الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجيديا البنفسج

جمال مهدي صالح

2009 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



ربما من يعتبرني خارج الملة (ملة الشيوعيين) لأني لم أكن في يوم من الأيام شيوعي رغم ميولي الماركسية وهو الأمر الذي لايعطيني الحق في نقد قضاياه الجوهرية وخاصة مفهوم الوطنية والتي مثلت أعلى سلم الأوليات في خطاب الحزب الشيوعي العراقي عبر تاريخه , هذا المفهوم الذي بدا في أحايين كثيرة بلا ملامح وغريب الأطوار.
سأحاول أن أتطرق لهذا المحمول (الوطنية) من خلال المسيرة التراجيدية للحزب الشيوعي العراقي بالمحايثة مع تاريخ العراق السياسي الحديث والمعاصر والذي شكل الحزب فيه مساحة كبيرة ومن خلاله سنستوضح كيف أصبح الحزب الشيوعي العراقي نموذج مباح للجميع فتارة يتبنى من الأكراد ويتم تجييره لصالح القضية الكردية كمطلب اثني لنيل الحقوق وتارة أخرى يسرق كفكر ومنهج تنظيمي بعد التلاعب به من قبل حزب البعث وفي كل الأحوال لم ينل ألا العقوق من الجميع فكان المثل الشعبي (مثل السمك مأكول مذموم ) وكأنه مطابق لحال الحزب الشيوعي العراقي .
تبدأ قصتي مع الحزب الشيوعي العراقي منذ نهاية عقد السبعينات من القرن المنصرم وذلك عندما بدأت تغيبهم ماكنة الموت البعثية بشكل ممنهج بعد استدراجهم في فخ (الجبهة الوطنية والتقدمية) ومنهم أصدقاء لي وزملاء دراسة وجيران وأقارب وحيث كان يطيب لي أن أصغي لحلقات النقاش التي تدار بينهم وخاصة في مقهى أم كلثوم إذ كنت من مرتاديها وكان يغمرني الإعجاب المفرط بالمواضيع العلمية والسياسية والفلسفية وتستوقفني غزارة المصطلحات التي يتم تداولها والشرح المسهب لكتاب أصل الأنواع لدارون وكذلك حملني إعجابي لحضور بعض محاضرات عامر عبد الله في الاقتصاد السياسي والتي لم افهم معظمها طبعا آنذاك وهو الأمر الذي شجعني على اقتناء الكراسات الشيوعية الصادرة عن دار التقدم بلونها الأحمر المثير وزهد ثمنها والتي لم استوعب مضامينها إلا وأنا في العقد الرابع من عمري وقد بقيت اكتم إعجابي بالأفكار الماركسية طيلة فترة الثمانينات لان البوح بمثل هذا الإعجاب كان له ثمنه الباهظ وحتى لحظة سقوط بغداد وقد ارتبط مفهوم الثقافة في اللاوعي عندي كرديف للحزب الشيوعي وذلك لان كل رموز الفن والشعر ومعظم أساطين الثقافة العراقية هم من الشيوعيين .
وفي موقف لاحق وأظنه ليس بالغريب على معظم العراقيين خاصة في شهور الجحيم الممتدة من منتصف 2006 وحتى منتصف 2007 عندها بدأت أراجع مثلي مثل عراقيين كثيرين الحياة السياسية بطريقة تشوبها روح نقدية وبطبيعة الحال لم يغب عن استذكاري الحزب الشيوعي العراقي لما يحتل من مساحة واسعة في تاريخ العراق السياسي الحديث والمعاصر رغم عدم اعتلائه سدة الحكم وكنت قد أرجئت دراسة ظاهرة الحزب الشيوعي لأسباب شخصية في مقدمتها طبيعتي الكسولة ألا أن ما أثار الموضوع عندي ثانية هي نتائج الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات المخيبة للآمال بالنسبة للحزب الشيوعي بالمقايسة مع تاريخه وجماهيره وخبرته التنظيمية واعتقد أن مثل هذا الأمر يستوجب وقفة تحليلية لكل مهتم بالسياسة العراقية وقبل أن ادخل في الأسباب التي اعتقدها وراء الفشل الوظيفي للحزب الشيوعي تاريخيا في تجاوز أزماته التنظيمية والإيديولوجية لابد أن أعرج إلى سبب اختياري للعنوان (وهذا التوضيح للقارئ الغير عراقي) فالتراجيديا هي نمط ثقافي عراقي تاريخي لدرجة انه يشكل الحيز الأكبر من العقل الجمعي العراقي وهذا الحيز يمتد من الأساطير السومرية بتراجيديا الإله تموز وتراجيديا (الطف ) والمتواليات الوبائية والفيضانات والاحتلالات والحروب والمقابر الجماعية والحزب الشيوعي العراقي منذ بواكير ظهوره في بداية القرن المنصرم وحتى انتخابات مجالس المحافظات عاش على مآسي كبيرة ابتداء من إعدام يوسف سلمان (فهد) على طريقة القرون الوسطى وصلبه مع بعض رفاقه في ساحة المتحف(العلاوي) لأكثر من يوم وكذلك الطريقة الهمجية الانتقامية في قتل (سلام عادل) ورفاقه في قصر النهاية على يد البعثيين عام 1963 و الطريقة التي تم بها تصفية كوادره وعوائلهم والكثير من جماهيره منذ منتصف السبعينات وبطريقة أشبه بالتطهير العرقي ولذلك ادعوها بالتطهير العقائدي وفي رحلة الشتات الطويلة خارج الوطن عاش مرحلة من الانشطارات العقائدية والتنظيمية الكثيرة والتي لايزال يئن من وطأتها .
أما الشق الثاني من العنوان (البنفسج) وهي قصيدة عراقية مغناة اشتهرت في عقد السبعينات مثلت خطابا بكل ماللخطاب من معنى وضح مسيرة الحزب الشيوعي وتغنى بأصوله العقائدية لذلك أصبحت القصيدة عنوانا للحزب الشيوعي .
وفي عودة لمحمول الوطنية والذي شكل المحور الأساسي في خطاب الحزب الشيوعي العراقي , يشعر كل متابع لشؤون الحزب الشيوعي بان هذا المحمول لايمتلك الأصالة والطهورية في صميم فكر الحزب ولا نريد هنا أن نقلل من أهمية التضحيات الجسام التي قدمتها جماهير الحزب وكوادره وقادته في مجمل التاريخ الوطني العراقي أن التحرر والتحولات البرجوازية الوطنية وكل القضايا المتعلقة بالنضال الوطني وبكل مايترتب عليه من حراك اجتماعي إنما هي مراحل وتحولات ضرورية للانتقال إلى مرحلة الاشتراكية ومن ثم الشيوعية فيما بعد وفق مفهوم الحزب الشيوعي وعليه يكون محمول الوطنية عبارة عن جسر للعبور نحو أهداف أخرى والوطنية بحد ذاتها وسيلة وليست غاية .

في واحدة من اكبر مشاكل الحزب الشيوعي العراقي هي حركته البند ولية بين تبعيتين الأولى مرجعيته الأممية وإطارها الايديولجي وكل إسقاطات (الماركسية-اللينينية) والثانية المحيط الحيوي ونقصد بها القضايا المحلية وكل حمولاتها الثابتة والآنية لقد كانت السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي وأولوياتها في العلاقات الدولية تشيح بضلالها على كل أحزاب الكومنترن وكانت هذه السياسة في كثير من الأحيان تحرج الأحزاب الشيوعية عندما تتناقض مع القضايا الوطنية والمحلية في محيط هذه الأحزاب المحلي مثلما حصل باعتراف الاتحاد السوفيتي بدولة إسرائيل مما وضع الأحزاب الشيوعية العربية في موقف لاتحسد عليه ودخول الاتحاد السوفيتي كحليف مع دول التحالف ضد دول المحور وهو الأمر الذي اجبر الحزب الشيوعي العراقي على تخفيف لهجة خطابه ضد الاحتلال البريطاني وحليفه الحكم الملكي في العراق , وفي أحيان أخرى كان دخوله في تحالفات سياسية مع أحزاب قومية وكانت مثل هذه التحالفات تقطع أنفاسه بحكم تناقض نهجه الاممي مع نهج هذه الأحزاب القومية .
وفي جانب أخر تنظيري انعكس على عمل الحزب وهو التزامه مبدأ المركزية الديمقراطية وخاصة بعد التأسيس الرسمي للحزب سنة 1935 , إذ إن هذا المبدأ وفق آليات العمل به يؤدي إلى الانفراد بالقرار وهو نفس الأمر الذي انتهى إليه النظام السوفيتي ونقصد النظام الشمولي وقد انعكس هذا المبدأ على العقل الجماعي للحزب إذ ارتبط القرار بشخص السكرتير العام أو مراكز القوى في اللجنة المركزية أو المكتب السياسي وهي أعلى سلطة في الحزب وهذا الأمر أدى إلى وقوع الحزب بأخطاء تاريخية مثلما كان ميل (فهد) إلى أن تكون اللجنة المركزية وقيادة الحزب من الكادحين من أبناء الطبقة العاملة فيما حاول إبعاد الموظفين والضباط والمعلمين عن المراكز القيادية وهذه الشرائح كانت بطبيعة الحال تمثل النخبة المثقفة والمتعلمة في العراق وكان لابد من إن تستلم زمام الأمور لاحقا رافق هذا الأمر الانقسامات والاختلاف في الرؤية .
لقد انسحب هذا الترهل في قيادة الحزب وضغط السلطة الحاكمة إلى طبيعة القرارات المصيرية وابعد الرؤية الواقعية في أحيان كثيرة وكان من القرارات المهلكة عندما ربط الحزب مصيره مع عبد الكريم قاسم وكان سقوطه مدعاة لتعرض الحزب إلى التنكيل رغم إن عبد الكريم نفسه كان قد انقلب على الشيوعيين في فترة حكمه الأخيرة بالإضافة إلى ارتباط (المقاومة الشعبية) بمآسي المجازر في كركوك والموصل في رحلة ( قطار السلام) المشؤمة وهو الأمر الذي بدأ يفكك عن الحزب الكثير من الجماهير ودخوله في صراعات ثأرية لاحقا مع البعثيين والقوميين .
ويبو أن سلسلة القرارات الخاطئة ضلت تلاحق الحزب ففي إحدى هذه القرارات وافق الحزب على الدخول في كمين أعده له حزب البعث حيث تلقى الحزب اكبر ضربة مست بنيته التنظيمية وحتى بعد سقوط الدكتاتورية ودخول الحزب للعملية السياسية اتضح انه لايملك الرؤية الواقعية للساحة العراقية ولا طبيعة التنافذ الإقليمي والدولي والصراعات الطائفية والاثنية والتي أثرت على حجم جماهيره المفترضة .
واعتقد أن على الحزب أذا أراد يستلب الجماهير وان يلعب دورا وطنيا عليه أن يتخلى عن أصنام الماضي سواء على المستوى الإيديولوجي أو الشخوص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس