الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروائي العماني محمد العريمي ورحله التفوق على الذات وصولا للإبداع

رحاب الهندي

2009 / 8 / 13
الادب والفن


"مذاق الصبر" محمد العريمي رواية إنسانية تقفز من المحلية للعالمية !!!
حين يبدع مهندس الصناعة في هندسة الأدب !!!
القفز من الإعاقة إلى التصالح مع الذات والمجتمع

كتبت ـ رحاب الهندي:
لم أر كاتبا من قبل ينشر صورته ضاحكا الا محمد عيد العريمي وحين يدقق المرء في الصورة يشعر أن وراء الضحكة الصافية أسرار دفينة تكشف جزءا منها نظراته المملوءة بالبراءة الأقرب للطفولة التي أؤمن تماما أنها لا تغادرنا مهما امتد بنا العمر ومهما عصفت بحيثنا الانواء هذا الكاتب الضاحك في الصورة وجدتني أتحدث معه متسائلة سؤالا غرائبيا لكنه على أية حال من نوع الاسئلة السهلة الممتنعة كان السؤال يراودني لذي العينين الضاحكتين من انت ؟؟؟ سؤال أجاب علية الكاتب المسرحي المبدع الصديق - رحمه الله - سعد الله ونوس بكتاب كامل تناوله أدبيا الروائي المعروف إسماعيل فهد إسماعيل كانت به من السيرة الذاتية الكثير ولن ندخل طبعا في تفاصيل ذلك الكتاب لأننا بصدد الحديث عن منجز إبداعي على مدى ثلاث طبعات ومن المحتمل أن يتحول إلى طبعات أخرى قادمة تثير كل إعجاب واحترام لكينونة هذا الكاتب المبدع وأجدني أقرأ الرواية المعنونة "مذاق الصبر" لأجد بعضا من إجابة سؤالي .
"مذاق الصبر" سيرة ذاتية أو بعض من سيرة ذاتية للكاتب هي درس في الحياة كتبه أستاذ متمكن دون الولوج إلى عالم التوجيه والتأكيد والتدريب والتعليم درس بعيدا عن التقليدية أو بشكل أدق بعيدا عن الشكل الكلاسيكي للأدب اختار فنا قائما بذاته ليقدم درسا في الحياة وهو فن الرواية التي برع فيها بلا تطويل لمجرد التطويل وبلا روافد أو اجنحة لمجرد أن يكون لها أجنحة رواية سلسة سهلة تسرد واقعا عاشه الكاتب بكل آلامه وبأسلوب السرد التشويقي الذي تفتقده كثير من الكتابات وبصراحة وجرأة تثير مزيدا من التقدير والإعجاب والاحترام بدأت الرواية بتوطئه يعترف فيها أن غايته من كتابة حكاية الوجع الذي يسكنه نتيجة العوق هو تقديم تجربته كما عاشها بكل تجلياتها بما فيها من ألم وأمل وفرح وترح ضعف وقوة بغض النظر عن شكل اللغة ومستواها .
لكننا نجد أن ما احتوته الرواية من لغة أدبية راقية تختصر أسلوب السهل الممتنع في كل أرجائها وسيطرته على خيط التشويق في تنامي الصراع الداخلي للشخصية هو أننا أمام رواية من من روايات الأدب الذي يستحق أن يكون عربيا عالميا بكل جدارة فرغم صفحاتها الممتدة وجدتني أفرغ منها في بضع ساعات رغم أني من القارئات المتمهلات في فن القراءة وأتوقف عند مفاصل كثيرة في أي كتاب أقرأه مهما كان نوعه لكن "مذاق الصبر" حملني إلى أجواء إنسانية جعلتني أكملها في جلسة واحدة رغم المتطلبات والضجيج الإنساني من حولي نعم استطاع أسلوب العريمي أن يحملني على أجنحة التشويق والتلهف للقراءة رغم أنه من الواضح ما تقوله الرواية عن حياة إنسان صدمة واقع العوق الجديد في حياته بعد أن كان مفعما بالحب والشباب والأمل وكانت رحلة العوق تحمل في طياتها نوعا جديدا من الحب للحياة والأمل والصبر والحياة من أجل الحياة إنه يؤكد لي كقارئة ما أؤمن به في حياتي أن الإنسان يحمل في داخله كينونة خاصة يختلف بها عن الآخرين تبقى ملتصقة بشخصيته كالبصمات في أصابعه لذا يختلف كل إنسان عن الآخر ليس شكلا وصوتا وبصمات بل بكينونة خاصة وخاصة جدا لا يشبهه فيها أحد رغم الأعداد الهائلة للبشر في كل مكان ورغم الجنسيات والأديان والمذاهب فكلها لايمكن أن تغير من كينونة الإنسان أبدا ّّّّ!!!!
جمل ومصيبة
يسرد العريمي حكايته التي بدأت بحادث أقر أنه اختار حسب ظنه أهون الخسائر فصدم الجمل في الطريق متلافيا أن يصدم الآخرين أو يقع في الوادي فكان أن عانق الجمل سيارته من ظهره فتسبب في حادث أليم بدأ إذن من بداية النهاية لحياة حافلة بالدراسة والعمل والزواج ليبدأ من الولوج للحدث الصدمة إلى بناء كامل في روايته من تعدد الحدث ومساراته في ظل تطور معاناة البطل ودخوله عالم الإعاقة تبدو لنا الشخصية ذات بعدين الأول تلك الشخصية المتماسكة القوية والبعد الثاني تدرج في بوح إنساني عن وعيه لما حوله وما اصابه ومدى قدراته على التعامل كونه أصبح إنسانا مختلفا غير الذي كانه من قبل .
يركز الكاتب في روايته على عملية السرد ضمن تداخل وصفي للأحداث لكن بلا إسهاب غير مبرر فهو يسرد الحدث مع تركيز على معالم الشخصيات بوصف مكثف الهدف منه ليس الوصف بحد ذاته بل كان الوصف عاملا مساندا لطبيعة الحدث الذي واجهه البطل واستمر معه طيلة الرواية .
بطل واقعي
نجد أمامنا بطلا واقعيا بامتياز في صراعه مع القدر بتركيزه على قواه العقلية والفكرية مختلفا بذلك عن البطل الاسطوري الذي غالبا ما يصارع بقوته الجسدية لتكشف لنا أوراق الرواية أن الصراع العقلي في محاربة الواقع الأليم والتحدي لكل ما يواجهه من واقع جديد هو أقوى بالمعنى الإنساني ساردا لنا تعامله مع محيطه الجديد وتكيفه بعد اختلال ميزان الحياة لكفة أخرى ممزوجة بالعذاب والألم مع تنامي الحدث وتطوره بدءا من الحادث إلى بداية رحلة العلاج وعلاقته بكل ما أحاط به من شخصيات واحداث أثناء العلاج .
بوح إنساني
في حكاية البوح المتداخلة في أنحاء الرواية والتي كانت أحد أعمدتها قدم لنا العريمي البطل على بساط من الحقيقة والرقة وعدم الانفعال غير الحقيقي فهو إنسان واقعي في تعامله مع الحدث والشخصيات لم يختبئ وراء أقنعة مزيفة ولم يسرد ما هو أكبر من حجم المأساة ولا أصغر ولم يظهر لنا بطولة مصطنعة تجاوز كل هذا وسرد بأسلوب واقعي كل مادار معه عبر تحول إنساني واقعي بحت من واقع حال إلى واقع حال آخر غير متناس كل من رسم صورة حقيقية للأشخاص من حوله لم يمجد أحدا ولم يسئ لأحد لكنه أسهب في شرح مواقفهم الإنسانية معه بلا رتوش وتوغل أكثر في سبر غور المجتمع بشكل عام في كيفية تعامل هذا المجتمع مع من هم في مثل حالته مشيرا إلى نقد حقيقي لموبقات المجتمع في نظرتهم لمثل هذا الإنسان !!!

شخصيات محورية
رغم تركيز الرواية على سيرة البطل في تتبع حكايته منذ بدء الحادثة وحتى قرار نهاية كتابتها نجد أن الشخصية المحورية الوحيدة هي صاحب القصة ذاتها ومجموعة من الشخصيات تدور في فلكها ليشعر القارئ أن كل شخصية من هذه الشخصيات هي شخصية محورية أخرى أهتمم الكاتب بملامحها وسرد حكاياتها وإن حاول أن لايعمق كثيرا في سرده عن شخصيتين رئيسيتين الأم والزوجة رغم ما كان لهما من أبعاد نفسية كبيرة على شخصية البطل تبقى بقية الشخصيات أبوصلاح شيخ المستشفى أبومشعل وشخصية فال وبول ودج والدكتور هارفي شخصيات حقيقية عايشها البطل وتعامل معها لينقل لنا بعضا من تفاصيلها في حبكة درامية مرتبطة بالمكان والزمان والحدث ولا يمكن أن ننسى في أن الكاتب عرج على الكتابه بشيء ملحوظ عن تلاحم المجتمع الإنساني بداية روايته وهو يتحدث عن أهل بلده صور بنفس الحميمية والإنسانية في التلاحم الإنساني الذي وجده في مجتمع العمل ومجتمع المستشفى.
شخصية مختلفة
هل يحق لنا أن نعتبر أن الكرسي المتحرك وهو أداه جامدة تتحرك بأثر الفعل والأمر شخصية درامية؟؟؟ نعم كان الكرسي المتحرك أحد أهم الركائز في هذه الرواية من حيث نظرة الكاتب إليه واعتباره ركنا مهما وأساسيا في حياته بحيث أن وجود الكرسي وتعامله معه منذ البداية وحتى نظرة الشكر والإمتنان في النهاية تؤكد لنا أهمية ما يعنيه له الكرسي رغم ان تجربته الأولى في الجلوس عليه ( قبل الإصابة) كانت نوعا من الاستخفاف ليس إلا وقد نضيف تجاوزا شخصية السيارة التي كان لها تأثير كبير على نفسية البطل تحمل بعدين الأولى تلك التي تحطمت بفعل الحادث والأخرى التي تدرب على سياقتها ليخرج بها إلى حيث أراد من هنا نستطيع القول ان البطل في سرده لحكايته لم يترك أي مفصل من مفاصل الحياة التي بدأت معه بعد الحادث إلا وذكرها مبينا مدى تأثيرها على تطور شخصيته وتعامله معها بنظرة جديدة بدءا من السيارة إلى سيارة الإسعاف إلى الطائرة حتى الكرسي المتحرك.
علاقات
اهتم الكاتب بتفاصيل العلاقة مع الآخرين على أكثر من صعيد الأهل والزوجة وزملاء العمل وأهل البلد ثم زملاء المرض والإداريين والأطباء والممرضين وأعطى لكل منهم نصيبا من الوصف وتشابك العلاقة بينهم بحيث نستطيع أن نستكشف أن كلا من الشخصيات التي كانت أحد العوامل المساعدة في بناء شخصيته من الممكن أن يكتب عنها رواية خاصة شخصية الزوجة فاطمة التي كان من الممكن للكاتب أن يعطيها أبعادا ومساحة أكبر في سرد حكايته معها ولكنه آثر التكثيف والاختصار لنجد ان وراء كلماته عنها كلمات كثيرة كان في كتابته عنها ولو أوجز بعضا من الصراحة والشفافية وأصبغ عليها رداء البطولة متتبعا رد فعلها الإنساني ورد فعله واحساسه اتجاهها حكاية الحب الرقيق والزواج والوعد الذي لم ينفذ بشهر العسل وموقف الزوجه من إحتضانه والوقوف جانبه لكنه نهاية حول دفة البطولة إلى موقف قرار الإنفصال بحيث تم سرده على عجل ليعلن موت الزوجة بعد عام من الانفصال كقارئه تساءلت هل كان موتها هما من البعاد ؟؟؟ لم يدخل الكاتب بالتفاصيل وأحسبه قاصدا على إسدال الستار دون مزيد من البوح عن حكايته مع الزوجة الحبيبة !.
تصالح
التصالح مع الذات والقدر المكتوب والاتكاء على المصيبة ليقفز منها ليكون إنسانا آخر متصالحا مع مجتمع يتحسس في التعامل معه ويجد لنفسه مكانا آخر لا يبدو مختلفا عن الهندسة العلمية التي تخرج منها وإستمر في العمل بشكل غير ميداني إلى هندسة الأدب الإنساني في روايته هذه أليس بداية الرواية ووسطها ونهايتها في تصالحه مع الكرسي وامتنانه له في نهاية الرواية نوعا من التركيب والتحليل والنتائج كما يفعل المهندسون؟! نعم استطاع العريمي المهندس أن يكون مهندسا في فن السيرة الذاتية بذلك الأسلوب المتتبع لخطوة البداية وحتى الخطوات النهائية مسترجعا الذكرى ما قبل وما بعد الحادثة بأسلوب سلس حاول كثيرا ألايكون مسهبا ولافضفاضا إلا في موقعه وبذلك نجح في أن يقدم رواية إنسانية تصلح في أي زمان ومكان لأنها تعني الإنسان مع تصالحه مع الذات حين يخاصمه القدر .
غياب الحواس لا يعني غياب الإحساس
رغم بساطة هذه الجملة إلا أنها تدل على عبقرية الإبداع ضمن مفهوم فلسفي للحياة أثبت صحتها ومدى فعاليتها مجموعة من العباقرة الذين فقدوا الحواس لكنهم لم يفقدو الإحساس منهم بتهوفن وطه حسين والعريمي ولو جاء هذا الفصل من الرواية بشكل تقريري أكثر منه ترابطا مع سياق الرواية .
ختاما
"مذاق الصبر" سيرة ذاتية صاغها مهندس صناعي أكمل مهامه الهندسية في العمل ليكتب هندسة إبداعية في مجال العمل ولن تكفي الصفحات الممنوحة لنا للتوغل أكثر في تفاصيل الرواية لكننا نختصرها بأنها إنسانية الأبعاد والمعاني وهذا جزء من إبداعها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل