الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الوطنية الفلسطينية بمنظور نقدي: أي درس لحماس؟

عياد البطنيجي

2009 / 8 / 13
القضية الفلسطينية


حيثما توشك حركة التحرير الوطني الفلسطيني ”فتح“، اكبر التنظيمات الفلسطينية على التفكك، بسبب سلسلة
الأزمات السياسية التي ظلت تلاحقها منذ غياب قائدها التاريخي ياسر عرفات، فان أمراض ”التاريخ“ الفلسطيني يخشى أن تلاحق القوة التي ترث موقع ”فتح“.

-------------------------------

توزعت الحياة السياسية الفلسطينية على مراحل تاريخية، وكانت كل مرحلة تاريخية تشهد سيطرة لون سياسي معين بدا هو الأكثر سطوعا بين ألوان الطيف الفلسطيني، يسيطر فيها على مجمل الحياة السياسية، ويسير وجهة البلاد، ويتحكم في اتجاه مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية.
فقد تمثلت القيادة الفلسطينية في عقد العشرينات بـ"المجلس الإسلامي الأعلى"، وكانت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي هي التي تقود العمل السياسي مدعومة بتيار الحسيني في المجلس الإسلامي الأعلى، الذي أحتل الصدارة الأولى في العمل الوطني الفلسطيني، والجدير بالملاحظة أن الحركة الوطنية الفلسطينية أبان تلك الفترة مثلت جزءا من الحركة القومية العربية وامتدادا لها. وشهدت ساحة العمل الوطني الفلسطيني آنذاك حالة من الفوضى، تمثلت في الصراعات العائلية والعشائرية، وتفشي الاتكالية والانتهازية، وانحرفت الحركة الوطنية من حركة تعمل لأجل الشعب وضد الاستعمار والحركة الصهيونية، إلى ساحة تتناقض فيها الشخصيات ذات الارتباطات المشبوهة، وسماسرة الأرض، وكل من في نفسه مرض السلطة والوجاهة، مما جعل الجماهير الفلسطينية تفقد ثقتها بقيادتها. لذا ليس غريبا أن تنهار الحركة الوطنية الفلسطينية في ظل هذه المعطيات، دون أن تحقق أهدافها الوطنية من أجل الاستقلال والتحرير والوحدة.
وفي عقدي الثلاثينات وحتى نهاية الأربعينات، اعتبرت الهيئة العربية العليا الأقوى سياسيا، والصانعة لقرارات سياسية حاسمة، ولعبت دورا سياسيا حاسما في المجتمع العربي الفلسطيني. انهارت "الهيئة" إثر النكبة الفلسطينية 1948. ولكن ثمة استمرارية للأمراض ذاتها التي هيمنت على الحركة الوطنية في عقد العشرينات، مثل: النزاعات العشائرية، والفئوية، والشخصية، ومرض السلطة والوجاهة، حتى أن الهوية السياسية لعضو الهيئة، تتحدد في معظم الحالات بناء لهوية عشيرته السياسية، فضلا عن التعصب للحزب والرأي السياسي، فقد كثر الاغتيال لشخصيات سياسية لمجرد الاختلاف في الرأي السياسي. بالإضافة إلى استمرار الارتباطات المشبوهة والتنسيق مع بريطانيا لغرض انتهازي من أجل إضعاف الطرف الأخر أو بالأحرى الخصم السياسي بغية انهائه واستئصاله.
انهارت الحركة الوطنية الفلسطينية بعد نكبة 1948، دون أن تحقق أهدافها في الحصول على الاستقلال والتحرير والوحدة. إثر ذلك انقسمت البلاد وتشتت العباد وتحققت السيطرة العربية على الشأن الفلسطيني، وأصبحت الطموحات الفلسطينية بعيدة المنال في ظل وجود ضعف الحال وتشتت الفلسطينيون.
وفي منتصف الخمسينات من القرن الماضي شهد نفوذا ملحوظا للتيار القومي محاولا تنفيذ رؤيته وبرنامجه، ولكن دون جدوى فقد سقط التيار القومي وفشل في تحقيق رؤيته وبرنامجه. وتبعه في ذلك ظهور اتجاه آخر تمثل في حركة فتح، التي تبوأت العمل السياسي طوال أربعة عقود ونيف، كانت فيها عنوان الحركة الوطنية الفلسطينية، وهي الأخرى حاولت أن يكون لها برنامجها ورؤيتها للواقع السياسي وإمكانية تغييره. منذ نشأتها في منتصف الستينات من القرن الماضي حتى نهايته، سيطرة فتح على الحركة الوطنية الفلسطينية، ووصلت إلى القمة حتى أصبحت صاحبة القول الفصل والحاسم في السياسة الفلسطينية، فكان رأيها نافذا دون مقاومة وسياستها مطاعة. لكن منذ نهاية القرن الماضي وحتى الآن بات المراقب يشهد حالة من التراجع للتيار الذي تمثله فتح، لصالح تيار آخر في الاتجاه الإسلامي ممثل بحركة حماس التي سيطرت على السياسية الفلسطينية وأمست صاحبة القول الفصل والحاسم في السياسة الفلسطينية.
لقد علا شأن حماس مع تراجع وإخفاق الحركات القومية والاشتراكية في تحقيق مشروعهما، والفشل النسبي للحركات التي تبنت البرامج السلمية في الخروج بحل سياسي مقبول، إضافة لإخفاق حركة فتح في وضع أسس متينة لنظام سياسي فلسطيني ديمقراطي، ومؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية تتناسب مع مشروعها التحرري، فضلا عن تراكم الأزمات من دون حلول لزمن بعيد، وتصاعد وتيرة الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي، واندلاع الانتفاضة، ساهما بشكل كبير في أن تتقدم حماس فلسطينيا في مدها الجماهيري، والذي ساعدها أن تكون في المربع الأول المؤثر في العمل السياسي الفلسطيني.

خاضت حماس الانتخابات البلدية وفازت فيها، وخاضت أيضا الانتخابات التشريعية وفازت فيها، وشكلت الحكومة الفلسطينية لأول مرة. وعليه لا غرو بأن نطلق على هذه المرحلة بـ" عصر حماس" . لذا كان واضحا بأن المنحنى الحمساوي في صعودٍ وارتقاءٍ. ولكن التساؤل هنا هو، هل هذا الارتقاء والصعود سوف يستمر طويلا؟. للإجابة على هذا التساؤل لابد من استقراء تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية.
إن سيطرة الصراعات العشائرية، وهيمنة العقلية القبلية على العمل السياسي، واستمرار الصراعات بين النخب السياسية، التعصب للحزب والرأي السياسي، وتفشي الانتهازية، ومرض السلطة والوجاهة. المهم أن هذه الأمراض ما فتئت تهيمن حتى اليوم على العمل السياسي الفلسطيني ، وبخاصة النخبة السياسية التي تقود هذا العمل، وهذا ما لعب دورا كبيرا في فشل وسقوط الحركة الوطنية الفلسطينية في غياهب الصراعات الداخلية، وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل آخر!.
الأمر الثاني والأخير الذي نستنتجه بعد استقراء تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، وهو أمرٌ في غاية الأهمية، هو أن الخبرة التاريخية تشي بأن كل مرحلة من مراحل التاريخ الفلسطيني المعاصر يسيطر لون سياسي على الحركة الوطنية ويوجهها حسبما يريد طبقا لرؤيته السياسية، المشكلة أن هذا اللون أو التيار السياسي يصل إلى القمة دون أن يحقق أهدافه الكبرى، ومن ثم يكون ذلك سببا في سقوطه وانهياره وفقدان ثقة الجمهور فيه، ومن هنا يصعب على هذا التيار العودة مرة أخرى إلى ساحة العمل السياسي، وبالتالي يجوز لنا أن نستنتج بما يشبه "القانون" حكم مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية: إن الحركة الوطنية الفلسطينية تبلغ القمة وتصل الذروة دون أن تحقق أهدافها وبرامجها ورؤيتها، ومن ثم تبدأ بالسقوط والانهيار. فالمجلس الإسلامي الأعلى، والهيئة العربية العليا، فشلتا في تحقيق الاستقلال والتحرير والوحدة. والتيار القومي فشل هو الآخر في تحقيق الوحدة العربية والاستقلال والتحرير. وحركة فتح بعد أن وصلت قمة مجدها فشلت هي الأخرى في تحقيق مشروع الدولة المستقلة على حدود 1967، بل لا نبالغ إن قلنا إن الواقع الحالي أسوء مما كان.
وفي المحصلة فإن التجارب التاريخية تؤكد لنا أن درسا ينبغي أن تستوعبه - قبل فوات الأوان - مختلف القوى والقيادات الفلسطينية في المرحلة الراهنة، إن أرادت تجنب تكرار مصير مأزق الحركة الوطنية، والخروج من أسر هذا القانون، وهو ضرورة أن تستقرئ التاريخ وتأخذ منه العبر. ولكن نحن معشر العرب لا نستقرئ التاريخ ولا نستحضر الأحداث فتلك مصيبتنا، وإن كان الحال هكذا، إذن لا يبدو غريبا أن يتكرر هذا القانون مع حماس.
هذه القراءة ليست تشاؤما، وإنما محاولة لقراءة الواقع كما هو في ضوء التجربة المؤلمة التي تعرضت لها الحركة الوطنية الفلسطينية، حتى لا تغرق حماس في الأوهام أو السراب، وحتى لا تصاب بالغرور بسبب قوتها وعلو صوتها، لأنها أمست القوة الأولى في الساحة الفلسطينية، وصاحبة القول الفصل والحاسم في السياسة الفلسطينية، فالعبرة في النتائج والخواتيم.

والنصيحة التي نقدمها هنا، وهي: يجب على أي تيار سياسي يصل إلى القمة، ويتحكم في مفاصل العمل السياسي، وباتجاه الحركة الوطنية الفلسطينية، يجب عليه دراسة سير واقعه الجديد دراسة علمية، وبدقة وبموضوعية بعيدا عن الشعارات والأوهام. بمعنى آخر على هذا التيار أن يراقب اتجاه وسير حركته؛ ليرى هل يتجه نحو تحقيق هدفه المنشود ويقترب من مبتغاه ومراده، أم يبتعد عن تحقيق مبتغاه ويتجه نحو الفشل والعجز عن تحقيق أهدافه الكبرى؟ والنصيحة الأخيرة، أن الشأن الفلسطيني أكبر من أن يديره عقل حزبي ضيق، لذا فإن هذا البلد يجب أن يدار من خلال هيئة حكماء أصحاب عقول مستنيرة ومتحررة من العقلية العصبية الضيقة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه