الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر فتح السادس: نهج التسوية السياسية هو الخيار الاستراتيجي المشحون بثوابت الحقوق الوطنية!

احمد سعد

2009 / 8 / 11
القضية الفلسطينية


أخط هذه الكلمات صباح يوم السبت الثامن من شهر آب، وفي وقت لم يختتم فيه بعد المؤتمر السادس لحركة "فتح" المنعقد على أرض الوطن المحتل في مدينة بيت لحم، حيث جرى تمديد عمل المؤتمر بيومين اضافيين. وتمديد السقف الزمني لعمل المؤتمر يعكس حقيقة، أن المؤتمر السادس، من ناحية تنظيمية – سياسية، يعتبر مؤتمرا غير اعتيادي، أشبه ما يكون بمؤتمر طارئ، جرى من خلاله، وفي الإعداد له اختراق وتجاوز العديد من المسلمات التنظيمية المتعارف عليها في تنظيم مؤتمر قطري لأي جسم سياسي. ولعل الحالة غير الطبيعية، الوضع المأساوي الذي يمر به الشعب الفلسطيني والكفاح الفلسطيني قد عكسا أثرهما على هذا المؤتمر غير الاعتيادي لحركة فتح. ولا يقتصر الأمر على أن هذا المؤتمر عقد بعد عشرين سنة من المؤتمر الخامس، بل كذلك فان هيئات "فتح" القيادية – اللجنة المركزية والمجلس الثوري – لم تعدّ تقريرا خاصا بالمؤتمر، واعتبر خطاب الرئيس الفلسطيني ورئيس فتح محمود عباس بمثابة التقرير السياسي التنظيمي للحركة. هذا إضافة إلى العدد الضخم والمضخّم للمندوبين المشاركين في المؤتمر، حيث يشارك ألفان ومئتان وأربعون مندوبا ( 240 ) ، بينما شارك في مؤتمر الحركة الذي عقد في تونس سنة 1989 على الأكثر ألف وثلاثمائة مندوب. لكن، رغم هذه الخروقات التنظيمية، تبقى القضية الجوهرية والأهم تتعلق بالمدلول السياسي لهذا المؤتمر، وما يتمخض عنه من قرارات سياسية وتنظيمية، ومدى فعالية هذه القرارات في دفع عجلة الكفاح الفلسطيني من اجل التحرر والاستقلال الوطني ومواجهة مختلف التحديات المصيرية.

لن أتطرق في سياق معالجة اليوم الى تلخيص وتقييم قرارات مؤتمر فتح وما تمخّض عنه، لكنني سأركّز على بعض القضايا الجوهرية التي تطبع بميسمها سير أعمال مؤتمر فتح.



* المهمة الأساسية لهذا المؤتمر:إن أجندة مؤتمر فتح السادس، كباقي مؤتمرات مختلف الأحزاب، تتضمن اعمال وجملة من الأهداف التي تطرح لمواجهة مختلف القضايا والتحديات والتصدّي لها في الظرف الزماني الذي يعقد فيه المؤتمر.لكن من بين هذه الأهداف والتحديات يركّز المؤتمر على هدف مركزي، أو مهمة مركزية، يجري عمليا توظيف مختلف الأهداف والتحديات في صالح هذه المهمة وهذا الهدف المركزي. فعقد هذا المؤتمر من حيث الموعد الزمني المحدد، ومن حيث الحيّز والظرف المكاني المحدد، لم يكن وليد صدفة أو لمجرد رغبة شخصية لدى بعض قادة فتح، وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بل تنطوي على دوافع ومدلولات سياسية تصب في خدمة القضية الوطنية العليا للشعب العربي الفلسطيني، قضية تحررّه من قيود الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي ومن مآسي الشتات ألقسري، وانجاز حقه الوطني المشروع بالحرية والدولة والقدس والعودة.

برأينا إن الدافع الأساسي لعقد هذا المؤتمر ومهمته الأساسية والمركزية يتمحوران حول بلورة الموقف السياسي الحكيم لهذه الحركة النضالية – فتح، المشهود لها في قيادة حركة التحرر الوطني الفلسطيني وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بلورة الموقف السياسي الذي يتكيّف مع متطلبات وتحديات المرحلة الراهنة، بدون التفريط بأي من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف. كيفية التكيّف مع المتغيرات والمستجدات على الساحة الدولية، وخاصة تحديات مشروع "التسوية السلمية" و"السلام الإقليمي" الذي تطرحه إدارة أوباما من خلال شعار التسوية على أساس الدولتين، إقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، وتعيش بسلام مع إسرائيل دون تحديد صلاحيات وحدود هذه الدولة ومدى استجابتها لمختلف ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية. فعلى حركة "فتح" التيار القيادي الفلسطيني في السلطة الوطنية وم.ت.ف وبين الشعب الفلسطيني أن يحدد الموقف ولا مهرب من ذلك. وحتى يكون هذا التكيّف ناجعا وفي خدمة الحقوق الوطنية الفلسطينية، يجب على حركة فتح ومؤتمر فتح مواجهة وتخطي التحديات الكبيرة والهامة الأخرى. وفي مقدمة هذه التحديات، إعادة ترتيب وتنظيم "البيت الفتحاوي"، حل المشاكل الداخلية بشكل دمقراطي بالمساءلة والمحاسبة وليس بتصفية الحسابات وقطف الرؤوس، وبشكل يقوّي العمود الفقري للصمود الوطني الفتحاوي والفلسطيني، كما يقف في طريق فتح والشعب العربي الفلسطيني التحدي المصيري، بأن يتجاوزا حالة الانقسامين المأساويين، بين فتح وحماس وبين الضفة والقطاع، وعلى قيادة حماس في قطاع غزة، والضفة والخارج، أن تدرك بأنّ ازدواجية السلطة، سلطة حمساوية في القطاع وأخرى بقيادة فتح في رام الله، مصيرها دفن السلطتين ومعهما الحق الوطني الفلسطيني، الممهور بأرواح الشهداء وبمعاناة الشعب الفلسطيني لعشرات السنين، وبالحق في الحرية وتقرير المصير، وبإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين.

لا مفر من مواجهة تحديات المخططات التآمرية الإسرائيلية الهادفة إلى تصفية ودفن الحق الوطني الفلسطيني، ومن مواجهة المشروع الأمريكي لإدارة أوباما الذي ينتقص من ثوابت الحقوق الوطنية، فلمواجهة هذه التحديات ولكسب الرأي العام العالمي لا بدّ من إنجاح الحوار الفلسطيني، لإعادة اللحمة إلى الوحدة الوطنية، والوحدة الإقليمية بين جناحي الوطن في الضفة والقطاع، وحدة متمسكة بثوابت الحقوق الشرعية وبمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب العربي الفلسطيني.

هناك قوى حاولت كثيرا التضليل والتشكيك والطعن في فتح وفي قادة فتح وخاصة الرئيس محمود عباس، وكأن هذه الحركة وقادتها قد تخلوا، وحتى خانوا الحق الوطني الفلسطيني بالمقاومة وبخيار الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي وأذرعه الاستيطانية. هذا ما تروّج له حماس ويعمل المحتل الإسرائيلي، وراقصو هز الخصر، من دواجن العرب في حلبة الرقص الأمريكية، على تسويقه، لتشويه حقيقة الموقف الوطني لحركة فتح وللرئيس محمود عباس.

مختلف حركات التحرر القومي والوطني تمر بمراحل وبأشكال متعددة من المقاومة الوطني، التي تحدد نوعها وخياراتها ظروف الصراع وقوى الصراع وتوازن القوى في كل ظرف زماني من المسيرة الكفاحية.

أحيانا يكون الكفاح المسلح الوسيلة الوحيدة والخيار الوحيد للمقاومة الوطنية لانجاز حقها المشروع في طرد المحتلين والتخلص من دنسهم. والكفاح المسلح ليس هواية بل هو وسيلة سياسية لها أصولها لتحقيق أهداف سياسية تحررية. لكن إذا قاد الكفاح المسلح للمقاومة إلى تحقيق وقائع جديدة ومعطيات جديدة تجعل المجرم المحتل يرضخ للواقع "مكرها أخاك لا بطل" ويستعد للتفاوض مع المقاومة، فهل على القيادة الوطنية أن ترفض خيار المفاوضات السياسية وتتمرس حول خيار الكفاح المسلح؟! المنطق الحكيم يتطلب من ناحية تكتيكية وإستراتيجية أن تخوض القيادة الوطنية للمقاومة ساحة الصراع السياسي حول طاولة المفاوضات، لكن دون التخلي عن خيار الكفاح المسلح أو التنازل عنه، بل إبقاء هذا الحق الشرعي كوسيلة ضغط ضد المحتل في حالة فشلت فيها المفاوضات السياسية ولم تلب المطالب الشرعية الوطنية. وقد جرّبت فتح والحركة الوطنية الفلسطينية أشكالا وأنماطا متعددة من المقاومة الوطنية. ولا احد يستطيع أن يزاود على فتح في موضوع خيار الكفاح المسلح، فقد كانت رائدة في خوض غماره، لكنها مع غيرها من قوى المقاومة الوطنية خاضت بشكل إبداعي خيار المقاومة الشعبية ضد المحتل في انتفاضة الحجارة، والعصيان المدني، المعتمد على أوسع مقاومة جماهيرية ووحدة صف كفاحية ضد المحتل. كانت الانتفاضة الشعبية القابلة لاتفاقات ولقيام السلطة الوطنية الفلسطينية على جزء من الأرض المحتلة، وعودة خالد الذكر الرئيس ياسر عرفات إلى ارض الوطن. وجرائم المحتل الذي ارتكب مجزرة القدس والاقصى فجّرت الانتفاضة الثانية المسلحة. واليوم يخوض الشعب الفلسطيني المقاومة الشعبية في بلعين البطلة وغيرها. هناك خيارات متعددة دون إسقاط خيار الكفاح المسلح أو التفريط بأي من ثوابت الحقوق الوطنية. وهذا ما برز في مؤتمر فتح، ففي خطابه في افتتاح المؤتمر أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس "إننا في الوقت الذي نؤكد فيه اعتمادنا خيار السلام والتفاوض على قاعدة الشرعية الدولية نحتفظ بحقنا الأصيل في المقاومة المشروعة التي يكفلها القانون الدولي"!

وردا على جميع المشككين بوطنية حركة فتح والرئيس محمود عباس، فقد قطع الرئيس محمود عباس واللجنة التي أعدت اقتراحات قرارات عرضه على المؤتمر، قطعوا الشك باليقين، وبوضوح كالشمس، جرى تحديد الموقف السياسي المتمسك بثوابت الحقوق الوطنية والرفض القاطع للاملاءات والشروط التعجيزية الاسرائيية، رفض الشرط الإملائي الذي يطالب الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة الشعب اليهودي، الذي يصادر عمليا حق العودة للاجئين وحق المواطنين العرب في إسرائيل في الوطن والمواطنة ويشرعن الترانسفير للعرب. رفض الاستيطان وتجميد جميع أشكاله كشرط لاستئناف المفاوضات حول التسوية النهائية مع المحتل. رفض تهويد القدس الشرقية وعدم التنازل عن الحق الشرعي بالسيادة الفلسطينية السياسية الإقليمية على القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، عدم التنازل عن حق العودة وعن دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران السبعة والستين.

تتمنى لمؤتمر فتح أن ينتخب هيئاته القيادية من قياديين على قد تحمّل المسؤولية الوطنية لمواجهة التحديات المصيرية والمساهمة في دفع عملية الكفاح الفلسطيني العادل نحو التحرر والاستقلال الوطني. وإذا كان المؤتمر السادس لفتح أطلق عليه "مؤتمر الشهيد ياسر عرفات" تقديرا لهذا الرمز الوطني قائد المسيرة التحررية للشعب الفلسطيني، فإننا نأمل أن يكون المؤتمر السابع "مؤتمر الدولة الفلسطينية المستقلة" وفي عاصمة هذه الدولة في القدس الشرقية، وان يعقد في اقرب وقت زمني وليس بعد عشرين سنة. كما نأمل أن يخرج مؤتمر فتح بقرارات تسهم في تجاوز حالة الانقسام وعودة الوحدة الكفاحية إلى الصف الوطني المتمسك بثوابت الحقوق الوطنية والرافض لمختلف مخططات التصفية أو الانتقاص من الحقوق الوطنية الشرعية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك