الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر : يسار في أزمة

أحمد بهاء الدين شعبان

2009 / 8 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في التاسع والعشرين من شهر أغسطس / آب من عام 1921 ، أي منذ ثمانية وثمانين عاما ، هبّت علي مصر رياح الفكر الاشتراكي ، مع بدء عملية " تصنيع " المجتمع ، التي سمحت بوجود طبقة عاملة فتية ومتنامية ، طامحة لتحسين ظروف حياتها، وساهم في هذا الأمر انفتاح المجتمع المصري علي التواجد الأجنبي الكثيف في ربوع البلاد ، وظروف الحرب العالمية الأولي التي دفعت بأعداد غفيرة من الجنود البريطانيين المتأثرين بالفكر الماركسي إلي مصر، وهبوط أعداد من الثوريين الروس إليها ، هربا من تنكيل السلطات القيصرية ، بعد إخفاق ثورة 1905 .
* الموجة الأولي :
ومن هنا فلم يكن مستغربا أن تشهد مصر الموجة الأولي من التنظيمات الاشتراكية بميلاد أول حزب يساري : " الحزب الاشتراكي المصري " ، الذي شارك في تأسيسه الأساتذة : علي العناني ـ سلامه موسى ـ محمد عبد الله عنان ـ حسني العرابي وآخرون ، ولما كان إعلانه قد جاء مواكبا للحظات تفجّر الثورة الوطنية العظمي ضد الاحتلال البريطاني ، ( ثورة 1919 ) ، فقد أعلن في مبادئه السياسية ، التي قدمها في بيانه التأسيسي أنه يستهدف العمل من أجل " تحرير مصر من نير الاستعمار الأجنبي ، وتأييد حرية الشعوب ، ومحاربة الاستعمار ومقاومته أينما وُجد ، ومقاومة العسكرية والديكتاتورية " ، فضلا عن السعي " لإلغاء استغلال جماعة لأخري ، ومحو التفريق بين طبقات المجتمع في الحقوق الطبيعية ، والسعي إلي إنشاء مجتمع اقتصادي يقوم علي دعائم المبادئ الاشتراكية " ، يـُنتفي فيه الوضع الراهن ، حيث " الأغلبية الساحقة في المجتمع الحاضر ، قد استعبدتها أقلية صغيرة متعدية ، تستأثر برؤوس الأموال وأرزاق الطبيعة ، ثمرة كدّها وجهادها " ،( جريدة الأهرام ، 29 أغسطس / آب 1921) .

* الموجة الثانية :
ورغم الضربات الشديدة التي تعرض لها هذا الحزب ، فل تستطع السلطة القضاء المبرم علي جذوة النضال من أجل العدل والاشتراكية في البلاد ، وما أن هلـّت مقدمات عقد الأربعينات من القرن الماضي ، حتى تشكلت العديد من المنظمات والجماعات الاشتراكية ، أولا بفعل عامل موضوعي هو نمو القاعدة العمالية والعاملة ، وثقافتهما ، في المجتمع كنتيجة طبيعية لعمليات " الرسملة " والتي كانت مستمرة وتتسع تأثيراتها من يوم لآخر ، وثانيا بفعل التزايد المطرد للأجانب في مصر ، وبالذات في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية ، وكذلك طوال سني الحرب التي شهدت تدفقا كبيرا للأفكار الاشتراكية ، محمولة مع جحافل الجنود البريطانيين والأوروبيين ، الذين هبطوا إلي مصر بكثافة كبيرة ، وقد لعب عدد ملحوظ من اليهود المصريين ، (الذين انفتحوا علي الفكر الاشتراكي ، بمختلف مدارسه ، بفعل إجادتهم للغات الأجنبية ، ولأن بعضهم كان من أصول أجنبية ، أو حاملا لجنسية أجنبية) ، دورا كبيرا في " الموجة الثانية " من الموجات الاشتراكية التي شهدتها مصر ، في العقد الرابع الماضي من القرن الماضي ، وكان في مقدمتهم " هنري كورييل " ، مؤسس وزعيم " الحركة المصرية للتحرر الوطني : حدتو " ، كبري , وأشهر هذه المنظمات ، والتي انتمي إليها خالد محيي الدين ، ويوسف صديق ، العضوان البارزان في " مجلس قيادة ثورة 23 يوليو / تموز " .
ومع أن هذه الفترة شهدت تطورا كبيرا وحقيقيا لدور ونفوذ الشيوعيين المصريين في الوضع السياسي المصري ، إلا أن هذه الموجة حملت أيضا بذور ضعفها " التاريخي" الذي لم تسلم منه الحركة الشيوعية المصرية بعد ذلك أبدا ، ممثلا في انقساماتها ، وتشرذم صفوفها ، وعجزها عن توحيد أداة نضالها ، حزبها ، أوالتوافق علي برنامج موحد للنضال المشترك ! ، وهو المرض العضال الذي شلّ قدرتها علي التأثير ، حتى في ذروة نفوذها وقدرتها علي الحركة والعمل وسط الجماهير !.
وعلي مدار هذا التاريخ البعيد ، قدم الاشتراكيون المصريون جهودا جبارة من أجل الدفاع عن الوطن وحريته ، والشعب ومصالحه ، وخاضوا جميع معارك مصر ونضالات كادحيها ، بقوة وثبات ، وتعرضوا لبطش السلطات الحاكمة ، سواء كانت تحت سيطرة الاحتلال ، أو في ظل الدولة الوطنية ، وسواء تم الأمر بتحريض الاستعمار أم كان بدفع الطبقات الحاكمة ، التي استشعرت الخطر من وجود حزب حقيقي يمثل مصالح عمال وفقراء مصر ، ويدافع عن استقلال البلاد وتقدمها .
ومن هنا ، فإذا كان من المدهش أن نري الزعيم الوطني الكبير" سعد زغلول " وهو يشن حملة مطاردة عنيفة للحزب الاشتراكي الوليد في العشرينات حتى يتمكن من تفكيكه ، وإذا كان من الطبيعي أن نشهد بطش رجل المال والاحتكارات القوي ، " إسماعيل صدقي " ، بالحركة الشيوعية ، الـُمعاد إحيائها في الأربعينيات ، فقد كان من المأساوي أن يتكرر هذا الأمر في العصر الوطني للرئيس جمال عبد الناصر ، الذي شهد ـ في ذروة تبني الشعارات الاشتراكية ، تنكيلا داميا بالشيوعيين المصريين ، في الخمسينيات وبدايات الستينيات من القرن الماضي ، استهدف تصفية الموجة الثانية من التنظيمات الشيوعية التي تكونت في الأربعينيات والخمسينيات ، وإكراه الشيوعيين المصريين علي حل تنظيمهم المستقل ، والانضمام ـ فرادي ـ إلي حزب النظام : " الاتحاد الاشتراكي العربي" ، وهو الأمر الذي أضعف مناعة النظام في مواجهة أعدائه ، وسّهَـلَ عملية الانقضاض علي حكم عبد الناصر الوطني ، بمجرد رحيله عام 1970.

* الموجة الثالثة :
وشهدت حقبة ما بعد هزيمة يونيو / حزيران 1967 ، نهضة جديدة للفكر اليساري المصري ، نجح خلالها الشيوعيين المصريون في تشكيل ثلاث منظمات شيوعية رئيسية:( حزب العمال الشيوعي المصري ، الحزب الشيوعي المصري ( 8 يناير ) ، الحزب الشيوعي المصري ) ، إضافة إلي بعض الجماعات الأخرى ، كتجمع " التيار الثوري " ، وغيرها ، تواجدت بقوة علي الساحة ، وخاصة بعد انفراد أنور السادات بالسلطة في 15 مايو /أيار 1971 ، وقد أدت مخاوف النظام من تصاعد الحركة العمالية والشعبية إلي شنه لحملة استئصال عنيفة ، استهدفت اجتثاث اليسار المصري من الجذور، لاستشعاره الخطر من نموه الملحوظ ، وخاصة في أوساط العمال والطلاب ، ووسط جماهير الشعب ، المتأثرة بفعل استمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي المصرية والعربية ، وبفعل السياسات الرأسمالية المجحفة ، التي ضاعفت من معاناتها وفقرها.

* اليسار الحكومي ! :
وحين سعي الرئيس السادات عام 1976 لمنح نظامه مسحة ليبرالية ، تقربا إلي الغرب ، وزلفي للولايات المتحدة، قسّم حزب السلطة آنذاك ،" الاتحاد الاشتراكي العربي"، إلي ثلاثة "منابر" ، " منبر اليمين " ، والذي تحول إلي " حزب الأحرار" ، وتزعمه الضابط السابق والسياسي الراحل "مصطفي كامل مراد " ، و" منبر الوسط " ، "حزب مصر العربي الاشتراكي " ، والذي تحول إلي " الحزب الوطني الديموقراطي " ، وقام علي رئاسته " السادات " نفسه ، و" منبر اليسار " ، والذي تزعمه الضابط اليساري السابق ، و" عضو مجلس قيادة الثورة "، " خالد محيي الدين "، وقد تحول إلي " حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي " فيما بعد .
ولعب " حزب التجمع " ، حزب اليسار الرسمي ، العلني ، في المرحلة الأولي من حياته ، دورا كبيرا في الدفاع عن مصالح الطبقات والفئات الشعبية ، وضد اتفاقية " كامب ديفيد " ، وفي مقاومة الصهيونية و" التطبيع " ، واتسع نفوذه السياسي بضم عدد من خيرة المناضلين والنقابيين والمثقفين المصريين ، واحتلت جريدته ، " الأهالي " ، موقعا متميزا في الصحافة المصرية الملتزمة ، قبل أن تدفع تطورات أوضاعه الداخلية ، المعقدة والمتناقضة ، العديد من العناصر والجماعات المتميزة ، والتي شاركت بدور كبير في تأسيسه ، لهجران صفوفه ، وأدي خضوعه المستمر لأوامر ونواهي النظام ، واستبداله سياسة الانحياز للمصالح الشعبية ، بأخرى تسترضي السلطة وتتجنب الصدام معها ، وهي السياسة التي وضع أسسها ، ونظـّر لها الدكتور رفعت السعيد ، رئيس الحزب الحالي ، تحت مسمّي " سياسة الأسقف المنخفضة " ، إلي انهيار ملحوظ في نفوذه الشعبي ، وإلي تراجع دوره في الحياة السياسية المصرية ، وإلي تدني قدرته ( هو وغيره من الأحزاب الرسمية المصرية) علي التأثير في عملية صنع القرار الاستراتيجي في البلاد .
* السادات حرب " الأرض المحروقة " ضد اليسار :
وكانت المواجهة قد اشتعلت بين السادات واليسار المصري [ بقسميه : السري ( المنظمات الشيوعية ) ، والعلني ، ( حزب التجمع ) ] ، بفعل التوتر المتنامي علي أرضية الانتفاضات الطلابية والعمالية ضد سياساته ، والتي لم تهدأ للحظة منذ اعتلائه سدة الحكم ( في أعوام 1972 , 1973 ، و 1975 ) ، وصولا إلي الانتفاضة الشعبية في 18و19 يناير 1977، وهي الانتفاضة التي عبّرَ السادات عن ذعره البالغ منها وكراهيته الشديدة لسيرتها ، بإطلاق وصفه الشهير، الدال : " انتفاضة الحرامية " عليها، وقد مثـّـلت الانتفاضة لحظة فاصلة في التاريخ المصري الحديث بعد أن عمّت مصر من أقصاها لأقصاها ، عاكسة حالة الغضب الشعبي علي رفع الحكومة لأسعار السلع الغذائية الضرورية ، وعلي مجمل التوجهات الاجتماعية والسياسية للنظام .
كانت هذه اللحظة إيذانا بتجذر عداء النظام لليسار المصري ، الذي حمّـله السادات جريرة الانتفاضة ، واتهمه بالسعي للانقضاض علي السلطة ، والعمل علي "حرق مصر ! " !.
وشن الرئيس السادات وجهازه الأمني الشرس ، حملة تصفية عنيفة ، منهجية ومستمرة ، متبعا سياسة " الأرض المحروقة " ، استهدفت القضاء علي " الموجة الثالثة " للحركة الشيوعية المصرية ، ومطاردة واجتثاث عناصرها في الجامعة والمناطق العمالية ، وفي أوساط الصحفيين والمثقفين ، في الوقت الذي كان يتأكد الصعود القوي لجماعات وتنظيمات " الأصولية الإسلامية " ،( بقيادة جماعة الأخوان المسلمون) ، في المجتمع ، مستفيدة من ظروف عديدة مواتية ، في مقدمتها هزيمة المشروع القومي ، من جهة ، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الحادة في توجهات النظام ، بتبني سياسات " الخصخصة " , " التغيير الهيكلي "،…إلخ ، مما وفر الشروط لتقاطع مصالح هذا التيار مع نظام السادات ، وصولا إلي التحالف المعلن بينهما ، من جهة أخري ، وهو الأمر الذي تجسّد في إطلاق معتقليه ، ومنحهم حرية الحركة ، واحتضان دعاته ، والتعاون معه إلي أقصي درجة ، في مواجهة بقايا وتراث النظام الناصري ، السياسي والاجتماعي ، ومن أجل تصفية اليسار المصري ، الشيوعي ، النشط ، وسط الطلاب والعمال والمثقفين ، في داخل البلاد .

* وحرب الخارج أيضا ! :
أما علي صعيد السياسة الخارجية ، فقد اندفع النظام الساداتي للارتماء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية ، التي أعلن يقينه بامتلاكها " 99% من أوراق اللعبة ! " ، واتجه للصلح المنفرد مع العدو الصهيوني ( وهو ما تم ترسيمه في اتفاقية " كامب ديفيد " فيما بعد) ، وللمشاركة الحماسية في حمّي الحرب ضد المعسكر السوفيتي في أفغانستان ، عن طريق إمداد فيالق " المجاهدين" من قوات أمراء الحرب الأفغان ، بمقاتلين مصريين من عناصر الإخوان و التيارات الإسلامية ( الجهادية ! ) الأخرى ، بعد أن تعاون في تأهيلهم وتسليحهم مع المملكة العربية السعودية،والمخابرات الباكستانية ، وبرعاية ودعم المخابرات المركزية الأمريكية (CIA ) ، كما هو ثابت ومنشور!! .
وكان من نتيجة هذه الحرب الضارية أن أصيب اليسار المصري في مقتل ، وتفككت المنظمات الأساسية ، الممثلة للحركة الشيوعية المصرية الثالثة ، والتي كانت قد بدأت في التشكل عقب هزيمة يونيو/حزيران القاسية ، ولم يشف اليسار المصري حتى الآن من جروحه الدامية ، التي ترتب عليها تهميش دوره في الحياة السياسية المصرية ، وتراجع نفوذه المادي والأدبي وسط العمال وفي الجامعات وفي باقي هيئات المجتمع ، علي الرغم من هيمنته المعترف بها في أغلب مناحي الحياة الإبداعية والفكرية ( مسرح ـ سينما ـ أدب ـ صحافة … إلخ ) ، وبالرغم أيضا من مشاركة عناصره ورموزه في قيادة أغلب حركات الاحتجاج الاجتماعي والسياسي ، وكل لجان العمل الوطني المعادي للصهيونية والإمبريالية ، والمناهض لـ " التطبيع " ، وفي تأسيس وقيادة حركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي الجديدة ، وعلي رأسها الحركة الأم : " حركة كفاية " .

* التحدي الجديد لوجود اليسار المصري ! :
لم تشهد مصر ، ولا أي دولة أخري من دول المنطقة والعالم ، حجم ما شهدته ، وتشهده ، هذه السنوات ، من فورات وانتفاضات احتجاجية ، علي كل المستويات ، وقد شارك في هذه العملية الكبرى ، التي انطلقت عقب الميلاد اللافت لحركة " كفاية " ، أواخر عام 2004 ، والتي لا زالت مستمرة حتى الآن ، مئات الآلاف من العمال والعاملين والموظفين والمستخدمين… إلخ .
وإذا كان " ربيع القاهرة السياسي " ، قد تركـّز في عاصمة البلاد وأطرافها والمحافظات الرئيسية ، فقد امتدت المساحة الجغرافية لحركة الاحتجاج الاجتماعي ، التي شهدت نموا متسارع الوتيرة ، خلال العامين الأخيرين ، من الإسكندرية في أقصي الشمال ، إلي أسوان في أقصى الجنوب ، محطمة جدران الخوف والرهبة ، والرعب من عسف السلطة وأجهزة قمعها ، وشارك في وقائعها ، ولأول مرة منذ أكثر من نصف قرن : فلاحون وعمال صناعيون ، وأساتذة جامعيون ، ومدرسون ، ومستخدمون وربات بيوت ومواطنون عاديون ، منكوبون في بيوتهم أو أرزاقهم ، بل وشارك فيها ، للمرة الأولي قضاة مصر ، الذين هم بحكم النص الدستوري جزء لا يتجزأ من أركان السلطة ، والموظفون الحكوميون ، الذين لم يُعرف عنهم تاريخيا ، امتلاك شجاعة تحدي " رب عملهم " الأوحد : صاحب اليد الباطشة : الحكومة ! .
وإذا كان طابع هذه التحركات سياسي ( للمطالبة بالحرية والديموقراطية ودولة الحق وسيادة القانون ) ، في جانب ، واقتصادي في جانب آخر ، ( يطالب بوضع حد لتردي أحوال المعيشة وانهيار كافة الخدمات الضرورية في المجتمع ) ، فقد امتدت هذه الفورات الاحتجاجية ، جغرافيا، من أقصي الشرق ، حيث يتعرض بدو سيناء لضغوطات أمنية مكثفة ، إلي أقصي الغرب ، في السلوم ، حيث تتكرر الشكوى من بطش السلطة و قهر الأجهزة ، وتميزت جميع هذه التحركات ، ذات الطابع السياسي والاقتصادي والجغرافي ، بعدة ميزات ، أهمها اتساع مساحات انتشارها ، جغرافيا حيث غطت تقريبا جميع محافظات مصر ، واجتماعيا ، حيث انتشرت وسط معظم فئات وطبقات المجتمع ، وباتساع حجم المشاركين في أحداثها ، حيث بلغوا في بعضها عشرات الآلاف ، بالذات في التحركات العمالية والفلاحية ، وأيضا بالشجاعة في المواجهة ، والابتكار في أساليب العمل ، وباشتراك قطاعات جديدة من المجتمع في الحركة ، وبالذات المرأة ، التي شكل وجودها في المقدمة حافزا قويا ومنجزا في الكثير من هذه التحركات .

لكن أهم ما تمخضت عنه هذه الموجات الاحتجاجية العارمة يتمثل في ميلاد المئات من القادة الطبيعيين ، المتخلقين من قلب الأحداث ، ومن بين الصلب والترائب ، والذين ألقت بهم التجربة إلي لهيب الصراع الدامي في مواجهة الأجهزة القمعية لواحد من أعتي نظم البطش والاستبداد في العالم المعاصر ! .
غير أن هذه التحركات الاحتجاجية الواسعة ، ظلت في أغلبها ـ حتى الآن ـ جزئية ، وذات أبعاد اقتصادية ، لم تتعد شعاراتها حدود المطالبة بتحسين ظروف العمل وبعض المكتسبات المحدودة ، كذلك لم تصل إلي حدود التنسيق الفعّال بين أطرافها ، أو الالتحام بحركة الاحتجاج السياسي للمثقفين ، أو تبنّي برنامج محدد ، يقدم البديل الموثوق به للنظام المهترئ الحالي ، ويهدف إلي إنجاز عملية التغيير السياسي والاجتماعي الشامل المرجوّة ، والتي بدونها ستظل مصر تدور في دائرة التخلف والاستغلال ، والفاقة والانهيار ، المغلقة ، إلي ما لانهاية ! .
وهذا الوضع طبيعي ومنطقي ، بعد عقود طويلة من " تأميم " السياسة في المجتمع ، ومصادرة آليات إدارة الصراع الاجتماعي في البلاد .
وليس سوي اليسار المصري ، بأفكاره من يستطيع أن يلعب دورا حقيقيا ، في نقل النضال الاحتجاجي ، من صورته الأولـيّة الراهنة ، إلي وضعية أرقي ، أكثر وعيا ، وتحديدا ، وأكثر انفتاحا علي أفق التغيير السياسي الشامل ، الضروري والمطلوب !.

فأمام اليسار المصري فرصة تاريخية سانحة ، للخروج من أزمته التاريخية المستدامة ، بتجذير برامجه ، وتصليب عود قياداته ، وغرسها عميقا في الطين المصري المتعطش ، استجابة للظرف الموضوعي المواتي بشدة ، لأول مرة منذ عقود وعقود ، إن أحسن استغلالها سينهض ، مثل طائر العنقاء من رماد حرائقه ، ويحلـّق في سموات الوطن العُلي ، وإن أهدرها فلا يلومن إلا نفسه ، فالفرصة ، دائما ، كما يقولون ، لا تأتي إلا لمن يستحقها ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - في الحاجة الى يسار قوي
وسيم المغربي ( 2009 / 8 / 11 - 20:50 )
تحية للكاتب
1) لا اعتقد بامكانية انتقال ديمقراطي حقيقي في اي دولة في العالم دون وجود يسار ديمقراطي قوي .
2) مأساة الشعوب العربية هي انها اصبحت ضحية بين مطرقة الانظمة الاستبدادية وسندان الحركات الاصولية فيما تحول اليسار الى ما يشبه النادي الثقافي ...
3) لاعادة احياء اليسار لا بد من توفر ثلاث شروط هي التجديد الفكري التوحيد التنظيمي و النضال بالقرب من الناس .
تحياتي

اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال