الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر يامّه يا بهية

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2009 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تأبى مصر العربية إلا أن تكون في محور الأحداث وطليعة التغيير والتطوير. شعب مصر خفيف الظل الذي تحمل ويتحمل بصبر كل صنوف الفقر والقهر والامتهان والعنف القمعي يعطي اليوم َ دليلا ً جديدا ً على أنه شعب ٌ جدير ٌ بكل الاحترام والتقدير. تقوم الآن في مصر حركة ٌ اسمها 6 أبريل بدعوة عامة للإضراب العام المدني السلمي للتعبير عن السخط الجماهيري العارم اتجاه نتائج ممارسات وسياسات حكومات ورئاسة مصر المزمنة. طلبت هذه الحركة من الناس في يوم الإضراب – 6 نيسان - أبريل تعليق علم مصر على شرفات المنازل وخلفيات السيارات وارتداء القمصان السوداء وعدم الشراء أو البيع وتمرير رسالة الإضراب للجميع. أما عن المطالب فقد كتب أحد ناشطي هذه المجموعة يقول إنهم يعملون ضد توريث الحكم ورفع الأسعار والقمع التعسفي والفساد. عمر هذه الحركة عام ٌ واحد فقط. فقد قامت بالإضراب الأول في نفس التاريخ من العام الماضي. لقد حقق هذا الإضراب الأول نجاحا ً غير واضح المعالم وكان موقع جدل وتأويل. إلا أنه يحقق هذا العام نجاحا ً أوضح بكثير كان من أهم سماته وصول الدعوة للعديد من شرائح الشعب وبالسرعة والفعالية المطلوبة واستجابة الشارع بشكل واضح لهذه الدعوة والممارسات الوقائية الكبيرة التي مارستها السلطات المعنية كي تمنع انتشار هذا الوباء الديمقراطي المريع كونه يعمل على رد الحق لأصحابه الشرعيين وبالتالي تهميش القيادة والحد من صلاحياتها وجعلها موقع محاسبة ومساءلة.
تستحق هذه الحركة الكثير من الدراسة والتحليل. سواء كان ذلك على الصعيد الاجتماعي أم الاقتصادي أم السياسي. ويسرني أن أدعـو كل أخصائيي علوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد كي يقوموا بدورهم في ذلك لأن ارتكاسات وارتدادات هذه الأيام الحماسية ستطال أكثر من بلد عربي في القريب المنظور. إلا أن ما يعنيني من كل ذلك لايحتاج للكثير من التمحيص والدراسة. فالأمر وببساطة عــبارة عن انتفاضة ٍ مصرية ٍ شعبية ٍ حقيقية. لقد قام هذا الشعب العظيم بدوره على أكمل وجه عندما كان الاحتلال الأجنبي جاثما ً على صدر مصر في بدايات القرن الماضي. وعبر عن ذلك الزعيم سعد زغلول (وسواه) في العام 1919 من خلال حركته التي تحولت ثورة مصرية شعبية عارمة. يقول الصحفي حمدي رزق في ثورة سعد زغلول ما يلي : "في مشروع سعد زغلول الذي انفجر في ثورة 1919 ليصبح مشروع كل المصريين، انتهت مراحل المخاض، وعرفت طبقة الأفندية ـ الطبقة الوسطى ـ طريقها، وتحددت الشخصية المصرية في اللحظة ذاتها التي تحدد فيها المشروع الوطني المصري. الشخصية المصرية انصهرت سبيكتها في ثورة 1919، فأصبح المصري حاسماً لهويته التي تدمج الانتماء لمصر بالعروبة والإسلام في بوتقة واحدة، وأصبح المشروع الوطني المعبر عن هذه الشخصية هو الاستقلال التام عن بريطانيا وعن العثمانيين ايضاً، ووحدة مصر والسودان تحت التاج المصري، ووجود حياة ديموقراطية ونيابية سليمة، وكل هذا في إطار دولة عصرية علمانية تقدس المواطنة، ولا تفرق بين مواطنيها لدين أو عرق أو لون". هذا كان قبل تسعين عاما ً بالتمام والكمال. أما تتمة القصة... فقد استطاعت ديكتاتوريات الحكم الوطني العربية التي تتالت على الشعب المصري وسواه من الشعوب العربية أن تخدر الشارع برفعها نفس الشعارات التي كان يفتديها بالغالي والرخيص. ومن هذه الشعارات نجد طبعا ً الحرية والديمقراطية والاشتراكية والتقدم والوحدة والعدالة إلى آخر ما هنالك من كلام حق يراد به باطل ٌ وفساد. لقد قبل الشارع الظلم والقمع واهما ً أن قياداته تقوم بما يلزم وأنها تفكر وتقرر بالنيابة عنه ولخيره وصالحه.
يبدو أن هذه الفترة باتت على مشارف النهاية وأن الشارع المارد قد بدأ يستفيق على لسع ضربات الجوع والقهر والكذب والفساد. ومن هنا تنبع أهمية انتفاضة 6 أبريل وعمقها الشعبي العريض الداعم لها المنتمي لمعظم شرائح الشعب.
من الشعارات والنداءات التي أطلقها متحمسوا ومنظموا يوم الغضب والإضراب وجدت من المناسب أن أورد وباللغة المصرية العامية ما يلي :
ما تروحش الشغل... ماتروحش الجامعة... ماتروحش المدرسة... ماتفتحشي المحل... ماتفتحشي الورشة... ماتروحش القسم... ماتروحش السوق... عايزين مرتبات تعيشنا... عايزين نشتغل... عايزين تعليم لأولادنا... عايزين مواصلات آدمية... عايزين مستشفيات تعالجنا... عايزين قضاء منصف... عايزين انتخابات نزيهة... عايزين أمن وأمان... عايزين حرية وكرامة... عايزين للعرسان شقق... عايزين عدالة اجتماعية... عايزين محاكمة للحرامية... عايزين نعرف حقوقنا... عايزين دستور يحمينا... عايزين بلدنا لينا... مش عايزين رفع أسعار... مش عايزين محسوبية... مش عايزين ظباط بلطجية... مش عايزين تعذيب في الإقسام... مش عايزين أتاوات... مش عايزين رشاوي... مش عايزين اعتقالات... مش عايزين وعود بالرخاء... مش عايزين توريث الحكم... مش عاوزين معونة من أمريكا ... مش عاوزين جات مع إسرائيل. يقول توماس جيفرسون ثالث رئيس للولايات المتحدة الأمريكية (1743- 1826) " إذا قبلت بالتضحية ببعض من حريتك لقاء أمنك فأنت لاتستحق لاالحرية ولا الأمن" يبدو أن مصر قد قررت اليوم أن تحتفظ بالأمن والحرية معا ً.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن 2024 وسط احتجاجات على مشاركتها ب


.. كيف سيتعامل الرئيس الأميركي المقبل مع ملف الدين الحكومي؟




.. تساؤلات على إثر إعلان الرئيس الأميركي وقف شحنات السلاح الهجو


.. نشطاء أتراك أعلنوا تأجيل إبحار سفينة مساعدات إلى غزة بسبب تع




.. محاكمة ترامب في نيويورك تدخل مراحلها الحاسمة| #أميركا_اليوم