الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الشأن العراقي ومستلزمات الحل

طلال احمد سعيد

2009 / 8 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بعد انهيار الامبراطورية العثمانيه قامت الدولة المنتصرة بريطانيا بتأسيس حكم ملكي وطني في العراق ، ونصبت له الملك فيصل الاول وذلك عام 1921 , وقد ارتبط الحكم المذكور بمجموعه معاهدات مع الجانب البريطاني اكدت بقاء السيطرة الاجنبية على البلاد ، ومع ذلك فقد عمل الملك الجديد على توطيد اركان الدولة الملكية الحديثة وقام باصلاحات وانجازات عديدة بغية النهوض بالعراق بعد ان ظل(400) عاما تحت السيطرة العثمانيه .
توفي الملك فيصل الاول عام 1933 وعلى اثر ذلك تعرض العراق لحالة من عدم الاستقرار فحصلت تمردات في الجنوب والشمال قمعها الجيش العراقي ثم مالبث الجيش نفسه ان نفذ انقلابا على السلطة 1936 ، وقد ايدته القوى الوطنيه مثل جماعه الاهالي ثم سحبت تايدها بعد فشل الانقلاب في تحقيق اهدافه وقد انتهى ذلك الانقلاب بمقتل زعيمه بكر صدقي . في تلك الفترة اندلعت الحرب العالمية الثانية فكان العراق احد مراكز التواجد العسكري البريطاني في المنطقة , فتعاضم الشعور الوطني بضرورة التخلص من المستعمروبدعم من دول المحور قام بعض الضباط بحركة انقلابية عام 1941 سرعان مافشلت واعادت بريطانيا احتلال العراق بشكل رسمي , وعاد الزعماء السياسين المحافظين الى الحكم برعاية الحراب البريطانيه . فتازم الوضع السياسي ونشطت الاحزاب والقوى الوطنيه في النظال ضد النظام وقامت العديد من الحركات الشعبية والجماهيرية المناهضة للسلطة مثل وثبة عام 1948 وانتفاضة عام 1952 والتحرك الجماهيري عام 1956 ومن ثم جاءت ثورة 14 تموز 1958 التي لم تعش سوى 4 سنوات فسقطت عام 1963 بفعل التأمر الداخلي والخارجي ثم قتل الزعيم عبدالكريم قاسم , وهذا الانقلاب الجديد لم يكمل سنه واحدة من عمره حتى اجهز عليه العقيد عبد السلام عارف وعاد حزب البعث العربي عام 1968 الى السلطة بأنقلاب نفذه بمعاونه بعض ضباط الحرس الجمهوري , وشهد العراق خلال فترة السبعينيات بعض الاستقرار والانتعاش الاقتصادي ثم مالبث ان تسلم السلطة العليا في البلاد صـــدام حسين عام 1979 وكانت باكوره اعماله مذبحة نفذها ضد رفاقه من قيادات الحزب ثم زج العراق بحروب متوالية انهكت قواه ودمرت كل شي .
انا لست بمؤرخ ولا اريد ان اكتب تاريخ العراق الحديث ، الا اني اردت ان اؤكد ان العراق ضل بلدا مضطربا بعيداعن الاستقرار منذ تولي الملك فيصل الاول العرش حتى سقوط نظام صدام حسين . وكانت ابشع تلك الفترات هي حكم البعث بين الاعوام 1968 – 2003 ذلك الحكم الذي ادى الى تهديم كل البنى والمنجزات واعاد الشعب العراقي الى حالة فريدة من الفقر والعوز والتشرد ، وازاء ذلك الوضع كان لابد ان تكتب نهاية لذلك الحكم وبدلا من ان يحصل التغيير عن طريق الشعب العراقي نفسه فقد حصل عن طريق القوات الاميركية التي احتلت البلاد في 9-4-2003 واسقطت النظام الصدامي .
تطلع الشعب العراقي الى اقامة ديمقراطية حقيقية بديلة عن الحكم الدكتاتوري السلطوي الذي دام اربع عقود واستقبل العراقيون القوات الاميركية بكثير من الحذر والتردد واعلن الاميركان منذ البداية انهم جاءوا لتقديم المساعدة في اقامة نظام يمقراطي تعددي حديث .

لقد وجد العراقيون انفسهم امام خيار الانتقال من النهج الدكتاتوري الى النهج الديمقراطي وهذه العملية رافقتها جملة اخطاء حصلت عندما عملت الولايات المتحدة على اجراء التحول بوتائر سريعه غير مسبوقة وقد فاتها ان الشعب العراقي يجهل الطريق الى صناديق الاقتراع وكانت النتيجة هوس سياسي افتعلته الاحزاب الدينيه التي دخلت العراق بقطار امريكي وعملت للسيطرة على الشارع العراقي عبر شعارات اثنيه وطائفية وكان لها ما ارادت بسبب خلو العراق من اية نشاطات وطنيه وتقدمية . وسرعان ما انتشرت رايات جديدة تفوح منها رائحة الحقد والكراهية ودخل العراق خندقا اخر اشد خطورة وقساوة ودموية من الخنادق السابقة وتاجج الصراع الطائفي والقومي على ابشع صوره وانقسمت البلاد بشكل مأساوي الى مكومات ثلاث شيعيه وسنيه وكردية ومن هنا انطلقت العملية السياسية لرسم طريق مظلم امام العراق الجديد , وتمخضت العملية هذه عن انجازات ثلاث هي الدستور الدائم والمجلس النيابي والحكومة العراقية المنتخبة .
في عام 2005 شرع الدستور وكان سببا في المزيد من الصراعات بين مكونات الشعب العراقي وقد فشل في بناء اسس الدولة الديمقراطية وكرس لبناء دولة دينيه بأطار ديمقراطي مزيف واهمل الوصف الحقيقي للهوية العراقية باعتبارها هوية عربية وان العراق جزء من الامة العربية . لقد نصت الفقرة الخامسة من المادة (4) من الدستور على ان يكون لكل اقليم او محافظة حق باتخاذ اية لغة محلية اخرى لغة رسمية اضافية وهذا يعني ان العراق سوف يتعامل بالغة العربية والكردية والتركية والفارسية والكلدانيه والاشورية والارمنيه وغيرها ، ولقد منح الدستور عناية فائقة بالكيانات الدينيه وكفل حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينيه التي اصبحت الممارسة الوحيدة التي تشغل بال الحكومة العراقية والحكومات المحلية بقصد الحماية والتشجيع مما اثر على وتائر الحياة والعمل في البلاد وعطل الجهد والنشاط الاقتصادي ليزيد العراق تخلفا . وبقدر اهتمام الدستور بمسالة الشعائر الدينيه ودور العبادة وغيرها فقد اهمل التاكيد على بناء المؤسسات الاجتماعيه والثقافية والاقتصادية وغيرها .
لقد افرد الدستور العراقي بابا خاصا لما اسماه الاقاليم وهو تعبير غريب لاينطبق على العراق انما يشمل دولا كبيرة مترامية الاطراف مثل روسيا والهند ونيجيريا والولايات المتحدة وغيرها فالعراق بلد صغير وليس بحاجة لمثل هذه المشاريع وقد بات جليا ان القصد من ذلك هو تقسيم البلاد حسب المقومات الطائفية والقومية التي اشرنا اليها سابقا . والامر العجيب الاخر الذي تطرق اليه الدستور هو ماسمي بالمناطق المتنازع عليها ونحن كعراقيين لم نسمع في حياتنا ان هناك نزاعا نشب في خانقين ومندلي وسنجار وعقرة وغيرها فالعراق بلد واحد وكلمة المتنازع عليها غائبة اصلا عن هذا البلد وهي قد تحمل وصول النزاعات الى الصدام المسلح ( لاسامح الله ) وان الكثيرين من العراقيين مصابون بالدهشة جراء ذلك وهم يجدون مثل هذه المدن تعيش متأخية منذ ان خلقت .
الانجاز الثاني للعملية السياسية كان انتخاب المجلس النيابي الذي جاء صورة صادقة لنفس مكونات الخندق الذي حشر فيه العراقيين فالمجلس اصبح ساحة للصراعات السياسية والطائفية والقومية ، فعجز عن القيام بواجباته والمجال الوحيد الذي حقق نجاحا فيه هو اقرار الرواتب والمخصصات والمزايا التي يتمتع بيها اعضاؤه على حساب الشعب العراقي . الكثير من القوانين التي تنتظر التشريع ظلت قابعه في ادراج المجلس حتى اللحظةومن اهمها قانون النفط والغاز واعضاء المجلس يعرفون جيدا ان العراق يعيش اقتصادا احادي الجانب وذلك باعتمادة على ايرادات النفط لتمويل الميزانيه العامة للبلاد ومجلس النواب ضرب مثلا فريدا في عرقلة الجهود لتطوير ودفع العملية النفطيه الى الامام فقد اخر عن عمد اقرار قانون النفط وابقاه في ادراج المجلس اكثر من سنتين وهذه باعتقادي مسؤولية تاريخية يتحملها اعضاء مجلس النواب الحالي . والملفت للنظر ان المجلس لم يكتفي بذلك انما ثارت ثائرة اعضاؤه عندما منحت الحكومة عقدا نفطيا لاحدى الشركات الاجنبيه ضمن ما سمي بجولة التراخيص الاولى ، ويخيل الي ان المجلس يطالب الحكومة بان تحيل اليه هذا العقد كي يمزقه ويبقي العملية الانتاجية للنفط على حالها والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يهدف مجلس النواب من كل ذلك .
قبل ايام اعلن مجلس النواب تمتعه بعطلة الفصل التشريعي الاخير التي تستمر حتى الربع الاولى من شهر ايلول القادم ،وقد اهمل المجلس اقرار مجموع منها :
قانون اعادة البنى التحتيه ، والاتفاقية العراقية البريطانيه , وقانون النفط والغاز ,وقانون الانتخابات ، وقانون الاحزب ،و قانون الميزانيه التكميلية للدولة . فضلا عن ترحيل موضوع تعديل الدستور الى المجلس النيابي القادم .
الانجاز الثالث للعملية السياسية هو تشكيل حكومة منتخبة من مجلس النواب وفقا للاعراف الديمقراطية وقد شكلت الحكومة على نفس الاسس التي تشكل فيها البرلمان اي وفق المحاصصة الطائفية والعرقية لذلك فهي لم تحقق الكثير لحل المشاكل المتفاقمة في البلاد مثل مشكلة الخدمات والبطالة والفساد الاداري والمالي ومشكلة المهاجرين والحدود والمياه وقد فشلت الحكومة بامتياز في تحريك العجلة الاقتصادية المهشمة فالزراعه والصناعه لم تتقدم خطوة واحدة والشعب العراقي بشكل عام ظل يعيش وضعا مزريا يتطلب الانقاذ السريع ، وقد فشلت الجهور لجلب الاستثمارات الاجنبيه بسبب تعثر الوضع وعدم وضوح الرؤيا لمستقبل البلاد . ملايين العراقين هم من الموظفين والجنود والشرطة يعيشون على رواتب الدولة التي تدفع اليهم من واردات النفط , وهذا الوضع في غاية الخطورة اذ يستدعي الامر تنشيط القطاعات الاقتصادية الانتاجية المختلفة العامة والخاصة والمختلطة من اجل دفع عجلة الاقتصاد الى الامام وتحقيق مردودات جيدة للدخل القومي العام .
لقد اعلن قبل فترة ان البنيه التحتيه للعراق بحاجة الى (400)مليار دولار وهذا المبلغ كبير جدا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان واردات النفط وفق معدلات الانتاج المحالية واسعاره السائدة لاتتجاوز ( 60) مليار دولار سنويا وهذا يعني ان العراق في مأزق كبير يتطلب جهودا للخروج منه .
العراق مقبل على انتخابات عامة جديدة بداية العام القادم وهذه الانتخابات ستقرر مستقبل البلاد بشكل اكثر وضوحا ومن المؤلم ان نجد الجماعات السياسية المسؤولة عن تردي الاوضاع والتي فشلت في ادارة الحكم تسعى الان لاعادة تنظيم صفوفها وخوض الانتخابات بثوب وطني وهي نفسها التي قادت الجهد الطائفي ومازالت كذلك .
ان الامال المعقودة على الانتخابات المقبلة كبيرة ولابد ان يقرر الشعب العراقي من هم ممثليه الحقيقين بغية تعديل المسار ووضع العراق في موقعه الصحيح بعيدا عن الولاءات الدينيه والطائفية . وتقع امام مجلس النواب القادم مهمات كبيرة اهمها التاكيد على هوية العراق الحقيقية ثم الاعلان عن الدولة العراقية المدنيه وتعزيز وحدة العراق ارضا وشعبا والتمسك بالنهج الديمقراطي الحقيقي ولعل من اهم ما ينتظره الشعب من المجلس و الحكومة القادمة وضع خطة طموحة واضحة ومدروسة للنهوض بالاقتصاد العراق في كافة المجالات وتشريع القوانين الرادعه لحماية الشعب العراقي من الجماعات المخربة وفي سبيل القضاء على كل اوجه الفساد الاداري والمالي المنتشر في البلاد بشكل غير مسبوق ضمن تاريخة الحديث .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز