الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعارض ماركس مع فلسفة هيغل وفيورباخ

أنور نجم الدين

2009 / 8 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في (مدخل إلى: تعارض ماركس مع الفلسفة الألمانية، والاقتصاد السياسي)، حاولنا أن نبين بأن جذور المادية التاريخية، تعود الى الإنجليز وليس إلى الألمان، وإن الميدان الواقعي للمادية التاريخية، هو العالم الصناعي وليس الفكر الفلسفي، فالتاريخ المادي لا يعالج إلاَّ في علاقته بالصناعة والتجارة، أما أساس الفلسفة الألمانية، فهو التأمل وليس التاريخ، (فأن تاريخ البشرية، يجب أن يدرس ويعالج دائماً في علاقته بتاريخ الصناعة والمبادلة. بيد أنه من الواضح أيضاً أنه من المحال في ألمانيا كتابة مثل هذا التاريخ، لأنَّ الألمان لا يفتقرون إلى القدرة على تصوره، وإلى المواد فحسب، بل يفتقرون أيضاً إلى (اليقين الحسي) - كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية)، فالبيئة الضرورية للمادية التاريخية، أو الطريقة الواقعية للأبحاث، أو أساس المعرفة الواقعية عن التاريخ وما يجري فيه، كانت غير موجودة في ألمانيا.

وهكذا، فالمادية التاريخية، نظرة ناتجة عن التطور الصناعي وليس الفكر الفلسفي، ويلخص ماركس نظرته الى التناقض بين وجهة نظره المادية إلى التاريخ والفلسفة الألمانية، على الشكل الآتي:

((على النقيض من الفلسفة الألمانية التي تهبط من السماء الى الأرض، فإن الصعود يتم هنا من الأرض الى السماء – كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية)).

تنطلق المادية التاريخية، لا من التخمين، أو التأمل، أو العقل، بل من الحياة الفعلية التي يمكن التجارب عليها بصورة واقعية، فالماديون لا يلجأون إلى الفلسفة لتفسير التاريخ، أو خلال العقل الذي يتحرك وينتج الأفكار بصورة مستقلة عن- أو دون النظر إلى الوقائع الفعلية، بل يلجأون إلى التاريخ على أرض الواقع، أي خلال علاقته بالعمل، والتجارة، والصناعة، والمبادلة، وعلى العكس من فيورباخ، والذي يرى أن التاريخ والمادية، منفصلان عن بعضهما البعض، كما يقول كارل ماركس، كما وعلى العكس من هيغل، والذي يرى أن العالم تسوده الأفكار، يرى ماركس:

((حين ينقطع التخمين، في الحياة الواقعية، يبدأ اذن العلم الواقعي، الايجابي، يبدأ تحليل النشاط العملي، تحليل عملية التطور العملي للبشر. ان العبارات الجوفاء عن الوعي تنقطع، و يجب أن تحل معرفة واقعية مكانها. وان الفلسفة لتكف، مع دراسة الواقع، عن أن تكون لها بيئة تتواجد فيها بصورة مستقلة ذاتياً، و يمكننا على الأكثر أن نضع مكانها تركيباً للنتائج الأعم التي يمكن تجريدها من دراسة تطور البشر التاريخي. وليس لهذه التجريدات أدنى قيمة اذا ما أخذت بحد ذاتها، منفصلة عن التاريخ الفعلي. ان في مقدورها على الأكثر أن تخدم في تصنيف المادة التاريخية بمزيد من السهولة، وفي الدلالة على تعاقب تطابقاتها الخاصة. بيد انها لا تقدم في حال من الأحوال، مثل الفلسفة، وصفة أو مخططاً يمكن وفقاً له تكييف العصور التاريخية. وعلى العكس، فان الصعوبة لا تبدأ الا حين يباشر في دراسة هذه المادة وتصنيفها، سواءاً أكان المقصود عصراً مضى وانقضى أم الزمان الحاضر، وفي تحليلها بصورة واقعية – كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية)).

أن حركة التاريخ، ليست مجردة من مقدماتها المادية، وما هي هذه المقدمات أن لم تكن التجارة، والصناعة، والعمل، والتبادل، وغيرها من العلاقات بين البشر؟ فالمادية التاريخية بوصفها منهج تحليلي، لاتتخلى عن هذه المقدمات، أي لا تنظر من السماء الفكر الفلسفي إلى الأرض للبحث عن التاريخ. ولكن (إن إحدى المهمات الأصعب بالنسبة الى الفلاسفة هي النزول من عالم الفكر الى العالم الواقعي – كارل ماركس، الايديولوجية الألمانية)، لذلك لا يمكن للفلسفة أن تتعامل مع التاريخ بصورة واقعية، وأن كل ما تنتجه من الأفكار، تبقى مغيماً لا يمكن للانسان أن يقوم بتحقيق صحتها تجريبياً، وأن الفلاسفة أنفسهم، لا يرجعون إلى الرابطة المادية التي تجمع بين واقعهم وأفكارهم عن العالم، أي كما يقول كارل ماركس:

((لم يخطر في بال أي من هؤلاء الفلاسفة ان يتساءل عن الرابطة التي تجمع بين الفلسفة الألمانية والواقع الألماني، الرابطة التي تجمع بين نقدهم وبيئتهم المادية الخاصة – كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية)).

واذا كان الأنسان لا يسأل عن الرابطة المادية بينه وبين محيطه التاريخي، أو اذا لن يعطي التاريخ شروط تفهم هذه الرابطة، فكيف يا ترى بمستطاعه إنتاج شئ آخر سوى الفلسفة؟ أو كيف بمستطاعه مغادرة ميدان الفلسفة في تصوراته عن التاريخ الأنساني؟

وبالفعل ((لم يغادر النقد الألماني، حتى في آخر الجهود التي بذلها، ميدان الفلسفة قط. لكن جميع الأسئلة التي طرحها على نفسه قد انبثقت بلا استثناء، على العكس من ذلك، من أرض نظام فلسفي معين، ألا وهو النظام الهيغلي. وان ثمة تضليلا لا في الأجوبة عن هذه الأسئلة فحسب، بل في الأسئلة في حد ذاتها - كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية)).

أن مادية التاريخ تعني بكل بساطة، أن التاريخ موجود بشكل معطى، فالأمر اذاً، لا يتعلق بتخيله، بل بدراسته، ولكن لا تنظر الفلسفة إليه في سياقه المادي المعطى، في الشروط الواقعية التي أسستها درجة من التقدم الصناعي والعلاقات التجارية، ففيورباخ مثلاً (يتمسك بالنظرية ولا يدرك البشر في سياقهم الاجتماعي المعطى، في شروطهم الحياتية المعطاة التي جعلت منهم ماهم عليه – كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية)، لذلك من الصعب بالنسبة للفلاسفة الوصول إلى البشر إلا من خلال التأملات المجردة، وفيما يخص الألمان بالذات، يقول كارل ماركس:

فالألمان ((لم يكن لهم قط أساس أرضي من أجل التاريخ، الأمر الذي ترتب عليه أنه لم يكن لديهم مؤرخ واحد قط – كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية)).

ومن وجهة نظر المادية التاريخية، لا يمكننا النظر إلى هذا المشهد الألماني، دون النظر إليه من خلال إرتباطه بالتاريخ العالمي، أي بتطور المنتجات، وتبادل الأشياء، والتقدم الصناعي، والعلاقات التجارية، وتكوين السوق العالمية، ودون تطور هذه العلاقات العمومية، لا يمكننا التحقق أصلاً من ميدان المادية التاريخية التي تتأصل من مسرح التاريخ العالمي، وصلة الفلسفة الألمانية التي لا تتجاوز حدودها الألمانية.

((واذا شئنا ان نبين حقارة كل هذه الحركة الهيغلية الفتاة و ضيقها وروحها القومية، وبصورة خاصة التباين المضحك المبكي بين المآثر الفعلية لهؤلاء الابطال وأوهامهم بشأن هذه المآثر بالذات، فان علينا ان ننظر الى المشهد برمته من وجهة نظر تتجاوز الحدود الألمانية - كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية)).

وهكذا، فلم يكن من الممكن دحض الفلسفة الألمانية، دون النظر إلى هذا الفصل من التاريخ الأنساني، في علاقته بتطور الصناعة التي خلق بالفعل، تاريخاً عالمياً، ولم يكن بأمكان البشر، أو ماركس، إذا رجعنا إلى ميدان بحثنا، نقد التاريخ الألماني وفلسفة هيغل وفيورباخ، الا بناءاً على ما وصل إليه بالذات الإنجليز ونظرته المادية التاريخية التي كانت تمثل واقعه التاريخي الخاص، ونعني به الصناعة والعلاقات العالمية، ولم يكن كل هذا ممكناً، دون إنخراط الإنتاج الرأسمالي في أزماته الاقتصادية الدورية، ثم إظهار التناقضات الطبقية التي بدأت بدفع التاريخ بما لا يجتهده الاقتصاد السياسي، أي نحو عالم لا يمكن للفلسفة أو حتى علم برجوازي مثل الاقتصاد السياسي، تصوره، وهو العالم الكوموني.

وفي موضوعنا اللاحق، نتطرق إلى: (تعارض ماركس مع الاقتصاد السياسي)، في أهم الوجوه الأساسية من هذا العلم البرجوازي الذي تعفن مع تعفن الإنتاج الراسمالي.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نجل الزعيم جمال عبد الناصر: بشكر الشعب المصري الحريص على الا


.. مقابلة مع وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي




.. فى ذكرى وفاته.. منزل عبد الناصر بأسيوط شاهد على زيارة الضباط


.. فى ذكرى رحيله.. هنا أصول الزعيم جمال عبد الناصر قرية بنى مر




.. شرطة نيويورك تعتدي على متظاهرين داعمين لفلسطين وتعتقل عددا م