الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة الحياة نحو الابدية

محمد سليم سواري

2009 / 8 / 12
الادب والفن


انه من الصعب أن يقف الانسان ليرثي صديقاً عزيزاً له وخاصة اذا كان هذا الصديق أديباً في قلمه وخلقه .
كثيرة هي الذكريات مع المرحوم أحمد الجزراوي في بغداد الحبيبة والجميلة بعبق التأريخ والتراث .. جمة هي المواقف تجاه أحداث وخيارات إتخذها المرحوم أثبتت الأيام صحتها وبأنها كانت في محلها ؟؟
وبمناسبة الأربعينية على رحيل الفقيد وقفت بكل خشوع ورهبة أمام عتبة الكلمات لكي أرسم تلك الذكريات والمواقف وأُجسد بعض الأفكار وأغور في أعماق الوجدان والأحاسيس في موقف تكتنفه الحزن الممزوج بالقدسية والهدوء الملازم للألم والقلق في مناسبة هي الحزينة على قلبي وقلوب كل الذين عرفوا المرحوم ، ولكن كل خزيني من العبارات والكلمات لم يسعفني ، وكيف لا والانسان الذي نرثيه كان على دراية بما كان في الأسطر من كلمات وعبارات وما وراء الأسطر من معاني وإيحاءات .
في صراع مرير بين كل تلك الكلمات من جهة وكل ذكرياتي مع المرحوم ، والأفكار عن الموت ، والأحاسيس عن رجال المواقف لم يكن بد من أن أستنجد ببعض المقاطع من رسالة تلقيتها مؤخراً من كريمة المرحوم الآنسة " نازدار الجزراوي " لنكون قريبين من الذكرى ومن عمق الوجدان :
( إن أكثر ما كان يشغله ويهواه المرحوم والدي هو القراءة والاطلاع على كل ما هو جديد من الكتب المهمة في مواضيع التأريخ والسياسة والدين ايضا والاحداث التي تعصف ببلدنا الحبيب العراق.. فقد كان الكتاب لا يبقى في يده غير أيام معدودة ولا يتركه حتى ينتهي من قراءته ..والكتابة ايضا كانت هوايته المفضلة.. فقد كان يكتب في السياسة وكل ما يخطر في باله وقد انصب إهتمامه في الفترة الاخيرة على اللغة ومفرداتها ومعانيها .. حيث ألفَ كتاباً عن اللفظة الكردية في لغة عوام بغداد ولكنه مع الاسف لم يستطيع إكمال تصحيحاته بسبب ضعف بصره.. وقد كلف الدكتور عبد الفتاح علي البوتاني بمراجعته بعد أن وافقت مؤسسة سبيريز على طبع هذا الكتاب.. وكم كان يعتصره الألم ويحز في نفسه انه لا يستطيع قراءة ما كتبه او يصحح ما تم تنضيده من هذا الكتاب..
كذلك كان من إهتماماته القليلة كتابة الشعر في بعض الاحيان حيث أحتفظ ببعض ما كتبه من شعر في دفتر ، وكان من إهتماماته ايضا المناقشات في امور الادب والسياسة مع من هم من جيله وأصدقائه القليلين والمهتمين بتلك المواضيع ،
ولكن مع الاسف حرمه المرض من أعز هواياته القراءة والكتابة بسبب ضعف بصره وعدم إستطاعته من إمساك القلم .. وكانت هذه المشكلة قد اثرت فيه جداً.. لان القلم والكتاب كانا أعز وأغلى شيئين رافقاه في حياته بعد أن سخر نفسه لهما لسنوات طويلة من عمره.. واضطر الإعتماد على حاسة السمع ليستعين بها لمعرفة ما هو جديد من هذه الامور.. فقد كان جهاز المذياع الى جانبه لا يفارقه طوال يومه .
استاذ محمد سليم .. اكتب لك بعض ما عاناه المرحوم بعد قدومنا الى دهوك من بعض المحسوبين على وسطنا وهم مع الاسف ناكري الجميل واكتبها لمجرد الاطلاع عليها من قبلكم وقد ترجم معاناته هذه في مادة أرسلها للاستاذ حسب الله يحيى لنشرها في مجلة دجلة وقد ذكر فيها انه لا كرامة لنبي في قومه.
كان دائما السؤال عن أصدقائه القدماء ودائما يطلب مني ان اتصل بهم مثل الدكتور بدرخان السندي والاستاذ مختار فائق والاستاذ النحات نداء كاظم والاستاذ حسب الله يحيى والاستاذ محمد الزهاوي وآخرين، واضيف إن من أقرب أصدقائه هنا في دهوك بعد أن سكنا دهوك كان هو الاستاذ الدكتور عبد الفتاح على البوتاني الذي لم ينقطع عنه وكان على اتصال دائم معه.. والذي كان يحرص دائما على التخفيف من معاناته ومرضه الذي أقعده في البيت بأن يصطحبه معه في جولات في دهوك ولَم شمله بمن كان في عمره او من جيله من المثقفين في دهوك ويأخذه في رحلات مع الاصدقاء..والله كان الوالد رحمه الله انسانا طيبا مع أبنائه ومع الجيران والأصدقاء والأقارب وحتى الغرباء.. كان رقيق القلب متواضعا وعزيز نفس.. لم تكن المادة تؤثر عليه او تعني له شيئاً بقدر ما كانت الكلمة الصادقة والاخلاق والمبادئ السامية مهمة بالنسبة له.. كان جريئا في كتاباته وصادقا في خدمة الصحافة.. فقد أنشأنا على حب الناس والتواضع وقول الصدق وحب العلم والثقافة.. رحمه الله) .
عزيزتي نازدار .. لم يكن الفقيد فقط والدك ، بل كان والداً لعشرات بل المئات من الطلبة الكرد الذين كانوا ينهلون العلم من جامعات بغداد ومعاهدها لأكثر من أربعين سنة من القرن الماضي وانا اعرف ما كان يعنيه المرحوم لهم من والد واخ ويد كريمة .
عزيزتي ..لم يكن الفقيد يمثل لكم فقط الصديق قبل الأب.. بل كان نعم الصديق لكل من عرفه وجالسه وكل من اصبح قريباً منه خلال كتاباته النقدية الساخرة والصحفية الرصينة حيث كانت البلسم للكثير من الجروح وكتبه " محمد عارف جزراوي" و" بغداد .. بعض الغريب والطريف من ماضيها " و " جه تو" و" بعض الشائع من المثل الكردي العربي المقارن "
عزيزتي نازدار .. لست أنت فقط المسؤولة للإيفاء للفقيد ، بل أن كل الخيرين من زملائه عندما دخل السجون والمعتقلات خلف السدة في بغداد ومعسكري التاجي والرشيد ، وزملائه عندما كان يعمل في جريدة التآخي في بغداد وأصبح نائباً لنقيب الصحفيين العراقيين في بغداد، وزملائه في ثورة أيلول والمتوجهين من البشمركه المناضلين الى ايران بعد انتكاسة 1975 حيث رأسمالهم النضال والمعاناة والحسرات ، والذين حجزت أموالهم المنقولة وغير المنقولة وبيعت مساكنهم وآثاثهم في المزاد العلني ، بعد أن أبوا التوقيع في مزاد علني على صك لبيع وطنهم ومواطنيهم ، وكذلك الفنانين حيث كان قريباً منهم .. كل هؤلاء يقع عليهم واجب الوفاء .
وهنا لا يسعني إلا أن أقف إجلالاً واحتراماً لكل الشعوب التي تقدر وتحترم مفكريها ومبدعيها عندما يكونون أحياءً او أمواتاً ..وأبكي دماً ودموعاً للشعوب التي لا تحترم وتحتفي بمبدعيها وكتابها لا عندما يكونون أحياءً او امواتاً ، ولعمري تلك هي المأساة والضياع ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا