الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب أذكياء بالمفرق وأغبياء بالجملة

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2009 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لإسـم زكي الأرسوزي (1900 - 1968) موقع ٌخاص ٌ ومميزٌ في نفسي. أما أسباب ذلك فهي متعـددة. ربما كان من أهمها أنني أمضيت طفولتي قرب مدرسة بنات ٍ مهمة ٍ ومعروفة في دمشق اسمها : زكي الأرسوزي. لقد كانت هذه المدرسة تعج بالطالبات المرتديات اللباس العسكري المميز لهن في تلك الأيام. وكان صياحهن يقرع أبواب السماء، صبيحة وظهيرة كل يوم، وهن يرددن شعار َ أن الأمة َ العربية َ واحدة ... ذات رسالة خالدة وأن أهدافهن هي الوحدة والحرية والإشتراكية. كانت هذه المدرسة، ولما تزل، تقع في قلب حي المزرعة السكني وكان هذا الصياح اليومي يشكل علامة فارقة ومميزة وقابلة للرفض أوالقبول لدى كل من يريد الانتقال للعيش هناك.
لقد بقي اسم هذه المدرسة خاليا ً من المعنى بالنسبة لي حتى بدأ زغـب الطفولة بالاختفاء مفسحا ً المجال َ أمام التساؤلات والبحث والإجابات والممنوع منه والمصرح به والمسموح له... إلى آخر ماهنالك من مصطلحات تتميز بها المجتمعات العربية كلها والمجتمع العربي السوري بخاصة. لقد تبين لي فيما بعد... أن الأستاذ زكي، كما يحب أن يسميه تلامذته ومريدوه كان، وعلى حد قول الأستاذ أنطوان مقدسي " مناضلا ً ومفكرا ً عربيا ً سوريا ً... شارك في معركة الدفاع عن عروبة لواء اسكندرون..." التي خسرها طبعا ً كما خسرناها كلنا معه في ذلك الحين. ويعتقد الكثيرون أن حزب البعث العربي الاشتراكي بنسختيه السورية والعراقية يعود في جذوره الإيديولوجية إلى هذا الرجل الذي ألهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار وسواهم أفكارهم الثورية العلمانية. لقد سال حبر قلم الأستاذ زكي على الورق سخيا ً وترك خلفه العديد من المؤلفات التي ربما كان أهمها مؤلف ٌ بعنوان " متى يكون الحكم ديمقراطيا ً"
ما يهمني هنا هو أن أنقل جملة ً معبرة ً سمعتها عن لسان هذا الرجل الذي، شئنا ذلك أم أبينا، ترك بصماته واضحة على حياتنا جميعا ً. فـقد كان يقول دائما ً إن " العرب أذكياء بالمفرق ... وأغبياء بالجملة ". لقد قاومت هذه الجملة الزمن وبقيت صحيحة تماما ً ومعبرة عن الواقع في أيامنا هذه أي بعد وفاته بأربعين سنة. فعلى الرغم من تماسكـنا الاجتماعي الظاهري المتمثل بواجبات العزاء والمباركة و"الأقربون أولى بالمعروف" والعزائم والولائم إلخ... إلا أن هذا التماسك يبقى فرديا ً وفي إطار القبيلة العرقية أو الاجتماعية أوالدينية أو المذهبية وبعيدا ً كل البعد عن مفهوم العمل الجماعي المؤسساتي القائم على احترام الآخر المختلف. وتبقى هذه الجملة صحيحة تماما ً حتى عند وجود الرغبة الصادقة بالعمل الجماعي خارج الأطر التقليدية سالفة الذكرلأن المواطن السوري لم يتعلم أبدا ً أن يعمل وبشكل مسؤول ضمن فريق عمل واحد وبشكل ٍ مؤسساتي. ما عاشه ومارسه هذا المواطن الأشوس، ومنذ طفولته، هو المبدأ الذي غناه الفنان القدير فيلمون وهبة في أغنيته " حَيــِّـد ْ عن ضهري... بسـيطـة ". فالعمل الجماعي غير مرغوب به وغير مُمارس ومشكوك ٌ بأمره لا بل وممنوع منعاً باتا ً أحيانا ً إن لم يكن ضمن الأطر الحكومية والحزبية المصرح بها والمتعارف عليها. وهنا تخطر ببالي حادثة ٌ وقعت مع أحد الأصدقاء الذين أحب وأحترم والذي حاول تشكيل فريق عمل طوعي الهدف منه تنظيف شاطئ اللاذقية الجنوبي من أوساخه ولكنه منع من ذلك رسمياً لأسباب تتعلق بعدم توافر الموافقات الأمنية اللازمة! نحن عقيمون جماعـيا ً لندرة الخبرة والرغبة والمعرفة والحافز وكذلك للخوف الجاثم على قلوبنا من أن يساء فهم ما نقوم به مما قـد يؤدي للوقوع في إشكالات نحن في غنى عنها. وأذكـّر هنا مرة أخرى بأغـنية فيلمون الجميلة " حَيــِّـد ْ عن ضهري... بسـيطـة ". أما عن كيفية الخروج من هذه الحالة الاستلابية المقيتة فهذا سؤال ٌ صعب ٌ أوجهه لكل من يقرأ هذه السطور ويهمه الأمر. نحن قوم ٌ أذكياء بالمفرق... وأغبياء بالجملة. لقد قالها الأستاذ زكي يوما ً وصدق الأستاذ زكي فيما قال!











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم هذه حقيقة
محمد عيروض ( 2009 / 8 / 9 - 23:27 )
نعم نحن أذكياء بالمفرق .. وأغبياء بالجملة ولكن هل هناك حل لهذه الحالة المأساوية؟؟

اخر الافلام

.. غزة : هل طويت صفحة الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. هل يستنسخ حزب الله تجربة الحوثي في البحر المتوسط؟ | #التاسعة




.. العد العكسي لسقوط خاركيف... هجوم روسي شرس يعلن بداية النهاية


.. أمير دولة الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق بعض بنود الدستور




.. الحرب في غزة تحول مهرجان موسيقي إلى ساحة سياسية | #منصات