الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة السياسية ومأزق الممارسة السياسية/الدينية (الجزء الرابع)

سامر أبوالقاسم

2009 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


إن هذا السلوك الأرعن، غير منضبط للمعايير والمقاييس الأخلاقية، التي يقتضيها التنافس السياسي الشريف المأمول، والتي يتطلبها هدف تخليق الممارسة السياسية ببلادنا، وتخليصها من كل أنواع الحقد والكراهية والإقصاء، كما يفرضها الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي المعتدل والمتضامن والمتسامح كما ألفه المغاربة أبا عن جد، بالنظر إلى ما يتضمنه من نعوت وأوصاف مشينة، وأشكال وأنواع من السب والشتم. وهو سلوك علاوة على كونه لا يخرج عن "الخط السياسي/الديني" العام للـ"الحزب الدعوي" للعدالة والتنمية، الكامن في ممارسة كافة أشكال "الجهاد" من أجل إخراج المجتمع من "جاهليته"، ومن أجل إقصاء فاعليه السياسيين والاجتماعيين "المارقين"، فهو يطرح أكثر من علامة استفهام حول خلفياته السياسية/الدينية الآنية، وهو ما سنعمل على تفصيل القول فيه لاحقا.

إن الهجوم الخطابي العنيف الذي قام به هذا "الحزب الدعوي" على حزب الأصالة والمعاصرة مؤخرا، ومن خلاله على كل قوى التنمية والديمقراطية والحداثة، ليشكل تعبيرا قويا على الرغبة في تقويض كل أشكال البناء المأمول للمسار الديمقراطي الذي يعرفه المغرب في هذه المرحلة بالذات، وتجسيدا عمليا لغياب الجانب الأخلاقي والمسلكي لهذا "الحزب الدعوي"، وتمثلا لأبشع الطرق والوسائل لمسخ الشخصية المغربية في بعدها القيمي والأخلاقي الإسلامي، وإعلانا من هذا "الحزب" عن فشله في العمل على التأقلم مع الحياة السياسية المغربية.

فالمساهمة في تخليق الحياة العامة ـ حسب المتوفر من واقع الأداء الميداني ـ لا يمكن لهذا "الحزب الدعوي" أن ينظر إليها أو أن يمارسها، إلا من خلال ممارسة "معارضة" كل ما لا ينسجم مع طريقة تدينه. والممارسة السياسية، لا يستسيغها إلا عن طريق تقديم المتفيقهين كـ "نموذج" لرجال السياسة... وأمام هذه الظاهرة "السياسية/الدينية" المستوردة والدخيلة عن نمط عيش المجتمع المغربي، سواء في الشق السياسي أو الشق الديني، سنبقى أوفياء لطرح التساؤل التالي: هل يمكن للدين أن يشكل مرتكزا ناظما للممارسة السياسية؟

ولعل الخطأ الاستراتيجي، في اعتقادنا، الذي يدفع هذا "التنظيم" إلى السقوط في مثل هذه السلوكات المشينة والغريبة الأطوار على مستوى الأداء السياسي، يكمن في خلطه بين المجال الديني الذي يقوم على منطق دعوي؛ تعليمي وتأطيري، على مستوى التعريف والتذكير بتعاليم الدين الإسلامي، وهي مسئولية العديد من المؤسسات التي تدخل في مجال الحقل الديني، وبين المجال السياسي الذي يقوم على منطق تعبوي؛ توجيهي وتنظيمي وتمثيلي، على مستوى تنظيم طرق العيش والعلاقات الناظمة بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، وهي مسئولية الأحزاب والنقابات وإطارات المجتمع المدني.

وهذا بالضبط ما عبر عنه الأمين العام لـ"الحزب الدعوي" عبد الإله بنكيران، في هجومه العنيف بمكناس، حين قال: «نحن مجموعة من الناس جمعهم الله منذ 25 أو 30 عام على محبة الله.. كانوا يقرأون القرآن والحديث الشريف ويستقيمون قدر المستطاع، وفي لحظة معينة قلنا إننا لن نقتصر على الدعوة، لابد من أن نشارك بلادنا القرار السياسي، أو بدينا هاد السياسة على الله»، فتصريحه هذا، علاوة على كونه يقر بأن الأمر لا يتعلق سوى بجماعة كانت تقرأ القرآن والحديث الشريف فقط دون الاشتغال على العلوم الشرعية كتخصص، و"ارتأت" أن تمارس العمل الدعوي، فقد "تراءى" لها أن تمارس العمل السياسي بإعلان الرغبة في المشاركة في القرار السياسي، لكنها عزمت و"أوكلت أمرها في ذلك إلى الله"، هكذا وبكل بساطة.

فلا هي بالفئة المتخصصة في ممارسة العمل الدعوي، باعتبار أنها تشتغل فقط على قراءة القرآن والحديث الشريف، دون أن ترتبط بالتفقه في علوم الدين كشرط للقيام بالمهام والوظائف التي يقتضيها العمل الدعوي، وهذا حال من يسموا عندنا بـ"الطُّلْبَة"، ولا هي بالفئة المتفرغة للعمل السياسي، باعتبار أنها لا تفقه في علوم السياسة ولا في أدبياتها وتجارب الشعوب في ممارستها شيئا، وإنما "أوكلت في ذلك أمرها إلى الله". فأصبح أداؤها مرتبطا بالاستقطاب المرتكز على القرآن والحديث الشريف ـ الذي أعطى بعض النتائج على مستوى ضمان التمثيلية النسبية بالنظر إلى مجموعة كبيرة من المشاكل التي يتخبط فيها الأداء السياسي والتنظيمي للأحزاب والنقابات وإطارات المجتمع المدني ـ لكن، دون أن يرقى هذا الأداء إلى مستوى القدرة على تأطير وتوجيه وتنظيم جموع المنتسبين إلى هذا "الحزب" سياسيا، وهو ما زاد الحياة السياسية تعقيدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدمة في طهران.. لماذا يصعب الوصول لطائرة رئيسي؟


.. نديم قطيش: حادث مروحية رئيس إيران خطر جديد على المنطقة




.. البحث مستمر على طائرة رئيسي.. 65 طاقم إنقاذ وكلاب خاصة| #عاج


.. تحديد موقع تحطم طائرة رئيسي -بدقة-.. واجتماع طارئ للمسؤولين




.. مسيرة تركية من طراز- أكنجي- تشارك في عمليات البحث عن مروحية