الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسوار مملكة السر ...رواية (الفصل 9 و10 )

سعد الغالبي

2009 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الفصل 9
في ديار أخرى ، تبعد مسافة يومين عن القرية التي يعيش فيها أبا فاضل ، كان شقيقه( فهد ) يمكث هناك في تلك الديار ضيفا على صديقه "سعد آل منصور" .
منذ أيام وفكرة شد الرحال تراود نفس فهد ,حيث ازداد شوقا لرؤية أخيه ,أذ لم يكن في حسبانه انه يستطيع البقاء أكثر من سنة دون رؤية أخيه ,ولكنها نفسه الثائرة...الحرة التي لاتطيق القيود.
مع بزوغ الشمس ,وحين أعطت الضياء الأول لها لتستوضح معالم البقعة التي يقف عليها فهد ,راح يسرج فرسه الأسود ذي الغرة البيضاء ، وبينما هو منشغل في ذلك ،أحس بوقع خطوات أقدام قادمة نحوه، نظر فهد...فوجده ذلك الصديق "سعد", يقترب باسما ,وحين وقف بجانب الفرس من الجهة الأخرى ,قال له فهد ويداه تعلق الركاب:
ـ يبدو أن صبرك قليل ,ألم أقل لك ...لا تخرج في أثري.
وبصوت منخفض قال سعد: لم أستطع... ولكن ليس وحدي في قلة الصبر , فاِن أحدهم يشاركني فيه .
قال فهد : الى من ترمي ؟!
قال سعد وهو يشير بعينيه بإتجاه : أنظر خلفك.. انها قادمه .
امرأة عجوز, تتوكأعلى عصا مقوسة كظهرها وقد أخذ الدهر منها مأخذه...جاءت وبخطى بطيئه نحو فهد ، حين رآها ترك كل شيء وذهب باتجاهها,مستقبلا اياها ,ممسكا بيدها ,نظر في وجهها قائلا: أنت متعبة, لم يكن بوسعك المجيء.
المرأة العجوز تنظر بوجه فهد وهي تتفحصه وفهد يقود المرأة ويقترب بها ,حيث ولدها سعد يقف ينظر اليهما ,وضعت المرأة يدها على ظهر الفرس رغم قصر قامتها ,قائلة:
ـ كلمة ياأماه هي التي قادتني اليك ,وأنت كثيرا ما قلتها ....كما يقولها لي ولدي سعد هذا .
قال فهد : وكيف لاأقولها ...وأنت التي قضيتي ليال طوال ,تداوين جراحاتي ..... أنني لا أتذكر كيف وجدني سعد في الصحراء بين الحياة والموت ,ولا أتذكر كيف حملني ....لكني أتذكر وجهك وقد بدى متعبا لكثرة السهر ...لو كانت أمي على قيد الحياة ,لاأظنها تفعل أكثر من فعلك .
أزاحت المرأة يدها من على ظهر الفرس ثم وضعتها على كتف فهد وهي تقول :
ـ هل نويت الرحيل ؟
ابتسم فهد قائلا: أنت تعرفيني !
قالت المرأة : أعرفك , طير حر , روحه تتخاصم مع المكان بأسرع وقت .. آه ياولدي , ما أسرع الرحيل لديك , ولكن .. لاتجعل غيبتك عني طويله ,فإني أرغب وجودك يوم يأتي منادي الموت يدخل باب داري .
لم ينطق فهد بأية كلمة بل راح يمسك بيد المرأة العجوز وأنحنى برأسه يقبل تلك اليد والمرأة تقول
ـ في أمان الله.
وبعد عناق طويل مع ذلك الصديق سعد ,كان آخر عمل قد فعله فهد قبل أن يمتطي فرسه وينطلق بها مبتعدا عن بيوت القرية نحو ديار الأهل .
حوافر فرسه تضرب الأرض وهي غائرة في عمق الصحراء ....لم يسلك فهد طريقا ذا معالم واضحة , خشيةأن يضل طريقه بل سلك الأرض كلها ,لأنه خَبِرها تماما كما هي .. ماذا يريد في تجواله الطويل هذا ؟ هو لاينشد مكانا بعينه ,لأنه يعرف أن كل الأماكن وأينما حل فانها متشابهه , أرض متعبه وساكنيها متعبين ومنذ أمد طويل وهم في أنين.
فهد قد ذاع صيته وأصبح كل لسان يتداول ذلك الصيت .لم يكن ليدعي انه حكيم ويدور في النواحي ليعطي الحكمة والموعظة,بل كان فارس أحلام , في أحيانٍ كثيرةٍ كان يحقق الأحلام للأخرين , اللذين ليس بمقدورهم أن يحلموا .
كم من مرة قطع الطريق على السارقين ,اللذين يمارسون سطوتهم على الفقراء ليسرقوا منهم سنوات الحياة التي أعطاها الله , ثم يحاول أن يعيد إليهم ما فقدوه من ثقة الأيام ، وكم من مرة أبكته دموع الآخرين ,اللذين لايملكون سوى الدموع , لأنه يرى نفسه من خلال دموعهم , ولأن أحزانه كثيرة , فان بكائه طويل , كما هي السنين .....وحين ينظر من خلالها......لم يجد سوى الخراب .
لازالت حوافر فرسه تعلم الأرض بآثارواضحة ,ولكن ! ....نهار شتاء بارد رغم قصره ,الا أن الطريق لازال طويل ..وهاهو الليل قادم , ولابد له أن يركن جانبا .
توقف فهد وراح ينظر بعينين اختبرهما ,ويعرف انهما لايغدران , اذ أبصر على بعد, ثمة أحدهم يسكن هناك ,قال متحدثا مع نفسه : لابد لي من الوصول الى هناك فالليل قادم ,وفي الليل تزداد سكينة النفس....لابد لي أن أتخذ أنيس حديث من ذلك البيت .

الفصل 10
يوم يمضي ونهار يوم جديد قد جاء,وفي ذات المكان الذي اعتاد راضي الجلوس فيه ,على ضفة نهاية الهور ,وأمام وجه الماء , حيث لايوجد منافس له يجادله الأفكار عندما يسأل , فانه يتخيل الجواب كمايحب أن يسمعه.
انبرى راضي يتساءل ـ عندما رآى صورة وجهه على سطح الماء الأملس ,كملمس سمكة الشبوط ,والتي اعتاد ملامستها في بعض الصباحات الباكرة,عندما يرغب في تناولها مشويةعلى نارحطب جذور القصب اليابسة ـ قائلا:
ـ ما الذي أريده أن يفعل لي هذا التحدي ,هل هي نفسي الهائمة التي لاتعرف معالم الطريق...ويحك ياراضي ,تتخذ وسيلة خاطئة لتصل الى غاية....لا أدري ان كا....نت....لا ,أنا أعرف انها.....إنهاصحيحة... عندما يحارب فهد من اجلها ,فلابد أن تكون صحيحة...نعم الجميع يقر بأن فهد على صواب ...حتى والداي ...والدي الذي يتعب كثيرا ...أظنه يتعب, ولكن كل ما يجنيه من هذا الشقاء يذهب عنه ,ليتخذ طريقا لآخرين تعودوا أن يخرج الأمر منهم ليعود اليهم ذهبا براقا ...
ربما أريد التحدي لأجل والدي .....ولكن فاضل ؟! قد ناله من تدهور أفكاري جانبا ولابد من توضيح الأمر ثم الأعتذار ..... أظن ان عرف مقصدي سوف يقبل اعتذاري ,ولكن, ماذا بعد؟ هل أترك نفسي تعيش وسط هذا الحطام الذي ألم بي ,أم أبحث عن منفذ في وسط هذا الزخم من الشك, حيث الجميع يظن بي الظنون ...ولو تركت لنفسي الخوض في هذه الأفكار ,فانني سوف أفقد الثقةفي هذه الحياة , انني الآن لاأملك الامغادرةهذا المكان.
هم راضي أن يبرح مكانه الا أن رؤيته لفاضل وهو يقترب ,قد جعله يعدل عن فكرته تلك .
نهض راضي وهو يضع ابتسامة على شفتيه ، لعل فاضل يكتشف ذلك ولربما ذلك يجعل الطريق ممهدا لو حصل لقاء بينهم ,ولكن فاضل حاول اجتنابه ,حين اتخذ طريقا غير بعيد عن المكان الذي كان راضي يقف فيه,الا أن راضي قد قطع عليه ذلك الطريق ,حين استطاع أن يصل هناك.
وقف راضي أمامه ,وحين راح فاضل ينظر اليه,مد راضي يده لينتزع خنجره من حزامه الذي يلف به بطنه, شاهرا اياه ,ولكنه لم يتحرك من مكانه , بل ظل واقفا .
لم تدخل نفس فاضل الدهشه,لأنه أيقن أن ما يريده هذا المغامر شيءآخر .....ولكن لم يكن باستطاعةفاضل معرفة مقصده...اقترب راضي وهويحاول أن يعطي انطباعا ـ في خطواته ـ انه لايضمر الشر ,قدماه تقودانه ,ولكن في صوته شعور بالذنب وهو يتكلم قائلا:
ـ خذ ياراضي هذا الخنجر ,لو كان باستطاعتي أن أغرزه في جسدي لفعلت ,ولكنها الروح تأبى ذلك ... أما أنت .... فليكن لك ذلك.
وقف راضي قريبا وهو ينظر بوجه فاضل ,يتفحصه ,وهو يحاول أن يستقرأ ذلك الوجه ,متمنيا أن يسرق بخفاء بعضا من انفعالاته,لعل واحدة منها تبعث في نفسه الأطمئنان وتوحي بأن المسافة قد اقتربت فيما بينهما .
قال فاضل : أتظن باستطاعتي أن أفعل ما نويت أنت فعله ,كيف أمكنك أن تقودك أفكارك لتجعل مني أضحية غرورك ؟ .
قال راضي : لا يافاضل لاتظن بي الظنون ,أنا رفيق صباك ,ذلك الصبا الذي انقضى ونحن لم نفترق يوما , ولكنها فورة الألم الذي يغلفني .
راح راضي ينفث ما يختلج به صدره,بعد أن أدرك أن فاضل بدأ يصغي اليه.....الوقت بدأ يمضي وكلاهما في حديث مستمر ,أحدهما يصغي الى الآخر ,وبعد حين قال راضي : هلم معي .
قال فاضل : الى أين ؟!
قال راضي : الى حيث أستريح من لوم أبي ونظرة عمي الحاج ياسر,وأظنهما محقان في ذلك....دعنا نذهب الى بيتنا ....ياصديقي .
أخذ فاضل يرمق ـ ذلك الصديق التائب ـ بنظرة وهو يتمنى أن يكون ذلك الحديث الذي سمعه حقيقيا .
عبر أزقة القرية وخلال ممراتها الضيقة,راضي وبرفقته فاضل ,جنبا الى جنب يسيران ,أرادا الأثنان أن يوحيا الى أهل القرية والذين يشاهدونهما الآن,بأن النزاع الذي انتشرخبره كالنار عندما تنتشر في الهشيم , قد تلاشى,وها هما الان معا ,ولكن الهدف لم يتحقق بعد,اذ أن فهد هو الآن غائب عن الأنظار ,ولايعلم اللذين , ممن يودون رؤيته أين هو الآن .
حين وصل راضي قرب بيت أبيه ,وقف قرب الجدار الطيني وراح من ينظر من أعلى الجدار الواطىء وكأنه يختلس النظر كما يفعل السارق ليلا,ليتأكد من صيده .
أصاب فاضل الشك من جديد وبدأ يرتاب وهويراقب راضي وما يفعله....فاضل يتساءل: ما الذي يريد أن يفعله هذه المرة؟!
التفت راضي ليجد صديقه في حيرة من أمره...ابتسم ثم أوضح بأن ما يفعله لكي يتأكد,هل من أثر لوجود والده .....اذ أن راضي كان يراقب مدخل حجرة الطين ,مأوى والده ,ان كان نعلا والده على الأرض,في مكانهما المعهود أم لا.
أيقن فاضل صدق كلام صديقه ,عندما أشار راضي عن بعد الى ما يؤكد كلامه .
دخلا الأثنان الى باحة الدار ,وراح راضي ينادي على أبيه ...خرج الأب , وعندما وقع نظره على فاضل انشرح صدره وبات أقرب الى السعادة من أي وقت مضى من يومه . اقترب الرجل من فاضل وراح يضمه الى صدره وهو يقول : ان الله جعل المودة والتراحم مفتاحا لكل المشاكل ,ولولا ذلك لضاع كل شيءجميل في النفوس .
نظر حميد , الرجل البسيط , كبساطة الأيام التي يحياها , بوجه فاضل نظرة رضى..ثم قال:
ـ أدخل ياولدي بيتي كما خبرتك عندما تفعل ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟