل للأمم المتحدة في بغداد يمكن ان يعقد مهمة إقامة إدارة مؤقتة فاحتمالات قيام العراقيين بتأليب الائتلاف والأمم أحداهما ضد الآخر تثير القلق"، وهو يرى ان أمريكا أسقطت نظام صدام بدون موافقة الأمم المتحدة فهي بالتأكيد غير مستعدة لإشراكها في إدارة العراق وتشكيله بحسب رؤيتها. ويؤكد "أريد من ائتلافنا لا الأمم المتحدة - بأجندتها السياسية الضبابية - ان يتولى قيادة دفع هذه العملية إلى الأمام". ليس هذا فقط فهذا المتقاعد الذي يشبه نفسه ببوش الابن في أكثر من مكان في كتابه لم يكن مؤمنا بقدرة العراقيين أيضا لإدارة شؤونهم بأنفسهم أو لحل المشاكل التي تتعلق بالأمن والخدمات وإعادة بناء العراق حيث يقول "أدركت ان بعض الأشخاص في واشنطن يبخسون تقدير التعقيد والتحدي ويعتقدون ان بوسعنا حل مشكلاتنا بنقل السلطة إلى مجلس الحكم العراقي على الفور كما وان تلك المجموعة تستطيع بطريقة ما التغلب على المشكلات الأمنية، الاقتصادية، السياسية المتشابكة فيما تعجز سلطة الائتلاف المؤقتة عن ذلك". و تعامل مع أعضاء مجلس الحكم كموظفين عليهم تلقي الأوامر لتنفيذها ولم يكن يشعر بالثقة تجاههم وكتب في أكثر من صفحة بأنهم غير مؤهلين لحكم العراق وهم مجموعة من المنفيين الذين يتباعدون عن بعضهم لأسباب عديدة، فقد ذكر "أنهيت كلامي بدعوتهم إلى إقرار عدد من الاقتراحات التي طرحت عليهم قبل أسابيع" ويضيف في مكان اخر "ثم قدمت مسودة بيان بشان تفجير مقر الأمم المتحدة واقترحت ان يعلنوه فور انتهاء الاجتماع على الصحفيين". محمد باقر الحكيم لقد وصف اغلب السياسيين العراقيين وتحدث عنهم في صفحات كتابه، لكن ما يثير استغرابي انه لم يأت لذكر (محمد باقر الحكيم) الزعيم الشيعي واسع النفوذ الا في نهاية الفصل الخامس عندما اغتيل في النجف ويصفه "احد آيات الله الكبار واحد أعضاء المرجعية والأخ الأكبر لعبد العزيز الحكيم" غافلا أو متناسيا سلطة هذا الرجل والاستقبال المليوني الذي حظي به أثناء دخوله العراق. هيئة دستورية ظلت فكرة تأسيس هيئة دستورية هاجس مقلق لبريمر وفريق عمله وخاصة ان المرجع الديني (ايه الله السيستاني) أصر ان تكون هذه الهيئة منتخبة من قبل الشعب وبشكل مباشر في حين ترى سلطة الائتلاف تعيين الهيئة أو على الأقل اختيارها عن طريق التمثيل ألمناطقي وقد اقترح الائتلاف من مجلس الحكم بدائل لكيفية انتقاء الموفدين إلى المؤتمر الدستوري لكنها تتمحور على الية غير الانتخابات وهذا يتعارض مع الفتوى التي أطلقها السيستاني. وبالطبع وضع هذا الضغط مجلس الحكم في مأزق وخاصة الأعضاء الشيعة (ليس بوسعهم ذلك لان معارضة السيستاني تعني الانتحار السياسي للإسلاميين الشيعة). ويرى ان المشكلة أكثر تعقيدا "فالأكراد والسنة لا يريدون ان تتخلى الولايات المتحدة عن السلطة ما لم يكونوا على ثقة بأنهم لن يكونوا تحت رحمة الشيعة، لذا فقط أصروا على الحصول على ضمانات خطية فيما يتعلق بالفيدرالية وحقوق الأقليات، قبل ان تتخلى الحكومة الأمريكية عن السيطرة السياسية ولتحقيق ذلك أرادوا الحصول على الدستور". ونتيجة لهذه التعقيدات في الوضع العراقي وصل الأمريكان إلى قناعة بان يقوموا بإنهاء الاحتلال) دون دستور دائم، على ان تكون هناك ضمانات للديمقراطية والوحدة الوطنية في (دستور المؤقت) منظم من خلال انتخابات، على ان يضع مجلس الحكم ذلك الدستور المؤقت الذي من خلاله يتم تنظيم انتخابات تؤسس لحكومة مؤقتة تسلم إليها السلطة. وللمضي في هذه الخطة كان على سلطة الائتلاف مجموعتين من الإرادات وكما يقول "ثمة مجموعة من المشككين الذين علينا إقناعهم في البنتاغون والمجموعة الثانية مختبئة في متاهة الأزقة القديمة في النجف"، وليس هذا فقط فقد كانت تواجه سلطة الائتلاف ثلاث مشاكل أساسية أوجزها بريمر لرئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) وهي "كيف نحل مخاوف الشيعة بشان الانتخابات وكيف نتصل بالعرب السنة، وكيف نحافظ على استمرار تأييد الأكراد؟". الشرطة العراقية استمر بريمر في التشكيك بجاهزية الشرطة والجيش فقد كرر أكثر من مرة لواشنطن بان قوات الشرطة غير كفوءة ولا يمكن الاعتماد عليها في حين يصر القادة العسكريين (الأمريكان) على ضرورة الاعتماد على هذه القوات والاستعجال في تسليمها المواقع بدل الجنود الأمريكان، وذكر بهذا الشأن "سيئة التدريب ولا يمكن الركون إليها... علينا الا نخدع أنفسنا أو العراقيين في التفكير بأنهم سيكونون قادرين على تولي زمام الأمن هنا في تموز فذلك يتطلب عدة أشهر وربما سنوات". وبالفعل كانت رؤيته صحيحة فقد تخلت هذه القوات عن مواقعها في أول مواجه مع المسلحين في 2004 ، ناهيك عن الانقسامات الطائفية التي مزقت هذه الأجهزة. السيادة خلال الشهرين الأخيرين من ولايته (موعد تسليم السيادة إلى العراقيين في 30 حزيران 2004) تحرك مدير سلطة الائتلاف المؤقتة، بشكل مكثف من اجل ترك أقوى وضع سياسي وامني فقد أراد الخروج من العراق ومهمته مكتملة بحسب ما يعتقد هو. وكانت الآراء تتضارب فيما بينها حول من سيكون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وأخيرا انحسر الترشيح لرئاسة الجمهورية بين الباجه جي وغازي الياور في حين اتفق الجميع على أياد علاوي رئيسا للوزراء بعد ان تقلصت فرص الشهرستاني لجذوره الإيرانية وتقاربه مع التيارات الدينية فسلطة الائتلاف لم ترغب بتسليم السلطة لسياسي ثيوقراطي. أخيرا تم حل مجلس الحكم وسلمت السلطة للعراقيين يوم الاثنين 28/حزيران 2004 أي قبل موعد المحدد بيومين، لتستمر اللعبة السياسية هذه المرة ، بين العراقيين أنفسهم بدون دكتاتور العراق الجديد، السفير بول بريمر الذي خاطب ذات مرة مجلس مدينة بغداد المنتخب في آذار 2004 قائلا "ان الائتلاف وأعضاءه سيقفون إلى جانب الشعب العراقي فيما يقوم ببناء الغد المرجو لأبنائهم وأبناء أبنائهم وسيحصلون على ذلك الغد المرجو". فهل تحقق ذلك، هل نجح السفير بول بريمر في مهمته في العراق؟.

عام قضيته في العراق
(النضال من اجل غد مرجو)
تأليف السفير بول بريمر
بالاشتراك مع مالكولم ماك - كونك
ترجمة عمر الأيوبي
دار الكتاب العربي بيروت 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عودة غير موفقة
ابو ارام ( 2009 / 8 / 7 - 20:17 )
كنت اتوقع قراءة مختلفة لكتاب صدر قبل سنين والا ما الفائدة من العودة للكتابة عن كتاب بول بريمر عام قضيته في بغداد، ويوسفني باني لم اجد اي شيء جديد في تناولك للكتاب، بل انهيت موضوعك بسؤال في وقت قادرين ونستطيع ان نحلل ونستنتج العديد من الحقائق بسبب ان الصورة الان اصبحت اكثر وضوحا. لكني احب ان اذكرك بان بريمر كتب لزوجته بانه بعيد عن امريكا عشرة الاف كيلو متر مسافة ومئة عام زمنا من التطور. لهذا فهو كان يعمل مع اشخاص في مجلس الحكم وهو يسبقهم في الفهم وفي القدرة انني اتذكر حوارته والاعيبه وهو يتعامل مع سياسين منقسمين على انفسهم ، انه كان يسخر من قادتنا السياسين ويتصورهم غير قادرين على ادارة او تنظيم حفل فكيف سيسلمهم ادارة العراق وهو رفات وتقبل مني تحياتي وتقديري

اخر الافلام

.. اعتصام في حرم جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة للمطالبة بإن


.. القوات الإسرائيلية تقتحم معبر رفح البري وتوقف حركة المسافرين




.. جرافة لجيش الاحتلال تجري عمليات تجريف قرب مخيم طولكرم في الض


.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من




.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي