الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبح التطرف في كردستان

خالد صبيح

2009 / 8 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كشفت انتخابات البرلمان ورئاسة الإقليم في إقليم كردستان العراق التي جرت يوم 25/7/2009 والنتائج التي تمخضت عنها والجدل السياسي والإعلامي الذي دار عنها وحولها، كشفت عن حراك سياسي واجتماعي جديد وضروري. وقدمت كذلك إلماحا إلى تحول يمكن أن يتطور وينحو منحى جذريا إذا ما اخذ افقه المفترض واستطاع النفاذ إلى ما هو أعمق. وقد جاء الإيذان بالتحول في وقت دخل فيه الوضع السياسي في الإقليم حالة من التكلس واصطبغ بصبغة حزبية إحادية الطابع. وهذا الإرهاص بالتغيير لم يكن بطبيعة الحال وليد الساعة فقد كانت ارض كردستان تضطرم به منذ زمن ليس بالقصير، وهو رغبة وتوق اجتماعي قد تشكلت خطوطه على أرضية الرفض لسوء الإدارة والتفرد الحزبي للحزبين النافذين فيه ولاستشراء الفساد الإداري وغيرها من المآخذ التي وسمت مسيرة الحياة السياسية والإدارية في إقليم كردستان.

والمتتبع يدرك بوضوح أن القوى الاجتماعية والسياسية المحركة لهذا الإرهاص هي قوى متنوعة وخليط واسع من اتجاهات وخلفيات عديدة. غير أن هذا الحراك الاجتماعي والسياسي يتهدده خطر داخلي هو العنصر المهيمن في إدارته. فرغم تعدد خلفيات العديد من المنتمين إلى حركة التغيير( وهذا اسمها الانتخابي) كبعض الماركسيين المتطرفين والقوميين المنسلخين من الأحزاب الرئيسية والكثير من المستقلين والساخطين على الأوضاع الجديدة إلا أن العنصر المهيمن على إدارة هذا التحرك هو شخصية السياسي الكردي البارز نو شيروان مصطفى وبقايا تنظيمه القومي المتطرف(عصبة كادحي كردستان)(كومه له).

طبيعة الخطر تكمن أولا في طبيعة شخصية نو شيروان مصطفى وفي تاريخه السياسي، وثانيا في الخلفية الفكرية والسياسية للمنشقين معه من تنظيم الاتحاد الوطني الكردستاني.

تميز (نو شيروان مصطفى) بين أقرانه السياسيين في المرحلة الجديدة بأنه لم يكن يميل إلى الظهور الإعلامي الصاخب، ولم يسعى للمناصب الحكومية وهي بمتناول يده واكتفى بدوره السياسي عبر مكانته الحزبية والسياسية، فبقي آمينا لتقاليد رجل الثورة بديلا عن رجل الدولة الذي انعطف إليه جل رفاقه. وبعد ابتعاده عن الاتحاد الوطني الكردستاني، وقبل خوضه للعمل السياسي عبر الانتخابات وتشكيله لقائمة مستقلة بمواجهة الأحزاب التقليدية القابضة على مقاليد السلطة والإدارة في الإقليم، كان قد اختار طريق الإعلام والعمل الفكري كشكل للممارسة السياسية. ولم يلتاث اسمه بأي فضيحة فساد مالي أو أخلاقي. ورضي مختارا بحياة منعزلة بعيدة عن الأضواء في الوقت الذي انهمك فيه زملاؤه من قادة الاتحاد بما وفرته لهم الحياة الجديدة من إغراءات استثمروها في نمط حياة خاص وباذخ مليء بالملذات ورغيد العيش وباستغلال مباشر وواسع لثروات المجتمع للمصالح الشخصية والعائلية كما فعل (جلال الطالباني) الذي وقع في فخاخ كل هذه المثالب. والأكثر إن (نوشيروان) حتى في مظهره الشخصي كان مختلفا ومغايرا للآخرين، فكان خفيض الصوت هادئ الطرح بسيطا في لباسه (شروال وقميص) الأمر الذي أضفى عليه قدر من الهالة المؤثرة والشجية وجعله مميزا بين غرمائه الذين يبدون مختنقين كمومياءات محنطة بلباسهم الرسمي بالغ الأناقة. وربما يكون هذا العامل الشخصي هو واحد من المؤثرات والدوافع التي دفعت المواطنين هناك لمنح صوتها إلى هذه القائمة.

لكن هذه الخصال الايجابية والجذابة، التي هي كل فضائل هذا الرجل، تسقط بدوي مكتوم وتتلاشى حينما نسترجع ماضيه السياسي ونكشف عن شخصيته الدموية المولعة بنزعة التدمير والتآمر وإثارة الأزمات.

لقد كان (نوشيروان مصطفى) طيلة نشاطه السياسي، كما يعرف هذا جميع من عاصر وتابع نشاطه السياسي والعسكري في الجبل، هو المسؤول الأول والمباشر عن كل جداول الدم التي أريقت فوق ارض كردستان. فهو الذي كان يدير ويؤجج كل المواجهات العسكرية مع أي طرف يختلف معه تنظيمه الحزبي، ـ أي جميع الأحزاب العاملة في كردستان ـ. واسمه ودوره كانا القاسم المشترك في كل فعاليات الدم والتوتر التي شهدتها مرحلة الكفاح المسلح، بل ودارت الشبهات والشكوك حول اسمه في أمر الإيقاع، لأغراض شخصية غامضة، بقادة العصبة المؤسسين( شيخ شهاب ودكتور آرام وأنور) الذين أعدمهم النظام ألبعثي أواخر السبعينات. وقد كرس متحالفا بعصبية حاقدة مع (جلال الطالباني) البراغماتي المتلون، كل عناصر الفكر المتطرف والاقصائي لكل من يحيط به سواء على مستوى تنظيمه الحزبي أو القوى السياسية الأخرى. فهو لم يكن ينظر إلى الصراع السياسي الداخلي، أو مع القوى القومية الكردية، وأبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني، على انه صراعا سياسيا، كما يفترض منطق الحياة والسياسة، قابلا للحل والمعالجة ما أن تتوفر الظروف الملائمة والنوايا الحسنة؛ وان المواقف في السياسة تتبدل مع تبدل الظروف، وإنما كان ينظر لهذا الصراع، بسبب من خلفيته الفكرية المترسبة من انتمائه وقيادته لتنظيم (العصبة) التي أسست منطلقاتها الفكرية والسياسية على تخوين ونبذ القوى الأخرى، على انه صراعا تناحريا واقصائيا لا يمكن إلا أن يؤدي إلى إنهاء احد الطرفين المتصارعين. ووفق هذا العقل وهذا المنطق كان يعمل (كاكه نه وه) طوال نشاطه السياسي على فكرة تصفية الخصوم من أي ارض أو موقع يكونون فيه. هكذا فعل مع الحزب الشيوعي العراقي في معركة بشتاشان، ومع الحزب الاشتراكي وحزب الباسوك في مناسبات مختلفة، ومع الإسلاميين وحتى مع مجموعة( ئالاي شورش) المنشقة عن تنظيمه الحزبي (العصبة) عندما حاول تصفية قائدها (ملا بختيار) رفيقه في التنظيم والقيادة، واعتقال ومطاردة مجموعة هذا الانشقاق.( لهم بيان نشروه عام 1989 بينوا فيه هذه التفاصيل.)

وعرف عنه أيضا بأنه شخصية رجراجة زئبقية لن يستطيع المرء أن يفهم منه ماهيته، فهو وعلى نسج ملهمه ومعلمه وراعيه، (جلال الطالباني)، قبل أن (ييبس الثرى بينهما)، يقول الشيء ونقيضه في الآن ذاته، ويكذب بطريقة فجة وبدم بارد كما يفعل حين يصفي خصومه. وقد بلغ به الأمر ليس إلى نكران المآسي الدموية التي وقعت فيما اصطلح عليه باقتتال الأخوة وإنما إلى تنكره، وهذا أمر غريب للغاية، حتى لانتمائه للعصبة التي قادها سنوات طويلة وكان احد مؤسسيها.

اكاد اجزم انه لو آلت أمور الإقليم ليد هذا الرجل وتنظيمه لما توانوا عن تفجير العنف وإسالة الدماء من جديد.

أما بقايا تنظيم (العصبة)، ـ لأنه قام بحل هذا التنظيم في أواسط التسعينات ـ، فقد اخذوا يمارسون حضورهم داخل حركة التغيير الجديدة بطريقة تبغي فرض الهيمنة على منطلقات وآفاق الحركة وذلك باستعادتهم لمفردات وأفكار التأسيس، تأسيس العصبة، الاقصائية التي قامت على فكرة ملء الفراغ الذي نشا بحسب رؤيتهم عن انتكاس الحركة المسلحة الكردية بعد اتفاق الجزائر عام 1975، وبعد انسحاب الحزب الشيوعي العراقي إلى ضفاف النظام بانضمامه للجبهة التي عقدها مع البعث. وفكرة ملء الفراغ وما يلحقها من مرادفات: الضرورة التاريخية والبديل الثوري الحقيقي وغيرها، هي فكرة ذات نزوع فاشي تفترض فراغا وانحرافا في واقع مهزوم ومدقع سوف يملأه من رصده القدر والتاريخ لهذا الدور. والتلبس بهذه الفكرة شيء يشبه المرض العضال لا خلاص منه ولا فكاك من تبعاته. وهي تتلبس المرء أو التنظيم السياسي مرة واحدة والى الأبد فتخضعه لنظرة ميتافيزيقية عن الواقع وعن ألذات تحيلهما كليهما إلى تجريدات لا حياة لها ولا وجود إلا بقسر الواقع وتطويعه بطريقة تعسفية لصالح الفكرة السرمدية عن البطل المخلص. وهي ذات الفكرة التي أورثت العراق تجارب إنسانية وسياسية قاسية ومريرة في حكم نظام (صدام حسين). ولا أظن أنها محض مصادفة أن عصبة كادحي كردستان قد ولدت على هامش الزمن الراديكالي بتجلياته القصوى والأكثر تطرفا في صورة نظام البعث في أواسط السبعينات. وأبناء العصبة يسترجعون الآن، بنفس نوستالجي، طرح ذات الفكرة مستهدفين مصادرة الديمقراطي الكردستاني دون تسمية صريحة، مستعيدين ذات المفردات واللغة الاقصائية التخوينية، مغيبين بذلك أي اثر لتاريخية الحركة القومية الكردية كحركة سياسية قابلة لتجاوز واقعها السلبي. وهاهم يسعون عبر كتابات ومطالبات، تفترض أحقيتهم بقيادة الحياة السياسية في الإقليم، تعيد الحياة للنزعة العدوانية القديمة بتخوين وإدانة الآخرين وتذكي غرائز العنف، وكأن الحياة السياسية غير ممكنة لهم مع وجود غيرهم، وكأن كل متغيرات الحياة والفكر والسياسة غائبة عن رؤيتهم وتقييمهم للآخرين.

المجتمع الكردي بقواه الحية: سياسيون ومثقفون، وبعموم وعيه الشعبي، يدرك بمستويات مختلفة هذه الخلفيات والدوافع الخفية التي تحرك نوشيروان ورهطه. وهو يعرف أن هؤلاء هم جزء من السلطة وركن متين من أركانها، وإنهم يركبون الموجة قاصدين العبور بمواقف المعارضة النقية هذه إلى مقاصد تحرفها عن طريقها، وهنا يكمن مقتل نامة التغيير وقوى التغيير ورهاناته. لكن طبيعة الظروف فرضت على المجتمع قبول هذه المساومة المفروضة بإعطاء صوته لرجل وجماعة هم من صلب النظام السياسي والحزبي في الإقليم، ولهم سوابق مؤذية على المجتمع تضاهي إن لم تزد عن ما تمارسه أحزاب السلطة الآن. هذه الظروف قد تعيد الأوضاع بالإقليم إلى عنق الزجاجة، أو بالاحرى تبقيها فيها فهي لم تكد تخرج منها بعد. واصل العلة في إبقاء الأوضاع على ما هي عليه من التكلس والتردي وحالة الالتباس التي أدت إلى استيلاد البدائل من ذات منظومة السلطة هو غياب وعدم بلورة تيار وطني يتجاوز باطروحاته وبرامجه كل من القوى الحاكمة ومن القوى التي تنبثق منها وتطرح نفسها بديلا.
فهل ستسمح هذه القوى لدموية (نوشيروان) وتطرفات عصبته أن تستحوذ على المشهد وتصادر هذا الصوت الشعبي النقي أم أنها تستطيع أن تحيده، إن لم تستطع أن تجرفه بتيارها؟!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - not correct
abas ( 2009 / 8 / 9 - 20:48 )
KOREK= komele rengderani kurdistan was in fact a MARXISTIC -LEFTIST hard line organisation and not nationalistic , just for your information sir. thanks


2 - تحليل صحيح
fuad ( 2009 / 8 / 9 - 22:25 )
نعم ما تقوله صحيح ولكن الشعب الكوردي يدرك هذا فيما اعتقد

اخر الافلام

.. تزايد اهتمام المغرب وإسبانيا بتنفيذ مشروع الربط القاري بينهم


.. انقسام داخل إسرائيل بشأن العملية العسكرية البرية في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يصدر مزيدا من أوامر التهجير لسكان رفح


.. تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على وسط قطاع غزة




.. مشاهد لعاصفة شمسية -شديدة- ضربت الأرض لأول مرة منذ 21 عاماً